المرحلة الأولى من جنيف 2 تمرين على التفاوض والإبراهيمي طرف معارض أكثر منه كمحكم
وداعاً لجنيف. الوداع قرأه المبعوث الأممي الأخضر الإبراهيمي. لم ينتظر إنزال الستائر وإطفاء الأنوار غدا الجمعة. فضّل استباق موعد الافتراق المقرر بين الحكوميين و"الائتلافيين" السوريين بيومين، للتخلص بسرعة من خواء الاستمرار في مفاوضات من اجل المفاوضات.
وداعا وإلى اللقاء في 11 شباط المقبل على الأرجح في قصر الأمم المتحدة. الوداع لأسبوعين حفلا بالأحدث، وامتناع المفاجآت، وصدق التوقعات بانعدام الأمل، أو ما سماه الإبراهيمي "الفجوة الكبيرة جدا التي لا تزال قائمة"، إلى حد الافتقاد إلى صورة واحدة من القاعة السادسة عشرة في قصر الأمم المتحدة، تذكّر بمرور المفاوضات السورية بين جدرانها.
ويستعيد غدا الجمعة ملف المفاوضات السورية، الوصيان الدوليان، في لقاء في ميونيخ، بين وزيري خارجية أميركا جون كيري وروسيا سيرغي لافروف، ينضم إليه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون والأخضر الإبراهيمي. وسيكون على كيري ولافروف تحديد معالم التفاهم بين البلدين بشأن المفاوضات السورية، إذا ما وجد، ومستقبل المفاوضات، التي لم تعقد إلا بسبب ضغوط البلدين، لكن استمرارها، يحتاج إلى إعادة النظر بأولويات جنيف، وبتركيبة الوفد المعارض.
وذكرت وزارة الخارجية الروسية، في بيان، أن لافروف وكيري بحثا، في اتصال هاتفي، تطور المفاوضات في جنيف، فيما عقد لقاء، في موسكو، بين نائبي وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف وغينادي غاتيلوف ومساعدة وزير الخارجية الاميركي ويندي شيرمان. وذكرت الخارجية، في بيان، "أكد الجانب الروسي أنه يجب على وفدي الحكومة السورية والمعارضة الاستمرار في المفاوضات، والاتفاق بالدرجة الأولى على رؤية موحدة لمستقبل البلاد، وفي مركز الاهتمام الحفاظ على سيادة ووحدة أراضي الدولة السورية، وكذلك توحيد الجهود في الحرب على الإرهاب، آخذين بنظر الاعتبار الحفاظ على كافة الحقوق لكل الجماعات العرقية والدينية في البلد".
الإبراهيمي استبق يوم غد الختامي بالإعلان عن "انفصال الوفود غدا، لنعود لمناقشة ماذا سنفعل عند استئناف المفاوضات في الجولة الثانية" بعد انقضاء الأسبوع الاول من شباط.
اغلب الظن أن الوفد الحكومي سيعود نفسه، والأرجح انه سيلاقي استقبالا حافلا في دمشق بعد أن نجح في مهمته التي جاء من أجلها: التمترس بتفسير لـ"جنيف 1" يقف على مسافة سنوات ضوئية، عما يحاول "الائتلافيون" الذهاب إليه، والتقدم بإيقاع السلحفاة في رحلة الألف ميل، التي يتقنها وزير الخارجية السوري وليد المعلم، لإدامة المفاوضات، رغم ما يقال عن الضغوط الروسية، زمنا لا يمكن بعده أن يرى البند التاسع حول "الهيئة الحاكمة الانتقالية" النور، قبل استنفاد النقاش في البنود الثمانية الأولى، وهي بنود قد تمتد أشهرا، وربما سنوات في ظل ميزان القوى الحالي الراجح لمصلحة النظام السوري نسبيا.
أما "الائتلافيون" فسيعودون مع وفد معدل، وشخصيات عسكرية من "الجبهة الإسلامية" و"جيش المجاهدين" و"أجناد الشام"، الذين أنجز الأميركيون، أوراقهم وتأشيراتهم، لضمهم إلى وفد 11 شباط. وجلي أيضا أن "الائتلافيين"، لا يخرجون بخفّي حنين. كسب "الائتلافيون"، إعلاميا، جولة الاعتراف بهم على مقاعد التفاوض، واستطاعوا تقديم رؤية متجانسة لبيان جنيف، ستفرض نفسها على جولات المفاوضات المقبلة، ووضعوا سقفا لأي تنازلات.
الوفد "الائتلافي" خرج من الاجتماع المغلق مع الإبراهيمي والوفد الحكومي، ليعلن أن النظام السوري بات يعترف بـ"جنيف 1" ويقبل بالبحث في الهيئة الحاكمة الانتقالية، كما قال المتحدث باسمه لؤي صافي بعد انقضاء ساعتين وربع الساعة على الجلسة الصباحية المغلقة.
والإعلان "الائتلافي" قد يكون سوء فهم لما جرى اليوم. الإبراهيمي لجأ إلى تخصيص يومين يتناول فيهما أولويات عن طريق طرح بعض الأسئلة عن الهيئة الحاكمة الانتقالية بالأمس، وهي أولوية "الائتلاف"، على أن يعود اليوم إلى التساؤل عن بند وقف العنف ومكافحة الإرهاب، واستكشاف نقاط الالتقاء المحتملة.
تقدم الإبراهيمي، قبل الوفدين، بمطالعة عن الهيئة الانتقالية على شكل مجموعة من الأسئلة عن طبيعة الهيئة الحاكمة الانتقالية، وتوزيع المناصب فيها، واقترح تناوب "الائتلافيين" والحكوميين في أي حكومة مختلطة على مناصب واحدة. اقترح وزيرا "ائتلافيا"، ونائبا له من الحكوميين، وبالعكس، لتمتين التعاون بين الطرفين وتسهيل المرحلة الانتقالية.
مداخلة الإبراهيمي، التفت على رفض الوفد الحكومي، تقديم قراءة قانونية لنص جنيف اقترحها الوسيط الدولي قبل يومين، للاتفاق على تلك القراءة حكما بين الطرفين. وقال مصدر سوري إن العرض الذي قدمه الإبراهيمي كان أشبه بمحاصصة سياسية، مستوحاة من تجارب تفاوضية خاضها في لبنان وأفغانستان.
الوفد الحكومي السوري، قاطع الإبراهيمي، ليعلن أن "جنيف واحد" الذي يوافق عليه، ليس نفسه جنيف الذي يتحدث عنه الإبراهيمي أو الوفد "الائتلافي". الوفد الحكومي يوافق على جنيف الذي يبدأ قبل ثماني فقرات، من الفقرة التي باشر السؤال عنها الإبراهيمي، والتي تعد مربط الفرس، وخط التماس والاشتباك في بيان "جنيف1".
بشار الجعفري، أعاد النقاش إلى نقطة البدء، وأن جنيف ينبغي أن يؤتى من بنوده الأولى، اي وقف العنف، الذي يتوسع الاجتهاد الحكومي فيه، ليصبح مكافحة الإرهاب، ووقف النار، وغير ذلك من النقاط، التي تجعل من البحث في أي هيئة حاكمة انتقالية موضوع بحث لا يمكن الوصول إليه، إلا بعد مسيرة انجازات طويلة في الميدان، وفي تغيير تركيبة الوفد المعارض وتوسيعه. إذ أن النقاش في هيئة حاكمة انتقالية، يتطلب من وجهة نظر الوفد الحكومي، أن يكون الطرف الآخر ممثلا لكافة أطياف المعارضة، وليس جزءا منها، لكي يمتلك شرعية المثول فيها، وهو ما سيتغير في الجولة المقبلة، إذا ما انعقدت في شباط المقبل.
محمد بلوط
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد