أنابيب النفط عبر سوريا وأسباب الحرب عليها
لم يعد خافياً على أحد أن الصراع على سورية كان لسببين أساسيين: السبب الأول، هو قطع حلقة المقاومة من ايران الى فلسطين مروراً بسوريا. في هذا الإطار جاءت الحرب السورية كأداة للضغط على إيران من إجل إيقاف برنامجها النووي ووقف دعم حركات المقاومة ضد كيان العدو. والسبب الثاني، يتعلق بالصراع ليس على النفط السوري وإنما على خط أنابيب الغاز، التي كان يفترض أن تمر عبر سوريا من قطر إلى أوروبا. اذ تحتل سوريا الموقع الأكثر أهمية على خارطة “الشرق الأوسط”، والتي تتوسط أقصر الطرق بين منابع النفط والغاز العربي حتى أوروبا. وتعتبر هذه هي أم العقد التي دفعت نحو تكتل الدول جميعاً من أمريكا إلى الكيان الصهيوني إلى السعودية إلى قطر إلى تركيا من أجل قلب نظام الحكم في سورية وإقامة نظام موال لها.
فأمريكا التي يعرفها الجميع لا يمكن أن تدفع قرشاً واحداً في مكان لا يؤمن لها المصالح الإستراتيجية التي تبتغيها وخصوصاً تلك التي تتعلق بقرارات الربح والخسارة المادية. وعليه فإن خروج الأميركي أو بقاءه في الشمال السوري يبدو متعلقاً بمصالحه الإستراتيجية، التي يحاول حمايتها.
سوريا تطفو على بحيرات صغيرة من النفط والغاز والتي دخلت بعضها في سوق الإستثمار
لا تعتبر سوريا من الدول النفطية الكبيرة فإحتياطها النفطي المعلن يقدر بملياري برميل فقط، بينما احتياط العراق يقدر بـ 150 مليار برميل. كانت تستخرج سوريا قبل الحرب عليها حوالي 400 ألف برميل يومياً يصرف منها 250 ألف برميل داخلياً ويصدر الباقي. غير أنها تطفو على بحيرات صغيرة من النفط والغاز والتي دخلت بعضها في سوق الإستثمار بينما بعضها الآخر لم يتم استخراجه وتقييمه بعد.
لكن، يقع في الشمال السوري حيث تسيطر القوات الأميركية وقوات سورية الديمقراطية (الأكراد)، أهم وأكبر أبار النفط السوري، ومنها “حقل العمر” في شرق مدينة دير الزور، الذي سيطرت عليه القوات الكردية في 22 تشرين الأول/ اكتوبر 2017، فيما كان يتحرك الجيش السوري من أجل تحرير غرب الفرات بالكامل من تنظيم “داعش” الإرهابي. وهناك حقل رميلان، الذي يحتوي على 1322 بئراً ويقع في محافظة الحسكة. إضافة إلى 25 حقل غاز في السويدية قرب رميلان. فضلاً عن حقول غاز وبترول أخرى تقع في مختلف مناطق الحسكة والرقة ودير الزور. وهذه الحقول جميعاً وضعتها الولايات المتحدة الأميركية تحت إشراف وسيطرة قوات سورية الديمقراطية.
في مقلب آخر، بدأت الخلافات بين سوريا وقطر في العام 2009 بعد لقاء حدث في 15 آذار /مارس من العام نفسه، حيث عرض يومها حمد آل ثاني أمير قطر، على الرئيس السوري، بشار الأسد، إنشاء خط أنابيب لنقل الغاز الطبيعي من قطر إلى مدينة حلب ومنها إلى تركيا ليصل إلى الإتحاد الأوروبي أكبر مستهلك للغاز. ورأت الإدارة الأميركية، أن خط الغاز القطري سيخفف إعتماد أوروبا على الغاز الروسي، وتبعا لذلك من الممكن الضغط من خلاله على برامج روسيا في برامج تطوير أسلحتها الإستراتيجية، والتوقف عن دعم ايران وسورية.
رفضت سوريا آنذاك العرض القطري حفاظاً على مصالحها المشتركة مع حليفتها روسيا لأن الخط القطري سيشكل تهديداً لمصالحها الإقتصادية. كما جاء الدعم الأميركي لخط الغاز القطري مرتبطاً بمصالح الشركات الأميركية. اذ كان من المفترض أن يدر المشروع عشرات مليارات الدولارات التي يفترض أن تجنيها شركات أميركية من أمثال “هاليبرتون” من الحصول على عقود تمديد خطوط أنابيب الغاز القطري عبر سوريا ليتم في ما بعد تسويقه من خلال شركات أميركية مثل “إكسون” عبر أوروبا.
في قوانين الحروب ضد الدول، هناك أسباب مباشرة وأخرى غير مباشرة. ترتبط الأسباب غير المباشرة بالمصالح الإستراتيجية والإقتصادية التي ستجنيها الدول الإستعمارية من خلال بسط نفوذها العسكري في مكان ما. وأنابيب الغاز، التي رفضت سوريا تمديدها مراعاة للمصالح الروسية في أوروبا، كانت السبب الغير مباشر في اطلاق الحملة الأميركية ضد سورية. هذه الحملة، التي بحسب وسائل الإعلام، لم تكلف الأميركيين أموالاً طائلة في تمويل الجماعات الإرهابية فقط، بل أيضاً في تمويل وسائل الإعلام التي أنشأتها الولايات المتحدة خارج سورية من أجل دعم ما سمي “بالثورة ضد النظام” مثل تلفزيون بردى في بريطانيا وغيرها.
في ضوء التكاليف، التي دفعتها وتدفعها الولايات المتحدة منذ العام 2005 ومنذ المقاطعة التي قامت بينها وبين الدولة السورية كنظام قائم رفض دعم الحرب الأميركية على العراق، ورفض التوقف عن دعم المقاومة في كل من فلسطين ولبنان، ورفض تمديد أنابيب الغاز القطري في العام 2009، كان لا بد أن ترتبط المصالح الأميركية بتواجد عسكري أميركي يدافع عن مصالحها في سوريا. وبناء عليه قررت إدارة أوباما إقامة قاعدة أميركية “قاعدة التنف” في شمال سوريا تكون منطلقاً للدفاع عن مصالح شركاتها حين إتمام مهمة تغيير النظام ويصبح من الممكن إنشاء خط الأنابيب القطري.
معركة تغيير النظام في سوريا باءت بالفشل
غير أن معركة تغيير النظام في سوريا باءت بالفشل، وبدأت نتائج الحرب بالتبدل لصالح الدولة السورية، خصوصاً بعد أن دخلت روسيا إلى جانب الدولة السورية في حربها على الإرهاب عام 2015. هذا الفشل في تغيير النظام، والذي عطل مصالح الشركات الأميركية جعل من تكاليف الوجود الأميركي باهظاً في الشمال السوري وبدا أنه لن يأتي أُكُله. ومن هذا المنطلق كان قرار ترامب رجل المال بالإنسحاب من قاعدة التنف، والتي اعتبر أن لوجودها تكاليف لا طائل منها.
يقول روبرت كنيدي الإبن في مقال كتبه عام 2016، إن “الولايات المتحدة كدولة “قائمة على الحرب” هي مصممه على الحفاظ على موقعها العسكري في المنطقة، خصوصاً وأنها مصرة اليوم على تمديد خطوط الغاز في داخل الأراضي السورية والقيام بحمايتها”. وهنا يكشف كنيدي أن المخابرات المركزية الأميركية ومنذ العام 1949 تحاول الإطاحة بالنظام القائم في سوريا، وذلك من أجل منح السعوديين الفرصة لتأمين طرق أرخص من أجل إيصال بترولهم إلى أوروبا عبر الأراضي السورية. ومن الجدير ذكره هنا، أن الشركات المستفيدة من الحروب القائمة في المشرق العربي وأفغانستان، ليست فقط شركات البترول وتوزيعه، بل أيضاً الشركات المصنعة للسلاح، آلة القتل الأميركية، كما يصفها كنيدي الإبن.
ويكشف وليام انغداهي، الخبير في شؤون سياسات النفط، في مقاله، الذي نشره في 2014 على موقع Global Research حول الصفقة السرية التي عقدت ما بين الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز وجون كيري وزير الخارجية الأميركي السابق في عهد اوباما، أنه يجب السيطرة على منابع النفط والغاز وعلى تصديرهما الى دول العالم. حتى أن السعودية عرضت على الصين بيع برميل النفط بسعر يتراوح ما بين 50-60 دولاراً في حين أنها كانت تبيع البرميل بسعر 100 دولار. والمقصود بالعملية محاربة كل من إيران وروسيا اقتصادياً.
لم تنجح سياسة خفض أسعار النفط في التسبب بانهيار كل من روسيا وايران اقتصادياً
كما يؤكد انغداهي، أنه عندما لم تنجح سياسة خفض أسعار النفط في التسبب بانهيار كل من روسيا وايران اقتصادياً جاء اجتماع كيري – عبدالله، الذي حضره بندر بن سلطان مدير المخابرات السعودية ووضعت خلاله الخطة التي تقرر فيها نشر قوات تكفيرية في الشمال السوري من أجل السيطرة على منابع النفط والغاز ونشر ما يسمى بـ”السلفية” واعتمادها كبديل عن الدولة العلمانية وبذلك التحكم بها سعودياً. ولا بد من الإشارة هنا أن المحافظين الجدد في أمريكا يرون: أن من يمكنه السيطرة على سوريا، يمكنه السيطرة على الشرق الأوسط بأكمله. ويؤكد انغداهي، أن أول ما حدث هو احتلال “داعش” لمنطقتي الموصل وكركوك والإستيلاء على مصادر النفط الخام فيهما.
الموافقة الروسية على خط الصداقة الذي يمر من حوض بارس في إيران عبر الأراضي العراقية والسورية حتى ميناء مدينة طرطوس في سورية ومنها إلى أوروبا، شكل حالة تكامل اقتصادي ما بين الدولتين. ووقعت اتفاقية خط الصداقة ما بين العراق وسوريا وإيران في العام 2011، أي في نفس العام الذي بدأت فيه الأحداث السورية بالتصاعد، وبعدها بعامين انتشر تنظيم “داعش” الإرهابي في الشمال الشرقي السوري بحسب خطة كيري – عبدالله. “خط الصداقة” كان سيعزز من التبادل الإقتصادي ما بين ايران وسوريا من جهة وأوروبا من جهة أخرى. كما أن هناك خطاً آخر كان من المقرر أن يزود سوريا بالغاز، والذي سيأتي من مصر عبر ميناء العقبة في الأردن ليصل إلى مصفاة حمص ومن ثم يتم رفده بالمزيد ليعاد توزيعه إلى كل من طرطوس وطرابلس في لبنان، ليصل بعدها إلى أوروبا. لكن الأحداث السورية أوقفت العمل على تنفيذ المشروعين.
تحرير الشمال من الأميركيين والأتراك يعتبر أمراً أساسياً بالنسبة للدولة السورية
يقع حقل الغاز القطري “شمال القبة” في مياه الخليج، وهو حقل مشترك مع الجمهورية الإسلامية، والذي يسمى حقل “بارس”. يقع ثلثا الحقل في جهة قطر. ويحتوي الحقل على احتياطات ضخمة من النفط والغاز. وقبول سوريا بانشاء خط الصداقة أسس لخلافات سياسية ما بين قطر من جهة وما بين ايران وسوريا من جهة أخرى. دخلت تركيا على خط الصراع من باب خط الغاز القطري، فأكثر ما تخشاه هو الدور الذي قد يلعبه الأكراد في السيطرة على أي خط غاز يمكن أن يمر عبر شمال سوريا إليها.
في ظل هذه التعقيدات في المصالح، ليس فقط الإقليمية ولكن الدولية أيضاً، يبدو أن الشمال السوري هو أكثر المناطق حساسية في الوقت الراهن. فتحرير الشمال من الأميركيين والأتراك يعتبر أمراً أساسياً بالنسبة للدولة السورية وهو أمر يرتبط بالسيادة السورية على جميع أراضيها. ولكن الموقع بحد ذاته هو مكان تجاذبات إقليمية ودولية. فالشمال السوري الممتد من الحدود العراقية إلى البحر المتوسط، يعتبر مركزاً اقتصادياً حيوياً سورياً هاماً في جميع المجالات الإقتصادية: الزراعية والصناعية والثروات الباطنية، وهو الممر الحيوي، الذي يربط سوريا شمالاً باتجاه خط الحرير الجديد الذي تعمل الصين على مده خلال الأعوام القادمة. لذلك فإن الصراع في هلسنكي سيكون على أشده.
العهد
إضافة تعليق جديد