انحسار النفوذ الفرنسي في الشرق الأوسط
اعتبر محللون سياسيون فرنسيون أن السنة الأولى من حكم الرئيس نيكولا ساركوزي تميزت بانحسار قوي لنفوذ باريس بالشرق الأوسط، وعزوا ذلك إلى التوجهات الأطلسية المؤيدة لسياسات واشنطن بالمنطقة التي يتبناها الرئيس الحالي ووزير خارجيته برنارد كوشنر والتي تتناقض مع ما أسموه الاستقلالية والتوازن التقليدين لسياسة البلاد الخارجية.
ورأى نائب مدير المعهد الفرنسي للعلاقات الإستراتيجية أن اتفاق الدوحة بين الأطراف اللبنانية عكس بوضوح تراجع الدور الفرنسي بالمنطقة "إذ لم تستطع وساطة باريس أن تقنع اللبنانيين بالتصالح كما أن مقتضيات الاتفاق الموقع في قطر لا تتماشى دائما مع الرؤية الفرنسية".
وأوضح ديديي بييون في لقاء مع الجزيرة نت أن ساركوزي وكوشنر "واصلا وعمقا" المسار التصالحي مع أميركا الذي دشنه الرئيس السابق جاك شيراك بعد انتهاء المواجهة الدبلوماسية الشرسة بين باريس وواشنطن عشية ما أسماها الحرب العدوانية على العراق عام 2003.
وأضاف أن الرئيس ووزير خارجيته مارسا، فضلا عن ذلك، دبلوماسية مساندة لإسرائيل تختلف مع توجه شيراك الذي ظل حازما مع تل أبيب فيما يتعلق بحقوق الفلسطنيين.
وخلص بييون إلى أن التماهي مع سياسة أميركا بالمنطقة خاصة موضوع إيران والالتصاق باسرائيل "أفضيا إلى فقدان لا ينكر للحظوة التي كنا نتمتع بها في الشرق الأوسط".
من جانبه اعتبر المسؤول السابق لدائرة العالم العربي الإسلامي بوكالة الأنباء الفرنسية (أ ف ب) رينه نابا أن الدبلوماسية الفرنسية الحالية أحدثت قطيعة مع النهج المتوازن بين العرب والإسرائيليين الذي بدأه الرئيس السابق الجنرال شارل ديغول عام 1967، وأنها أصبحت أقرب لروح السياسة الفرنسية المعادية للعرب التي اتبعتها باريس في خمسينيات القرن الماضي وكان من تجلياتها حرب الجزائر والعدوان الثلاثي على مصر الذي شاركت فيه فرنسا وإسرائيل وبريطانيا.
أما الصحفي كلود أنجلي فقد اعتبر في مقال نشره الأربعاء بأسبوعية لوكنار انشنيه أن ساركوزي وكوشنر وضعا فرنسا "خارج اللعبة" بالشرق الأوسط. واستشهد بتصريح لأحد أعضاء الديوان الخاص لوزير الخارجية أكد فيه أنه رغم التقارب مع تل أبيب فإن "وزن فرنسا لازال ضعيفا في إسرائيل والأراضي الفلسطينية على حد سواء".
وللتدليل أكثر على تراجع مكانة باريس الدبلوماسية بالمنطقة، أكد أنجلي أن سفارات فرنسا ومصالحها الاستخبارية لم تعد قادرة على الحصول على أي معلومات مهمة في لبنان مما حدا أخيرا بموظفين من الخارجية لمهاتفة صحفيين لبنانيين وفرنسيين طلبا لمعلومات حول التطورات بهذا البلد.
وأضاف أنجلي أن تركيا امتنعت عن اطلاع باريس على المحادثات التي ترعاها بين السوريين والإسرائيليين، كما أنها لازالت تغلق مجالها الجوي أمام الطائرات التي تحمل المؤن للوحدات العسكرية الفرنسية المنتشرة في أفغانستان.
وفسر الكاتب الموقف التركي بغضب أنقرة من المعارضة المعلنة لساركوزي ووزير خارجيته لانضمام تركيا للاتحاد الأوروبي.
بيد أن الناطقة الرسمية باسم الخارجية باسكال أندرياني صرحت للجزيرة نت أن "مجرد النظر للنشاط الدبلوماسي الفرنسي منذ سنة وما أحرزه من نتائج يوضح أن هذه التحليلات لا تعكس الواقع".
وكانت فرنسا قد استضافت بالفعل لقاء جمع بين مختلف الفصائل اللبنانية يوم 14 يوليو/ تموز الماضي، كما أوفدت بعيد ذلك عددا من الرسل إلى العواصم العربية المشرقية بحثا عن إيجاد حل للأزمة اللبنانية.
وعقد في باريس يوم 17 ديسمبر/ كانون الأول المؤتمر الدولي للمانحين للسلطة الفلسطينية والذي أسفر عن تعهدات بدفع أكثر من سبعة مليارات دولار للفلسطنيين. ومنذ عدة أيام فقط، أقر كوشنر نفسه أن فرنسا أجرت "اتصالات" مع حركة حماس الفلسطينية التي تقاطعها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
غير أن المحللين الذي سألتهم الجزيرة نت يرون أن هذه الخطوات غير كافية لاسترداد ما أسموه "الحظوة الفرنسية" في الشرق الأوسط.
عبد الله بن عالي
المصدر: الجزيرة
إضافة تعليق جديد