بوابة فاطمة: روجيه عساف ناطقاً فنياً باسم المقاومة اللبنانية

13-07-2008

بوابة فاطمة: روجيه عساف ناطقاً فنياً باسم المقاومة اللبنانية

الجمل- أيهم ديب:  قبل أيام من حرب تموز 2006 و عندما كانت طبول الحرب تقرع على أشدها خرج السيد إلى العالم و قال بهدوء: لا نريد الحرب و لكن ان كانت فإنها لا تخيفنا بل سننتصر.  في اليوم التالي و على الطاولة المستديرة في مؤسسة السينما علق البعض على كلمات السيد بغلاظة مذكرين إيانا بالرئيس العراقي صدَام يوم هدد و توعد . فكان تعليقي أغلظ : فلكل الناس انف و عينين و أذنين و كل الناس منتصبة القامة. و لكن هذا لا يجعل منهم طبقة أو صنفاً أو نوعاً واحد إلا إذا كان من ينظر إليهم حمار. على اعتبار الحمار لا يقرأ الإنسان و لا يفهم التاريخ  و لا يمتلك ذاكرة  ,بل ينظر إلى الإنسان على انه فصيلة - مستغلة- من الثدييات.
 الناس لا تتساوى إلا عند الجاهل. و لا يمكن أن أساوي بين رغبة بوش بالعدالة و رغبة غاندي بالعدالة لمجرد أنهما اختارا نفس المفردة.
 عندما يقول رجل مثل حسن نصر الله/ يملأ ذاكرتنا الحديثة بصور طيبة عن الحرية و الصدق و الكرم/ أنه سينتصر. لا يسعني إلا ان أصدقه. لأنني إذا تشككت فإن المشكلة فيَ أنا و ليست فيه.
 إن التجربة- المفهوم المسيحي- أو الامتحان هي ما يتعوذ منه المؤمنون في صلواتهم : الشك, الذي يلخص لعنته  BOB DYLAN  بقوله: ( الرجال العظماء يصغَرهم الشك). و إذا كانت العبارة بالعربية تقرأ بمعنيين. فإن المعنيين ينطبقا  في هذا السياق بقوة.
 كان للسيد علينا ان نصدقه  ذلك اليوم  تحديداً . إذا كنا سنشك  بالسيد يومها فهذا يعني أننا لم نحبه يوماً و أننا لم نصدقه يوماً و أننا لم نكن صادقين يوماً. إن الشك امتحان لنا قبل أن يكون للسيد.  لهذا عندما سئلت في إحدى الصحف عن رأيي في الحرب صبيحة اليوم الأول, أجبت: أن السيد سينتصر على إسرائيل و سيخسر في لبنان.
  لم أتشكك من النصر و لكن تخوفت من أن يتبرأ منه اللبنانيون و هذا ما حدث لاحقاً.
 كأننا أمام تراجيديا إغريقية. إنها لحظة انفصام في الهوية أو امتحان لها. فالمدينة تتبرأ من محاربيها الذين يغذون غار انتصارهم من دماء العدو . إن البطل اليوم يحتاج إلى أعدائه أكثر من أي شيء حتى يثبت صورته التي حاولت المدينة تهشيمها. و هذا حدث بكل الأشكال الرمزية من المنابر الإعلامية إلى التقارير القضائية- لجنة فينوغراد-  بل إلى حد بث أغاني حزب الله في إحدى مباريات الدوري الإسرائيلي.
 أعتقد لو ان شكسبير يعيش معنا. لوجد في حرب تموز ما يجعل هملت يبدو إلى جانب السيد كواحد من الحواريين.
ألم تكن كل الأسئلة المطروحة على السيد منذ مقتل الحريري مروراً بالحرب و إلى أحداث بيروت شكسبيرية بامتياز؟ ألم تكن كلها عن عظمة الإنسان و تفاهته؟ عن الحقيقة المقنعة بالكذب و الكذب المقنع بالحقيقة, عن الشك و اليقين, عن الأبطال و السحرة , عن البلاط و الدسائس و لحظات الكشف الكبرى؟ حيث تكون الخسارة  و الفوز صنوان؟ ما معنى ان يقتل هملت عمه إن كانت أمه تزوجت أخ زوجها قبل أن يبرد جسده. أو على حد تعبير شكسبير أنها قدمت على مائدة العرس اللحم الذي طبخ في العزاء.  أليست لحظة شكسبيرية ان تعترف إسرائيل بنصر المقاومة و تتبرأ منه بيروت؟
 إن هملت الذي اخطأ النقاد طويلاً باعتباره  أسير الشك . لم يكن في الحقيقة إلا ضحية يقينه و كذب كل من حوله. ما الذي يفعله الأبطال عندما لا يخوضون الحروب؟ إنهم يعيشون في الكتب , في الذاكرة , في الضمير و في حكمة الشعوب.
هل يعقل أني أكتب هذا النص بناءاً على عرض مسرحي؟
تصادف ذكرى حرب تموز و عرض مسرحية بوابة فاطمة/ اليوم في دمشق / . المسرحية القادمة من بيروت ضمن فعاليات دمشق عاصمة للثقافة تحسم جدلاً و تفرض حلولاً و لا تطرح أسئلة. المسرحية مسرحية موقف و مخرجها -روجيه عساف- لا يفترض أن ما حدث في صيف تموز أو ما بعده يستوجب التأمل و الاستبطان. فالصورة و الوثيقة في يديه دلائل يضعها بين أيدينا نحن الجمهور. روجيه ليس مسكون بالأسئلة. فكم حرب تحتاج حتى تبدأ الإجابات بكشف نفسها؟ و كم شجرة يجب أن تقطع؟ و كم عرس يجب ان تحلم به الفتاة ؟ و كم من عريس يجب أن يموت قبل أن يبلغ شهوة الحلم؟ و كم من منزل يجب ان تحترق أسراره  قبل أن تخلص الأسئلة ؟ روجيه عساف يفتح على العالم نيران أجوبته: صور و مرارة و رسائل من جنود و عاشقات.
العرض بيان مفتوح , مناظرة مع الجمهور الذي و إن كان لا يحمل ميكروفوناً إلا ان له كامل الحرية للتعبير عن موافقته  من عدمها: ان يغادر الصالة أو أن يصفق. 
الأجوبة كانت لأسئلة يعرفها الجميع و يعيشوها في المقهى و في البيوت و على شاشات التلفاز. هنا بالتحديد يبدو روجيه عساف عنصراً ثقافياً غير منفصل عن معرفة الشارع : عندما يوظف اسمه المسيحي ليجيب عن أسئلة توجه عادة لحزب الله الشيعي. هنا يكون روجيه عساف متصلاً مع الشارع. هنا نتحدث عن عناصر تكتسب أهميتها من الشارع و ليس من الخشبة. و هي عناصر فاعلة في الثقافة المحلية. و هذا طبيعي. وهنا يمكن التذكير كيف ان هوليوود و عالم الغناء و عالم الثقافة في أمريكا  عاشت هذه الخبرة من الترجيع أو الدلالة  بين الواقع و الفن. إذ أن الكثير مما يبنى في الفن استقى مدلولات عروضه من  قيم الشارع / ليس كمولد للأفكار/ و لكن كفضاء للمعنى. آخرها و أشهرها  كمثال هو المغني  إمينيم EMINEM  فلا يمكن قراءة أغانيه دون قراءة دلالة لونه-الأبيض- في الوقت الذي يغني فيه أغنية سوداء. 
روجيه عساف الغير شيعي يقدم شهادة غير منحازة إلا للإنسان. مؤكداً أن الظلم لا يعرف هوية.
لا أدري إن كان يجب ان أخوض في الشكل. فالرسالة هي المهيمنة على العرض. و لا تجدي إعادة تلخيص السيناريو هنا. و لكن يمكن القول ان الشكل لم يكن هو مادة البحث و إلا لكان من الممكن ضبطه أكثر. خاصة و ان الصورة و المسرح يملكان مستويات غاية في الغنى و التعقيد من العلاقات المحتملة. أضف إلى ان المزج بين شعرية اللغة التي تذكرنا بشعراء القصيدة المحكية و لغة المقهى لم تكونا فاكهتي المحببة.
يمكن القول/ بحذر شديد/ أن العرض لم يكن لخدمة المسرح/الفن/  و لكن/ بكل تأكيد/ كان لجعل المسرح الجيد  في خدمة الإنسان .
 الجمهور بقي للنهاية و صفق كثيراً.

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...