العراق: جموح النزاع المسلح
الجمل- فكتور تيتوف- ترجمة: د. مالك سلمان:
تصاعدت المواجهات المسلحة في شمال ووسط العراق بعد الهجوم الناجح الذي شنته "الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام" ("داعش") في العاشر من حزيران/يونيو والذي أدى إلى احتلال محافظة نينوى الشمالية ومركزها الإداري – مدينة الموصل (ثاني أكبر منطقة مدنية في العراق التي يقطنها أكثر من مليون إنسان). هرب أكثر من 500,000 من سكان الموصل ولجؤوا إلى منطقة "كردستان"، حيث شيدوا المخيمات حول مدينة إربيل وفي أماكنَ أخرى. يمكن لهذا أن يكون أولا علامة على كارثة إنسانية قادمة. إضافة إلى ذلك، لدى الإسلامويين المتطرفين الآن الفرصة للتسرب إلى تلك المخيمات لزعزعة الوضع في "المنطقة الكردية المستقلة".
كانت المجموعات المسلحة التابعة ل "الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام" تتحرك بسرعة في 11 حزيران/يونيو من الجنوب باتجاه بغداد. وقد تمكنوا من السيطرة على مدينة بايجي، المعروفة بمصافي النفط الضخمة، بينما بدت فرص صد الهجمات على تكريت وكركوك ضئيلة جداً. وتبين التقارير الأخيرة أن المتشددين شوهدوا على بعد 200 كم من العاصمة العراقية.
قامت قوات "البشمركة" (المتشددون الكرد المسلحون)، خوفاً من سيطرة الإسلامويين على أضخم حقل نفطي، كركوك، الذي طالما كان موضوع نزاعات مستمرة بين الأكراد والعرب، بشن هجوم على القوات الإسلاموية.
إذا استمرت هجمات الإسلامويين، فسوف يتمكنون في القريب العاجل من الوصول إلى المناطق التي أعلنت تمردها ضد الحكومة العراقية خلال الأشهر السبعة الأخيرة – محافظة الأنبار الضخمة في غرب العراق. تخضع هذه المنطقة لسيطرة ائتلاف سني يشمل السلطات السنية، وأعضاءَ من القاعدة، والمتطرفين من "داعش"، والبعثيين العلمانيين، إضافة إلى الضباط السابقين في جيش وشرطة صدام. وعندها ستكون كافة المناطق السنية في العراق خارج سيطرة الحكومة الشيعية في بغداد والتي يراسها رئيس الوزراء نوري المالكي. وقد فشل هذا الأخير في تشكيل حكومة ائتلافية بعد الانتخابات البرلمانية في 30 نيسان/إبريل. وفي ظل هذه الظروف، هناك خطر كبير من وقوع بغداد في أيدي الإرهابيين. ففي نهاية المطاف، لا يسيطر المالكي بشكل محكم على العاصمة نفسها التي تهزها يومياً عشرات الهجمات الإرهابية. كما أن خطابه الأخير الذي ألقاه في البرلمان في 11 حزيران/يونيو، والذي تعمد فيه استفزاز الإسلامويين، لم ينل إعجابهم أيضاً.
المحللون محتارون بشكل عام، ولا يفهمون كيف تمكن المتطرفون السنة من السيطرة على نصف العراق تقريباً بهذه السرعة، مع عدم مواجهتهم أية مقاومة من قبل القوات الحكومية لزيادة الطين بلة، حيث قامت ثلاث كتائب عسكرية متموضعة في نينوى بإلقاء أسلحتها والهرب، مما فتح الطريق إلى بغداد أمام قوات "داعش". ونتيجة لهذه الحقيقة، تمكن المتشددون من السيطرة على مخازن الأسلحة والعربات المصفحة.
هذه هي النتيجة المباشرة لسياسات رئيس الوزراء العراقي الذي لا يريد مشاركة السلطة مع أحد، حتى مع المعارضة السنية المعتدلة. وهكذا نفذ صبرُ السكان السنة ولذلك لم يقاوموا المتطرفين الإسلامويين. ومن الواضح أيضاً أن المدربين الأمريكيين الذين بقوا في العراق لتدريب الجيش العراقي الجديد لم يحققوا أي نجاح في مساعيهم، على عكس المستشارين العسكريين السوفييت الذين حولوا قوات صدام المسلحة إلى أحد أقوى الجيوش في العالم العربي. كما أن القوات العراقية المدربة حديثاً في بغداد غير قادرة على التأقلم مع الإرهابيين ومقاتلي المقاومة المؤيدين لصدام، والذين لا يملكون الدبابات أو الطائرات أو المدافع الثقيلة. وإذا أرادت الولايات المتحدة الآن استعادة السيطرة على العراق وإنقاذ نظام نوري المالكي، فلديها خيار واحد: التدخل العسكري المباشر. وإلا فإن المنطقة بأكملها هناك ستكون عرضة للخطر، وخاصة الدول الخليجية.
كانت واشنطن قد جلبت كل ذلك على نفسها سلفاً عندما عملت على تمجيد حركات الربيع العربي التي كانت، في حقيقة الأمر، مجرد موجة من الثورات الإسلاموية. إن القادة الأمريكيين مسؤولون عن ليبيا ومصر واليمن، ولا تنسوا سوريا. لكن كل ذلك بدأ بالاحتلال الأمريكي للعراق في سنة 2003 الذي هدف إلى إسقاط حكومة شرعية بذريعة تفكيك أسلحة الدمار الشامل.
لذلك من غير المفاجئ اليوم أن تخرج إلى العلن المعلومات التي تتحدث عن نقل واشنطن الطارئ لقواتها من أفغانستان والكويت لمساعدة النظام المتهاوي لنوري المالكي. فقد طلب رئيس الوزراء العراقي المساعدة العسكرية من واشنطن. وإلا، وبعد عدة أيام فقط، لن تكون هناك أية قوة قادرة على كبح جماح التمرد السني. ويمكن لذلك أن يعني شيئاً واحداً فقط – تفتت البلد إلى ثلاثة أجزاء: شيعية، وسنية، وكردية. ومع ذلك على سلطات البيت الأبيض أن تتذكر أن "داعش" تُستخدم بشكل كبير من قبل قطر والسعودية لمحاربة النظام السوري. ولا يمكن لهاتين الدولتين أن تحتملا تشكيل قوس شيعي يتكون من إيران والعراق وسوريا ولبنان تحت سيطرة "حزب الله". وإلا فإن انهيار السعودية سيكون محتماً.
بشكل عام، وضعت ألاعيب واشنطن السياسية الطموحة الشرقَ الأوسط على حافة الكارثة.
وليس من الواضح إن كان بمقدور الولايات المتحدة تحمُل غزو ثان للعراق. ففي نهاية الأمر، واشنطن متورطة الآن في حرب سياسية ضد روسيا في أوكرانيا وهي تحاول ابتزاز روسيا عسكرياً عبر تدريبات "القوات الخاصة" الأمريكية وقوات الناتو في دول البلطيق المجاورة لروسيا وفي بولندة، غضافة إلى مناورات سفن البحرية الأمريكية في البحر الأسود وبحور البلطيق.
على واشنطن أن تختار – إما الاستمرار في المواجهة مع موسكو في أوكرانيا، أو محاولة الاستمرار في السيطرة على المنطقة النفطية والغازية الأغنى في العالم، بما أن الغرب عاجز عن الاستمرار بدون الامدادات الهايدروكربونية.
نأمل أن تجري الولايات المتحدة تقييماً دقيقاً للوضع هذه المرة، وخاصة في مواجهة القوة العسكرية المتنامية للصين في منطقة آسيا – الباسيفيك وشرق آسيا. ففي هذه الحالة فإن النزاع السياسي الذي بدأته الولايات المتحدة مع روسيا حول أوكرانيا قد أفادَ أولئك الكارهين حقاً لسياسة الهيمنة الأمريكية وعمليات "التحول الديمقراطي" التي تشرف عليها. لكن من الصعب تصديق الحكايات الخيالية، ومن الأسهل تصديق روح المغامرة الأمريكية.
افترضوا أن الاتحاد الأوروبي، على الأقل، وأعضاءه الأكثر تأثيراً – ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا وبريطانيا – سوف يفهمون أن السير على خطى السياسة الأمريكية هو ضرب من المجازفة، عندما يمكن أن تخسر كل شيء ولا تربح شيئاً. عليهم عندها أن يفكروا بحذر بما هو أكثر أهمية – دعم حكومة كييف الضعيفة والفاقدة إلى الشرعية، أو محاولة استعادة السيطرة على الشرق الأوسط الغني بالطاقة؟ يبدو أن الجواب واضح. ولكن هل سيكون بمقدور القادة الأوروبيين أن يروا ذلك؟
في الوقت الحاضر، إن تأسيس دولة سنية إسلاموية متطرفة يلوح في الأفق، والتي يمكن أن تضم عدداً من المحافظات السنية في العراق تنضم إليها محافظات سنية في شرق سوريا حول مدينة الرقة التي تسيطر عليها الآن "داعش" و "القاعدة".
http://journal-neo.org/2014/06/12/rus-irak-vooruzhenny-j-konflikt-rasshiryaetsya/
تُرجم عن ("نيو إيسترن آوتلوك"، 12 حزيران/يونيو 2014)
الجمل
إضافة تعليق جديد