بدأت الغشاوة تنقشع ... جهاد الخازن
أظهر استطلاعان للرأي العام في يوم واحد هبوط شعبية جورج بوش وتوني بلير الى رقم قياسي.
لا يوجد سبب واحد لهبوط شعبية الرئيس الأميركي ورئيس وزراء بريطانيا، فالأميركيون يشكون من مواقف الرئيس كلها تقريباً، بما في ذلك الهجرة وأسعار البنزين، والبريطانيون حمّلوا بلير مسؤولية فضائح حكومته من إبقاء مجرمين أجانب في البلاد الى الجنس، وهي فضائح أدت الى خسارة حزب العمال خسارة مذلة في الانتخابات البلدية.
غير ان ما يجمع بين الرجلين هو موقفهما من الحرب على العراق فإدارة بوش زورت الأدلة او ضخمتها، وبلير دخل طائعاً، والنتيجة هي ما نعرف جميعاً.
الآن بدأت الغشاوة تنقشع عن عيون الأميركيين، وأصبح 70 في المئة منهم يقولون ان البلاد سائرة في الاتجاه الخطأ، و56 في المئة يقولون ان الحرب على العراق كانت خطأ منذ البداية و 60 في المئة انها تسير في شكل سيئ او سيئ جداً. وهكذا هبط معدل شعبية بوش في شكل عام الى 31 في المئة.
أما توني بلير فأظهر استطلاع في الوقت نفسه في بريطانيا ان شعبيته هي الأدنى لأي رئيس وزراء بريطاني في العقود الأخيرة، فقد هبطت الى 27 في المئة، أي أقل من الرقم الأدنى السابق الذي سجله هارولد ولسون عندما خفض سعر الاسترليني في ايار (مايو) 1968.
يهمني من موضوع بوش وبلير الكارثة في العراق، وهي كارثة من حجم مأساة اغريقية، حتى من دون الأساطير وتدخل الآلهة، فقد كان هناك نظام ديكتاتوري مجرم اطاحه الثنائي بوش – بلير (هو في الواقع بوش مع البودل بلير) ليقيما مكانه وضعاً اكثر بطشاً وتدميراً وجريمة مما قدر عليه صدام حسين على رغم طول باعه في دنيا الجريمة.
لي في الحكومة العراقية اصدقاء، وثقتي كبيرة ببعض المسؤولين ووطنيتهم وإخلاصهم، إلا انني أختلف معهم جميعاً إذا زعموا ان العراق اليوم افضل منه ايام صدام حسين، لمجرد انهم عادوا الى بلادهم أو أصبحوا رؤساء ووزراء. الوضع اليوم أسوأ مما عرف العراق في السنوات العجاف للرئيس المخلوع، والإدارة الأميركية مسؤولة عن ارتكاب الجريمة، وحكومة بلير مسؤولة عن التواطؤ فيها.
لا أفهم كيف يستطيع بوش أو بلير ان يزعم انه مسيحي، أو مؤمن، وهو يرى ما يصيب العراقيين كل يوم على يديهما.
جريدتنا هذه نشرت قبل يومين خبراً من بغداد يتحدث عن اتفاق هدنة بين قوات حفظ النظام العراقية وأئمة الجوامع بعد ان دعا هؤلاء عبر مكبرات الصوت الأهالي الى مواجهة قوات الأمن اثناء قيامها بعمليات مداهمة واعتقال. وقال اللواء مهدي صبيح العزاوي، قائد قوات حفظ النظام، لـ «الحياة» ان القوات المتعددة الجنسية أعدت إحصاء لعمليات الاغتيال الفردية وعمليات التفجير الانتحارية باستخدام السيارات المفخخة والعبوات الناسفة، وأظهر الإحصاء ان وزارة الدفاع العراقية تتحمل المسؤولية عن 80 في المئة من حوادث الاغتيال الفردية والحوادث الأمنية الأخرى، بينما تتحمل وزارة الداخلية العراقية مسؤولية العشرين في المئة الأخرى. ثم تتحمل الوزارتان العراقيتان مسؤولية اغتصاب العراقيات وتعذيبهن في سجونها بحسب اخبار لاحقة في «الحياة».
هكذا بالحرف. وزارتا الدفاع والداخلية العراقيتان، برعاية 160 ألف جندي اميركي، تقتلان المواطنين العراقيين، وهو ما لم نسمع مثله في 30 سنة من بعث صدام حسين. والاحتلال الأميركي يتحمل المسؤولية عن جرائم الوزارتين، وأيضاً عصابة الزرقاوي وأمثاله، فهؤلاء يقتلون العراقيين الذين ينجون من وزارتي الدفاع والداخلية، وإرهابهم ما كان موجوداً ايام صدام حسين، فقد أفرزهم الاحتلال، إذا ثبتت الجريمة على الوزارتين هل يصلب سعدون الدليمي وبيان جبر صولاغ على أبواب بغداد؟
هل قرأ القارئ رواية هالة جابر في «الصنداي تايمز» الأحد الماضي عن قتل مذيعة «العربية» أطوار بهجت؟ كنا سمعنا انها قتلت، والآن نقرأ رواية مدعمة بالصور عن ان هذه الشابة المسكينة قتلت ذبحاً بالسكين، وأن أطرافها ثقبت بمثقاب آلي، ثم وقف وحش بشري على بطنها يضغط عليه ليخرج الدم من جروحها. وأخيراً وُضع رأسها على صدرها. أقول ان حذاءها الذي امتلأ بدمها الطاهر أشرف من كل الإرهابيين في العراق.
وتلفزيون «العربية» أصدر بياناً يقول إن المرأة في شريط الفيديو غير الزميلة أطوار بهجت، وإذا صح هذا الكلام فهو من رحمة ربنا بأسرتها وزملائها ومحبيها. الا أنه يبقى أن شابة عراقية ذبحت ذبحاً أمام عراقيين، والأرجح بايدي ارهابيين عراقيين، أي أن الجريمة الوحشية واحدة رغم اختلاف الاسم.
الجريمة في العراق تطاول الجميع حتى ان ناشطة اميركية في حقوق الإنسان لم تنج منها فقد قتلت فيرن هولاند قرب كربلاء في آذار (مارس) 2004، وكان سبقها الى الموت في المكان نفسه روبرت زانغاس، وهو مسؤول صحافي. ويقول محققون اميركيون الآن ان مئات ألوف الدولارات المخصصة لتدريب النساء العراقيات ودعم الديموقراطية، اختفت بعد قتل هولاند، وقد أعدوا قرارات اتهام عن اسباب الجريمة، بينها رشوة وعمولات وتآمر، تطاول مسؤولين اميركيين فاسدين في الحلة بين 2003 و 2004.
كل ما سبق هو من اليومين الماضيين فأختتم بمقال نشرته «لوس انجليس تايمز» المعتدلة للمتطرف ماكس بوت، فهو حرض على العراق، واليوم يحرض على الجميع، سورية، والمملكة العربية السعودية ومصر وبيلاروس وقيزخستان وطبعاً إيران.
لست هنا لأدافع عن أحد، ولا لأهاجم ماكس بوت، ولكن أختار الرئيس حسني مبارك مثلاً من بين الذين استهدفهم احد اعمدة المحافظين الجدد، فهو يقول ان الانتخابات رافقها عنف وتزوير لمنع الأخوان المسلمين من الفوز بمزيد من المقاعد البرلمانية، ومُدّد قانون الطوارئ لاعتقال كل من يتحدى حكمه.
أطالب الرئيس مبارك بأكثر مما يطالب به ماكس بوت، ولكن أزيد ان مشكلة الرئيس المصري هي الأميركان لا أي معارض مسالم او إرهابي، فالعلاقة «الودية» بين مصر والولايات المتحدة هي التي تعطي الأخوان المسلمين شعبية، والتي تحرض على الإرهاب. وفي حين لا اريد ان تقطع مصر علاقات الصداقة مع الولايات المتحدة، وهي علاقة تحتاج إليها الولايات المتحدة اكثر مما تحتاج إليها مصر، فإنني أصر على ان سياسة قتل العراقيين مباشرة او من طريق وزاراتهم، وتجويع الفلسطينيين وتمويل جرائم اسرائيل ضدهم، وتهديد ايران بسبب سلاح غير موجود، وتجاهل ترسانة اسرائيل النووية، هي سياسة ستلقى من يعارضها حتى الموت في الشرق الأوسط، وقد بدأ جورج بوش وتوني بلير يدفعان الثمن، ولعله لا يكون مجرد خسارة منصب.
جهاد الخازن
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد