ايران و الاستشراق و الكذب الغربي حول سوريه
الجمل ـ د.سيد محمد ماراندي* ـ ترجمة رنده القاسم:
أحد المفارقات الغريبة التي تم تعزيزها على مدار عقود في الرواية الغربية حول جمهورية إيران الإسلامية، و التي كانت تكرر بشكل مستمر من قبل ما يسمى "خبراء إيران" و المسؤولين الحكوميين و آلية البروبوغندا الغربية بشكل عام، هي القائلة بأن إيران تفقد بشكل متزايد استقرارها و شعبيتها (إذا لم نقل أنها تنهار) ، و مع ذلك و بنفس الوقت هي في حالة نمو و يمكن إدراك تأثيرها "الخطير" عبر المنطقة و ما وراءها.
و بالطبع، هذا التناقض الذاتي في النقاش مرتبط بالأنماط التقليدية لتفكير المستشرقين و المواقف المسيطرة في الغرب بين التيار الرئيسي من الليبراليين العلمانيين و التقدميين الزائفين و المحافظين الجدد على حد سواء، الذين لا يستطيعون استيعاب إمكانية الاستقرار و الشرعية السياسية في نظام غير قائم على "القيم" الغربية.
و بالنسبة لهؤلاء الأشخاص (حتى أولئك المنتقدين للدعم الغربي للطغيان و التطرف و التمييز العنصري في فلسطين و الحروب الفضائية و الهيمنة و الرأسمالية الليبرالية و البلوتوقراطية و السجون السرية و التعذيب و كذلك السعي الدائم ل "التحرر" عبر الانقلابات و الحروب و الطائرات بلا ربان و الإرهاب و الاغتيالات و المذابح) فان هذه "القيم" و "الأفكار" لا تزال إلى حد ما عالميه.و لهذا ، فهم يرون الدول الغربية استثنائية بشكل رائع أو على الأقل أكثر حضارة من الآخرين.
و لهذا أثار النقاد و الأكاديميون و المخبرون و الخبراء الآخرون في خلايا التفكير الغربية و وسائل الإعلام النقاشات و نشروا الكتب و المقالات ، محللين "علم الأمراض" في دول مثل إيران بما فيه صالح الجمهور الغربي مع توجيه الأنظار نحو صناع السياسة و أصحاب الأموال.
و هم ينتقدون الحكومات الغربية ، و لكن على الأغلب لأنها غير مخلصة لمبادئها. و لكن عندما يتعلق الأمر بجمهورية إيران الإسلامية فبرأيهم لا توجد قيم على الإطلاق. و بهذا يشعر هؤلاء الناس أنهم يستطيعون دعم "المعرفة" و السيطرة الغربية بضمير حر ، تماما كحال سلفهم المستشرقين.
و مع ذلك، و رغم العقوبات غير الأخلاقية و غير الإنسانية المطبقة على ايران من قبل الولايات المتحدة و الاتحاد الأوروبي ، اضافة الى تشويه صورتها المستمر من قبل من يسمون أنفسهم بنرجسية "المجتمع الدولي"، فان ايران لا تزال أكثر الدول استقرارا في آسيا الغربية و شمال افريقيا. و النموذج الذي قدمته عن الحكم الاسلامي التشاركي و سياستها الخارجية المستقلة و القوية أضعفا محاولات الغرب، و خاصة الولايات المتحدة، في اخضاعها و تصويرها كتهديد للمنطقة أو ربما للعالم كله. و من المفيد التأمل في حالة سوريه ، حيث يتم تصوير الجمهورية الاسلامية الايرانية من قبل أعدائها كتهديد للاستقرار و الأمن.
و تقريبا منذ بداية الاضطرابات في سوريه، أصبح واضحا لدى الايرانيين أن ايران هي الهدف الرئيسي من محاولات الغرب إسقاط حكومة الرئيس السوري بشار الأسد ، و ليس جلب الحرية للشعب السوري. و في نهاية المطاف، فان الولايات المتحدة و الاتحاد الأوروبي الى جانب العائلة الملكية السعودية دعموا الدكتاتورية التونسية و المصرية حتى سقوطها، و في غزه لا يزال الشعب الفلسطيني يعاقب لانتخابه الطرف "الخطأ".
خلال الأيام الأخيرة للنظام المصري، أكد نائب الرئيس الأميركي أن حسني مبارك ليس دكتاتورا بل انه حليف يجب ألا يتنحى. و قبل أسابيع ، مع تداعي النظام التونسي في وجه الثورة، وعد وزير الخارجية الفرنسي بمساعدة قوى الأمن التابعة للرئيس التونسي زين العابدين بن علي من أجل حفظ النظام. أما بالنسبة للبحرين، فقد رفضت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون انتقاد الاحتلال الذي قادته السعودية بل و حتى حاولت منحه صفة الشرعية، بينما تحدث الرئيس أوباما عن المصالح الشرعية لنظام البحرين في حكم القانون، و ذكر بأن المحتجين كانوا مجموعة أقلية.
و خلافا لتلك الأنظمة، فان الرئيس الأسد لا يزال يتمتع بدعم شعبي هام، و بينما كانت ديكتاتوريات بن علي و مبارك و آل خليفه البحريني غير قادرة على حشد أي دعم في الشارع، خرجت حشود كبيرة ، خلال الأشهر الأولى من الصراع في سوريه، الى الشوارع في مسيرات تأييد للرئيس الأسد تزامنت في عدة مدن رئيسية، و في مناسبات عدة. و اضافة الى ذلك، و في استطلاع قامت به مؤسسة الدراسات الاقتصادية و الاجتماعية التركية ، تبين أن 88% ممن شملهم الاستطلاع في سوريه عام 2013، يعتقدون أن الحكومة التركية الحالية معادية لوطنهم.
و اذا كانت ايران في البداية قد وجهت انتقادات علنية للحكومة السورية فيما يتعلق بتعاملها مع بعض المظاهرات، فقد تبين فيما بعد أنه ، كما حالة كييف، كان يوجد طرف ثالث يثير اللهيب باطلاقه النيران على كل من قوات الأمن و المتظاهرين، و قد ثبت ذلك بالتقرير الذي قدمته بعثة مراقبي الجامعة العربية بقيادة سفير السودان السابق في قطر.
و أضحت ايران أكثر حذرا و شكا عندما بدأت التفجيرات و الهجمات الانتحارية في أواخر 2011 ، و كان من الواضح أن المتطرفين نفذوا هذه الهجمات، و مع ذلك قامت الميليشيات و المعارضة المدعومة من الخارج و مؤيدوها العرب و الغربيون باتهام الحكومة السورية بالهجوم على مبانيها الخاصة بالأمن العسكري، تماما مثلما قاموا لاحقا بتقديم أدلة ملتبسة جدا حول قيام الحكومة السورية بشن هجمات كيماوية.
يؤمن الايرانيون أن عددا من ممالك النفط في الخليج الفارسي ،مع تعاون غربي و دعم لوجستي، و في انتهاك لحقوق الانسان، كانوا يمولون بقوة متطرفين طائفيين و فروع من القاعدة ، و لأكثر من عامين كان تيار وسائل الاعلام الرئيسي و الخبراء و صناع السياسة يستخفون بهذه الادعاءات و يسخرون منها، الى أن أضحت المشكلة كبيرة بحيث يستحيل اخفاء الوحش الذي خلقه الغرب و حلفاؤه العرب .
و عوضا عن اتباع خطة كوفي أنان، و التي دعمتها ايران، قامت هذه الدول بتدميرها مع اعتقادهم أنهم يستطيعون شق طريقهم الى دمشق خلال أسابيع أو شهور. و من الواضح أن الولايات المتحدة و حلفاؤها اعتقدوا أن هذه ببساطة آلام الولادة لشرق أوسط جديد، أو ربما خنجر في قلب الجمهورية الاسلامية، حيث يدفع السوريون الأبرياء الثمن. و الآن بعد موت أكثر من مائة ألف و تهجير الملايين ، اصبحت الرواية الغربية مشابهة لما كان يقوله الايرانيون قبل أكثر من ثلاث سنوات.
و باستمرار يصدر المتطرفون و السلفيون الطائفيون فتاوى تسمح بذبح الأقليات عبر محطات التلفزة الفضائية.
و نتيجة لذلك أصبح الأمر تهديدا وجوديا للشعوب في المنطقة. و مع ذلك، و فقط بعد دخول عشرات الآلاف من المتطرفين الأجانب الى سوريه عبر شبكة دعم متعددة القوميات، دخل حزب الله حي السيدة زينب بأعداد محدوده، بموافقة الحكومة السورية، لحماية ضريح حفيدة الرسول المقدس، و أول ضحاياهم كان في حزيران 2012. و تدخل حزب الله الرئيسي بدأ فقط في نيسان 2013 خلال معركة القصير، و من وجهة النظر الايرانية، من السخف لوم حزب الله على دخول سوريه.
و بكل الأحوال، من الواضح أن الايرانيين كانوا يقولون منذ البداية أن الحكومة السورية لن تنهار و الطريق الوحيد للتقدم هو إدراك هذه الحقيقة. و الدعم المستمر للمتطرفين الأجانب و فروع القاعدة لم يعد فقط خطرا اقليميا، بل تهديدا عالميا أكبر بكثير مما يوجد في أفغانستان. و وضع شروط مسبقة لطرف واحد من الصراع السوري أو الطرف الآخر يعني ببساطة المزيد من الموت و الدمار. يجب أن يتحد المجتمع الدولي لدعم انتخابات يختار فيها الشعب السوري قيادته و يقبل الجميع النتائج.
*بروفيسور في دراسات أميركا الشمالية و عميد كلية الدراسات العالمية في جامعة طهران.
عن موقع Press TV
الجمل
إضافة تعليق جديد