الخطة الأميركية للتسوية:مفاوضات لسنتين يتواصل خلالها الاستيطان
انتهت أعوام الحسم السياسي التي سبق للرئيسين الأميركيين جورج بوش الابن وباراك أوباما الإعلان عنها. ومن دون إعلان، تنصب الجهود حالياً على اختبار قلب المعادلة، وحسم قضايا الصراع في عامين، من دون التأكيد على الالتزام المسبق بجداول زمنية محددة. ويبدو أن هذا هو أساس التحرك الأميركي الجديد، الذي سيقفز في الإعلام بعودة المبعوث الأميركي جورج ميتشل إلى المنطقة. وقد بدأت إرهاصات هذه القفزة في التحركات التي شهدتها واشنطن والقاهرة وتل أبيب ورام الله باتجاه إعادة إسرائيل والسلطة الفلسطينية إلى طاولة المفاوضات.
وفي الأيام الأخيرة كثر الحديث عن خطة أميركية جديدة لاستئناف المفاوضات، تقوم على أساس ضمان النتائج النهائية لها. ويوم أمس، كشفت صحيفة «معاريف» النقاب عمّا أسمته البنود المركزية في هذه الخطة، وهي تتضمن استئناف المفاوضات فورا حول قضايا الحل النهائي، والاتفاق على إنجاز التسوية خلال عامين من موعد بدء التفاوض.
وذكرت «معاريف» أن أول المواضيع المدرجة على البحث هي قضية الحدود، التي ينبغي إنجازها خلال تسعة أشهر، تنتهي قبل انتهاء مهلة الأشهر العشرة التي قررت إسرائيل تجميد البناء الاستيطاني فيها. وتأمل الخطة الأميركية في عدم عودة الإسرائيليين للبناء الاستيطاني إلا في المواضع التي ستكون ضمن حدود إسرائيل في إطار الاتفاق. وشددت الصحيفة على أن مبدأ المفاوضات هو التوفيق بين مطلب الفلسطينيين باستعادة أراضٍ تساوي مساحتها ما تم احتلاله في العام 1967، والمطلب الإسرائيلي بحدود «قابلة للدفاع». وهذا يعني تبادل أراض.
وتقضي الخطة الأميركية، وفق «معاريف»، بأنه بعد انتهاء مسألة الحدود ينتقل الجانبان إلى قضيتي القدس واللاجئين. وسيحصل الفلسطينيون على رسالة ضمانات أميركية بأن الحد النهائي للمفاوضات هو عامان، وأنه لن يكون هناك تأجيل إضافي. وفي حال عدم التوصل إلى اتفاق، سيطالب الفلسطينيون الولايات المتحدة بدعم حقهم في الحصول على أرض تساوي ما تم احتلاله في العام 1967. وتتوقع «معاريف» أن تطالب إسرائيل برسالة ضمانات أميركية تؤكد التعهدات التي أعطاها الرئيس بوش لرئيس الوزراء الأسبق أرييل شارون في العام 2004 بشأن الكتل الاستيطانية.
وكان رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو قد حاول إشراك الرئيس المصري حسني مبارك في إقناع الرئيس الفلسطيني محمود عباس بصدق نواياه تجاه التسوية. وسبق لنتنياهو أن أعلن أن على الفلسطينيين أن يجربوه، زاعماً أنه يمتلك مشروعا متكاملا للتسوية. ويبدو أن إسرائيل سعت إلى إشراك مصر في ما تسميه محاولة «بلورة شروط بدء المفاوضات»، والتي تقوم على حث الفلسطينيين على القبول بالمشاركة في عمل طواقم إعداد «مذكرة تفاهم» تمهّد الطريق للقاء قمة بين نتنياهو وعباس.
وذكرت «هآرتس» أن نتنياهو عرض على مبارك، خلال لقائهما في القاهرة الأسبوع الماضي، موافقته على البحث في المطلب الفلسطيني بإنشاء دولة في حدود العام 1967، وبالعمل على إنجاز التسوية في عامين. وأشارت إلى أن هذا ليس جدولا زمنيا مقدسا إذ يمكن تقصيره لعام ونصف أو تمديده لثلاثة أعوام.
وأشارت المعلومات إلى أن وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط ورئيس جهاز المخابرات الوزير عمر سليمان سيتوجهان إلى واشنطن لتقديم مقترحات جديدة بشأن العملية السياسية، أو لعرض نتائج الاتصالات التي جرت حتى الآن. وتمهد زيارة المسؤولين المصريين الطريق أمام عودة المبعوث الأميركي جورج ميتشل إلى المنطقة.
وكانت صحيفة «هآرتس» قد أوضحت أن الإدارة الأميركية، في إطار مسعاها لإعادة عباس إلى طاولة المفاوضات، أبدت استعدادها لتقديم تعهدات حول مساحة الدولة الفلسطينية العتيدة. وأشارت الصحيفة إلى أنّ الولايات المتحدة وإسرائيل تضعان اليوم كل جهدهما على مصر لإقناع الرئيس الفلسطيني باستئناف المفاوضات. ونقلت «هآرتس» عن مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى قوله إن «لمصر نفوذاً على الفلسطينيين أكبر من نفوذ أوباما». وبحسب هذا المسؤول فإن الرئيس المصري «فهم أن نتنياهو جدي، ويفهم الواقع، ومستعد لبحث السير الجدي نحو اتفاق».
وبحسب ما نشر في إسرائيل فإن نتنياهو أبلغ الرئيس المصري حسني مبارك بأن إسرائيل لا تضع شروطا لاستئناف المفاوضات، ولكنّ لديها شروطاً لانتهائها. ومن بين أبرز الشروط الإسرائيلية الاعتراف بإسرائيل كدولة للشعب اليهودي وأن تكون الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح.
غير أن الواقع يشهد على أن لنتنياهو شروطاً مضمرة، ومن بينها أن حل قضية اللاجئين ليس في إسرائيل، ما يعني رفض مبدأ حق العودة، وأن القدس ستبقى عاصمة موحدة لإسرائيل، كما أنه يرفض تحديد مهلة عامين لإنجاز المفاوضات.
ومعلوم أن نتنياهو يوافق على قيام دولة فلسطينية بعيدا عن الكتل الاستيطانية والمستوطنات القريبة من الحدود، والتي ضمها الجدار الفاصل. ومع ذلك فإنه، وبسبب الائتلاف اليميني الذي يرأسه، مضطر للبدء بخطوات صغيرة تقوم على أساس التوافق مع خطة رئيس الحكومة الفلسطينية سلام فياض لبناء المؤسسات الفلسطينية والمنظومة الاقتصادية، وبعد ذلك تأتي الأبعاد الرسمية لإعلان الدولة.
وتصر قيادات فلسطينية على أن عباس لن يوافق على استئناف المفاوضات من دون تعهد بوقف الاستيطان. كما تشير إلى أن عباس يصر على استئناف المفاوضات من النقطة التي توقفت فيها مع رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق إيهود أولمرت.
ويعتقد أن محصلة الجهود الأميركية المصرية الأخيرة قد تكون عقد قمة في القاهرة بين نتنياهو وعباس. وكانت وكالة «رويترز» قد نقلت عن مصادر إسرائيلية قولها إن نتنياهو اقترح على الرئيس مبارك ترتيب عقد قمة مع أبو مازن تمهد لاستئناف المفاوضات.
تجدر الإشارة إلى أن مصادر فلسطينية تحدثت في نهاية الأسبوع الفائت عن أن حصيلة المساعي المبذولة أميركيا ومصريا ستظهر في النصف الثاني من الشهر الحالي، على شكل مبادرة متفق عليها لاستئناف المفاوضات.
وخلال اجتماع لكتلة حزب الليكود في الكنيست أمس، أعرب نتنياهو عن اعتقاده في أن «ثمة تغيراً معيناً خلال الأسبوعين الماضيين في الأجواء، وربما تكون الظروف قد نضجت بشكل يمكننا من الشروع في عملية سياسية». لكن نتنياهو أكد رفضه مطلب الرئيس الفلسطيني بتجميد الاستيطان، مكرراً أنّ «إسرائيل مستعدة للمفاوضات مع السلطة من دون شروط مسبقة».
وأشار نتنياهو إلى أن «الخطط السياسية التي تُنشر باسمي في وسائل الإعلام لا تنطوي على حقائق».
وفي موازاة تصريحات نتنياهو اعتبر وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، خلال لقائه مبعوث اللجنة الرباعية الدولية طوني بلير انه لا إمكانية للتوصل إلى اتفاق سلام بين إسرائيل والفلسطينيين في غضون سنتين، وفقا لمبادرة السلام التي تطرحها الولايات المتحدة، معتبراً أنّ «هذه غاية ليست واقعية وينبغي البدء بمحادثات مباشرة من دون الالتزام بأي موعد».
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد