انهيار بنك الأهداف الإسرائيلي في لبنان
تجاوز التعامل مع قضية شبكة <مفاجأة الفجر> الاسرائيلية، في يومه التاسع، بعده الامني البحت، ليتخذ أبعاداً سياسية ودبلوماسية وقضائية، فيما تستمر التحقيقات مع محمود رافع من جهة، وعملية مطاردة <البطل> الفار حسين خطّاب ومحاولة إحكام الخناق حوله من جهة ثانية.
واذا كان البارز في التحقيقات، امس، مع محمود رافع هو الشق المتعلق برحلاته الخارجية، الى دول عربية وأجنبية، الامر الذي قد يفتح الباب واسعاً أمام أدوار ومهام قامت بها شبكته، وكذلك شبكة خطّاب خارج الاراضي اللبنانية، فإن البارز سياسياً هو قرار مجلس الوزراء القاضي بتحضير ملف متماسك حول شبكة <الموساد> يتضمن كل الوثائق والحجج الدامغة والبراهين من أجل تقديمه، بصيغة شكوى رسمية لبنانية، الى مجلس الامن الدولي في الايام القليلة المقبلة ضد اسرائيل <من أجل تعريتها من كل مصداقية وحفظ حق لبنان بالدفاع عن نفسه> على حد قول وزير الخارجية فوزي صلوخ ليل امس.
كما كان لافتاً للانتباه الهجوم الدبلوماسي الدولي باتجاه الوسط الرسمي والسياسي اللبناني، وخاصة من قبل السفير الاميركي جيفري فيلتمان، سعياً الى التدقيق في المعطيات المتصلة بتوقيف الشبكة، والى التحريض على <حزب الله> عبر الإيحاء بأنه هو من قام بتوقيف الشبكة وليس مخابرات الجيش اللبناني وبالتالي فإنه ب<فعلته> هذه <انما يحاول الحلول مكان الدولة اللبنانية>، وهذا الامر سيرتد سلباً على طلبات الدولة لتقديم مساعدات عسكرية للجيش اللبناني، حسبما روى بعض من التقاهم.
كما شكلت زيارة فيلتمان الى وزارة الدفاع في اليرزة، محاولة للضغط على المؤتمر الصحافي الذي كان من المقرر أن يعقده وزير الدفاع الياس المر للحديث للمرة الاولى عن عملية توقيف شبكة <مفاجأة الفجر>.
وقد اضطر المر الى تأجيل مؤتمره الصحافي حوالى ساعتين، فيما كان موظفو مكتبه يهمون باستقبال السفير تلو السفير وأولهم ممثل الامين العام للامم المتحدة في لبنان غير بيدرسن، ثم سفير بريطانيا جيمس واط، فالسفير جيفري فيلتمان.
وقالت مصادر وزارية لبنانية ان بيدرسن وفيلتمان قاما في الساعات الاخيرة بسلسلة اتصالات وزيارات بعيدة عن الاضواء في السياق نفسه، وتقاطعت أسئلتهما حول حدود دور <حزب الله> في الكشف عن <الشبكة>.
ماذا اولا في جديد التحقيقات الامنية والقضائية؟
لليوم التاسع على التوالي، تواصلت التحقيقات الامنية مع محمود رافع. وقد أصدر قاضي التحقيق العسكري عدنان بلبل مذكرة توقيف وجاهية بحقه بعدما استجوبه على مدى سبع ساعات متواصلة، ليل امس الاول، في جريمة اغتيال الشقيقين محمود ونضال مجذوب باعتبار ان بلبل كان قد سطر استنابة قضائية للاجهزة الأمنية المعنية من أجل تزويده بالمعلومات عن منفذي هذه الجريمة.
وادعى مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي جان فهد على رافع بجرائم القتل والقيام بأعمال إرهابية والتعامل مع العدو الاسرائيلي، وذلك سنداً لمواد قانونية تصل عقوبتها إلى الاعدام.
وفور انتهاء التحقيق مع رافع لدى القضاء العسكري أعيد الى وزارة الدفاع في اليرزة من أجل استكمال التحقيق معه في باقي القضايا وما يمكن أن يفضي اليه التحقيق في قضايا جديدة، كان أبرزها في الساعات الاخيرة موضوع الرحلات الخارجية التي كان يقوم بها الى عدد من العواصم العربية والاجنبية، بينها سوريا، وحول احتمال وجود عناصر في شبكته في هذه الدول وما اذا كانوا قد قاموا بأية أعمال تخريبية، فضلاً عن استمرار التدقيق في عملية تنظيم الاتصال بينه وبين <الموساد> الاسرائيلي عبر أكثر من مسرب ووسيلة.
وفي موضوع ملاحقة المتهم الفار حسين خطّاب، وبعد إصدار مذكرة توقيف غيابية بحقه في بيروت، كشفت مصادر فلسطينية في العاصمة السورية أن الشبهات تدور حول خطاب في موضوع استهداف قيادات فلسطينية في سوريا وأبرزها اغتيال القيادي في <حماس> الشهيد عز الدين صبحي شيخ خليل (42 عاما) في السادس والعشرين من ايلول 2004 (تم تفجير سيارته في حي الزاهرة قرب اليرموك جنوب دمشق) وكذلك محاولة اغتيال القيادي في التنظيم نفسه مصباح ابو حويلة (35 سنة) في الثالث عشر من كانون الاول 2004 (تم تفجير سيارته في حي الشيخ سعد في المزة بدمشق) وأصيب بجروح فيما نجت زوجته وابنته.
وأشارت المصادر الى أن التحقيقات التي أجريت قبل عامين رجحت خرقاً أمنياً كبيراً <مسرحه> تنظيم <القيادة العامة>، من دون الخوض في تفاصيل هذا الامر وما اذا كانت تملك معلومات حول حصول تبادل معلومات في الساعات الاخيرة بين الجانبين الامنيين اللبناني والسوري.
وتقاطعت هذه المعلومات من دمشق، مع معلومات لمصادر أمنية لبنانية متابعة، أشارت بدورها الى أن محمود رافع كان يزور دمشق بصورة دورية وأنه كان يقيم علاقات ثابتة هناك ويزور أماكن محددة، داعية الى انتظار نتائج التحقيقات في هذا المجال، غير أنها أوضحت أن
الاستنتاج السائد لدى المحققين اللبنانيين ان رافع وخطّاب كانا يتقاطعان في الكثير من مهامهما باتجاه تصفية عدد من القيادات العسكرية اللبنانية والفلسطينية التي يتصل عملها بشكل أو بآخر بساحة العمل العسكري الفلسطيني في فلسطين المحتلة، ما يعني ان رافع وخطاب كانا من الاذرعة التي تتولى استهداف بعض الاشخاص الذين وضعتهم اسرائيل في ما أسمي أكثر من مرة <بنك الاهداف>.
الى ذلك، كشفت المصادر الامنية المتابعة ان قوة من الجيش اللبناني داهمت صباح امس مستودع أدوية شركة <فارميا> الاردنية في بناية زعرور على طريق المطار والذي كان يتردد اليه خطاب بصورة دورية، <وتمت مصادرة وثائق أظهر بعضها أن الادوية التي كان يروّجها زعرور في الاسواق تباع بأسعار أقل من باقي الشركات>!
وقالت المصادر ان عدد الموقوفين في قضية الشبكتين هو ستة أشخاص وان عائلتي رافع وخطاب انتهى التحقيق معهما وربما يكون قد تم الافراج عنهما مع ساعات الصباح.
ويزور وفد كبير من فعاليات منطقة حاصبيا برئاسة رئيس البلدية كامل ابو غيدا، اليوم، رئيس الجمهورية اميل لحود ومن ثم عائلة الشهيدين المجذوب في صيدا من أجل تقديم التعازي وإعلان التبرؤ من رافع، فيما سيواصل وفد حركة الجهاد الاسلامي في فلسطين وعائلة المجذوب اليوم جولته على عدد من القيادات وأبرزها قيادة <حزب الله> ودار الفتوى، مع الاشارة الى ان عائلة حسين خطاب وأهالي مخيم عين الحلوة أعلنوا امس تبرؤهم من خطاب.
في هذه الاثناء، كان البارز على الصعيد السياسي، المظلة السياسية التي وفرها مجلس الوزراء لعملية الكشف عن الشبكة الاسرائيلية عبر إجماعه على التنديد بها والاشادة بدور الجيش اللبناني ومخابراته واتخاذ قرار مبدئي بتقديم شكوى موثقة الى مجلس الامن الدولي ضد اسرائيل.
وأثيرت في مجلس الوزراء قضية إحالة موضوع الشهيدين المجذوب الى لجنة التحقيق الدولية في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري ربطاً بقرار مجلس الامن القاضي بالتوسع في كل الجرائم التي شهدها لبنان منذ محاولة اغتيال الوزير مروان حمادة وحتى قضية اغتيال الشهيد جبران تويني.
وفي حين طلب رئيس الجمهورية إحالة القضية الى اللجنة، دعا رئيس الحكومة الى تقديم ملف التحقيقات الى لجنة التحقيق الدولية من أجل تبادل المعلومات ومقارنة الادلة والنظر في ما اذا كان هناك تقاطع في التقنية المستخدمة في موضوع التفجيرات.
وما لم يعلن عنه في مؤتمره الصحافي، أبلغه نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الياس المر الى مجلس الوزراء عندما تحدث عن <تشابه> في التقنية المستخدمة في التفجيرات المنسوبة الى رافع وخطاب وفي التقنية المستخدمة في تفجيرات اخرى، ملمحاً الى خمس جرائم متشابهة من دون أن يسميها. كما توقع انكشاف أمور جديدة في التحقيقات مع الشبكة التي قال عنها انها الاخطر منذ ثلاثين عاما، داعيا الى عدم النوم على حرير ما تحقق بل ان نكون متيقظين وان يتم اتخاذ احتياطات خوفاً من انتقام اسرائيلي من الانجاز الكبير الذي حققه الجيش اللبناني.
وكان المر قد عقد مؤتمرا صحافيا في وزارة الدفاع شرح فيه بعض المعطيات ومنها ما نشرته <السفير> في الايام الاخيرة، مضيفاً اليها بعض التقنيات المستخدمة، براً وجواً، في جريمة الاخوين المجذوب في صيدا، وأشار الى ان رافع <تسلم حقائب متفجرات عبر الكوماندوس الاسرائيلي الآتي من البحر، في فترات سابقة>، وأوضح رداً على سؤال بأنه <ليس هناك ما يؤكد حتى الآن أن هناك ترابطاً بين الموقوف في هذه العملية والتفجيرات التي حدثت في ضواحي بيروت الشرقية>. وتحدث عن <تقنيات> استخدمت في تفجيرات الشبكة <مختلفة> عن تلك التي استهدفت عدداً من الشخصيات بدءاً من الوزير حمادة وحتى جريمة اغتيال تويني.
وأكد المر <ان ليس هناك لأي حزب أي علاقة بهذه العملية لا من قريب ولا من بعيد، وتحديداً <حزب الله> الذي لم يكن لديه أي خبر وهو تبلغ خبر كشف الشبكة مثل كل الأحزاب والمسؤولين السياسيين في البلد>.
وجاء كلام المر في سياق رد غير مباشر على الاسئلة التي طرحها عليه السفير الاميركي والمبعوث الدولي بيدرسن.
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد