«نجاح هوليوودي» لسفينة الصواريخ .. وإيران تسخر
في الوقت الذي تحاول فيه إسرائيل إضفاء طابع احتفالي على عملية احتجاز سفينة «كلوس سي» في عرض البحر الاحمر وتعتبرها إنجازا هائلا، فإنها لا تخفي حقيقة استهدافها لإيران أكثر من سواها في هذه المسألة. ولم يتورع وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان عن تناول هذه المسألة في لقائه مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في العاصمة الإيطالية روما أمس، مشددا على أن الصواريخ سورية الصنع. وبعدما أعلنت إسرائيل أن الصواريخ موجهة إلى حركتي حماس والجهاد الإسلامي، عادت لتشدد على أنها موجهة إلى «الجهاد» بقصد تعزيز قدرات هذه الحركة بشكل جوهري.
في هذا الوقت، سخر وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف من «المصادفة غير المعقولة» بين إعلان الجيش الإسرائيلي اعتراض السفينة وزيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى الولايات المتحدة.
وقال ظريف، عبر «تويتر»، «سفينة إيرانية تنقل أسلحة إلى غزة. تضبط في الوقت المناسب تزامنا مع الحملة السنوية المناهضة لإيران في ايباك»، مضيفاً «ما هذه المصادفة غير المعقولة! دائما الأكاذيب نفسها».
وأعلن رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الجنرال أفيف كوخافي، أمس، أنّ «الحرس الثوري الإيراني» ضالع في عملية تهريب السلاح الكبيرة التي أحبطت على سفينة «كلوس سي» في طريقها من إيران إلى غزة. ووجه كوخافي إصبع اتهام مباشر لإيران، قائلا «إننا نتسلح بسلسلة طويلة من الشهادات التي تعزز وتجرم إيران لعلاقتها بالقضية». وأضاف «بوسعنا القول إنّ من يقف خلف السفينة هم الحرس الثوري الإيراني وقوة القدس على وجه الخصوص». واعتبر ذلك مثالا آخر على نشاط إيران الواسع في المنطقة، قائلا إنّ «هدف العملية هو زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط، ودعم منظمات الإرهاب في كل الجبهات ـ حزب الله في لبنان، سوريا، العراق، البحرين، اليمن، ليبيا وقطاع غزة ـ المتجهة إليه الصواريخ».
وأشاعت الاستخبارات الإسرائيلية أنّ ضبط السفينة يعتبر واحدة من أقسى الضربات الموجهة لـ«فيلق القدس» في «الحرس الثوري» الذي أدار العملية. وترى أن «فيلق القدس»، القوة التي تتباهى بسريتها ستعمد بعد كشف السفينة إلى مراجعة نفسها لاكتشاف أين تسربت المعلومات. بل حاولت أن تلعب على وتر جديد بالتلميح إلى وجود خلافات بين قيادة «الحرس الثوري» والرئيس الإيراني حسن روحاني وأن عملية جمع المعلومات كانت مشتركة بين الإسرائيليين والأميركيين.
وأشار قائد في البحرية الإسرائيلية إلى أنّ السفينة أوقفت بعدما أنذرتها سفينتا صواريخ إسرائيليتان بالتوقف، وهو ما سهل السيطرة عليها من دون مقاومة. وقد أبلغت إسرائيل تركيا بالأمر نظرا إلى أنّ قبطان السفينة تركي وهو مثل طاقم السفينة لم يكن يعلم بوجود سلاح على متنها.
وقد التقى ليبرمان مع لافروف، أمس، بعدما أجبرت أميركا إسرائيل على إدانة الخطوة الروسية في شبه جزيرة القرم. وشدد ليبرمان على أنّ الصواريخ التي ضبطت على متن سفينة «كلوس سي» سورية الصنع، في إشارة إلى دعم روسيا لجهة تعادي إسرائيل. وقال «إننا نلحظ بشكل متزايد محاولات من جانب السوريين لنقل أسلحة نوعية متطورة إلى حزب الله وحماس ونحن لا ننوي التسليم بهذا الوضع». وأضاف أن إسرائيل ترقب بقلق محاولات جماعات متطرفة تسخين حدود هضبة الجولان مبديا أمله أن تواصل روسيا مساعيها لضمان خروج كامل السلاح الكيميائي من سوريا.
وحمل الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز على إيران، معتبرا أنها «غدت مركز الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل، وأن على إيران أن تحترم الحقيقة، وإلا فإن العالم سيكشف الحقيقة». وتساءل بيريز قائلا: «لا أعرف لماذا يفعل الإيرانيون ذلك؟ هل ينقص الشرق الأوسط دم وسلاح؟ فغزة بحاجة للاستثمار في التطوير والبنى التحتية وليس في السلاح. وإذا واصلت حماس إطلاق النار من غزة فسوف نرد عليها بشدة، ما الذي ستكسبه حينها؟ لا شيء. الإرهاب لم يجلب لهم شيئا سوى الخراب والتشرذم».
وأوضحت مصادر إسرائيلية، في أحاديث صحافية أمس، أنّ السفينة التي يقودها ضباط إسرائيليون حاليا ستصل إلى ميناء إيلات غداً حيث ستستكمل عمليات التفتيش في حاوياتها. وقالت إنّ ما ضبط حتى الآن على ظهر السفينة صواريخ يبلغ مداها 90 كيلومترا وتحمل رأسا حربيا بوزن 175 كيلوغراما وتستطيع إصابة القدس المحتلة وبئر السبع وتل أبيب، انطلاقاً من غزة. وهناك تقديرات لدى الجيش الإسرائيلي أنّ السفينة تحوي أنواعا أخرى من الصواريخ بمدى أبعد لكن ذلك سيتم التأكد منه بعد إفراغ حمولة السفينة في ميناء إيلات.
واعتبر معلقون إسرائيليون أن الجهد الإسرائيلي الهائل لضبط السفينة يواكب الجهد الإيراني الهائل لإيصال الأسلحة إلى فصائل المقاومة. وأشار بعض هؤلاء إلى أن الهدف المركزي لإيران هو جعل إسرائيل مغطاة تماما بالصواريخ من كل الجبهات. واعتبر المعلق العسكري لصحيفة «هآرتس» عاموس هرئيل أنّ ضبط السفينة حال دون وصولها إلى الفلسطينيين وإمكانية تغيير قواعد اللعبة.
وكتب المعلق العسكري في «معاريف» عمير ربابورت أنّ الهدف الفعلي من عملية ضبط السفينة هو كشف إيران. وفي نظره فإنّ «إسرائيل تعيش في ذروة خطوة ذات معنى استراتيجي: الجهد لكشف ما يعتبر عندنا كتضليل من جانب إيران للعالم الغربي ... وخلفية هذا الجهد هي الإحباط العميق: فقد جلس وزير الدفاع موشيه يعلون قبل بضعة أسابيع في ندوة في ميونيخ ورأى عظماء العالم الذين احتكوا بوزير الخارجية الإيراني (محمد جواد ظريف) دون أن يصدقوا كلمة واحدة خرجت من فمه. وفي إطار الجهد الوطني صدرت التعليمات لكل محافل الاستخبارات والعمليات لجلب أدلة على أن إيران لم تغير جلدتها حقا بمعنى أنها تواصل السعي إلى قنبلة ذرية وإشعال نار الإرهاب في كل زاوية من العالم (وليس فقط في منطقتنا)».
واعتبر المعلق العسكري لـ«يديعوت» اليكس فيشمان أنّ «الجهات الإستخباراتية في إسرائيل نجحت بعد جهد مُركز دام أشهرا عدة في الحصول على دليل، لكنه في الحقيقة ليس الدليل القاطع الذي يبرهن على أن إيران تنكث الشروط في المجال الذري لكنه يظل دليلا مهما. وقد طلب نتنياهو إلى الموساد أن يأتي بمادة مُدينة وأمده الموساد بها - فإن ضبط سفينة السلاح أمس الأول يعرض وجه إيران المبتسمة الحقيقي. لأنه يوجد هنا ما يكفي من المادة التي تُبين للعالم بعامة وللقوى العظمى بخاصة أن إيران ما زالت مشاركة حتى عنقها في الإرهاب الدولي وتؤدي دورا مدمرا في الشرق الأوسط».
من جانبها، لاحظت معلقة الشؤون الحزبية في «يديعوت» سيما كيدمون أنّ نجاح العملية هو «نجاح هوليوودي» بعدما عرض نتنياهو أمام مؤتمر «إيباك»، يوم الثلاثاء الماضي، ما اعتبره وجه إيران الحقيقي. وكتبت «لو كنا من المتشككين لادعينا بأنه ليس محتملا أن يكون الأمر مصادفة، فقد اختير اليوم والساعة لصعود المقاتلين إلى السفينة بعناية في الوقت الذي يتواجد فيه رئيس الوزراء في مدينة الأفلام (هوليوود). فأي خلفية مناسبة أكثر له من خلفية مدينة الأفلام للحملة الجريئة التي تمت في ظلمة الليل؟ حتى مضيف عائلة نتنياهو، المخرج ارنون ملتشن ما كان يمكنه أن يفكر بمثل هذا السيناريو». وتساءلت تلميحا عن سبب نشر النبأ فيما السفينة بعيدة جدا عن الشواطئ الإسرائيلية.
جدير بالذكر، أنّ الخارجية السودانية نفت، أمس، أي صلة للسودان بالسفينة، وذلك بعدما أعلن مسؤولون إسرائيليون، أمس الأول، أنه كان من المفترض انزال شحنة الصواريخ في ميناء بورسودان في السودان ومن ثم تنقل برا إلى قطاع غزة عبر شبه جزيرة سيناء.
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد