الجيش الأمريكي في العراق: من القتل الوظيفي إلى القتل الهيكلي

الجمل:  تشير الأنباء والمعلومات إلى الكثير من الأرقام المفزعة والمخيفة بشأن عمليات القتل الجماعي، التي أصبحت تحدث يومياً في العراق، وقد حمل موقع انتي وار المناهض للحرب الأمريكية ضد الإرهاب، عنواناً رئيساً يقول: إن عدد القتلى المدنيين العراقيين قد تجاوز الـ(600) ألف قتيل، وذلك في الفترة من آذار 2003 وحتى يوم 9 تشرين الأول 2006م.
كتب التاريخ مليئة بأخبار المعارك والقتلى وضحايا الحروب، ولكن معدل 600 ألف قتيل في ثلاث سنوات وفي بلد يبلغ عدد سكانه 20 مليوناً ( من دون كردستان) هو رقم يحمل أكثر من دلالة، خاصة وأنه تم احتلاله بالكامل بوساطة الجيش الأمريكي والبريطاني، وحلفاؤهما، وتم تسريح قواته المسلحة الوطنية.
القتل على أساس اعتبارات نظرية النظم ينقسم إلى نوعين، قتل هيكلي، وقتل وظيفي، والقتل الهيكلي يبدأ بقتيل واحد أو بضعة قتلى، ولكنه عندما يزداد يتحول من قتل هيكلي إلى قتل وظيفي، والشيء نفسه عندما تزداد أعداد ضحايا القتل الوظيفي فإنه يتحول إلى قتل هيكلي.
معطيات الخبرة التاريخية تشير إلى الآتي:
• قامت الوحدات العسكرية الكردية التابعة للامبراطورية العثمانية بعمليات قتل هيكلي على محورين، هما:
- شرق تركيا، وذلك عندما قامت بارتكاب مذابح الأرمن.
- جنوب تركيا وشمال العراق، وذلك عندما قامت بارتكاب مذابح الآشوريين.
• قامت ميليشيات التوتسي في راوندا، والتي سلحتها أمريكا وإسرائيل وبلجيكا، بمذابح راوندا الشهيرة في عام 1994م، وذلك عندما تمت عملية ذبح جماعي لحوالي مليون ونصف المليون شخص (وهو عدد تبلغ نسبته 25% من الشعب الرواندي البالغ عدده 6 ملايين).
• منذ عام 1984 وإسرائيل تقوم بتنفيذ واحدة من أكبر المذابح النظامية المؤسسية التاريخية في العالم، ضد الشعب الفلسطيني، والشعب اللبناني، وتتميز هذه المذابح بأنها تتم على وتيرة واحدة ضمن موجات متقطعة مرتفعة الشدة، ومتواترة الحدوث وتجد الغطاء والدعم الدولي.
القتل العادي، هو فعل يرتبط بالخطأ والمسؤولية التقصيرية للطرف المعتدي، ولكن القتل العراقي، كان في بدايته قتلاً وظيفياً، مارسته القوات الأمريكية وحلفاؤها، وذلك من أجل الإطاحة بنظام صدام حسين، (وتحرير العراق بحسب مزاعم الرئيس جورج بوش عند بداية الغزو في مطلع عام 2003م)، وحالياً تزايدت أعداد القتلى، وتنوعت أساليب القتل المصحوبة بغموض الوسائل والأهداف المتوخاة من عملية القتل، إضافة إلى تفشي عملية التضليل الإعلامي، وإغماض سلطات الاحتلال الأمريكي عينها عن القتلة، وتواطؤ حكومة (البروكسي الأمريكي) التي (عينتها) سلطات الاحتلال الأمريكي برئاسة نوري المالكي.
إذاً تزايد القتل الوظيفي، وأصبح قتلاً هيكلياً، يهدف إلى إحداث استئصال كبير في القوام السكاني البشري الحيوي الفاعل في العراق، ويمكن أن نوضح ذلك بالأرقام الآتية:
عدد السكان الكلي يبلغ حوالي 20 مليوناً، وبسبب مغادرة ربع السكان إلى خارج العراق، يتبقى حوالي 15 مليوناً، جلهم من الفقراء، يتوزعون 7 ملايين ونصف المليون ذكور، و7 ملايين ونصف المليون إناث، ولما كانت الإحصائيات الديموغرافية تقول: بقاعدة أن 45% من السكان يكونون دون سن 15 عاماً، فإن عدد الذكور العراقيين الموجودين في العراق والذين تقل أعمارهم عن 15 عاماً هو 375000،3 شخصاً، وان حوالي 10% يمثلون الشيوخ ومن هم فوق 60 عاماً، أي حوالي 750 ألفاً، وبالتالي، وبعملية حسابية بسيطة يمكن القول: إن عدد العراقيين الذكور الذين هم في مرحلة العمر الحيوي والموجودين حالياً في العراق، يبلغ 370000،3 ولما كان القتلى والضحايا من الذين يعيشون في هذه الفئة والمرحلة العمرية، فإنه بخصم 600 ألف قتيل يتبقى حالياً حوالي 775000،2 عراقي ذكر داخل العراق.
وإذا استمرت عملية القتل بمعدلاتها البالغة بواقع 200 ألف قتيل سنوياً (طالما أن عدد القتلى خلال الثلاثة أعوام الماضية قد بلغ 600 ألف، أي بواقع 200 ألف سنوياً.. فإن عدد القتلى خلال عشرة أعوام سوف يبلغ 2مليون، وبافتراض أن الهجرة من داخل العراق إلى خارجه سوف تستمر، فإن العراق، على الأغلب سوف يكون خالياً من الرجال في عام 2016م.
وحالياً هناك مسلسل عراقي كوميدي يقول: إن العراق سوف يصبح منطقة خالية من السكان ولن يتبقى فيه أحد بحلول عام 2016.
وهكذا، فإنه بتراكم القتل الوظيفي بكميات كبيرة في العراق، فإنه يتحول إلى قتل وظيفي يقضي على الكيان المجتمعي العراق، وعلى ما يبدو فإن هذا هو ما تريده أمريكا وإسرائيل، وهو المضي قدماً في قتل الشعوب وإبادتها حتى تخلو الكرة الأرضية من الآخرين، وعندها سوف يقوم اليهود وأنصارهم ببناء مملكة الرب هرمجدون، والجدير ذكره أن ريتشارد بيرل (أحد زعماء المحافظين الجدد والملقب بأمير الظلام) قال واصفاً جون بولتون بأنه الرجل الذي يتمنى أن يقف إلى جانبه في لحظة قيام مملكة الرب: هرمجدون.

الجمل: قسم الدراسات والترجمة