أوان الهجوم المعاكس
سُحُب العدوان على سوريا تتجمّع، سوداء تغلق الأفق. الأرجح أن يستعيد الأميركيون، سيناريو كوسوفو، وإنْ في نسخة مخفّفة، أي توجيه ضربات صاروخية محدودة لمواقع عسكرية ومؤسسات سورية؛ سيتيح ذلك رفع معنويات الإرهابيين، وربما تحسين قدرتهم على شنّ هجمات هنا وهناك، أو حتى خلق ظروف مواتية لغزوة ــــ بمقاتلين سوريين بقيادة ضباط التحالف المعادي لسوريا ــــ انطلاقا من الحدود الأردنية، بهدف إقامة منطقة أمنية تكون قاعدة للعدوان أو التفاوض من موقع قويّ. كيف يمكن تنسيق العمليات البحرية والجوية والأرضية، وكيفية الردّ على الإجراءات الدفاعية المتوقعة من دمشق وحلفائها الإقليميين، هما السؤالان الرئيسيان المطروحان على جدول أعمال رؤساء أركان حلف المعتدين، في العاصمة الأردنية، عمّان، بينما كانت السعودية أنجزت تزويد الجماعات المسلحة في الشمال السوري بأكبر شحنة من السلاح منذ بدء الحرب الإرهابية على سوريا.
من الواضح أن التحذيرات الإيرانية والروسية، تلعب دورا في تحجيم الضربات المتوقعة، وهناك متفائلون يتوقعون بأنها ستحول دونها، لكن من الواضح أيضا أن إدارة الرئيس باراك أوباما تخضع لضغوط متزايدة من إسرائيل والسعودية، الأولى أعلنت أنه من غير المسموح به انتصار دمشق في الحرب الدائرة، لئلا يتصلّب محور المقاومة ويتسع نطاقه، والثانية تشن هذه الحرب، على أكثر من جبهة (سوريا والعراق ولبنان) بصورة جنونية، تعبيراً عن مخاوفها من تسوية دولية تبقي على رئاسة الأسد، وتسترجع الدور الإقليمي السوري، وتضع الرياض في مواجهة استحقاقات إقليمية (التسليم أقله بالشراكة الإقليمية مع طهران ودمشق وبغداد، وفرض الإصلاحات في البحرين) وداخلية تتعلق بالخضوع لتنفيذ اصلاحات سياسية، تبدأ بالمنطقة الشرقية وتفرض سياقها بالنسبة لمجمل التركيبة السعودية.
علينا الإقرار، هنا، أن التصعيد السعودي ــــ الإسرائيلي (أو، للدقة، المدعوم إسرائيلياً) أحرز نجاحات في تعضيد الإرهابيين بالسلاح وأوامر العمليات للقيام بمجازر طائفية في سوريا ــــ كما حدث في ريف اللاذقية ــــ وتحقيق بعض التقدم في شمال البلاد، وإنهاك العراقيين بالتفجيرات المذهبية، وتصدير الإرهاب إلى لبنان، وأخيرا في إخضاع الأردن للسير في خطط العدوان على سوريا. وكل ذلك، لم يواجهه، حتى الآن، تصعيد معاكس، ولا حتى على مستوى تظهير سياقات ممكنة للردع.
تستفيد الولايات المتحدة من الوضع القائم لتحقيق جملة من المكاسب على المستويين الإقليمي والدولي، وخصوصا لجهة استعادة ما فقدته من مكانة وهيبة، خلال العامين الأخيرين، في البحر المتوسط؛ ستؤكد الآن، بالعدوان الصاروخي على سوريا أو بالتهديد به، بأنها ما تزال تلك القوة العالمية القادرة على التصرّف العسكري خارج الشرعية الدولية، وأنها حليف يُعتَدّ به، بينما توجه ضربة مؤلمة للصعود الروسي، بحيث يمكنها جرّ الكرملين إلى تسويات تتناسب أكثر مع المصالح الأميركية.
هل سيكون هناك ردّ جدي وفعّال من لدن حلفاء سوريا على العدوان الأميركي المحتَمل؟ إن التساهل الذي أبداه السوريون والإيرانيون والروس إزاء الهجمات الإسرائيلية المتكررة على أهداف عسكرية سورية، يجعلنا غير أكيدين مما إذا كان «كرة لهب» ستندلع في حال العدوان، خصوصاً إذا ما كان محصورا من حيث الزمن والأهداف، في ما يعتبره الأميركيون «ضربة عقابية» للجيش السوري على استخدامه المزعوم للأسلحة الكيماوية.
وعلى الرغم من أن كل المعطيات تؤكد أن دمشق لم تستخدم تلك الأسلحة، وإنما ضباطها وجنودها هم الذين كانوا ضحايا لاستخدامه من قبل الإرهابيين، فإن الحملة الغربية ــــ السعودية، ما تزال تعمل بقوة، وتزيد من الضغوط الداخلية على أوباما، وتلزّه إلى القيام بعدوان، يريده البيت الأبيض في سياق تفاوضي، وتريده السعودية وإسرائيل في سياق التمهيد لحرب كبرى.
أقنعت تل أبيب، واشنطن، وبالتجربة، بأن ضرباتها الصاروخية لمنشآت سورية، ستمرّ بلا رد، بينما تحتاج الرياض، عدوانا أميركيا ــــ ربما ينزلق إلى حرب تقودها الولايات المتحدة ــــ وتنتهي على النموذج العراقي.
هناك مَن لا يزال يعتقد ــــ في سوريا ومحور المقاومة معا ــــ أن الحرب، تؤذن بنهاية قريبة، وأن التسوية تلوح في الأفق، ويرى، بالتالي، أن الحكمة تقتضي ابتلاع الاعتداءات، وتوخّي النجاة من توسيع دائرة الحرب، وحصرها داخل الأراضي السورية. وهو ما يمنح المعتدين، الشعور بالأمان التكتيكي لمواصلة قضم قوة الردع لدى حلف المقاومة.
هذه لحظة فاصلة في مسار الحرب. والحل الوحيد لتدارك اتساعها والمدّ في عمرها وتكاليفها، يكمن في الشروع في شنّ الحرب الاستباقية على جميع الأطراف المشاركة في العدوان؛ قد يكون ذلك بالحرب أو بالأمن أو بالدبلوماسية الخشنة والحملات الإعلامية والسياسية المضادة، أو بكل هذه الوسائل معا.
ناهض حتر
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد