لهب على قمة قاسيون

09-05-2013

لهب على قمة قاسيون

الجمل ـ بشار بشير : بكل المقاييس، الأزمة السورية هي حرب عالمية، ثالثة رابعة لا يهم الرقم . هي حرب عالمية و لتحليل بعض معطياتها من المفيد العودة للحروب العالمية التي سبقتها لنتعلم من دروس الحرب .

الغارة هي هجوم صغير سريع ومحدد الهدف عُرف منذ أن بدأ الإنسان يشكل جماعات. و الغارة الجوية هي شكل حديث من الغارات بدأ مع إختراع الطيارة وإستعمالها كسلاح وهذا حصل في الحرب العالمية الأولى حيث كان هذا السلاح بدائياً ولم يستطع أن يحقق أي نتائج كبيرة تؤثر على سير المعارك فما بالك بالحرب .

في الحرب العالمية الثانية كان سلاح الطيران قد تطور و تضخم عددياً ونوعياً وأصبحت مشاركته في المعارك أساسية ولكن، هل كان له دور حاسم في المعارك ؟ يمكن القول أن دوره التدميري كبير، ودوره التمهيدي لدخول الأسلحة الأخرى إلى ساحة المعركة كبير، ودوره في إيصال الرسائل ( ليس بالمعنى البريدي بل السياسي ) كبير . ولكن لم يحصل أن حسم سلاح الطيران لوحده معركة فما بالك بغارة واحدة ,هل يمكن أن تحسم معركة أو أن تسبب ضرراً عسكرياً يغير في موازين القوى ؟ لنرى : لعل أضخم وأهم غارة (جوية أو برية ) حصلت في التاريخ هي غارة لقاذفة أميركية على مدينة هيروشيما عام 1945وهي الغارة المعروفة للجميع بأنها الغارة الأولى والوحيدة التي أستعملت سلاحاً نووياً. ورغم أنها غارة من طائرة واحدة إلا أنها أستطاعت محو مدينة كاملة بمن فيها من على سطح الكوكب خلال ثوان . غارة مهولة أحدثت دماراً يفوق الخيال . ولكن هل حسمت الحرب أو غيرت في موازين القوى ؟ لا فاليابان كانت قد هُزمت قبل الغارة والنقاش كان يدور بين قادتها حول الطريقة الأنسب للإستسلام لأميركا مع حفظ بعض الكرامة فأتت الغارة النووية لإيصال رسالة ( أحد أدوار سلاح الطيران إيصاال الرسائل السياسية ) وهي هنا في الحقيقة رسالتين الأولى للعالم أجمع وهي أن أميركا بإمتلاكها للقنبلة النووية أصبحت أقوى أمبراطورية في التاريخ لأنه لم يسبق لبشر أن امتلك سلاحاً فتاكاً كهذا وخاصة أن أحداً سواها لا يمتلكه وهي كانت تخطط لكي لايمتلكه أحد غيرها أبداً .. هذه الرسالة الأولى، والرسالة الثانية كانت لليابان وهي : غير مسموح النقاش بموضوع الإستسلام، فالمطلوب إستسلام فوري ومهين يُظهر القوة والسطوة الأميركية ويعطي أميركا ثأرها مما سببته لها اليابان خلال الحرب . إذاً أضخم غارة في التاريخ لم تغير فعلياً في مجرى الحرب بل كانت عبارة عن رسالة وإنما بطريقة لايمكن إلا الإستجابة لها .

هل هناك غارات أخرى مهمة في التاريخ , هناك غارة نفذتها بريطانيا ضد ألمانيا خلال الحرب دمرت خلالها أحد السدود الكبرى بقنبلة تم تطويرها خصيصاً لتستطيع تصديع جسم سد والتسبب بإنهياره وقد نجحت بذلك وأدى إنهيار السد لإغراق المدينة المجاورة له (أرجو عذري لأني نسيت أسم السد واسم المدينة ) . إذاً غارة جوية أدت لضرر هائل ولكن لم تؤدي لأي نتائج عسكرية على الصعيد الإستراتيجي . حتى الغارات ( أؤكد على الجمع لأنها كانت تعد بالألوف ) التي نفذتها ألوف طائرات الحلفاء ( كانت تشارك أحياناً بالغارة الواحدة ثلاثة آلاف طائرة ) على المدن الألمانية لم تكن نتيجتها الحسم كانت تمهيدا للمعارك الكبرى الحاسمة أو يمكن القول أنها كانت جزءاً منها . يمكن أيضاً ذكر غارات الصواريخ الألمانية على لندن التي رغم أثرها النفسي والتدميري الكبير نظراً لإستعمالها سلاحاً لم يكن معروفاً وقتها , إلا أنها لم تؤد إلى نتائج على صعيد الحرب بإستثناء إيصال رسالة أن العلماء الألمان متفوقون على نظرائهم الأوروبيون والأمريكان ( مما أدى بعد نهاية الحرب إلى سعي كل البلدان المنتصرة للحصول على هؤلاء العلماء ) .

خارج الحروب العالمية هناك غارة أخذت نصيباً مهماً وكبيراً من الدعاية يفوق حجمها بكثير وهي غارة للأسف حصلت في منطقتنا , هي مجموعة غارات العدو الإسرائيلي على المطارات والطائرات العربية صباح حرب حزيران 1967 والتي نجحت في تدمير جزء كبير من سلاحي الجو المصري والسوري مما حرم جيشي البلدين من الغطاء الجوي أثناء الحرب وأعطى إسرائيل تفوقاً كبيراً. حتى هذه الغارات لم تكن نتائجها لتكون حاسمة على صعيد الحرب لولا التعقيدات الشديدة والكثيرة التي سبقت ورافقت تلك الحرب والتي لا مجال لذكرها هنا .

هذا بعض من تاريخ سلاح الطيران هو سلاح هام جداً و فعال جداً و مفيد لأقصى درجة تكتيكياً لكنه غير قادر على صنع تغييرات إستراتيجية . هل تغير هذا الواقع الآن ؟ لا يمكنني إعطاء رأي شخصي وخاصة أصورة وزعتها وكالة «سانا» الاحد الماضي لموقع الغارة الاسرائيلية قرب دمشق ٠(ا ب) ني لست خبيراً عسكرياً ولكن يمكنني ذكر بعض الوقائع , هل استطاع سلاح الجو والغارات الجوية على أفغانستان أن تؤدي لحسم عسكري في هذا البلد وهل كانت الغارات كافية لتحقيق أهداف االدول المعتدية ؟ لا والدليل هو إضطرار هذه البلدان لإرسال قواتها العسكرية على الأرض لتحقق الأهدافالمطلوبة(اللهم إن حققتها ) هذا رغم أن سلاح الطيران والغارات التي نُفذت على أفغانستان هي الأكثر تطوراً و دقة بالتاريخ . نفس الوضع ينسحب على العراق الذي شُنت عليه آلاف الغارات كانت كلها تحضيراً للحرب العالمية التي أدت لإحتلاله ولم تكن وحدها كافية (مهما كثرت ومهما استعملت قذائف متطورة ) لحسم الحرب. مئات الطائرات و آلاف الغارات أدت إلى أضرار جسيمة ولكن مشهد الحسم كان من نصيب دبابة واحدة أسقطت تمثال صدام في وسط بغداد.

نصل لبيت القصيد الغارة الإسرائيلية على جمرايا قرب دمشق . هل ورد لتفكير أحد في إسرائيل أن هذه الغارة سيكون لها نتيجة ما على سير المعركة في سورية ؟ لا يمكن هذا فما هو مذكور في هذا المقال يعرفة كل ضابط عسكري , الكل يعرفون أن ما من غارة واحدة يمكن أن تغير سير معركة أو حرب , إذا لماذا هذه الغارة ؟ هي على الأغلب رسالة أو عدة رسائل , واحدة لأدواتها التي تقاتل في الداخل السوري تقول لهم أنا معكم فاستمروا " بالإنتحار " والثانية لسورية وحلفائها وهي أن إسرائيل لازالت طويلة اليد و أنها لازالت القوة الأعظم في المنطقة التي لاتخشى أحداً . أما الرسالة الأولى فوصلت لأصحابها , وأما الثانية فكيف يمكن فهمها ؟

ضمن مناخ عالمي مؤيد بشكل عام لإسرائيل وضمن ظروف تتحكم بها أزمة خطيرة تتخبط أكثر دول العالم تجاهها يمكن لإسرائيل أن تصطاد في هذا العكر لتحقق بعضاً من أهدافها أو لتوصل رسائل قوية وهي مطمئنة إلى حد كبير إلى إفلاتها من الرد الآني , لكن في التحليل يظهر خوف إسرائيل الذي يدفعها إلى إجراءات يمكن وصفها باليائسة مثل غارة جمرايا فنتائج الأزمة والحرب على سورية بدأت تظهر وهي عكس مااشتهت إسرائيل، و الميزان الإستراتيجي إقليمياً اتضح ميلانه لصالح المعسكر المناهض للدولة المسخ التي لم يبق أمامها إلا النفخ في جثة عملائها علهم يصدون عنها ماهو آت , والنفخ في عضلاتها علها توهم من هم على علم بحقيقة ضعفها أنها لاتزال قوية وقادرة وغير هيابة وذلك عبر ضربة قد تؤلم وقد تؤخر برنامجاً ما ولكنها بالتأكيد غير قاتلة , لا بأس من الإعتراف هنا أن الإسرائيليين خبراء بإستغلال الظروف لإظهار إمكاناتهم بأضخم شكل ممكن . ولكن هل ستقصم هذه الغارة أو أي غارة ظهر سورية هل ستحرف أو ستفرمل هذه الغارة أو أي غارة سورية عن المضي في طريق قناعاتها ؟ الجواب يأتي من التاريخ على لسان قائد الأسطول الياباني الذي دمر الأسطول الأميركي في بيرل هاربور عندما زف له ضباطه خبر النجاح الساحق لغارات أسطوله قال : أخشى أن نكون قد أيقظنا تنيناً نائماً.

السؤال الذي يجب أن يطرح هنا هو لماذا تخاطر إسرائيل بمواقف إستراتيجية مقابل غارة ؟ أي لماذا تغامر إسرائيل بتحريك جبهة الجولان ولماذا تغامر برد قد يكون تدميري لدرجة لا تحتملها ويفتح الباب أمام إحتمالات خطيرة عليها وعلى المنطقة . هل هي دراسة دقيقة للظروف واستغلال لها ؟ أم هي حركة يائسة تشبه رمي السهم الأخير في الجعبة ؟ أم هل هي لتشجيع أو لتوريط دول أخرى بموضوع الضربات الجوية والحظر الجوي ؟ أم هل هي إستعراض للحصول على توكيل دولي لتوَلّي موضوع الضربات والحظر ؟ الإحتمالات كثيرة ولكنها كلها تبقى في مجال وظائف الغارات إما التمهيد لما سيأتي بعدها أو إيصال الرسائل ( تضيف إسرائيل دائماً وظيفة أخرى للغارات وهي تظهير قدرتها على العربدة ) وهذا عين ما يؤكد صوابية الموقف السوري بعدم الرد المتسرع فإذا كانت هذه الغارة تمهيدية فالرد يكون على ما تمهد له، وإذا كانت رسالة فالرد يجب أن يتحيَّن الظرف المناسب كما فعلت هي بإستغلال ظرف مناسب لها , أما العربدة فلا يُرد عليها بالرعونة . كل هذه الإحتمالات تتطلب في النهاية الرد والذي يجب أن يحصل كنتيجة لهذه الإحتمالات ولسبب آخر جوهري وهو الحفاظ على الكرامة الوطنية . وهنا لايجب أن يجرفنا الحماس فالرد ليس بالضرورة أن يكون من جنس االرسالة فخيارات الرد واسعة ويمكن لسورية إنتقاء ما يناسبها , هذا إذا لم يكن في الكواليس ماخفي علينا فالإحتمال قائم أن تكون سورية قد أرسلت رسالة وهذه الغارة هي الرد عليها.

نعود للغارات الجوية لنقول أن القوى العظمى وتحديداً أميركا وروسيا قد حاولتا تحويل الغارات إلى سلاح إستراتيجي يحسم المعارك والحروب وذلك عبر القاذفات والصواريخ النووية الإستراتيجية التي تتمتع بقدرات تدميرية هائلة قادرة على مسح دول كاملة عن الخريطة وهذه قدرات لا تتوفر حالياً لدول غيرهما وهي لم توضع فعلياً موضع الإختبار وترجوا البشرية كلها أن لاتوضع.

هل هناك شواذ لقانون الغارات ؟ نعم هناك حالة واحدة أو دولة واحدة في العالم يمكن لمجموعة من الغارات الكلاسيكية أن تحدث تحولاً أو تغييراً إستراتيجياً بها هي إسرائيل فهذه الدولة هشة داخلياً لدرجة تجعلها غير قادرة على تحمل أي تدمير مهم يصيب سكانها أو مبانيها مما يفتح الباب واسعاً للغارات الجوية والصاروخية لإحداث نتائج حاسمة و إستراتيجية في المعارك والحروب معها . هذا لا يعني أنها ضعيفة وهذا لا ينسخ قدرتها النووية الرادعة ولكن في المحصلة الأخيرة يمكن لغارات جوية وصاروخية إما حسم المعارك أو إحداث تأثير إستراتيجي حاسم في دولة واحدة هي إسرائيل . رحم الله حافظ الأسد لقد أسماه التوازن الإستراتيجي وقد عرفنا فيما بعد أن جزءاً مهماً من هذا التوازن قائم على السلاح الصاروخي السوري ونعرف الآن أن هذا التوازن الإستراتيجي يسير نحو التحول إلى النصرالإستراتيجي وهذه المسيرة لا يمكن أن تعطلها غارة سواء كانت بطائرات إسرائيلية أو بعصابات داخلية .

الجمل

التعليقات

تحليل مقنع واستفدت منه وأضاف لمعلوماتي معلومات اخرى --- واقول ك- ان اي حرب في العالم قادمة وفي المنطقة هنا تحسمها الصواريخ والصواريخ فقط بالمعنى التدميري والله اسرائيل لا تتحمل عشر صواريخ بما سينتج من قتلى تنهي اسرائيل -- وقلت في 7 - 5 - 2013 م للدكتور علي اكبر صالحي في عمان ان الكيان الصهيوني ورغم امتلاكه لترسانة نووية واسلحة اخرى متطورة الا انه ليس دولة اقليمية مثل سورية وايران وتركيا ولم يعد فيه ككيان صهيوني قادة بالمعنى التاريخي --- لذلك عليكم وعلينا المحافظة على سورية ونسقها السياسي . شكرا لكم اخي الكاتب وشكرا لموقع الجمل المؤثر والذي اعاد ومنذ سنوات انتاجي الفكري من جديد لما ينشره ويترجمه --- وارجو ان نكون على نواصل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...