القوات الدولية والتوظيف السياسي اللبناني

09-09-2006

القوات الدولية والتوظيف السياسي اللبناني

هي أسئلة تفرض نفسها على الناس، وليس في طرحها ما يسيء إلى طهارة القرار الدولي 1701 أو إلى كرامة اليونيفيل بطبعتها الجديدة، أو إلى هذا التلهف على التدويل، مع تجاوز مقصود لبعض دلالاته الكريهة والتي تجعله في بعض الحالات وصاية دولية تمس بالسيادة والاستقلال والكرامة الوطنية والعنفوان اللبناني الخالد!
فمع أحاديث الحصار والمراقبة والتفتيش وتسييج الحدود البعيدة عن فلسطين، بالعكسر والأبراج، قد يستعيد الناس تجارب العراق ما بعد صدام وقوات التحالف الدولي التي لم تنفع في تغطية الاحتلال الأميركي، كما لم تنفع غزوة بن لادن التي ضربت بإرهابها الولايات المتحدة الأميركية في قلبها، قبل خمس سنوات، في تبرير احتلال أفغانستان بذلك التحالف نفسه الأميركي القرار والقيادة.
بين الأسئلة: إن مساحة لبنان لا تتجاوز (40/1) من مساحة العراق، أما بالنسبة لأفغانستان فهي بحدود (70/1) تقريباً... ومع ذلك فالقرار الدولي ينص على إيفاد 15 ألف جندي كي يحتشدوا في سدس مساحة لبنان، بحيث إن واحدهم سيصطدم خلال حركته، برفاقه الآخرين، لشدة الازدحام، على ما أشار إليه الرئيس الفرنسي جاك شيراك، هذا إذا ما وضعنا جانباً الخمسة عشر ألف جندي لبناني بوصفهم من أهل البيت... فلماذا كل هذه الحشود العسكرية، التي لم يمنع الترحيب بها من التساؤل عن مهمتها الفعلية، وهل تحتاج اليها جميعاً؟!
إن لبنان عزيز على العالم قطعاً، ولكن ليس إلى حد أن تقدم بعض كبريات دوله على إيفاد أبنائها إليه لحمايته؟ وممّن؟ وهل من إسرائيل فعلاً؟ وهل تحتاج هذه المهمة مع دولة صديقة لكل الدول التي أوفدت أبناءها إلى جنوب لبنان هذه الحشود؟ فالدور يرتبط بمن يمثل هؤلاء الجنود وليس بأعدادهم. فمئة جندي فرنسي يمثلون فرنسا بقدر ما يمثلها ألف أو ألفان، وكذلك إيطاليا وإسبانيا إلخ...
لقد كانت الذريعة المعلنة للحرب الأميركية، ومن ثم الدولية على أفغانستان هي العملية الإرهابية التي نفذتها القاعدة في نيويورك وواشنطن...
لكن الذريعة غطت، حتى هذه اللحظة، احتلالاً امتد لخمس سنوات طوال، ولا يعرف أحد متى يتم جلاء القوات الأميركية المدولة التي تحتل أفغانستان وتفرض على شعبها نظاماً بفعل قوتها وليس بوهج ديموقراطيته.
كذلك فإن الذريعة الأميركية التي استخدمت تبريراً للحرب التي انتهت باحتلال العراق، والتي ثبت كذبها العلني في ما بعد، قد سقطت لكن الفتنة التي نجمت عن الاحتلال مستمرة وقد كلفت العراقيين، حتى هذه اللحظة، عشرات الآلاف من الضحايا ومئات الألوف من الجرحى والثكالى واليتامى، وحجماً مهولاً من التدمير، كما تسبّبت في تفكيك وحدة الدولة وانفراط عقد شعبها في غياهب حرب أهلية مفتوحة على المجهول.
ليس لبنان العراق، هذا مفهوم، وليس لبنان أفغانستان، هذا أيضاً منطقي ومقبول، وليست قوات اليونيفيل جيش احتلال، وهذا صحيح تماماً.
لكن ذلك كله لا يمنع من التساؤل عن دلالاته وضع اليد الدولية على لبنان بانعكاساتها السياسية على واقعه الذي يفتقد التوازن بعد الحرب الإسرائيلية الوحشية عليه والتي امتدت مع الحصار إلى ما يقارب الشهرين، فأحدثت فيه من الدمار والتخريب ما يتجاوز أي تقدير.
ولقد باشرت بعض القوى السياسية المحلية بتوظيف القرار الدولي ومندرجاته لأغراضها، سواء اتخذت شكل التحالفات أو شكل المخاصمات.
بل إن بعض هذه القوى يتصرف كأن هذه القوات الدولية إنما جاءت لتكون جيشه في مواجهة حزب الله، ولتكون الدليل الحسي على هزيمة مقاومته الباسلة في مواجهة الحرب الإسرائيلية، ومن ثم لتكون عامل كسر للتوازن السياسي القائم في البلاد، والذي من دونه لا يستقر حكم ولا نظام وبالتالي لا تكون دولة.
... فإذا ما تذكّرنا أن صديق لبنان المخلص جون بولتون يلوّح لنا بقرار جديد يستند إلى الفصل السابع، أي استخدام القوة للتنفيذ، صارت هذه الأسئلة أكثر جدية، وبات طرحها شرعياً... ولو من باب حسن الفطن!

طلال سلمان

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...