أقباط مصر في عصر «الإخوان»: رحلة البحث عن الوطن مستمرة
ليس هناك ما يعكس أزمة الأقباط في مصر، أكثر من أنه لا يوجد رقم رسمي معروف عن تعدادهم بالأساس! بل إن عدد المسيحيين في مصر قد تم استخدامه في عصر الرئيس حسني مبارك كورقة ضغط سياسية، ويبدو أن الأمر مستمر في زمن «الإخوان».
في أيلول الماضي، وجد رئيس الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، اللواء أبو بكر الجندي، نفسه في مأزق حين قال إن عدد الأقباط 5 ملايين من إجمالي نحو 92 مليون مواطن، وهو رقم اعتبره الأقباط غير دقيق على الإطلاق، فعاد المسؤول الإحصائي ليصحح قائلا إن الرقم المذكور مرتبط بآخر تعداد إحصائي أجري في العام 1986، ووردت فيه خانة الديانة.
ولكن كم تعداد الأقباط اليوم؟
لا أحد يعرف رسمياً، لكن كثيرين من رجال الدين الأقباط يقولون دوماً إن تعداد المسيحيين يتراوح ما بين 10 و12 في المئة من إجمالي سكان مصر، أي ما بين 9 و11 مليوناً.
هل يمكن معرفة عدد الكنائس؟
هذا سؤال صعب أيضاً، لكن كتاباً كنسياً يتداوله الكهنة سراً في ما بينهم، بعنوان «دليل الكنائس»، يشير إلى أن إجمالي عدد الكنائس في مصر 2626 كنيسة، تستحوذ الطائفة الأرثوذكسية على أكثر من نصفها بإجمالي 1326 كنيسة، ثم 1100 كنيسة بروتستانتية، و200 كنيسة كاثوليكية، وهو ما يساعد نوعاً ما على معرفة التركيبة الدينية للأقباط المصريين، إذ أن غالبيتهم تنتمي إلى الطائفة الأرثوذكسية، ومقرها الرئيسي كاتدرائية العباسية التي وقعت أمامها اشتباكات دامية قبل أيام.
وتعدّ كاتدرائية العباسية رمزاً دينياً لكل مسيحيي الشرق، باعتبارها المقر البابوي لبابا الإسكندرية، علماً أن مبنى الكاتدرائية لم مر على بنائه أكثر من 60 عاماً. وقد تبرع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بآلاف الجنيهات - وشجع اولاده للتبرع من مصروفهم الشخصي - لبناء الكاتدرائية، وقد حضر حفل افتتاحها في العام 1968، ومعه امبراطور الحبشة (أثيوبيا) هيلا سلاسي، برفقة البابا كيرلس السادس، في تعبير واضح عن الترابط بين المسلمين والأقباط.
لكن هذه الصورة شابتها الكثير من الفتن في خلال عهدي أنور السادات وحسني مبارك، وقد تفاقمت مع وصول «الإخوان» إلى الحكم، وبدء فرض التوجهات «الإخوانية» على مفاصل الدولة المصرية، وهو ما تجلى بوضوح في العديد من الأزمات الطائفية التي شهدتها الأشهر التسعة التي تلت انتخاب مرشح «الإخوان المسلمين» محمد مرسي رئيساً للجمهورية، وهي أزمات الغضب داخل الأقباط، ورسخت الشعور بأن وطنهم لايزال عصياً عليهم.
ويحلل الباحث القبطي، سامح فوزي، وهو عضو في مجلس الشورى (الغرفة الثانية في البرلمان)، لـ«السفير» أزمة الأقباط تحت حكم «الإخوان» بالقول إن « ثورة 25 يناير دفعت الأقباط إلى الخروج إلى الشارع السياسي والاجتماعي بصورة أكبر بكثير من تلك التي كانوا عليها في عصر مبارك، وهكذا أصبحوا أكثر مشاركة وتواصلا مع المجتمع بعد الثورة، ويبدو أن هذا الانفتاح القبطي هو السبب في استمرار أزماتهم». يصمت فوزي قليلا قبل أن يفسر بأن «مشاكل الأقباط في زمن مبارك تتعلق بالضغوط الاجتماعية وعدم التصعيد الوظيفي بسبب الديانة، بالإضافة إلى وجود تعسف في بناء الكنائس... وهذه المشاكل لا تزال موروثة كما هي مع صعود الإخوان للحكم، والسبب الواضح في ذلك أن التيار الإسلامي يضم قيادات لديها أفكار غير حصيفة وتطلق فتاوى تقلل من عقيدة الأقباط بل وتتهمهم بإثارة الفتنة».
ويعتقد عضو مجلس الشورى أن السبب في ذلك هي تلك النظرة الضيقة التي يحملها التيار الإسلامي للأقباط باعتبارهم طائفة، موضحاً «هم يريدون عودة الأقباط من جديد إلى داخل الكنيسة، ولا يريدون لهم أن يخرجوا لكي يتفاعلوا مع الشارع، لتصبح الكنيسة مرة أخرى هي المتحدث الوحيد باسمهم، وينكفئ الأقباط مرة أخرى على انفسهم، كطائفة وليس كمواطنين».
هذا التصور، ينسف بكل تأكيد أي أسس لبناء دولة ديموقراطية معاصرة تستند إلى القانون. يؤكد سامح فوزي ذلك يقيناً، قائلا «هذا أمر مقصود لكنه يحدث بشكل تلقائي من التيارات الإسلامية. هذه عقيدة في داخلهم. الأقباط بالنسبة إليهم مجرد طائفة وليسوا مواطنين. كما أنهم يريدون أن يظهر الاستقطاب الحادث في مصر الآن باعتباره استقطاباً دينياً بين المسلمين والمسيحين، وليس استقطاباً سياسياً بين الإخوان ومعارضيهم».
من القمامة إلى الذهب... ثلث الاقتصاد المصري
انخراط الأقباط في مجالات العمل المختلفة يبدو طبيعياً باعتبارهم مواطنين، لكن ذلك لا يمنع من وجود مهن يكثر فيها الحضور القبطي، وهي تتراوح، للمفارقة، بين تجارة الذهب، والتجارة القائمة على جمع القمامة وتدويرها، حتى أن نقيب الزبالين (جامعي القمامة) في مصر هو القبطي شحاتة المقدس، وهو عضو سابق في «الحزب الوطني» المنحل، وسبق له الترشح في الانتخابات البرلمانية في عصر مبارك، وهو رجل ميسور الحال قطعاً، ويمتلك ثروة جيدة من تجارة القمامة.
ويقول المقدس فإنه نقيب لنحو 55 ألف عامل قمامة، بينهم نسبة كبيرة من الأقباط، عملوا في هذه المهنة في القاهرة عقب قدومهم من الصعيد وتمركزوا في مناطق طرفية في العاصمة تتسم بالعشوائية مثل منشأة ناصر والزرايب، وتحولت لاحقاً إلى نقط أساسية لجمع القمامة.
ومن القمامة إلى الذهب تنشط تجارة الأقباط، وكالعادة لا توجد إحصائية مؤكدة حول حصتهم في السوق، لكن تجار ذهب يتحدثون عن أن النسبة لا تقل عن 50 في المئة. كما أن رئيس شعبة الذهب بالغرفة التجارية المصرية هو أمين واصف تاجر الذهب القبطي الشهير.
وقد واجه تجار الذهب في الصعيد من الأقباط والقاهرة عمليات استهداف بالقتل المباشر في سنوات العنف الإسلامي في التسعينيات من القرن الماضي.
وبحسب «مركز حقوق الإنسان للوحدة الوطنية» فإن عمليات استهداف قتل أصحاب محلات الذهب من الأقباط، يستند فيها المتشدّدون إلى ما أسموه بفقه الاستحلال والذي يقوم على تبرير السرقة والاستيلاء على أموال المخالفين في الدين لتمويل عمليات الجهاد أي أن ذلك ليس حلالاً ولكنه استحلال.
أما رجال الأعمال الأقباط أصحاب المراكز الثقيلة، فهم كثر، ومنهم رجل الأعمال الأبرز نجيب ساويرس، الذي تقدر ثروته بنحو ثلاثة مليارات دولار، ويمتلك استثمارات عدة في مجالات الاتصالات وأعمال البناء والعقارات والإعلام (أسس قناة «أون تي في» العام 2008 ثم باعها قبل أشهر لرجل أعمال تونسي تحت ضغوط «إخوانية»، وهو ما زال يمتلك أسهماً حتى اليوم في جريدة «المصري» اليوم إحدى أبرز الصحف الخاصة في مصر».
وبرغم حديث ساويروس المستمرّ عن تمسّكه بالبقاء في مصر تحت أي ضغوط سياسية، إلا أن الرجل وجد نفسه مضطراً لأن يستقر خارج مصر منذ نحو ثلاثة أشهر، بعدما تزايد الهجوم «الإخواني» السلفي عليه، وقد كتب على حسابه الشخصي على «تويتر» قائلاً «الله على المفتري».
وتضم قائمة رجال الأعمال الأقباط رؤوف غبور صاحب الاستثمارات الضخمة في تجارة وصناعة السيارات الكورية واليابانية، و ثروت باسيلي المقرب من الكنيسة، والذي يمتلك مصنعاً كبيراً للأدوية باعه لشركة أميركية في العام 2006 بنصف مليار جنيه، ونبيه برزي صاحب شركة للمعجنات تستحوذ على 60 في المئة من المبيعات في السوق، ولويس بشارة صاحب أشهر مصانع للبدل في مصر، بالإضافة إلى رامي لكح الذي يمتلك شركة طيران، ومصانع للمنظفات.
ويتحدث رجال أعمال أقباط عن أن نسبة استثماراتهم تشكل ما بين 25 و30 في المئة من إجمالي الاقتصاد المصري، لكن يوسف إبراهيم، مدير «مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامي»، يعتقد أنه لا يوجد تعريف أو إحصاء محدد لحجم مشاركة رؤوس الأموال المسيحية في الاقتصاد المصري، وأن نسبة الثلث هذه غير موثقة.
وتصدر في مصر مئات الصحف القبطية التي يتم توزيعها مجاناً في الكنائس، لكن هناك صحيفة واحدة فقط هي «وطني» تصدر يوم الأحد من كل أسبوع بانتظام منذ العام 1958، وهي تعدّ الصحيفة الشعبية الرسمية للأقباط. ويعمل في الصحيفة مسلمون، ذلك ان مؤسسها انطوان سيدهم لم يكن يستهدف أن تكون موجهة للأقباط فقط، غير أن التوترات الطائفية دفعت الجريدة إلى أن تهتم بالشأن القبطي العام بشكل أساسي.
الزواج الثاني.. والذهاب إلى القدس
لا تقف أزمات الأقباط في مصر في زمن «الإخوان» أو في عصر حسني مبارك على التضييق السياسي، أو الاشتباكات الطائفية، إذ تطول أيضا خلافات داخلية بين الأقباط الأرثوذكس والكنيسة نفسها.
ومن أبرز هذه الخلافات بحسب ما ترصده الصحافية المتابعة للشأن القبطي نانسي حبيب هي لائحة الأحوال الشخصية للأقباط التي تنظم أعمال الزواج الثاني والطلاق.
وتتشدد اللائحة في اعطاء تصاريح الزواج الثاني، متمسكة بما أقرّه البابا شنودة بوجود سببين للطلاق هما الزنا وخروج أحد الزوجين عن الديانة بشكل الكامل.
ويطالب آلاف الأقباط بالتوسع أكثر في أسباب الطلاق التي تبيح الزواج الثاني، استنادا إلى لائحة العام 1938 التي تقر بتسعة أسباب تبيح الطلاق والزواج الثاني، من بينها الشذوذ والجنون وغياب أحد الزوجين والحكم بالأشغال الشاقة أو السجن لأحدهما سبع سنوات أو أكثر، أو إذا أصيب أحدهما بمرض معدٍ يخشى منه على سلامة الآخر وثبت أنه غير قابل للشفاء.
كما يعد السفر إلى القدس المحتلة لزيارة الأماكن المقدسة لدى الأقباط هناك، أزمة كبرى بين الأقباط والكنيسة، إذ تتمسك الكنيسة حتى اليوم بمقولة البابا شنودة بأن لا زيارة للقدس إلا بعد زوال الاحتلال الإسرائيلي، وأن أقباط مصر لن يدخلوها إلا برفقة اشقائهم من المسلمين. وقد اتخذ البابا هذا الموقف الديني على خلفية سياسية في أعقاب معاهدة الصلح بين مصر وإسرائيل في العام 1979. وتمسك البابا بمقولته هذه حتى بعد اغتيال الرئيس أنور السادات الذي سادت علاقته بالبابا خلافات سياسية شديدة بلغت ذروتها في أيلول العام 1981 بتحديد إقامته في دير الانبا بيشوي في وادي النطرون.
أزمات طائفية في عهد مرسي
27 تموز 2012: مقتل قبطي وتهجير أسر قبطية من قرية دهشور بسبب خلاف بين مسلم ومكوجي قبطي.
21 آب 2012: إصابة 5 أشخاص بسبب معركة بالأسلحة النارية بين الأقباط والمسلمين في قرية البرشا في المنيا عقب خلاف على المقهى.
أيلول 2012: تهجير 9 أسر قبطية بالقوة من مدينة مطروح بعد خلافات بينهم وبين مسلمين.
21 تشرين الأول 2012: إصابة 4 أقباط واثنين من المسلمين في المنيا، والسبب محاولة شخصين مسلمين توصيل كابل كهرباء بعمود إنارة ملاصق لمنزل عائلة قبطية.
28 تشرين الأول 2012: اشتباكات بين أقباط ومسلمين في قرية عزبة ماركو ببني سويف بسبب رفض اعتراف المسلمين بقانونية بناء كنيسة القرية.
4 آذار 2013: إحراق شقة ومحل يخصان قبطيا في أسيوط وتجمهر مئات بسبب الإدعاء بقيام قبطي باغتصاب طفل مسلم. وقد أثبت الطب الشرعي لاحقاً عدم صحة الاتهام.
15 آذار 2013: مقتل وإصابة 6 أشخاص من المسلمين والأقباط، واحتراق منزلين و3 محال تجارية في سوهاج بسسبب مشاجرة بين عامل مسلم وموجّه قبطي.
5 نيسان 2013: مقتل مسلم وأربعة أقباط في اشتباكات دامية في مدينة الخصوص في القليوبية بسبب رسوم لأطفال أقباط على جدران معهد أزهري.
7 نيسان 2013: مقتل ثلاثة أقباط في هجوم مجهولين بالخرطوش والأسلحة النارية والمولتوف على جنازة ضحايا الخصوص، وتعرض الكاتدرائية في العباسية لإلقاء قنابل الغاز المسيل للدموع من قبل قوات الشرطة.
القيود على بناء الكنائس
لا تزال عملية بناء الكنائس في مصر تخضع لما يعرف بـ«الخط الهمايوني»، وهو فرمان عثماني صدر عن السلطان عبد المجيد في 18 شباط العام 1856، ويمنع بناء أي كنيسة إلا بعد الحصول على ترخيص من الباب العالي (السلطان العثماني). ثم أصبح هذا الحق مخولا للملك بعد انتهاء السيادة العثمانية، وحاليا يملكه رئيس الجمهورية.
ويتطلب إجراء أي صيانة أو تعديلات في مبنى الكنيسة الحصول على موافقة من رئيس الجمهورية مباشرة حتى لو كان ذلك من أجل بناء أو ترميم دورة مياه داخل الكنيسة، علماً بأن المحافظين وأجهزة الأمن (جهاز مباحث أمن الدولة أيام مبارك، وجهاز الأمن الوطني حالياً) يمتلكون سلطات واسعة في اتخاذ القرار بشأن بناء الكنائس أو ترميمها وإصلاحها.
وسعى الرئيس السابق حسني مبارك قبل خلعه لنقل هذه السلطات إلى المحافظين للتقليل من الإجراءات لكن ذلك لم يفتح الباب أمام مزيد من التسهيلات بل زادها تعقيدا وحساسية، وهو أمر يبدو أن الرئيس «الإخواني» محمد مرسي لايزال متمسكا به في ظل إدارة سيئة للبلاد لم تستطع أن تخلع عن نفسها خلفيتها الدينية.
مليون صوت انتخابي
مثلما استخدم نظام مبارك الأقباط ورقة ليدافع بها عن وجوده في السلطة أمام الولايات المتحدة والغرب، خوفاً من تعرضهم للاضطهاد في حال وصول إسلاميين إلى السلطة، فإن «الإخوان» يحاولون اليوم استخدام هذه الورقة لإظهار جانب التسامح في أفعالهم السياسية، حتى أنهم لجأوا إلى أسلوب مبارك نفسه في تعيين شخصيات قبطية في وزرات بلا حقيبة وبعيدة عن أي اتصال مباشر باحتياجات الجماهير أو الشؤون السيادية، مثل وزرات البيئة والسياحة، وإن كان نظام مبارك قد كسر هذه القاعدة، عندما اختار الخبير في صندوق النقد الدولي يوسف بطرس غالي وزيراً للمالية في سنوات صعبة (2004-2011)، وقبلها وزير دولة للتعاون الدولي ووزيراً للاقتصاد في التسعينيات. ويعيش غالي هاربا اليوم في لندن، التي غادر إليها خلال «ثورة 25 يناير»، وقد أصدر القضاء حكماً بحبسه ثلاثين عاماً في حزيران من عام 2011 بتهمة إهدار المال العام.
وشكّل «حزب الوفد» (الجديد)، وهو حزب ليبرالي تاريخي أعيد تأسيسه في العام 1978، الوعاء السياسي الأكبر الذي استوعب أنشطة الأقباط في عهد مبارك، خاصة مع ميل البابا شنودة الثالث إلى عدم التوجيه السياسي المباشر.
وبعد «ثورة 25 يناير»، ولأن القانون المنظم لتأسيس الأحزاب وعملها منع تأسيسها استناداً إلى مرجعية دينية، لم يتمكن الأقباط من تأسيس حزب سياسي خاص بهم، لكن «حزب المصريين الأحرار» و«الحزب المصري الديموقراطي» يضمان العديد من الكوادر السياسية القبطية، وهو أمر شكل نقطة سلبية لهما خلال الانتخابات البرلمانية الوحيدة التي أجريت عقب الثورة، إذ استخدم «الإخوان» والسلفيون هذه النقطة في الدعاية السلبية تجاه مرشحي الحزبين اللذين خاضا الانتخابات ضمن «الكتلة المصرية»، التي ضمت أيضاً «حزب التجمع»، وقد حصدت معا 31 مقعداً بنسبة 9% فقط من إجمالي عدد أعضاء مجلس الشعب.
واتسمت مشاركة الأقباط في الاستحقاقات الانتخابية في عصر مبارك، بعزوف لافت حتى أن آخر انتخابات أجريت في ظل حكم حكم مبارك (2010)، لم يشارك فيها سوى 138 مرشحاً قبطياً من 29 محافظة.
وبرغم تزايد الوجود القبطي في النشاط السياسي بعد «ثورة 25 يناير»، فإن عدد النواب الأقباط الذين نجحوا في انتخابات أول برلمان بعد الثورة وصل إلى ثمانية أقباط فقط من إجمالي 454 نائباً.
ويقدر الكاتب والباحث القبطي سليمان شفيق الكتلة التصويتية للأقباط التي شاركت بفعالية في الانتخابات البرلمانية والرئاسية الأخيرة بنحو مليون صوت فقط، وهو رقم لا يستطيع كثيرا أن يحسم العملية التصويتية في ظل أن عدد من يحق لهم الانتخاب في مصر يصل إلى 27 مليوناً.
حضور كبير في الصعيد والقاهرة
ينتشر الأقباط في جميع محافظات مصر بلا استثناء، كما لا توجد محافظات مغلقة عليهم، لكن ثمة محافظات يكثر فيها التواجد القبطي مقارنة بغيرها، أبرزها القاهرة والإسكندرية والبحيرة والدقهلية والغربية في الدلتا، بالإضافة إلى محافظات المنيا وأسيوط وسوهاج وبني سويف والأقصر في الصعيد.
ومعروف أن عدد الأقباط في صعيد مصر أكبر منه في منطقة الدلتا، وهو أمر يفسر واقع أن غالبية الاشتباكات الطائفية تحدث عادة في جنوب مصر. ويرصد جمال حمدان في كتابه الأبرز «شخصية مصر» أن الأقباط يشكلون 10.8 في المئة من تعداد سكان وجه قبلي (الصعيد)، و2.3 في المئة فقط من إجمالي سكان وجه بحري، وإذا كانت هذه النسب مستندة إلى الإحصاء السكاني للعام 1976، فإنها تعطي مؤشرا واضحا على استمرار تمركز الأقباط بشكل أكثر في الجنوب، بالرغم من حركة الهجرة الداخلية المستمرة لأهل الصعيد باتجاه القاهرة وبعض مدن الدلتا، هرباً من ظروف اقتصادية واجتماعية قاسية.
والثابت أيضا أن القاهرة تستحوذ على النسبة الأكبر من الأقباط مقارنة بأي محافظة أخرى في مصر، وهو أمر مفهوم لا سيما أن العاصمة لا تزال تمثل حلم الخلاص لملايين المصريين من القرى والمدن الريفية الصغيرة.
ومن النادر أن تتواجد شوارع أو مناطق خاصة بالأقباط في هذه المحافظات أو غيرها، إذ يعيش الأقباط مع المسلمين في بيوت متجاورة من دون تمييز، لكن الهجمة السلفية التي عاشتها مصر في السبعينيات من القرن الماضي، عقب موجات هجرة ضخمة لأعداد كبيرة من المصريين إلى دول الخليج، دفعت العائـــدين منهم إلى وضع الكثير من الآيـــات القرآنية على أبواب منازلهم لتميــيزها عن باقي البيوت، ما دفع الأقـــباط في المقابل، إلى أن يمـــيزوا منازلهم بصور المسيح والســـيدة العـــذراء، ولاحقا بصــور البابـــا شنـــودة الثالث (1923-2012)، وهو ما أوجد حالة من التوتر والتجاذب الطائفي بين المسلمين والأقباط، تجلت في أسوأ صورها في اشتباكات دامية بينهم طوال ثلاثين عاماً.
ورغم ذلك ثمة تمييز يتضح في أسماء بعض القرى والمدن الصغيرة التي تضم نسبة كبيرة من الأقباط حتى في سنوات سابقة، هكذا توجد قرية باسم «غيط النصارى» في محافظة دمياط وأخرى باسم «بساط النصارى» في الدقهلية، وثالثة باسم «أشنين النصارى» في المنيا، ولفظ النصارى هو المعادل في لهجة المصريين المحلية لكلمة قبطي، ويروج استخدام اللفظ في أواسط المتشـــددين باعتــباره يحمل إشارة إلى مرتبة دنيا، رغم أن المصطلح مشتـــق بالأســـاس من بلدة الناصرة الفلسطـــينية التي بشرت فيها الســـيدة مريم العذراء بــولادة يســوع المســيح ونشـــأ فيها.
محمد هشام عبيه
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد