الأمم المتحدة تدين إسرائيل والفلسطينيين بتهمة جرائم حرب
وزعت لجنة التحقيق الدولية، التي شكلها المجلس العالمي لحقوق الإنسان التابع إلى الأمم المتحدة، تقريرها حول الجرائم التي ارتكبت في الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة.
ورغم اتهام التقرير للجانبين الإسرائيلي والفلسطيني بارتكاب جرائم حرب، إلا أن الإدانة كانت جلية وواضحة لإسرائيل. فقد أشار للجهات العليا في إسرائيل، واعتبرها مسؤولة عن السياسة التي قادت إلى هذا المستوى من انتهاك القانون الدولي، وأوضح أنه عندما تكون سلامة جندي إسرائيلي في خطر فإن الجيش يتجاهل كل القواعد والقوانين. واجتذب التقرير الدولي على الفور نيران الانتقادات الإسرائيلية، التي ذهب بعض المسؤولين فيها إلى اعتباره «فرية دم» جديدة.
وأعلنت لجنة التحقيق، التي ترأسها القاضية الأميركية ميري ماكغفين ديفيس، أن لديها قرائن تظهر أن كلاً من إسرائيل وحركة «حماس» ارتكبتا جرائم حرب أثناء القتال الذي جرى في العام الماضي واستمر خمسين يوما.
وألمح التقرير إلى أن الجهات الأعلى في إسرائيل هي المسؤولة عن السياسة التي قادت إلى ارتكاب جرائم حرب. وأشارت القاضية، التي قال كثيرون عنها أنها سبق وتعاطفت مع إسرائيل، أن «حجم الدمار في غزة غير مسبوق، وسيكون له تأثير حتى على أجيال كثيرة مقبلة». وأضافت «يوجد كذلك خوف مستمر في المستوطنات في إسرائيل التي تعيش تحت خطر دائم».
ولاحظت اللجنة أن إسرائيل رفضت التعاون معها في التحقيقات رغم تكرار الطلبات منها، كما امتنعت عن تزويد اللجنة بأية معلومات أو السماح لأعضائها بالوصول إلى إسرائيل وقطاع غزة لجمع الشهادات. ولذلك اضطرت اللجنة لإجراء المقابلات عبر الهاتف و«سكايب»، وكذلك في لقاءات نظمت عبر زيارتين للعاصمة الأردنية وشهادات قدمت في مقر الأمم المتحدة في جنيف.
وطالبت ديفيس، التي حلت مكان القاضي ريتشارد شافاس الذي لاحقته إسرائيل واتهمته بمعاداتها، الأسرة الدولية باتخاذ التدابير اللازمة، وفي مقدمتها دعم التحقيق في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي في كل ما يتصل بوضع الفلسطينيين في الأراضي المحتلة. ومن المؤكد أن هذه الدعوة كفيلة بوضع ديفيس في خانة أعداء إسرائيل الألداء، خصوصاً أنها تعمل بجد لإبعاد خطر المحكمة الجنائية وتحقيقاتها.
وبحسب اللجنة، وخلافا للأرقام الإسرائيلية، فإن قوات الاحتلال قتلت 1462 مدنياً فلسطينياً، ثلثهم من الأطفال. وأضافت أن مئات المدنيين الفلسطينيين قتلوا في بيوتهم بقصف جوي، وأن 142 عائلة فقدت ثلاثة من أفرادها أو أكثر في قصف بيوت مدنية، وأنه في القصف الجوي وحده لقي 742 مدنياً فلسطينياً مصرعهم. وجاء في التقرير أن «واقع عدم تغيير إسرائيل لطابع غاراتها، حتى بعد أن ظهرت نتائجها الخطيرة على المدنيين، يثير التساؤل حول ما إذا كان الأمر يتعلق بسياسة أوسع تمت المصادقة عليها في أعلى مستويات الحكومة».
وأعرب أعضاء لجنة التحقيق عن قلقهم من استخدام إسرائيل الواسع للأسلحة ذات قدرة التدمير المحيطية الكبيرة. وقررت اللجنة أنه رغم أن هذه ليست أسلحة غير مشروعة، لكن استخدامها في مناطق مأهولة باكتظاظ يقود بأرجحية عالية إلى قتل عديم التمييز للمقاتلين والمدنيين على حد سواء. ولاحظت أن أحد أسباب الخسائر الكبيرة في صفوف المدنيين هو اكتفاء إسرائيل بالتحذير العمومي لأحياء بكاملها، كما جرى في الشجاعية، وبعدها اعتبرت كل من بقي في بيته ضالعا في القتال.
وأشارت اللجنة إلى أن إسرائيل قتلت فلسطينيين على نطاق واسع أثناء العملية البرية، سواء في الشجاعية أو في رفح «يوم الجمعة الأسود». وهنا لاحظت ديفيس أنه عندما يكون جندي في خطر فإن الجيش الإسرائيلي يتصرف متحرراً من القواعد والقوانين.
وقررت أن «حماس» أطلقت أكثر من 4800 صاروخ وأكثر من 1700 قذيفة هاون، جميعها أدت إلى مقتل ستة إسرائيليين وجرح 1600 شخص. وقال التقرير أن الحرب في غزة خلقت خوفاً، وكسرت روتين الحياة «للمدنيين» في إسرائيل. واعتبرت أن القصف الصاروخي عديم التمييز وقذائف الهاون من غزة أعدت لبث الذعر في صفوف الإسرائيليين، مشيرة إلى أن قوات الاحتلال اكتشفت 14 نفقاً حفرت من قطاع غزة إلى داخل إسرائيل، وبعضها تم استخدامه لشن هجمات ضد جنود إسرائيليين أثناء الحرب. وأكدت أن مجرد وجود الأنفاق خلق صدمة لدى الإسرائيليين الذين خافوا من التعرض لهجمات في كل لحظة على مستوطناتهم.
وأشار التقرير للوضع الذي ساد في الضفة الغربية بين حزيران وآب العام 2014، بعد اختطاف وقتل المستوطنين الثلاثة في «غوش عتصيون». ولكن في ميزان التقرير خلال الشهور الثلاثة المذكورة كان مقياس الدم في الضفة الغربية أكبر بكثير مما كان خلال العام 2013 بأسره. وأبدى التقرير قلقه من استسهال الجيش الإسرائيلي إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين الفلسطينيين في الضفة.
ويخلص التقرير إلى أن انتهاكات إسرائيل للقانون الدولي، سواء في الضفة أو القطاع، تمر من دون عقاب. ولذلك دعا إلى «وجوب أن تغير إسرائيل نمطها البائس في كل ما يتعلق بتقديم المخالفين للمحاكمة». واستدرك التقرير فقال أنه «أيضا في الجانب الفلسطيني ليس هناك من يتحمل بشكل مناسب المسؤولية» عن ارتكاب جرائم حرب.
ومعروف أن إسرائيل استبقت صدور تقرير المجلس العالمي لحقوق الإنسان بإصدار تقريرها الخاص عن الحرب. وأعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أنه «مضيعة للوقت». ووصف المجلس بأنه «جهة معادية وغير موضوعية تجاه إسرائيل.. اتخذ قرارات ضد إسرائيل أكثر مما اتخذ ضد سوريا وإيران وكوريا الشمالية مجتمعين». كما أن نتنياهو عاد لاحقا ليرى أن التقرير يقع ضمن سياق محاولات «نزع الشرعية عن إسرائيل».
وفتح نشر التقرير الباب أمام كثير من زعماء اليمين في إسرائيل لتصفية حساب مع الأسرة الدولية. وأعلن زعيم «البيت اليهودي» وزير التعليم نفتالي بينت أن هذا «تقرير تقطر من يده الدماء، لأنه يجيز قتل اليهود»، وأنه «يحاول أن يجعل الدم اليهودي الأرخص في العالم الغربي، ويقيد أيادي جنودنا عن حماية سكان الجنوب». أما زعيم «إسرائيل بيتنا» أفيغدور ليبرمان فدعا إلى الانسحاب من المجلس العالمي لحقوق الإنسان.
وانبرى زعيم «حزب العمل» اسحق هرتسوغ للدفاع عن الجيش الإسرائيلي، الذي وصفه بأنه «جيش أخلاقي»، ومع ذلك قال أن أهم شيء في سياق غزة هو الحيلولة دون وقوع الجولة المقبلة.
ومن ناحيتها، رحبت «حماس» بالتقرير، معتبرة انه «إدانة» لإسرائيل. وقال المتحدث باسمها فوزي برهوم «ترحب حماس بإدانة تقرير الأمم المتحدة للاحتلال الصهيوني في عدوانه الأخير على غزة وارتكابه جرائم حرب». وأضاف «هذا يستلزم جلب قادته لمحكمة الجنايات الدولية، ويجب أيضاً وضع حد لجرائمه على شعبنا وعلى غزة».
وفي رام الله، أكد عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية مصطفى البرغوثي أن ما تضمنه التقرير سيعزز المسعى الفلسطيني في محكمة الجنايات الدولية. وقال «ما تضمنه التقرير بشأن ارتكاب إسرائيل جرائم حرب في غزة يعزز موقفنا من التوجه إلى المحكمة الجنائية الدولية. وفيما يخص الشق المتعلق باتهام الفلسطينيين بارتكاب جرائم حرب نحن جاهزون لذلك أيضا».
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد