صورة الإرهاب عبر كاميرا هوليود
منذ أن بدأت هوليوود صناعة الأفلام وهي تواكب كل الحروب التي يخوضها الشعب الأمريكي، سواء بإرادته كما في الحرب العالمية الثانية ردا على الهجوم الياباني على بيرل هاربور أو رغما عنه كما في الحرب الفيتنامية أو حتى دون علمه كما في الحروب التي خاضتها الإدارات الأمريكية المتعاقبة بالوكالة في أمريكا اللاتينية وفي أفغانستان خلال ثمانينات القرن الماضي.
وكان من الطبيعي بعد كل هذا التاريخ في صناعة الأفلام التي تواكب حروب الولايات المتحدة أن تدخل هوليوود إلى منطقة جديدة وهي "الحرب على الإرهاب" والتي أطلقها الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 على كل من "يهدد الأمن القومي الأمريكي" وفقا لمفهوم الإدارة الأمريكية.
ولأن الحرب التي تخوضها الولايات المتحدة هذه المرة على أعدائها، وهم من تسميهم بـ"الإرهابيين"، حرب أكثر تعقيدا من الحروب التي خاضتها الأمة الأمريكية في السابق، حيث العدو واضح وهو عادة خارج الأراضي الأمريكية بينما هنا فالعدو قد يكون داخل البلاد وقد يكون أمريكيا، فقد حاولت الأفلام الأمريكية هذه المرة أن تتناول هذا العدو بطريقة أكثر واقعية، وأن تنقل لنا تفاصيل أكثر عنه، بل ذهب بعضها إلى محاولة معرفة الدوافع التي أدت به إلى أن يخوض حربا على الأمة "الأقوى" في العالم.
ففيلم سيريانا، الذي أنتج عام 2005 وأخرجه ستيفن كاجان، يتعرض لدور ضابط استخبارات أمريكي تم إرساله إلى الشرق الأوسط في مهمة جمع معلومات لمعرفة من يريدون تعريض المصالح الأمريكية للخطر.
وبالتوازي مع هذه الشخصية التي قام بأدائها جورج كلوني، هناك التحالف غير الشريف بين شركات النفط الأمريكية الكبرى وبين أجنحة في العائلات المالكة التي تحكم الدول النفطية في الشرق الأوسط.
ومن أجل إبراز هذا التحالف تخيل الفيلم دولة شرق أوسطية نفطية اسمها سيريانا، تحكمها عائلة تمر بمرحلة دقيقة وهي مرحلة الإعداد لما بعد حاكم هذه الدولة. وتدور معركة خلافة هذا الحاكم بين ابنه "الأمير ناصر" الذي يريد أن يستغل عائدات النفط في تطوير بلاده ونقلها حضاريا إلى القرن الحادي والعشرين وبين ابنه "الأمير مشعل" الذي يبدو منغمسا في ملذات الحياة وغير راغب في إحداث هذه النقلة الحضارية لبلاده.
هنا تتدخل شركات النفط الأمريكية الكبيرة عبر تحالفها مع أجهزة الإدارة الأمريكية وأهمها الـCIA من أجل اغتيال الأمير الإصلاحي الذي فكر في التخلي عن الشركات النفطية الأمريكية استبدالها بشركات صينية وبالتالي تمهيد الطريق للأمير مشعل نحو خلافة والده.
بالتوازي مع هذا الخط نشاهد في الفيلم كيفية نشؤ التطرف في المجتمعات الشرق الأوسطية. فهناك جاليات العمالة الآسيوية الضخمة التي تعامل بشكل سيء من قبل السلطات، ما يدفع بعض أفرادها للتعاون مع المجموعات المتطرفة التي تريد ضرب المصالح الأمريكية في سيريانا.
الفيلم المأخوذ عن كتاب "لا أرى شرا: القصة الحقيقية لجندي على الأرض في حرب الـCIA على الإرهاب". وقد ألف الكتاب روبرت باير، وهو ضابط سابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية CIA.
ويقول باير ومخرج الفيلم كاجان إن كل ما ورد في فيلم سيريانا مستقى من أحداث حقيقية، منها ما قد خاضوه هم بأنفسهم، مثل مشهد تحقيق رجال حزب الله مع ضابط الـCIA في الفيلم.
لم تكتف هوليوود بهذا الفيلم لتعرض وجهة نظر الجناح المعارض لحرب الإدارة الأمريكية على الإرهاب.
ففي عام 2006 خرج لنا الفيلم المستقل Civic Duty أو "واجب مدني" وهو يحكي قصة محاسب أمريكي في المرحلة التالية لهجمات الحادي عشر من سبتمبر لا يفعل شيئا سوى متابعة شبكات الأخبار التلفزيونية الأمريكية التي تركز على أخبار الإرهاب ومحاولات الجماعات المتطرفة استهداف الولايات المتحدة من الداخل.
وبعد أن يكون عقل المحاسب الأمريكي الذي يقوم بدوره بيتر كراوز قد هيئ تماما لكي يكون مشاركا فعالا في حرب بلاده على الإرهاب، يشك كراوز في جاره الجديد، الطالب المسلم الذي يقوم بدوره الممثل المصري خالد أبو النجا، في أنه يريد التخطيط لعمل إرهابي داخل الولايات المتحدة.
يحاول كراوز إقناع زوجته وإقناع ضابط في مكتب التحقيقات الفيدرالي الـFBI لكنه يفشل، فيقرر حينئذ أن يقوم بالتحري عن أبو النجا بنفسه، ويصل إلى حد أن يختطفه ويحقق معه من أجل إثبات تورطه في الإرهاب.
وبعد هذا الفيلم قرر الجناح المعارض في هوليوود لحرب الرئيس الأمريكي على الإرهاب أن يصنع فيلما آخر حول نفس الموضوع وهو فيلم Rendition الذي أنتج عام 2007 وتناول موضوع نقل وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية للمشتبه بعلاقتهم بالإرهاب بين سجون سرية في أماكن متفرقة من العالم.
الفيلم يحكي قصة شاب مصري يدعى أنور الإبراهيمي، قام بدوره الممثل الدنمركي المصري عمر متولي، تشتبه الـCIA في علاقته بالإرهاب فتقرر خطفه ونقله إلى أحد السجون العربية حيث يعذب هناك تحت إشراف ضباط الوكالة من أجل انتزاع اعترافات منه حول علاقته المفترضة بالإرهاب.
تسافر زوجته الأمريكية إيزابيلا التي تقوم بدورها الممثلة ريز ويذرسبون إلى واشنطن من أجل معرفة الحقيقة وراء اختفاء زوجها وهناك تكتشف أن من دبرت عملية اختطافه ونقله إلى خارج الأراضي الأمريكي هي رئيسة الـCIA كورين وايتمان، والتي تقوم بدورها الممثلة القديرة ميريل ستريب.
في هذه الأثناء يكون ضابط الـCIA دوجلاس فريمان والذي يشرف على جلسات استجواب أنور الإبراهيمي، وقام بدوره الممثل الشاب جاك جلينجهال، قد بدأ ضميره في التحرك بعد جلسات التعذيب المؤلمة التي تعرض لها أنور.
وبالرغم من أن الفيلم يتعرض لعملية تم استخدامها بكثرة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر من قبل الإدارة الأمريكية إلا أنه من المهم الإشارة هنا إلى أن هذا الإجراء تمت الموافقة عليه من قبل إدارة الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون وليس من قبل إدارة الرئيس بوش.
الحرب على الإرهاب داخل "المملكة" وأفغانستان.. لكن على الجانب الآخر كان هناك جناح في هوليوود موالي لإدارة الرئيس الأمريكي في حربها على الإرهاب.
وقد مثل هذا الجناح فيلم The Kingdom أو المملكة الذي أنتج عام 2007 وقام بأدوار البطولة فيه الممثل الأمريكي جايمي فوكس الممثلة الأمريكية جنيفر جاردنر والممثل الفلسطيني أشرف برهوم.
تدور أحداث الفيلم في المملكة العربية السعودية حيث يتناول قصة فريق من محققي الـFBI يسافر إلى الرياض من أجل التحقيق في هجوم إرهابي على مجمع يقطنه أمريكيون يعملون في السعودية.
الفيلم المليء بمشاهد الأكشن والانفجارات والاشتباكات بالأسلحة النارية والصواريخ في أحياء وشوارع العاصمة السعودية ينتهي بانتصار الفريق الأمريكي على الإرهابيين والقضاء عليهم ولكنه يطرح سؤالا حساسا وهو: هل تم التخلص من الإرهابيين إلى الأبد أم أن ما حدث هو جولة واحدة فقط في حرب طويلة ومستمرة.
وأخيرا هناك فيلم Lions for Lambs الذي أخرجه المخرج والممثل الأمريكي روبرت ريدفورد، المعروف بمواقفه السياسية المناهضة لحروب الإدارة الأمريكية.
الفيلم يتناول قصة الحرب التي تخوضها القوات الأمريكية من خلال سرد رحلة طالبين أمريكيين من مقاعد الدراسة إلى مواجهة مسلحي حركة طالبان في أفغانستان.
وبالتوازي نشاهد المأزق الأخلاقي لأستاذهما الجامعي، الذي قام بدوره روبرت ريدفورد، ونتابع صحفية أمريكية متشككة في الهدف الذي ذهبت من أجله بلادها إلى الحرب، قامت بدورها ميريل ستريب، وهي تجري تحقيقا صحفيا من سناتور طامح لتبوأ منصب الرئاسة، وقام بدوره توم كروز.
السناتور يرغب من خلال هذا التحقيق إقناع الرأي العام بجدوى خطته الجديدة لمحاربة طالبان في أفغانستان عبر الدفع بمزيد من الجنود إلى هناك، بينما تحاول ميريل ستريب مواجهته بعدم جدوى الحرب هناك.
لكن بعد كل هذه الأفلام، تساءلت إن كانت هذه الموجة من الأفلام يمكن أن تؤثر على عقل المشاهد العربي عند توزيعها على صالات العرض السينمائي في العالم العربي.
المخرج والناقد السينمائي اللبناني علي زراقط نفى خلال حديثه لبي بي سي العربية أن تكون هذه الأفلام قادرة على التأثير على العقل العربي وذلك "لأن هذا الجمهور هو معني بالأساس بموضوع هذه الأفلام لذلك فإنه متحيز مسبقا سواء لوجهة النظر المعارضة لسياسات الإدارة الامريكية في حربها على الإرهاب أو لوجهة النظر المؤيدة لها، وبالتالي فهناك قسم صغير فقط من المشاهدين سيشاهد هذه النوعية من الأفلام بطريقة محايدة".
ويتفق الموزع السينمائي عبد الرحمن محسن مع علي زراقط ويقول لبي بي سي العربية إن "الأفلام الأمريكية التي تروج لسياسات إدارة الرئيس الأمريكي بوش لن تجد إلا النفور من الجمهور العربي".
لكن عند سؤاله حول مطالبات البعض بمنعها من التوزيع في العالم العربي بحجة عدم تقديم هذه الأفلام لأي فائدة للعقل العربي يجيب محسن بالقول: "نحن نعرض الأفلام ليس من أجل فائدة المشاهد ولكن نحن نعرض الأفلام من أجل الربح، ولا توجد شركة تعرض فيلم من أجل فائدة المتفرج"، مضيفا أنه "مع التصريح بعرض هذه الأفلام وضد المنع والوصاية ولا أعتقد أن فيلم من هذا النوع يمكن أن يؤثر على عقل أي مشاهد عربي."
وحول سبب نجاح هذه الأفلام عند توزيعها في العالم العربي فإن علي زراقط يبرر ذلك بأن "معظم هذه الأفلام تنتمي الى نوعية أفلام الأكشن وبالتالي فهي أفلام تجارية رائجة، كما أن الظرف السياسي الراهن الذي تمر به المجتمعات العربية يجعل هذه الأفلام رائجة".
ويتفق محسن مع زراقط في وجهة نظره لكنه يضيف عليها أن قطاعا من صناع تلك الأفلام يتعمدون تضمينها بوجهات نظرهم السياسية سواء المؤيدة للإدارة الأمريكية أو المعارضة لها.
يبقى السؤال الأخير والأهم: بما أن العالم العربي معني بالأساس بـ"الحرب على الإرهاب"، فلماذا لا توجد أفلام عربية تعالج هذه الحرب من وجهة نظر المواطن العربي؟
علي زراقط يلخص الإجابة بقوله: "لا توجد الإرادة أو الرغبة في صنع أفلام عربية تحمل صورة مستقلة لنا مغايرة عن تلك التي تقدمها السينما الأمريكية أو البريطانية أو الفرنسية.. لذا فإن صورتنا الموجودة حاليا في العالم هي الصورة التي تقدمها السينما الامريكية والتي تملك من شبكات التوزيع ما يجعلها تصل إلينا ولا نصل إليها لو أردنا صنع صورة مستقلة لنا.. وحتى الصورة المضادة هي إنتاج أمريكي وليست من صنعنا..!".
الصورة المضادة تلخصت في الرواية الأمريكية للحرب التي أنجبت "الحرب على الإرهاب"، وهي "الحرب على الشيوعية" والتي جرت في أفغانستان خلال ثمانينيات القرن الماضي عندما دعمت وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية جماعات المجاهدين الأفغان والعرب في قتالهم الوجود السوفيتي في أفغانستان.
تلك الرواية وردت في فيلم Charlie Wilson's War، الذي أنتج أواخر عام 2007 ولعب بطولته توم هان كس في دور السناتور الامريكي تشارلي ويلسون، والذي لعب دورا هاما في دعم المجاهدين وإرهاق الاتحاد السوفيتي الى أن سقط عام 1991.
فيلم يقدم لنا صورة أمريكية عن ما حدث في أفغانستان، لكن الأهم من ذلك أنه يقدم لنا جذور "الحرب على الإرهاب" التي نشهد فصولها هذه الأيام.
أحمد صلاح زكي
المصدر: BBC
إضافة تعليق جديد