حلف نصر الله، الإعلان عن الناطق الرسمي
الثلاثاء، 16 تشرين الأول، كتبتُ في « الأخبار»، ما يلي: «لم يحصل حسن نصر الله على تكليف من موسكو أو بكين أو طهران أو بغداد أو دمشق، لكي يكون الناطق الرسمي باسم الحلف الجديد المتكوّن، في السياسة الدولية، على نار الحرب في سوريا، لكنه احتلّ، من الناحية التاريخية الموضوعية، هذا الموقع الكوني».
لم تمرّ بضعة أشهر على هذا «التحليل» حتى تحوّل معطى، أعلنه نصر الله بنفسه، حين تحدث الثلاثاء الماضي، بلا التباس، باسم الحلف ذاك، ليحذّر، بالثقة نفسها المعهودة عنه، أن «أصدقاء سوريا الحقيقيين لن يسمحوا بسقوطها في أيدي الأميركيين والإسرائيليين أو التكفيريين».
انتهينا، إذاً، إلى وضع النقاط على الحروف: حتى الآن، لم نشارك في القتال الجدي دفاعاً عن سوريا ( قتال حزب الله للذود عن اللبنانيين في ريف القصير واجب لبناني بأضيق المعاني، وعن مقام السيدة زينب واجب إسلامي ضد الفتنة بأضيق المعاني)؛ لكن ، إذا «تدحرج» الموقف، فحلفاء سوريا سيقاتلون معها. نقطة على السطر؛ بعدها، على المهلوسين أن يستيقظوا ويفكروا، ملياً، بكلفة التدخل العسكري، وحتى تدريب وتسليح الجماعات التخريبية ــ التكفيرية، بـ«أسلحة فتاكة» هو مجرد ضرب من الجنون؛ فلا مجال، في هذه المعركة الكونية، للتراجع، بل الإقدام حتى النصر. ولا يقع الأمر في دائرة الإرادة الذاتية، فقط، بل يقع، تحديداً، في استجابة الإرادة السياسية المشتركة للحلف المضاد للغرب وإسرائيل والرجعية العربية، لإرادة التاريخ وتلاقي مشاريعه القومية ومساراته الاستراتيجية، في ساحة القتال في سوريا، نحو النصر ــ الضرورة لكي تحقق القوميات الصاعدة في الصين وروسيا وإيران، ذاتها، ولكي يحقق المشرق وحدته، ويبدأ بمشروعه القومي الكبير، قاطرة التقدم للعالم العربي كله.
في النص السابق نفسه، لاحظتُ موقع حزب الله في تشكيل الحلف الكوني المضاد للقطبية الواحدة، كالتالي: «حين دخل القيصر فلاديمير بوتين، الكرملين، لأول مرة، في 2000، كان نصر الله يوقّع هزيمة الاحتلال الإسرائيلي وفراره من جنوب لبنان. يعني ذلك أنّ عقد الفراغ الاستراتيجي الناجم عن هزيمة العراق وتفكك الاتحاد السوفياتي في 1990، لم يكن فارغاً تماماً. كان هنالك حزب الله ينحت في الصخر ويحافظ على الربيئة الأمامية وسط الانهيارات السياسية وما تبعها من انهيارات نفسية عمّت المنطقة، وشلّت القوى الوطنية والتقدمية عن الفعل التاريخي، بينما كان أيّوب متحصناً بصبره الاستراتيجيّ، يقاتل في جنوب لبنان، مؤمناً، في عزّ الهزائم، بالنصر المبين مرتين في 2000 و 2006. وفي المشهد الجيوستراتيجي المتكوّن الآن من بكين إلى جنوب لبنان، لم يعد حزب الله، «إيرانياً» أو «سورياً»، لكنّه غدا، مع إيران وسوريا والعراق وروسيا والصين، طرفاً في حلف دولي».
وميزة حزب الله، في هذا الحلف، أنه حركة مقاومة لا دولة مقيدة بالالتزامات المعقّدة للدول؛ فهو الأقدر، إذاً، على أن يكون في الطليعة. هل تضير هذه الطليعية، مصالح لبنان ــ الوطن الصغير؟ كلا. بل قل إنها فرصته التاريخية لإعادة بناء الدولة، قوية وعادلة، وإعادة بناء الاقتصاد المضاد للهجرة والتفتيت، واستغلال الثروات، من الماء المهدور إلى الغاز الممنوع. لبنان محصّن إزاء إسرائيل، وتحوّل ــ بفضل المقاومة عسكرياً، وبفضل التحالف بين حزب الله والتيار الوطني الحر، سياسياً ــ إلى رقم صعب في المعادلة الإقليمية والدولية. أخرجوا الرؤوس من زواريب السياسة المحلية السخيفة، وسترون لبنان، في مجده الحقيقي، على خارطة المنطقة والعالم، مجداً لا يُترجم الفلكلور، بل قوة الردع الفعلية المتوافرة لدى المقاومة.
رسائل نصر الله ليست موجّهة، فقط، ضد الأميركيين والإسرائيليين والرجعية العربية وأدواتهم التكفيرية، وإنما رسائل يقظة موجهة لكل الوطنيين في المشرق، ومفادها الحضّ على التفكير في ما بعد النصر المحتوم في سوريا؛ هل يمكن، إذ ذاك، أن تبقى هياكل كيانات المشرق وسياساتها وأولوياتها وعلاقاتها البينية على كل الأصعدة، هي نفسها التي كانت قبل الأزمة السورية؟
وحدة سوريا المنتصرة، أصبحت تساوي، اليوم، وحدة المشرق، وهويته الجامعة وتعدديته الثقافية والإتنية والدينية والطائفية. لا نتحدث عن وحدة قومية اندماجية تماثلية، وإنما عن سياق يكفل الأمن القومي والاستقلالية والتنمية واكتشاف الفرص الاقتصادية واستئصال الحرمان والبطالة والفقر والتهميش.
حين يتم تظهير المحور الخاص التكاملي بين بلاد الأمويين وبلاد العبّاسيين، لن يبقى أمام اللبناني والأردني والفلسطيني، سوى خيارين: المشروع المشرقي أو المشروع الصهيوني. السؤال نفسه مطروح الآن على المعارضين الوطنيين السوريين؛ فخلاصة كلام نصر الله أنه لم يبق مكان للرمادي في سوريا.
ناهض حتر
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد