الدور الإسرائيلي في مشروع الاتحاد من أجل المتوسط
الجمل: يتحدث الخبراء والمحللون السياسيون عن العلاقة الخاصة الإسرائيلية – الأمريكية ومدى تأثير واشنطن المتحيز لمصلحة تل أبيب في إدارة الصراع العربي – الإسرائيلي وفي الوقت نفسه يتجاهل هؤلاء مدى العلاقة الخاصة الإسرائيلية – الأوروبية ومدى تأثيرها الداعم لإسرائيل في إدارة الصراع العربي – الإسرائيلي.
* العامل الإسرائيلي: الجذور ومعطيات الخبرة التاريخية:
شاركت إسرائيل في قمة الاتحاد من أجل المتوسط وشارك رئيس الوزراء الإسرائيلي في احتفالات العيد الوطني الفرنسي وتقول المعلومات بأن الحضور الإسرائيلي في مبادرة الاتحاد من أجل المتوسط هو أمر تعود جذوره إلى الحضور الإسرائيلي المكثف في الساحة السياسية الفرنسية إضافةً إلى تزايد الروابط الإسرائيلية – الفرنسية خلال الفترة الأخيرة بسبب علاقات ساركوزي الوثيقة بإسرائيل إضافةً إلى الدعم الكبير الذي ظلت تقدمه الجماعات والمنظمات اليهودية الأوروبية لنيكولاس ساركوزي بما أدى إلى تفوقه في الانتخابات والصعود إلى الإليزيه الفرنسي.
تشير معطيات الخبرة التاريخية إلى أن الجماعات اليهودية قد ظلت حتى فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية تلعب دوراً فاعلاً في الأنشطة الاقتصادية والسياسية الأوروبية وبسبب تداعيات الحرب العالمية الثانية لجأ عدد كبير من اليهود الأوروبيون إلى الهجرة عبر الأطلنطي ليستقروا في الولايات المتحدة الأمريكية، وعلى هذه الخلفية فإن الجماعات اليهودية الأمريكية هي مجرد امتداد للجماعات اليهودية الأوروبية، وحالياً ليس من المدهش أن نرى هذه الجماعات اليهودية الأوروبية وقد استعادت قدراً كبيراً من حيويتها التي أضعفتها تداعيات الحرب العالمية الثانية والهجرة إلى أمريكا.
تشير خارطة شبكة اللوبي الإسرائيلي في أوروبا إلى وجود نفوذ كبير لمنظمات اللوبي الإسرائيلي في كل من فرنسا، ألمانيا، بريطانيا، رومانيا، بلغاريا، وبولندا، وبدرجة أقل دول أوروبا الأخرى. ترتبط شبكات اللوبي الإسرائيلي الأوروبية بشبكة اللوبي الإسرائيلي الأمريكية وحالياً تتغلغل عناصر اللوبيات الإسرائيلية الأوروبية ضمن تيارات يمين الوسط الصاعدة هذه الأيام، ومن أبرز هذه الحركات:
• تيار يمين الوسط الفرنسي بقيادة ساركوزي.
• تيار يمين الوسط الإيطالي بقيادة برلوسكوني.
• تيار يمين الوسط الألماني بقيادة ميركل.
• تيار يمين الوسط البريطاني بقيادة براون.
* الاتحاد من أجل المتوسط: ما مدى تأثير العامل الإسرائيلي:
إن وجود أولمرت في قمة الاتحاد من أجل المتوسط وتواجد وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني في فعاليات الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى زيارات كبار الزعماء الأوروبيين المتكررة لإسرائيل، ليست مجرد تحركات دبلوماسية وإنما هي عبارة عن الجزء الظاهر من جبل الجليد الذي يختفي جزءه الأعظم تحت السطح.
تمارس اللوبيات الإسرائيلية المتغلغلة في الساحة الأوروبية تأثيرها على محورين:
• محور التأثير الهيكلي: ويتضمن السيطرة على مراكز الدراسات والمؤسسات المالية إضافةً إلى التواجد المكثف في أجهزة الإعلام الأوروبية.
• محور التأثير الوظيفي: ويتضمن ممارسة الضغوط والدفع باتجاه التأثير على عملية صنع واتخاذ القرار الأوروبي سواء داخل الدول الأوروبية أو بواسطة البرلمان الأوروبي والمفوضية الأوروبية.
بسبب الارتباط الوثيق بين الجماعات اليهودية وشبكات اللوبي الإسرائيلي الأوروبية والأمريكية بحملة الرئيس ساركوزي الانتخابية فمن الصعب الاعتقاد بأن إسرائيل لم تكن حاضرة عندما أطلق ساركوزي خلال حملته الانتخابية الرئاسية مبادرة الاتحاد من أجل المتوسط، وعلى هذا الأساس فإن الإدراك الإسرائيلي لهذه المبادرة لا يمكن أن يتجاوز أو يتخطى حدود الافتراض بأنها وسيلة أو أداة لإدماج إسرائيل ضمن المنطقة وفقاً للشروط التي تريدها إسرائيل.
ولكن، ومع ذلك، من الصعب أيضاً على الأقل من الناحية الظاهرية الاعتقاد بأن مبادرة الاتحاد من أجل المتوسط التي دخلت حيز التنفيذ بانعقاد قمة باريس الأخيرة سيكون جدول أعمالها وتطوراتها القادمة مطابقة لسيناريو التوقعات الإسرائيلية.
ليس جديداً أن تنهار سيناريوهات إسرائيل الهادفة لاستغلال وتوظيف المجال الجيو-سياسي الأوروبي لصالحها، فقد حاولت ذلك مراراً وتكراراً، والآن على إسرائيل أن تدرك بأن محاولة استخدام الأيادي الخفية من أجل توجيه وإعادة توجيه العملية السياسية – الاقتصادية المرتبطة بمبادرة الاتحاد من أجل المتوسط سوف لن يدفع إسرائيل إلا إلى خيار نفض يدها والابتعاد أو تجاهل الأمور تماماً كما حدث في ملف عملية برشلونة.
* خيوط اللعبة الإسرائيلية داخل البرلمان الأوروبي:
تستخدم إسرائيل العديد من الخيوط في إدارة اللعبة داخل دول الاتحاد الأوروبي ويمكن تحديد هذه الخيوط على النحو الآتي:
• الخيوط المؤسسية: وتتمثل في المنظمات اليهودية والمنظمات البروتستانتية – الأنجليكانية المرتبطة بالمسيحية الصهيونية وعلى وجه الخصوص في بلدان وسط وشمال أوروبا، أما في بلدان الجنوب كإيطاليا وفرنسا وإسبانيا حيث تنتشر الكاثوليكية فإن أبرز الخيوط يتمثل في استخدام أجندة ملف الهجرة في تصعيد نزعات الكراهية ضد العرب المسلمين المهاجرين إلى هذه البلدان.
• الخيوط البينية: وتتمثل في شبكة العلاقات البينية التي تتضمن ما يلي:
* علاقات عبر الأطلنطي وتمثل وسيلة هامة في يد إسرائيل باتجاه التأثير في التوجهات الأوروبية الكية والجزئية، إزاء قضايا الشرق الأوسط، والعلاقات الأوروبية – العربية.
* علاقات ما بين الدول الأوروبية: وتتمثل وسيلة إسرائيل في محاولة التأثير في توجيه دفة السياسة الأوروبية عن طريق استخدام الأنظمة الأوروبية الأكثر ترابطاً مع إسرائيل باتجاه التأثير على البلدان الأوروبية الأقل ارتباطاً مع إسرائيل.
* ماذا تقول آخر التخمينات؟
ستسعى إسرائيل باتجاه عرقلة مبادرة الاتحاد من أجل المتوسط ومنع تقدمها باتجاه التحول إلى كيان مؤسسي حقيقي وعلى الأغلب أن يعمل الإسرائيليون بمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية، وحصان طروادة البريطاني وحكومة المستشارة الألمانية باتجاه الإبقاء على الطابع الحواري الإيجابي كإطار لعملية الاتحاد من أجل المتوسط. وتشير التحليلات إلى أن المزيد من الضغوط الأمريكية سيتم فرضه على ساركوزي بما يؤدي إلى ردعه من مغبة المضي قدماً بالمبادرة ومحاولة إقناعه بأنه يعطل زخم المبادرة عن طريق وضع المشروطيات التي تقول بأن أي تقدم حقيقي في المبادرة سيرتبط بحدوث خطوات إيجابية في ملف أمن واستقرار الشرق الأوسط وعلى وجه الخصوص:
• مساعدة أمريكا في استقرار العراق.
• مساعدة لبنان في تنفيذ القرارات الدولية وعلى وجه الخصوص القرار 1701 القاضي بنزع سلاح حزب الله.
• المساعدة في إنهاء أزمة البرنامج النووي الإيراني.
• المساعدة في ملف الحرب على الإرهاب والحركات الإرهابية الشرق أوسطية المحددة سلفاً ضمن قوائم إرهاب الاتحاد الأوروبي والتي تأتي في مقدمتها حركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينيتين.
كذلك من المحتمل أن تسعى إسرائيل بالتنسيق مع بعض الأطراف الأوروبية باتجاه الضغط على دول شرق المتوسط وشمال إفريقيا من أجل تخفيف الضغوط الإعلامية على إسرائيل بما يمهد السبيل ويفسح المجال أمام صدور ما تطلق عليه تسمية "قانون مكافحة العداء للسامية" الذي على الأغلب أن تكون مصر والأردن في مقدمة البلدان التي قد تبادر بإصداره.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد