الربيع الذي ولد من رحم ينون

01-02-2012

الربيع الذي ولد من رحم ينون

تحت إدارة اوباما وسعت الولايات المتحدة "الحرب الطويلة" لتصل إلى إفريقيا. و باراك حسين اوباما الذي يسمى " ابن إفريقيا" أضحى فعليا واحدا من أسوأ أعدائها. فإلى جانب دعمه المستمر للدكتاتوريات في إفريقيا، عصف الاضطراب بساحل العاج تحت ناظريه، و صادق البيت الأبيض على تقسيم السودان قبل الاستفتاء، و ازداد عدم الاستقرار في  الصومال و تعرضت  ليبيا لهجوم شرس من الناتو .
و ما الحرب على ليبيا سوى البداية لحلقة جديدة من مغامرات التدخل الخارجي العسكري داخل إفريقيا. فالولايات المتحدة تسعى الآن للمزيد من القواعد العسكرية هناك، و أعلنت فرنسا إنها تملك حق التدخل العسكري في أي مكان في إفريقيا حيث يتعرض مواطنوها  و مصالحها للخطر, و الناتو يعزز من مواقعه في البحر الأحمر و قريبا من شاطئ الصومال.
ومع تسبب هذه الفوضى و الاضطراب باجتثاث إفريقيا من جذورها عن طريق تدخل خارجي، تجلس إسرائيل صامتة في الخلف، بينما تل أبيب في الواقع هي المتورطة بعمق بهذه السلسلة الجديدة من الاضطرابات و المرتبطة بخطة "ينون" الساعية لإعادة تشكيل محيطها الاستراتيجي. و عملية إعادة التشكيل هذه قائمة على تقنيات مؤسسة بشكل جيد لأجل خلق انقسامات طائفية تؤدي في آخر المطاف إلى تحييد الدول المستهدفة أو انحلالها.
و كثير من المشاكل الواقعة في مناطق معاصرة في أوروبا الشرقية، و آسيا الوسطى، و جنوب غرب آسيا و جنوب آسيا و شرق آسيا و إفريقيا و أميركا اللاتينية هي في الواقع حصيلة إثارة متعمدة للتوترات الإقليمية من قبل قوى خارجية. فالنزاع الطائفي، و التوتر الإثني اللغوي، و الاختلافات الدينية و العنف الداخلي أمور اعتادت الولايات المتحدة و بريطانيا و فرنسا استغلالها في مناطق عدة في العالم، و ما العراق و السودان و رواندا و يوغسلافيا سوى أمثلة قليلة عن إستراتيجية "فرق تسد" المستخدمة لإركاع الدول.
و منذ سنوات و هناك من ينادي ب "شرق أوسط جديد" مع إعادة رسم حدود  هذه المنطقة من العالم حيث تلتقي أوروبا و جنوب غرب آسيا و شمال إفريقيا. و هؤلاء المنادون كان معظمهم جالسون في  واشنطن و لندن و باريس و تل أبيب يتخيلون المنطقة مبنية على أساس دول عرقية –دينية , و تشكيل هذه الدول يعني تدمير الدول الأكبر الموجودة في المنطقة, فالتحول سيكون تجاه دول أصغر تشبه الكويت أو البحرين يمكن بسهولة إدارتها و التلاعب بها من قبل الولايات المتحدة و بريطانيا و فرنسا و إسرائيل و حلفائهم.
غير أن خطط إعادة تشكيل الشرق الأوسط سبقت الحرب العالمية الأولى بعدة سنوات. و لكن خلال الحرب ظهرت هذه المخططات الاستعمارية على أنها مع "الثورة العربية الكبرى" ضد الإمبراطورية العثمانية.و رغم أن البريطانيين و الفرنسيين و الايطاليين كانوا قوى استعمارية منعت العرب من ممارسة أية حرية في دول مثل الجزائر و ليبيا و مصر و السودان ، فان هذه القوى تظاهرت بأنها صديقة و مناصرة للتحرر العربي.
و خلال الثورة العربية الكبرى استخدم البريطانيون و الفرنسيون العرب كجنود مشاة ضد العثمانيين لتعزيز مخططهم الجيوسياسي . و اتفاقية سايكس -بيكو السرية بين لندن و باريس تؤكد ذلك, ففرنسا و بريطانيا كانتا تسعيان لاستخدام العرب و التلاعب بهم عن طريق بيعهم فكرة تحرر العرب مما أسموه الاضطهاد العثماني.
وبعد سقوط الإمبراطورية العثمانية ، كانت لندن و باريس هما من أنكر على العرب حريتهم، و زرعوا بذور الشقاق بين الشعوب العربية. و كان الحكام العرب المحليون الفاسدون شركاء في هذا المشروع و أسعد الكثير منهم أن يكونوا عملاء لبريطانيا و فرنسا. و بنفس الطريقة يستغل الربيع العربي اليوم ، فالولايات المتحدة و بريطانيا و فرنسا و آخرون يعملون بمساعدة القادة العرب الفاسدين لأجل إعادة صياغة العالم العربي و إفريقيا.
و لكن ما هي خطة ينون؟
إنها استمرار للخدعة البريطانية في الشرق الأوسط، و هي خطة إسرائيلية إستراتيجية لضمان تفوق إسرائيل. تؤكد أن على إسرائيل إعادة تشكيل بيئتها الجيوسياسية عبر بلقنة الشرق الأوسط و الدول العربية و تحويلها إلى دول أضعف و أصغر.
و اعتبر الإستراتيجيون الإسرائيليون العراق أكبر تحد استراتيجي من الدول العربية. و لهذا كان في مركز عملية بلقنة الشرق الأوسط و العالم العربي. ففي العراق ، و بناءا على مفاهيم خطة ينون، طالب الإستراتيجيون الإسرائيليون بالتقسيم  إلى دولة كردية و دولتين عربيتين إحداهما سنية و الأخرى شيعية، و الخطوة الأولى تجاه القيام بذلك كانت في حرب بين العراق و إيران و التي ناقشتها خطة ينون.
و في عام 2008 قامت The Atlantic  ، بعد أن سبقتها Armed Forces Journal بعامين، بنشر خرائط تتبع خطوط ينون. فإلى جانب تقسيم العراق، و الذي دعت له أيضا خطة بيدن، طالبت ينون بتقسيم لبنان و مصر و سوريه. و تجزئة إيران و تركيا و الصومال و باكستان تدخل أيضا ضمن هذه الرؤية. و كذلك دعت خطة ينون إلى حل شمال إفريقيا و تنبأت أن تكون البداية من مصر ليتبعها السودان و ليبيا و بقية المنطقة.
مسيحيو المشرق:
لم تكن صدفة أن يهاجم المسيحيون المصريون أثناء انفصال جنوب السودان و قبل أزمة ليبيا. وما كانت صدفة أن يجبر المسيحيون العراقيون، الذين يؤلفون واحدة من أقدم الجاليات في العالم، على ترك أرض أجدادهم في العراق . فتزامنا مع  رحيل العراقيين المسيحيين، تحت أعين القوات العسكرية الأميركية و البريطانية ، أضحت الأحياء في بغداد مقسمة طائفيا . و كل هذا مرتبط بخطة ينون الإسرائيلية الإستراتيجية.
و في إيران ، يحاول الإسرائيليون عبثا دفع اليهود الإيرانيين للرحيل. و يشكل اليهود في إيران ثاني أعلى تعداد لليهود في الشرق الأوسط و بلا شك هم أكثر الجاليات اليهودية هدوءا في العالم. و يعتبر الإيرانيون اليهود أنفسهم إيرانيين مرتبطين بوطنهم إيران تماما كحال المسلمين و المسيحيين الإيرانيين و بالنسبة لهم تبدو فكرة انتقالهم لإسرائيل لمجرد أنهم يهود سخيفة.
و في لبنان تعمل إسرائيل على تصعيد التوتر بين الطوائف المسيحية و الإسلامية المتعددة . و لبنان هي نقطة الانطلاق لسورية و تقسيمه إلى عدة دول هو طريقة لبلقنة سورية و تحويلها إلى عدة دول صغيرة طائفية. فأهداف خطة ينون هي تقسيم لبنان و سورية إلى عدة دول على أساس الهويات الدينية و الطائفية و ربما توجد نوايا بإبعاد المسيحيين السوريين أيضا.
الرئيس الجديد للكنيسة المارونية السريانية ، و هي الأكبر بين الكنائس الشرقية الكاثولوكية المستقلة، عبر عن مخاوفه من إزالة العرب المسيحيين من المشرق و الشرق الأوسط. فالبطريارك مار بشارة بطرس الراعي و الكثير من الزعماء المسيحيين في لبنان و سورية يخشون من سيطرة الأخوان المسلمين على سورية . و كما في العراق، تقوم جماعات غامضة اليوم بمهاجمة الجاليات المسيحية في سورية.و كذلك عبر مسؤولو الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية  بما فيهم بطريارك الأرثوذكس الشرقيين في القدس عن قلقهم. و يشارك المسيحيين العرب في مخاوفهم الجاليات المسيحية الآشورية و الأرمنية.
و مع زيارة  البطريارك الراعي حديثا لباريس وردت تقارير حول خلاف بينه و بين الرئيس ساركوزي حول سورية.إذ كان رأي البطريارك أن سورية يجب أن تترك و شأنها و السماح بالإصلاحات، كما و أخبر ساركوزي بأنه يجب التعامل مع إسرائيل كتهديد إذا كانت فرنسا تريد نزع سلاح حزب الله.و هكذا يتعرض الراعي اليوم لهجوم سياسي من قبل تحالف 14 آذار بقيادة الحريري بسبب موقفه العقلاني من حزب الله و رفضه دعم إسقاط الحكومة السورية.كما و ذكر أن مسؤولين أميركيين ألغوا لقاءات مع البطريارك كإشارة لعدم الرضا عن مواقفه.
وتحالف 14 آذار بقيادة الحريري، كان يعمل يدا بيد مع الولايات المتحدة و إسرائيل و بعض الدول العربية و المجموعات التي تستخدم العنف و الإرهاب في سورية. و يوجد تعاون و محادثات سرية بين الأخوان المسلمين وما يسمى المجموعات السلفية في سورية من جهة و الحريري و أحزاب سياسية مسيحية في 14 آذار من جهة أخرى. و لهذا السبب انقلب الحريري و حلفاؤه على الكاردينال الراعي. فالحريري و  14 آذار من جلب فتح الإسلام إلى لبنان و يساعد الآن أفراد منه في الهروب و القتال في سورية.
و تم التخطيط لتهجير مسيحي الشرق الأوسط من قبل واشنطن و تل أبيب و بروكسل. و ذكرت الأنباء أن نيكولاس ساركوزي أخبر البطرك الراعي في باريس بإمكانية استقرار الجاليات المسيحية في المشرق و الشرق الأوسط في الإتحاد الأوروبي، و هو ليس بالعرض السخي، بل انه صفعة على الوجه من قبل نفس القوى التي قامت عمدا  بخلق الظروف لأجل استئصال المسيحيين من الشرق الأوسط. و الهدف هو إعادة استقرار المجموعات المسيحية خارج المنطقة و بذلك توصف الدول العربية  بأنها إسلامية حصريا. و هذا يتوافق تماما  مع  خطة ينون.
افريقيا:

مع التخطيط لأجل التقسيم الطائفي للشرق الأوسط، عمل الإسرائيليون أيضاً لإعادة تشكيل إفريقيا. فخطة ( ينون) تسعى لرسم إفريقيا على أسس ثلاثة: الأول اثني لغوي و الثاني لون البشرة و الثالث الدين. و هي تهدف إلى التفريق بين ما يسمى الأفارقة السود و بين ما يزعم أنهم غير سود في شمال إفريقيا. و هذا جزء من خطة خلق شقاق في إفريقيا بين ما يفترض أنهم عرب و بين ما يسمون السود. و المحاولات جارية لفصل الهوية العربية عن الإفريقية.و لهذا السبب تم تعزيز الهويتين المضحكتين (جنوب السودان الإفريقي) و (شمال السودان العربي) . و لهذا أيضاً تم استهداف الليبيين ذوي البشرة السوداء في حملة (تطهير لون) ليبيا. فالهوية العربية في شمال إفريقيا تفصل عن هويتها الإفريقية. و بنفس الوقت تجري محاولة لاجتثاث تعداد كبير من العرب ذوي البشرة السوداء و بذلك يكون هناك خط واضح بين الأفارقة السود و أولئك الجدد غير السود في شمال إفريقيا، ما سيسفر عن حرب بين ما تبقى من البربر غير السود و بين العرب.‏
و في السياق نفسه تثار التوترات بين المسلمين و المسيحيين في إفريقيا ، مثل السودان و نيجيريا لخلق المزيد من التمزق، و إضرام النار في هذه الانقسامات على أساس لون البشرة و الدين و العرق و اللغة يهدف لتعزيز الانفصال و الخلاف في القارة. و هذا كله جزء من استراتيجية أوسع لفصل شمال إفريقيا عن بقية القارة الإفريقية.‏
و منذ سنوات و إسرائيل تتدخل بهدوء في القارة الإفريقية. ففي الصحراء الغربية، الواقعة تحت سيطرة المغرب العربي، ساعد الإسرائيليون في بناء جدار فصل يشبه ذاك الذي في الضفة الغربية المحتلة من قبل إسرائيل. و في السودان، سلحت تل أبيب الحركات الانفصالية و المتمردين. و في جنوب إفريقيا دعم الإسرائيليون حكومة الفصل العنصري و احتلالها لناميبيا . و عام 2009 قال وزير الخارجية الإسرائيلي إن تل أبيب ستجدد التركيز على إفريقيا.‏
و هدفا إسرائيل الرئيسيان في إفريقيا هما تطبيق خطة «ينون» بما يتناسب مع مصالحها، و مساعدة واشنطن لتغدو المهيمنة هناك.‏
و أوكلت واشنطن الأعمال الاستخبارية في إفريقيا إلى تل أبيب. و الأخيرة متورطة بشكل مؤثر كواحدة من الأطراف في حرب واسعة لا داخل إفريقيا فحسب بل أيضا “على” إفريقيا.و في هذه الحرب تعمل تل أبيب إلى جانب واشنطن و الاتحاد الأوروبي ضد الصين و حلفائها بما فيهم إيران. فالأخيرة تساعد الصين في إفريقيا عبر العلاقات و الارتباطات الإيرانية هناك و التي تضم علاقات مع رجال أعمال لبنانيين و سوريين. و هكذا ، و ضمن المنافسة الأوسع بين واشنطن و بكين في إفريقيا، توجد أخرى بين إسرائيل و إيران. و السودان هي ثالث دولة ،افريقية في مجال إنتاج السلاح نتيجة للدعم الإيراني في صناعة السلاح، و بنفس الوقت توفر إيران المساعدة العسكرية للخرطوم و التي تتضمن العديد من اتفاقيات التعاون العسكري بينما إسرائيل متورطة في أعمال ضد السودان.‏
أما ليبيا فقد كانت (المفسدة) لمصالح القوى الاستعمارية السابقة في إفريقيا. اذ كانت تمضي في خطط تطوير ضخمة عبر إفريقيا ترمي إلى تحويل القارة إلى دول صناعية و كيان سياسي قوي موحد.‏
و هذه المبادرات كانت تتعارض و مصالح القوى الخارجية المتنافسة على افريقيا و كانت مرفوضة بشكل خاص من واشنطن و الدول الأساسية في الاتحاد الأوروبي. و لهذا كان لابد من شل ليبيا و تعطيل عملها ككيان داعم للتقدم الأفريقي و الوحدة عبر القارة.‏
و كان دور إسرائيل و اللوبي الاسرائيلي أساسياً في فتح الباب لأجل التدخل العسكري للناتو في ليبيا. و وفقاً لمصادر اسرائيلية، كانت يو.ان. ووتش من قامت فعليا بقيادة الأحداث في جنيف لإزالة ليبيا من مجلس حقوق الإنسان و طلب تدخل مجلس الأمن.و ووتش مرتبطة باللجنة اليهودية الأميركية(AJC) ، و التي كان لها التأثير على صياغة السياسة الأميركية الخارجية كما أنها جزء من اللوبي الاسرائيلي في الولايات المتحدة. و المنظمة الدولية لحقوق الإنسان(FIDH) التي ساعدت في نشر الادعاءات غير الموثقة حول مقتل ستة آلاف شخص من قبل القذافي ترتبط أيضا باللوبي الإسرائيلي في فرنسا.‏
و كانت تل أبيب على اتصال مع المجلس الانتقالي و الحكومة الليبية في طرابلس في نفس الوقت. و وجد عملاء للموساد في طرابلس بينما كان أعضاء فرنسيون من اللوبي الإسرائيلي يزورون بنغازي.و من سخرية القدر أن المجلس الانتقالي، و بينما كان يدّعي تعامل القذافي مع إسرائيل، تعهد بالاعتراف بإسرائيل أمام مبعوث الرئيس ساركوزي و الذي قام بدوره بتوصيل الرسالة إلى القادة الإسرائيليين. و حصل نموذج مشابه لهذا في جنوب السودان الذي سلّح من قبل اسرائيل.‏
و في الواقع إسرائيل و الناتو في نفس المعسكر و ما إسرائيل في الواقع سوى عضو من الناتو، و في حال كان القذافي يتآمر مع اسرائيل بينما المجلس الانتقالي يعمل مع الناتو فهذا يعني أن الجانبين كان يتلاعب بهما كأغبياء ضد بعضهما البعض.‏
صراع الحضارات مر ة ثانية:
في المرحلة الحالية يجب وضع النقاط على الحروف و القول بأن رقعة الشطرنج جهزت لأجل(صراع الحضارات) و كل القطع وضعت في أمكنتها.فالعالم العربي يخضع وفقا لخطة ينون الإسرائيلية الإستراتيجية لعملية تطويق و ترسم خطوط فصل حادة بين المجموعات العرقية و الدينية و الاثنية اللغوية المختلفة. و وفقا لهذا المخطط لن يكون هناك اختلاط بين المجتمعات و البلدان. و لهذا يستهدف المسيحيون في الشرق الأوسط و شمال افريقيا .و هذا هو أيضا سبب المذبحة الجماعية التي يواجهها العرب و البربر ذوو البشرة السوداء و مجموعات أخرى ذات بشرة سوداء في شمال افريقية . فالمقصود خلق منطقة تضم "شرق أوسط مسلم" (باستثناء إسرائيل) و تكون المنطقة في حالة اضطراب بسبب القتال بين السنة و الشيعة. و يطور سيناريو مشابه لخلق منطقة"شمال إفريقيا غير سوداء"  تتميز بصراع بين  العرب و البربر.و وفقا لنموذج صراع الحضارات ، تم التخطيط ليكون الشرق الأوسط و شمال افريقيا في صراع مع ما يسمى الغرب و افريقيا السوداء.و لهذا قام كل من نيكولاس ساركوزي في فرنسا و دايفيد كاميرون في بريطانيا بالإدلاء بتصريحات متتابعة  مع بداية الصرع في ليبيا تقول بأن التعددية الثقافية ماتت في مجتمعاتهم الأوربية الغربية  ذات الخصوصية.
فالتعددية الثقافية الحقيقية تهدد شرعية أجندة حروب الناتو,كما و تشكل عقبة في طريق تعزيز "صراع الحضارات" الذي يعتبر حجر الزاوية في سياسة الولايات المتحدة الخارجية.و في هذا السياق يشرح زبيغنيو برزيزينسكي ، مستشار الأمن القومي السابق في الولايات المتحدة، لماذا تعتبر التعددية الثقافية تهديدا لواشنطن و حلفائها فيقول: (أميركا تغدو أكثر فأكثر مجتمعا متعدد الثقافات، و هذا يفاقم من  صعوبة التوصل الى اجماع بخصوص شؤون السياسة الخارجية (مثل حرب مع العالم العربي أو ايران او الصين أو روسية و الاتحاد السوفييتي السابق) باستثناء الحالات التي تتصف بتهديد خارجي مباشر يدرك بشكل حقيقي و واسع. و إجماع كهذا كان خلال الحرب العالمية الثانية بل و حتى خلال الحرب الباردة ( و وجد اليوم بسبب الحرب العالمية ضد الإرهاب) .أما عبارة برزيزينسكي  التالية فهي معيار يحدد  لماذا على الشعب معارضة أو تاييد الحرب اذ يقول:( غير أن الاجماع ليس متأصلا فقط  في القيم الديمقراطية المتشاركة بعمق، و التي يسود شعور عام بأنها مهددة، بل و أيضا في   الارتباط الثقافي  و الاثني  مع ضحايا  الاستبدادية العدائية من الأوربيين).و يجب أن نذكر ثانية أن هذا مع النية بكسر تلك الارتباطات الثقافية بين منطقة الشرق الأوسط و شمال افريقيا من جهة و بين ما يسمى العالم الغربي و جنوب الصحراء الكبرى من جهة أخرى عن طريق استهداف المسيحيين و  ذوي البشرة السوداء.
لقد عملت القوى الاستعمارية الأوربية الغربية في الماضي على   تلقين شعوبها، و كان هدفها الحصول على دعم شعبي للغزو الاستعماري. و أخذ التلقين شكل اقناعهم بأنهم يقومون بنشر المسيحية و تعزيز قيمها بدعم من تجار أسلحة و جيوش استعمارية.
و بنفس الوقت سادت ايديولوجيات عنصرية تصور الشعوب التي تستعمر أراضيها بأنهم دون البشر ،أدنى درجة أو بليدين ، و في المحصلة تستخدم حجة أنه من واجب الرجل الأبيض المضي في حملة لتحضير شعوب العالم غير الحضارية.و هذا الاطار الايديولوجي المتماسك يستخدم لتصوير الاستعمار على أنه "قضية عادلة" و وسيلة لفتح و تمدين أراض أجنبية. 
و اليوم لم تتغير المخططات الامبريالية للولايات المتحدة و بريطانيا و فرنسا و ألمانيا. و الذي تغير هي الحجج و التبريرات لشن حروبهم الاستعمارية الجديدة . فخلال الفترة الاستعمارية كانت الروايات و الذرائع لأجل شن الحرب مقبولة من قبل الرأي العام في الدول المستعمرة  مثل بريطانيا و فرنسا. و اليوم تشن ما تسمى الحروب "العادلة" و القضايا "العادلة" تحت رايات مثل حقوق المرأة ، حقوق الانسان ، الاحسان و الديمقراطية.


بقلم مهدي داريوز نازيمروايا: عالم اجتماع و باحث في مركز أبحاث العولمة في مونتريال
عن موقع Dissident Voice

الجمل- ترجمة رنده القاسم

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...