الدولة الفاشلة ونظرية المؤامرة في شرقي المتوسط
الجمل: كثيراً ما نسمع عن حالات من نوع "الفشل الكلوي" أو "الفشل الدماغي"، وما شابه ذلك من الحالات التي لو تكاثرت وتزايدت تداعياتها فإن جسم الإنسان يفشل عن أداء وظائفه الحيوية التي تكفل لصاحبه الاستمرار في الحياة ونفس الشيء أصبح يسري على الدول لجهة أن السياسات الفاشلة والاقتصاد الفاشل وما شابه ذلك تؤدي بالضرورة إلى القضاء على حيوية الدولة والمجتمع، بما يؤدي إلى جعل الفوضى حالة لا مفر منها.
* شرق المتوسط ونماذج الدولة الفاشلة:
يتضمن الحيز الجيو-سياسي الشرق متوسطي سبعة كيانات هي: سوريا، لبنان، الأردن، الأراضي الفلسطينية، تركيا، وإسرائيل. وتتفاوت أوضاع هذه الكيانات ضمن منظومة توازن القوى في المنطقة والسبب في ذلك يعود إلى تفاوت قدرات هذه الكيانات عند معايرتها وفقاً لاعتبارات عناصر القوة: الاقتصادية والعسكرية والسياسية والاجتماعية والتكنولوجية والبيئية.
توصف الدولة بأنها فاشلة إذا تدهورت أوضاعها وانهارت كل عوامل قوتها الهيكلية والوظيفية، ولم تعد تتمتع بأي من عوامل القوة المشار إليها. وتشير معطيات الخبرة التاريخية إلى أن الكثير من دول العالم القديم والوسيط والحديث والمعاصر قد وصلت إلى مرحلة الدولة الفاشلة بما أدى إلى انهيارها على نحو ترتب عليه إما انهيار النظام وصعود نظام جديد أو زوال الدولة وتفككها إلى دول أخرى أو اندماجها مع دول أخرى.
وتؤكد معطيات الخبرة التاريخية إلى أن الدولة العثمانية قد تحولت إلى دولة فاشلة فسقطت وزالت ومثلها الكثير وحالياً أصبح لبنان في طريقه إلى التحول إلى "دولة فاشلة" إن لم تتماسك القوى الوطنية اللبنانية وتقوم بحملة للإنقاذ الوطني.
* الدولة الفاشلة ونظرية المؤامرة في شرق المتوسط:
يتضمن الوضع الاستراتيجي الكلي لأي دولة بيئتين، تتبادلان التأثير فهناك بيئة داخلية تنطوي على جوانب القوة والضعف وبيئة خارجية تنطوي على جوانب الفرص والمهددات، وعلى هذه الخلفية برزت ظاهرة ما يمكن وصفه بمحاولة استخدام معطيات نظرية المؤامرة لجهة "صناعة الدولة الفاشلة" بما يعزز قدرة الأطراف الـ"صانعة" في إدارة الصراعات في منطقة شرق المتوسط، والتي يأتي في مقدمتها الصراع العربي – الإسرائيلي. الوضع الكلي لخارطة شرق المتوسط يشير إلى الآتي:
• لبنان: تتعرض البيئة الداخلية إلى ضغوط الخلافات والتعبئة السياسية المجتمعية وتتعرض البيئة الخارجية إلى سيطرة ونفوذ القوى الدولية المتحالفة مع إسرائيل.
• الأراضي الفلسطينية: تتعرض البيئة الداخلية إلى حالة الانقسام وتتعرض البيئة الخارجية لمخاطر التهديد العسكري – الأمني الإسرائيلي وضغوط حلفاء إسرائيل.
• الأردن: تتعرض البيئة الداخلية لصعود الأصولية الإسلامية إضافة إلى شح الموارد وتتعرض البيئة الخارجية إضافة إلى سيطرة نموذج التبعية للمعونات والمساعدات والتي لن يتم الحصول عليها إلا بموافقة إسرائيل.
• إسرائيل:تتعرض البيئة الداخلية لمخاطر الفساد والخلافات وتصاعد وتائر العسكرة والعداء للجيران بينما تتعرض البيئة الخارجية إلى ظاهرة الاعتماد على المساعدات الأمريكية والأوروبية الغربية إضافةً إلى العزلة والقطيعة الشديدة مع المنطقة الإقليمية.
• تركيا: تتعرض البيئة الداخلية لمخاطر الخلافات السياسية والمذهبية وتربص المؤسسة العسكرية – الأمنية القانونية بالدولة. وتتعرض البيئة الخارجية لضغوط الأزمة العراقية، القبرصية، إضافةً إلى الحرب الباردة مع أمريكا والغرب.
• سوريا: تتعرض البيئة الداخلية لمخاطر تأثيرات النزاعات في المنطقة إضافة إلى تزايد الضغوط على الاقتصاد بسب العقوبات الأمريكية المعلنة والغربية الأوروبية غير المعلنة أما البيئة الخارجية فتتضمن الكثير من المهددات التي تأتي في مقدمتها الخطر الإسرائيلي العسكري والخطر الأمني اللبناني والعراقي إضافةً إلى خطر تزايد تبعية الأطراف العربية للأجندة الأمريكية – الإسرائيلية على النحو الذي أدى إلى نشء تجمع المعتدلين العرب الذي أصبح يلعب دور "حصان طروادة" الإسرائيلي – الأمريكي داخل الصف العربي.
نلاحظ في معظم الحالات والنماذج الشرق متوسطية أن ثمة حالة انزلاق نحو نموذج الدولة الفاشلة وهي حالات انزلاق تعود أسبابها إلى عاملين:
• الأول عامل داخلي يتمثل في تبني النخب المسيطرة لنموذج التبعية السياسية ومن أبرز الأمثلة على ذلك تبعية النخب الحاكمة في لبنان والأردن والسلطة الفلسطينية للتوجهات الأمريكية – الإسرائيلية.
• الثاني عامل خارجي يتمثل في الضغوط الخارجية الهادفة إلى دفع بعض دول شر المتوسط باتجاه الوقوع في مستنقع الدولة الفاشلة، ومن أمثلة ذلك دفع تركيا إما باتجاه إسقاط النظام الحالي واستبداله بنظام جديد موالي لأمريكا، أو باتجاه الصراع الداخلي الذي يؤدي إلى الفوضى، بما يسمح للمؤسسة العسكرية الأمنية التركية الموالية لأمريكا بالتدخل وإعادة ترتيب الأوضاع بالشكل الذي تريده واشنطن.
* النخب الوطنية وإشكالية كسر حلقة الدولة الفاشلة:
يبدأ كسر حلقات الدولة الفاشلة بالعمل ضمن البيئة الداخلية وذلك بالتركيز على مواجهة التحديات الآنية:
• مراجعة وتقويم منظومة تخصيص الموارد المادية والمعنوية بما يحقق عدالة التوزيع.
• تحقيق منابع العنف الهيكلي الكامن وذلك عن طريق تفعيل عمليات التكامل الوطني الاندماجي التي تؤدي إلى القضاء على الخلافات والعداوات الإثنية والعرقية والطائفية والثقافية.
• تفعيل مفهوم نشر السلطة عملياً وتنفيذاً بما يؤدي إلى القضاء على كل مظاهر "فراغ قوة السلطة" وذلك بفرض قانون الأمن والنظام في كافة المجالات.
• تفعيل برامج وحملات مكافحة الفساد بما يؤدي إلى حماية المؤسسات العامة من خطر التآكل والانجراف وفقدان قنوات المصداقية.
أما بالنسبة للبيئة الخارجية فإن المشكلة –وعلى وجه الخصوص بالنسبة لبلدان منطقة شرق المتوسط- تبدو أكثر تعقيداً وذلك بسبب وجود الآتي:
• تأثير العامل الإسرائيلي.
• تأثير العامل الأمريكي.
• تأثير عامل المعتدلين العرب.
وما يزيد من الأمر خطورة يتمثل في أن هذه العوامل الثلاثة تمثل في نهاية الأمر شيئاً واحداً هو المشروع الإسرائيلي إضافةً إلى أن هذه العوامل تتفاعل بشكل منسجم تقدم فيه المساندة والمؤازرة لبعضها البعض.
قد يبدو التغلب على حلقة الدولة الفاشلة وكسرها في منطقة شرق المتوسط أمراً صعباً ولكنه ليس كذلك، بل هو أمر في غاية السهولة، في حالة الاعتماد على الشعب وبكلمات أخرى إن تعزيز علاقات الثقة والمصداقية بين الشعب والنخبة هو مفتاح الحل الذي يعزز قدرة الوقوف أمام معطيات مؤامرة صناعة الدولة الفاشلة وقد أكدت التجارب أن العقوبات الدولية والأسلحة الفتاكة وغيرها لن تستطيع أن تفعل شيئاً في مواجهة الإرادة الوطنية الواحدة.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد