الثورات الملونة: إدارة أوباما تبدأ ببيع ما اشترته إدارة بوش
الجمل: راهنت النخبة السياسية الجورجية بقيادة الرئيس الجورجي وحامل الجنسية الأمريكية وزعيم الثورة الملونة ميخائيل ساخاشفيلي على الارتباط بمحور تل أبيب – واشنطن، ودول الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو كوسيلة لتنمية جورجيا ولكنه (مع نخبة ثورته الوردية) تمادوا في الرهان على هذا المحور دون أن يضعوا في الاعتبار الحقائق العلمية الرياضية القائلة أن الرهان أياً كان هو مجرد احتمال والاحتمال في السياسة ليس يقيناً.
* ماذا تقول المعلومات والتسريبات الأخيرة:
نقلت المصادر الاستخبارية الأمريكية قبل بضعة أسابيع المعلومات القائلة بأن إدارة أوباما الديمقراطية تسعى لعقد صفقة استراتيجية واسعة النطاق مع موسكو واليوم نقلت المصادر ذاتها المعلومات حول مصير جورجيا ونظام ساخاشفيلي الحليف لمحور واشنطن – تل أبيب في القوقاز.
أكدت المصادر أن جورجيا تم إبلاغها رسمياً بأن حلفاءها الغربيين لن يستطيعوا حمايتها بالشكل الكافي الذي يعزز أمنها في مواجهة روسيا وأشارت المصادر إلى الحقائق الآتية:
• طلب نظام ساخاشفيلي الجورجي رسمياً ضم جورجيا إلى حلف الناتو وعضوية الاتحاد الأوروبي وطلب من واشنطن وإسرائيل الضغط على الأوروبيين للقبول بذلك، إضافة لذلك، طلب نظام ساخاشفيلي من الولايات المتحدة الأمريكية عقد اتفاقيات تعاون استراتيجي بما يؤدي إلى قيام علاقة خاصة أمريكية – جورجية على غرار العلاقة الخاصة الأمريكية – الإسرائيلية بما يتيح لجورجيا القيام بدور "إسرائيل القوقاز". وتقول المعلومات والتسريبات أن الرئيس ساخاشفيلي كان قد اتفق على ذلك مراراً وتكراراً مع صديقه ديك تشيني نائب الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش.
• أرسل الرئيس الجورجي رئيس وزرائه نيلولوز غيلاوري لمقابلة الأمريكيين والأوروبيين خلال اجتماع وزراء خارجية حلف الناتو الأخير في بروكسل، وتقول المعلومات أن غيلاوري حصل على الردود الآتية:
- وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون عقدت معه لقاءاً أكدت فيه أن واشنطن مهتمة في الوقت الحالي بتوثيق علاقاتها مع موسكو لأن واشنطن تدرك أن علاقاتها مع موسكو أكثر أهمية لمصالحها من علاقاتها مع جورجيا، وبالتالي فإن واشنطن لن تستطيع تقديم أي تنازلات أو ضمانات لأمن جورجيا ومن الأفضل لجورجيا أن تسعى لتنقية الأجواء مع جارتها الكبيرة روسيا.
- مفوضة العلاقات الخارجية بالاتحاد الأوروبي بينيتا فيديرو فالدنر كررت في لقائها مع غيلاوري نفس ما نقلته كلينتون له، إضافة لذلك أكدت فالندر أن مفوضية العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي تنصح جورجيا بالدخول في علاقات عملية تركز على تأمين المصالح الجورجية – الروسية.
هذا، وتقول المعلومات والتسريبات أن محور واشنطن – بروكسل قد تفادى إخبار جورجيا بالموقف الأمريكي – الأوروبي الجديد إزاءها، ولكن ملاحظة نظام ساخاشفيلي الجورجي هي التي دفعت محور واشنطن – بروكسل لإخبار رئيس الوزراء الجورجي رسمياً به على أمل أن يسعى النظام الجورجي إلى إعادة ترتيب علاقاته الإقليمية والدولية بشكل أكثر واقعية.
* ماذا وراء موقف خط واشنطن – بروكسل:
أكد تحليل استخباري أمريكي صادر اليوم أن تفاهمات "ما وراء الكواليس" الجارية على خط موسكو – واشنطن، وموسكو – بروكسل، وواشنطن – بروكسل، تضمنت توافقاً أمريكياً – أوروبياً حول "الخط الفاصل" الذي رسمته موسكو والذي أكادت فيه بوضوح الآتي:
• إن التفاهم والتعاون بين أطراف مثلث موسكو – واشنطن – بروكسل ممكن، وعلى وجه الخصوص في مجالات الأمن والطاقة والدفاع والاقتصاد والسياسة وغيرها.
• إن على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلف الناتو الابتعاد عن محاولات استخدام الجمهوريات السوفيتية السابقة وعلى وجه الخصوص جورجيا وأوكرانيا في محاولة استهداف أمن واستقرار روسيا، هذا وإن أرادت أمريكا وأوروبا وحلف الناتو من روسيا تقديم المساعدات المتعلقة بتمرير الإمدادات إلى قوات الناتو والقوات الأمريكية الموجودة في أفغانستان إضافة إلى التعاون حول أزمة الملف النووي الإيراني.
أضافت المعلومات والتسريبات التي أوردها التقرير الاستخباري الأمريكي أن الإدارة الأمريكية الديمقراطية الجديدة هي التي عارضت بشدة ضم جورجيا إلى حلف الناتو إضافة إلى معارضة أنقرة وأكد التقرير أن الإدارة الأمريكية الديمقراطية الجديدة حثت الاتحاد الأوروبي لجهة عدم السعي لضم جورجيا إلى عضويته.
* نظام ساخاشفيلي على مفترق الطرق: إلى أين؟
الموقف الأمريكي – الأوروبي الجديد سيلي بالكثير من التداعيات ليس على مستقبل نظام ساخاشفيلي وحسب، وإنما على مستقبل توازنات القوى وخارطة التحالفات في منطقة القوقاز الجنوبي والشمالي وبقية مناطق البحر الأسود وعلى هذه الخلفية نشير إلى الآتي:
• الاقتصاد الجورجي لا يستطيع تغطية احتياجاته وقد اعتمد نظام ساخاشفيلي على المساعدات الأمريكية والأوروبية لتغطية هذا الانكشاف.
• اكتسب ساخاشفيلي تأييد الرأي العام الجورجي على أساس اعتبارات عاملين: الأول يتمثل بأنه رجل أمريكا الأول في القوقاز بما يجعله الزعيم الوحيد القادر على جلب المعونات والدعم الأمريكي – الغربي لجورجيا، والثاني يتمثل في روح العداء الشديد الذي يتملك الجورجيين لروسيا وهو العداء الذي تبلور بالنزعة القومية – الاجتماعية الجورجية.
• ترتبط جورجيا بعلاقات جوار إقليمي مع روسيا وأذربيجان وأرمينيا وتركيا، إضافة إلى ساحلها على البحر الأسود الذي يمثل إطلالة جورجيا على العالم.
• توجد في جورجيا العديد من الحركات القومية الانفصالية، ففي أوسيتيا وأبخازيا توجد حركات انفصالية نجحت في الحصول على الحكم الذاتي، وبعد الحرب الجورجية – الروسية حصلت على اعتراف موسكو بحقها في الاستقلال، إضافة لذلك، توجد أربعة حركات انفصالية في جنوب جورجيا يتوقع الخبراء أن يتزايد عددها خلال الفترة القادمة وهي:
- الحركة الانفصالية الأرمنية وتعمل في مناطق تواجد السكان الجورجيين من أصول أرمنية والموجودين في مناطق الحدود الجورجية – الأرمنية.
- الحركة الانفصالية الأذرية، وتعمل في مناطق السكان الجورجيين ذوي الأصول الأذربيجانية والموجودين في مناطق الحدود – الأذربيجانية.
- الحركة الانفصالية التركية وتعمل في منطقة أدجاريا المأهولة بالسكان الجورجيين الأتراك وبرغم حصول منطقة أدجاريا على اعتراف جورجيا بحق الحكم الذاتي فإنها تسعى الآن إلى الحصول على حق الاستقلال من خلال الدعم التركي والروسي.
- الحركة الانفصالية الإغريقية وتوجد في المنطقة الوسطى الجنوبية حيث يوجد تجمع سكاني كبير من الجورجيين ذوي الأصول اليونانية وبرغم أنهم يطالبون حالياً بحق الحكم الذاتي فمن المتوقع أن تتحول مطالبتهم باتجاه حق الاستقلال.
حتى الآن لم يتفق الخبراء والمحللون السياسيون حول سيناريو محدد لمستقبل جورجيا ولكن على خلفية تحليل المعطيات السابقة والجارية حالياً، يمكن أن نشير إلى الآتي:
• لن يستطيع نظام ساخاشفيلي العودة إلى التعاون مع موسكو لأسباب رئيسية تتمثل في:
- تزايد النزعة القومية الجورجية التي تتضمن طاقة كبيرة من الكراهية التاريخية للروس.
- عدم قدرة نظام ساخاشفيلي على إعادة إنتاج برنامج سياسي جديد يتم التسويق له بدلاً عن برنامج الثورة الملونة التي عرفت باسم "الثورة الوردية" التي من أهم أركانها العداء لروسيا والولاء لمحور واشنطن – تل أبيب.
- يعتمد نظام ساخاشفيلي حالياً بشكل رئيسي على عائدات خط أنابيب نفط باكو – تبليسي – جيهان، القادم من أذربيجان عبر جورجيا وصولاً إلى تركيا.
- لن يستطيع نظام ساخاشفيلي استخدام القوة ضد الحركات الانفصالية الجورجية فالعنف ضد أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا الشركسية ترتب عليه مواجهة العصا الغليظة الروسية في الحرب الأخيرة وبالتالي فإن العنف ضد الحركات الانفصالية الأذربيجانية والأرمنية والتركية سيجلب غضب تركيا وأرمينيا وأذربيجان، إضافة إلى أن العنف ضد الحركات الانفصالية الإغريقية سيجلب غضب الاتحاد الأوروبي.
أصبح نظام الثورة الملونة الجورجية أمام العواصف المتقلبة وإذا كان هذا النظام قد اشترته إدارة بوش الجمهورية بثمن غالي فإن إدارة أوباما الديمقراطية قد باعته بثمن رخيص في أسواق وبورصات السياسة الدولية، وحالياُ من المتوقع أن يسعى ساخاشفيلي إلى الاستعانة بإسرائيل وتركيا وعلى الأغلب أن تسعى تركيا إلى ترويض ساخاشفيلي وإعطاءه دوراً هامشياً في خارطة التحالفات القوقازية أما إسرائيل فعلى الأغلب أن تكون قد لعبت دوراً في بيع ساخاشفيلي خوفاً من غضب روسيا التي لم تعد قابلة للاحتواء الأمريكي.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد