جيمس بتراس: سطوة إسرائيل في الولايات المتحدة

01-11-2007

جيمس بتراس: سطوة إسرائيل في الولايات المتحدة

يوجد ما يشبه الإجماع في الرأي العام العربي والإسلامي حول نفوذ إسرائيل وتغلغلها في مؤسسات صنع القرار الأميركية، ليس كفرضية وإنما كحقيقة يمكن الركون إليها. وفقاً لهذا المعطى يحاول جيمس بتراس في كتابه "سطوة إسرائيل، في الولايات المتحدة" الذي ترجمه حسان البستاني، وصدر لدى "الدار العربية للعلوم" (2007) أن يثبت ذلك.
لا يمكن فهم النفوذ الإسرائيلي في أميركا بحسب المؤلف بأنه متمثل باللوبي اليهودي فقط أو حتى بـ"آيباك"، مهما تكن مهيبةً، والتي يعمل لديها 150 موظفاً بدوام كامل، بل يمكن فهمه بطريقة أفضل كشبكة مؤلفة من مجموعات رسمية وغير رسمية مترابطة تعمل على مستويات دولية، ووطنية، ومحلية، وتتبع بصورة مباشرة ومنهجية دولة إسرائيل والمتمتعين بالنفوذ فيها وصنّاع القرار الرئيسيين، وتستخدم النفوذ ببراعة من خلال التأثير المباشر لليهود في الحكومة والكونغرس، ومن خلال التأثير غير المباشر عبر استخدام الأموال أثناء الحملات الانتخابية، وذلك للتأثير في اختيار المرشحين المنتمين إلى الحزبين السياسين الرئيسيين، وللتغلب على منتقدي اسرائيل ومكافأة المسؤولين المنتخبين الذين سيلتزمون الخط الإسرائيلي.
كما يحدد النفوذ الذي تمارسه المنظمات اليهودية المتغلغلة في وسائل الإعلام وشكل متغيرات النزاع السياسي حول المسائل المتعلقة باسرائيل التي اتسعت مع الوقت، حيث تُخضع المنتقدين للرقابة وتهاجمهم بقسوة، وتلفت إلى الأخبار والتعليقات المؤيدة لاسرائيل. ويشمل النفوذ اليهودي كذلك المنظمات المحلية والقطاعية والإتحادات المحلية والحكومية، ومن خلالها الهيئات المهنية ونقابات العمال، وقد يكون الناشطون منتسبين إلى الجهاز الوطني أو هم جزء لا يتجزأ من المجتمع المدني المحلي.
علاوة على ذلك، تتألف بنية النفوذ اليهودي الرسمية وغير الرسمية من عنصر ديناميكي بالغ الأهمية، فكل مركز نفوذ يتفاعل مع مراكز النفوذ الأخرى، مما يؤدي إلى حركة وحيوية ثابتتين تقرّب القادة والأتباع من بعضهم وتمدّهم بالطاقة للعمل. وتؤثر وسائل الإعلام السياسية اليهودية، والقادة المدنيون المتأثرون ببنية النفوذ اليهودي بدورهم في مجموع ناخبيهم مما يضاعف التأثير الأولي لأولئك الذين يسيطرون عليهم. وقد أدى الغياب النسبي لسياسة خارجية ناشطة ومنظمة ذات أساس ديموقراطي، ولا سيما في ما يتعلق بالشرق الأوسط، إلى غياب منافسين لبنية النفوذ الاسرائيلي عملياً.
يتساءل جيمس بتراس عمن يقوم بتمويل دولة إسرائيل لأن اسرائيل كما هو معروف دولة غير قابلة للحياة من دون دعم خارجي ضخم، فمن دون المعونة الخارجية يتطلب الإقتصاد الإسرائيلي إدخال خفوضات حادة على معايير الحياة وظروف العمل، مما يؤدي إلى هرب محتمل لمعظم المهنيين الاسرائيليين، ورجال الأعمال، والمهاجرين الجدد إلى ما وراء البحار. وفي هذه الحالة، تخفض الموازنة العسكرية الاسرائيلية وتصبح اسرائيل مضطرّة للحد من تدخلاتها العسكرية في الشرق العربي والأراضي المحتلة، وستكفّ اسرائيل عن كونها دولة تتّكل في جميع مداخيلها على المعونات المالية الخارجية، وتكون مضطرة للشروع في نشاط إنتاجي، كالعودة إلى الزراعة، والصناعة والخدمات مع استثناء إستغلال الخادمات الآسيويات اللواتي يتقاضين أجوراً منخفضة، والعاملين في ميدان الزراعة المستوردين من أوروبا الشرقية، وعمال البناء الفلسطينيين.
يوجز المؤلف إجابته بأن الحكومة الأميركية تقوم بدعم إسرائيل باطراد من خلال تقديم المعونات بإسراف، حيث تحظى الدولة العبرية بمعاملة مؤاتية وبفوائد خاصة وفقاً لبرامج المساعدة الأميركية التي قد لا تكون متاحة لبلدان أخرى. فقد حصلت على أكثر من 90 مليار دولار كمعونة أميركية حتى عام 2003 منها 75 ملياراً على صورة هبات (أي غير قابلة للرد)، و15 مليار دولار على صورة قروض. منذ عام 1985، وفرت الولايات المتحدة لاسرائيل ثلاثة مليارات دولار سنوياً كهبات. بلغت المساعدات المقدمة لاعادة استيطان المهاجرين السوفيات والاثيوبيين ذروتها عام 1992، 80 مليون دولار، لكن الإعانات المالية لا تزال مستمرة إذ بلغت 50 مليون دولار عام 2003 و50 مليون دولار عام 2004، والمبلغ نفسه عام 2005.
يقول جيمس بتراس في صفحة 208 ما يأتي: "بخروج سوريا من لبنان، ضمنت واشنطن صدور قرار متحيز عن الأمم المتحدة يدعو إلى نزع سلاح "حزب الله"، وذلك من دون أي تنازل إسرائيلي عسكري أو حدودي (كإعادة مزارع شبعا اللبنانية التي تحتلها إسرائيل) أو اعادة الأسرى اللبنانيين الذين كانوا يقاسون في السجون الإسرائيلية منذ فترة طويلة. ومنح ذلك القرار الدولي بعد ذلك، وهو القرار الوحيد الذي لم تعترض عليه إسرائيل لأسباب جلية، غطاء للاجتياح الإسرائيلي الذي حوّل لبنان إلى دولة مثيرة للشفقة كأفغانستان بعدما كانت قبل أيام الجمهورية المتوسطية النابضة بالحياة. وكانت استراتيجية إسرائيل واضحة فقد سعت إلى عزل "حزب الله" في العالم، ضامنة تأييد الأمم المتحدة عبر واشنطن التي ضمنها اللوبي بعد ممارسة ضغط على إدارة بوش، واضعة نصب عينيها الترويج لنزاع داخلي في لبنان بين "حزب الله" والحكومة اللبنانية يمكن الولايات المتحدة/ الأمم المتحدة التدخل من خلاله لمصلحة جماعتها في بيروت".
ويؤكد الكاتب أن اللوبي اليهودي هو المستفيد الأول من اغتيال رفيق الحريري كما هو المستفيد الأكبر من الحرب على العراق التي دعا إليها، فعلى عكس وجهة نظر معظم التقدميين الأميركيين القائلة إن النفط، ولا سيما مصالح بيغ أويل، هي المحرك الرئيسي، فلا وجود لأي دليل على أن شركات النفط الأميركية الرئيسية مارست ضغوطاً على الكونغرس أو شجعت لشن الحرب على العراق أو حرضت على المواجهة الحالية مع إيران، بل بالعكس هناك الكثير مما يشير إلى أن هذه الشركات قلقة جداً من الخسائر التي قد تنجم عن هجوم إسرائيلي على إيران، وزيادة على ذلك، يبدو من المنطقي افتراض أن بيغ أويل بعيدة عن كونها سعيدة بتحمل عقوبة كل ما يجري في الشرق الأوسط، ولا سيما عندما تمتزج الحوادث مع الغضب الشعبي بسبب ارتفاع أسعار الغاز، وتؤدي إلى تحقيقات رسمية من مجلس الشيوخ.
تلقي التحليلات التي يقدمها باتراس الضوء، مثلها مثل تحليلات نعوم تشومسكي، على نفوذ اليهود المستحكم في العالم وتتغاضى بشكل غريب عن قوة العرب النافذين في دوائر صنع القرار في العالم، وهم الذين يملكون القنوات الفضائية والبنوك، والموظفين في المنظمات الدولية وأعضاء البرلمان والوزراء في الدول الغربية! وقد عطلوا الكثير من الاتفاقات الدولية كاتفاق عالم جدير بالأطفال، والاتفاقات الخاصة بحماية حقوق المرأة، ورفضوا إلى جانب إسرائيل الإنضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية!!

 

ميلود بن غربي 

المصدر: النهار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...