الجزء الثاني من مقابلة الرئيس الأسد مع صحيفة «جمهورييت» التركية
اعتبر الرئيس بشار الأسد، في الجزء الثاني من المقابلة التي أجرتها معه صحيفة «جمهورييت» التركية، والذي نشر أمس، أن «حكومة رجب طيب اردوغان تجاوزت العلاقة الأخوية مع سوريا إلى علاقة تدخل مباشر لتتورط لاحقاً في الأحداث الدموية من خلال تأمين الدعم اللوجستي للإرهابيين واتخاذ سياسات خطرة على الشعبين التركي والسوري، الأمر الذي ترفضه سوريا كدولة مستقلة وترفض أي تدخل في شؤونها الداخلية».
واتهم الأسد الحكومة التركية بنشر الدرع الصاروخي التابع لحلف شمال الأطلسي على أراضيه لحماية إسرائيل، معتبراً أن أردوغان «سقط على الساحة العربية ولم يعد موجودا لا هو ولا مصداقيته».
وقال الأسد، رداً على سؤال حول تدهور العلاقات بينه وبين اردوغان، «علينا أولاً أن نحدد من الذي تغيّر. انظر إلى العلاقة السورية مع باقي الدول، فالعلاقة بيننا وبين العراق وإيران والأردن وغيرها من الدول لم تتغير، ومازالت العلاقات السورية ذاتها، وفي المقابل لاحظ تغير العلاقة التركية مع معظم هذه الدول في المنطقة، ليس فقط مع سوريا. طبعاً الذي تغير بالنسبة إلينا من الجانب التركي هو أن الموضوع في المرحلة الأولى تجاوز العلاقة الأخوية إلى علاقة تدخل مباشر في الشؤون السورية، وهذا الشيء مرفوض تماماً في سوريا. نحن دولة مستقلة تحترم نفسها وسيادتها».
وأضاف «هذا في المرحلة الأولى، ولاحقاً بدأت الحكومة التركية تتورط في الأحداث الدموية في سوريا من خلال تأمين الدعم اللوجستي للإرهابيين الذين يقتلون الأبرياء، ومن خلال اتخاذ هذه الحكومة سياسات خطرة على الشعب التركي وعلى الشعب السوري. هذا من الناحية السياسية فقط، وأنا لن أتحدث هنا عن الجوانب والمواصفات الشخصية لهذا الرجل الذي خرج في تصريحاته عن كل الآداب والأخلاق التي يمكن أن يتحلى بها أي سياسي في العالم، أو أي إنسان».
وعن رفض دمشق للتدخل الخارجي وإعلان اردوغان أنه كان يقول بأنه قد قال لكم وطلب منكم وأوصاكم وإنكم وعدتموه بأنكم ستفعلون كذا وكذا، قال الأسد إن «ما تذكره أنت حول هذه التصريحات هو الدليل على ما قلته أنا، بأنه كان يتدخل في الشؤون الداخلية، وانطلاقاً من أن لا علاقة له بالشؤون الداخلية السورية فكيف أقدم له وعداً، أليس في هذا دليل على الكذب؟ هو يسألني ويقدم نصائح، وأنا لديّ تصور وأعلنته في خطاباتي. كان ينصح بالإصلاح أحياناً، وكنا نحن أعلنا عن حزمة الإصلاحات بعد ستة أيام من بدء الأحداث في سوريا في آذار العام 2011، وها قد نفذنا كل ما وعدنا به حتى تغير الدستور بشكل كامل، وإذا سألته الآن ربما يتحدث لك عن الإصلاح. ولكن أنا أطرح السؤال الآن: لو كان صادقاً في دعوته للإصلاح لماذا لم يكن يتحدث فيه منذ سنوات، منذ بداية العلاقات معه في العام 2004؟ هل شعر بالود والمحبة والحرص فجأة تجاه الشعب السوري؟ وهل من المنطقي أن يكون حريصاً على الشعب السوري أكثر مني مثلاً؟ ماذا تقول عني لو قلت لك الآن بأنني أكثر حرصاً على الشعب التركي منك أنت كمواطن تركي؟ لا شك في أنك ستقول بأن هذا نفاق. فليهتم اردوغان بشؤونه الداخلية، وليس بشؤون غيره كي يبقى ما تبقى من سياسة تصفير المشاكل قابلة للتطبيق».
وعن ماذا كان اردوغان يريد، قال الأسد «بالمختصر كانت لديه أجندة أكبر من موضوع سوريا، تتعلق ربما بموقعه الشخصي وموقع فريقه. كان يريد أن يكون الإرهابيون أحراراً في عملهم في سوريا، ألا يسجنوا وألا يلقى القبض عليهم، وألا ندافع عن أنفسنا. عندها بالنسبة له تكون الأمور جيدة».
وأعلن الأسد، رداً على سؤال حول ما إذا كان يقصد بالإرهابيين جماعة الإخوان المسلمين، انه «قبل الأزمة بسنوات كان اردوغان حريصاً دائماً على الإخوان المسلمين السوريين، وكان يهتم بهم أكثر مما يهتم بالعلاقة السورية - التركية. ومن دون شك بالنسبة له الآن هم هاجس أساسي في الأحداث في سوريا، أي الدفاع عنهم ومساعدتهم. طبعاً نحن لا نسمح بهذا الشيء، لا من أجل اردوغان ولا من أجل أي أحد في العالم».
وعما إذا نسفت الجسور مع اردوغان، قال الأسد «أعتقد ذلك، لأنه فقد مصداقيته، وإعادة بناء هذه الجسور يعتمد على إمكانيته استعادة المصداقية على الساحة العربية بشكل عام، وليس عندي فقط، فالقضية ليست شخصية، وعندما يكون لديه الشجاعة بأن يقف ويعترف بأخطائه الكثيرة التي لا تُعدّ ولا تُحصى، في هذه المرحلة، فلا أعتقد بأنه سيكون هناك مشكلة للشعب في منطقتنا، الشعب العربي والسوري تحديداً، أن يغفر له، وأعتقد أن الشعب التركي سيغفر له أيضاً».
واعتبر الأسد أن المخرج للأزمة السورية ـ التركية «هو في أن تعود الحكومة التركية عن أخطائها في التعامل مع الوضع السوري، وفي عدم استغلالها لأي حدث من أجل خلق مشاكل كبيرة، وفي وضع مصالح الشعبين السوري والتركي قبل المصالح الشخصية الضيقة لمسؤوليها. فإذا المخرج موجود أمامنا والعملية بسيطة. ليست صعبة على الإطلاق، وأنا متأكد بأن الشعب التركي نفسه سيكون، كما الشعب السوري، داعماً لهذا الشيء وفي مقدمتهم أهالي الطيارين. ويكفي لأردوغان أن يستمع إلى تصريح والد الطيار كي يجد المخرج».
وحول ماذا تغير في اردوغان، أوضح الأسد «تغيرت الظروف، وهذه الظروف أظهرت حقيقة اردوغان. وأنا سأعطيك بعض الأدلة. مثلاً سمعنا الكثير من الصراخ دفاعاً عن الفلسطينيين في العام 2008 عندما هاجمت إسرائيل غزة، ولكن قبلها بسنتين ونصف (السنة) لم نسمع هذا الصراخ عندما هاجمت إسرائيل لبنان. هنا مقاومة وهنا مقاومة. هنا إسرائيل تقتل وهنا تقتل، وفي كلا البلدين اقترب عدد الشهداء من الـ 1500». وأضاف «لقد أظهر خلفيته الطائفية، لأن الفرق بينهما هو فقط الناحية الطائفية. اردوغان اليوم يبكي من أجل الشعب السوري بكاء المنافقين، لماذا لم يبك من أجل من يقتلون في بعض دول الخليج، وهم أبرياء وسلميون لا يحملون السلاح. لماذا لا يتحدث عن الديموقراطية في بعض بلدان الدول الخليجية».
وعن أي دول يتحدث، قال الرئيس السوري «قطر كمثال. لماذا لم يفعل شيئاً بعد سفينة مرمرة سوى الصراخ؟ لماذا يتحدى إسرائيل وفجأة يوافق على وضع الدرع الصاروخي في تركيا؟ هل وضعها لحماية تركيا من هجوم من بلد معاد، وهل وضعت أميركا هذه القواعد كي تحمي أميركا من هذه المنطقة؟ من هو البلد الذي يستطيع أن يهدد أميركا من منطقتنا. لا أحد. فإذا الجواب هو انه وضعها لحماية إسرائيل. هذه الظروف كشفت حقيقة اردوغان لا أكثر ولا أقل. لم يتغير اردوغان بل تغيرت نظرة الناس لأردوغان في المنطقة. سقط على الساحة العربية، ولم يعد موجوداً، لا هو ولا مصداقيته».
سانا
إضافة تعليق جديد