ضبّاط لبنانيّون يتلقّون دروساً إسرائيليّة في الأردن
«... أعاد حزب الله توجيه نشاطاته الانتحارية في لبنان نحو قوات الدفاع الإسرائيلية ومواقع الجيش اللبناني في الجنوب». هذه العبارة ليست صادرة عن الإعلام الإسرائيلي. بل هي «درس» يتعلمه ضباط ورتباء لبنانيون في «المركز الأردني الدولي لتدريب الشرطة». وهذه العبارة لا تمر مرور الكرام في أحد الفصول التعليمية، بل هي واحدة من «النظريات» المكثفة التي تحويها مقررات التدريب الذي يتلقاه رجال الأمن اللبنانيون دورياً في المملكة الأردنية، والذي يبدو جلياً أنه يستند إلى النظرة الأميركية لقضايا المنطقة، وفي طليعتها قضيتا المقاومة والإرهاب. وأخطر ما في هذا التدريب، هو اعتماده، في بعض أجزائه، على دراسات إسرائيلية، هذا إذا ما جاز التغاضي عن مسّه بالسيادة الوطنية، وعن اعتباره حركات المقاومة الفلسطينية التي تسعى إلى الضغط على «إسرائيل من أجل التخلي عن أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة»، منظمات إرهابية.
تدريب اللبنانيين على أيدي ضباط أميركيين في الأردن يعود إلى عام 2007، عندما وقّعت الحكومة اللبنانية اتفاقات مع الولايات المتحدة الأميركية لقبول هبات مالية للجيش وقوى الأمن الداخلي. وتستخدم الهبة لشراء معدات وتمويل بعض المشاريع والإنشاءات، وتقديم أسلحة خفيفة، وسيارات عسكرية غير مصفّحة وأخرى مدنية بات رجال الأمن الداخلي يجولون بها في الشوارع اللبنانية. إضافة إلى ذلك، تتضمن الهبة الأميركية تمويلاً لدورات تدريبية للضباط اللبنانيين والأفراد.
برنامج التدريب الأكبر منحه الأميركيون لقوى الأمن الداخلي. في معهد الوروار، تُجرى دورات دورياً لتدريب جميع مجندي الأمن الداخلي (أكثر من 5 آلاف). وإضافة إلى التدريب داخل لبنان، تكرمت الولايات المتحدة بتدريب ضباط من قوى الأمن الداخلي وأفرادها في معاهد داخل الولايات المتحدة، قبل الانتقال إلى تدريب الضباط اللبنانيين ورجال الأمن في الأردن.
ففي المملكة الشقيقة، كان الأميركيون قد أنشأوا مركزاًَ لتدريب القوى الأمنية في عراق ما بعد الاحتلال. وحتى 23 شباط 2006، كان المعهد قد خرّج أكثر من 30 ألف شرطي عراقي، بعضهم مختصون بمكافحة الإرهاب. وبعدما انتقل برنامج تدريب الشرطة العراقية إلى داخل بلاد الرافدين، تحول المركز الأميركي إلى ما سمي «المركز الأردني ــــ الدولي لتدريب الشرطة (JIPTIC)»، الذي يديره ويدرب فيه ضباط أميركيون معظمهم متقاعدون.
المفارقات تبدأ من هذه النقطة بالتحديد. فالمركز صار مختصاً بتدريب الأجهزة الأمنية الأكثر التصاقاً بالسياسة الأميركية في الشرق الأوسط، كالشرطة الفلسطينية وبعض وحدات الشرطة العراقية، ليضاف إليهم رجال الأمن اللبنانيون. ويؤكد أحد اللبنانيين الذين تدربوا في المعهد أن ضابطاً أردنياً أخبره أن رئيس فريق التدريب الأميركي هو مساعد للجنرال الأميركي الشهير كيث دايتون، صاحب مشروع التنسيق الأمني بين أجهزة أمن السلطة الفلسطينية وقوات الاحتلال.
من لبنان، تقاطر عشرات الضباط والرتباء للتدرب في المركز المذكور. وهؤلاء ينتمون إلى أكثر من وحدة في قوى الأمن الداخلي، وخاصة من جهاز أمن السفارات والقوى السيارة والشرطة القضائية والدرك الإقليمي وشرطة بيروت، إضافة إلى بعض ضباط الحرس الجمهوري وأفراده. ومعظم الدورات التي تُجرى تتناول إدارة الأزمات والقضايا الخطرة وحماية الشخصيات والمباني ومكافحة أعمال التفجير (غادرت إلى الأردن أمس بعثة من المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي للتدرب على «حماية الشخصيات القصيرة»، فيما تنطلق اليوم بعثة أخرى للتدرب على إدارة الأزمات الحساسة). كانت أمور التدريب في الأردن، التي تتضمن تقنيات ودروساً متقدمة جداً من الناحية التقنية والنظرية، تسير بهدوء تام، إلى أن عاد من إحدى الدورات يوم 20/1/2010 ضابط برتبة رائد، كان يرأس وفداً من 24 ضابطاً من قوى الأمن الداخلي. في بداية الدورة، اكتشف الوفد اللبناني أن أحد الدروس يتضمن جملة تتحدث عن كيفية تمويل المنظمات الإرهابية، وتذكر حزب الله، قائلة إنه تمكن من الحصول على ملايين الدولارات من تهريب التبغ داخل الولايات المتحدة. رئيس الوفد اعترض مع عدد من زملائه على هذه الجملة، قائلاً إن المتدربين يمثلون الحكومة اللبنانية التي يمثّل حزب الله جزءاً منها. وأكد رئيس الوفد أن الشعب اللبناني والحكومة اللبنانية ينظران إلى حزب الله على أنه حركة مقاومة في لبنان، ضد الاحتلال الإسرائيلي، وأنه يرفض هذه الإساءة. المدربون الأميركيون «فائقو اللطف»، كما يصفهم عدد كبير من المتدربين. أحدهم قال للضباط اللبنانيين: نحن نتفهم اعتراضهم، وسنرفع تقريرنا إلى المسؤولين عن التدريب. في اليوم التالي، أعاد الضباط اللبنانيون تذكير المدربين باعتراضهم، فطلب أحد الأميركيين من المتدربين محو هذه العبارة بواسطة قلم حبر أسود.
انتهت الدورة، وعندما عاد الضباط اللبنانيون إلى بيروت، أثار رئيس الوفد الأمر مع رؤسائه. وبعدما علم المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي بذلك، تواصل مع مكتب الإشراف على الهبة الأميركية، طالباً معالجة هذا الأمر. وبحسب مقربين من ريفي، وعد الأميركيون بتسوية الأمور وإزالة كل ما قد يمثّل حساسية للبنانيين من مقررات التدريب.
دراسات إسرائيلية في المقررات الأميركية
المشكلة أعمق من حلها «بشحطة قلم» حبر أسود في الدورة، أو بالتواصل مع الأميركيين لحذف ما يستفز اللبنانيين. فلدى التدقيق ببعض مقررات الدورات الأخرى التي تُجرى في المركز ذاته، يتبين وجود ما هو أخطر من جملة لم يَحُلْ وضع الحبر الأسود فوقها دون قراءتها. أحد المقررات يتضمن شرحاً تاريخياً للهجمات الانتحارية. وبحسب هذا المقرر، بدأت «الهجمات الانتحارية المعاصرة» في لبنان عام 1983، عندما استهدف انفجار سيارة مفخخة «ثكن سلاح مشاة البحرية الأميركية في بيروت». يضيف المقرر أن هذه الهجمات «نُسِبَت إلى جماعة غير معروفة في ذلك الوقت، اسمها حزب الله، وأدت إلى انسحاب القوات الفرنسية والأميركية من لبنان. كما أكسبت الهجمات المنظمة الإرهابية شعبية وشهرة محلية وعالمية». يتابع المقرر ذاته: «بعد انسحاب القوات الغربية من لبنان، أعاد حزب الله توجيه نشاطاته الانتحارية في لبنان إلى قوات الدفاع الإسرائيلية ومواقع الجيش اللبناني في الجنوب».
وفي كل فقرة تتحدث عن «الإرهاب الانتحاري»، يرد اسم حزب الله. لكن الأمر لا يقف عند حدود لبنان، بل يتعداه إلى حركات المقاومة في فلسطين. فبحسب المقرر الأميركي، «بدأ الإرهاب الانتحاري في إسرائيل في عام 1993، بحماس والجهاد الإسلامي الفلسطيني. وهما جماعتان استلهمتا أفكار حزب الله، وكانتا تتلقيان المساعدة منه. وقد ركزت حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين هجماتهما الانتحارية الأولى على أهداف عسكرية في الأراضي، لكنهما تحولتا بعد ذلك إلى مهاجمة المدنيين في الأماكن المكتظة والمدن الرئيسية. وأوقعت هاتان المجموعتان عدداً كبيراً من الإصابات بين السكان المدنيين الإسرائيليين، ما ترك أثراً سلبياً عميقاً على إحساس الشعب الإسرائيلي بالأمن الشخصي».
ويحاول الأميركيون في دروسهم إقناع المتدربين بوجهة نظرهم حيال أعمال المقاومة في العالم، من خلال تقديمها كحقائق علمية. فبحسب ما يرد في كتيبات التدريب التي يحتفظ رجال الأمن اللبنانيون والضباط بها، «إن غالبية، إن لم يكن كل، أشكال الإرهاب اليوم تجرى لأسباب سياسية، سواء تحت عباءة الدين، أو القومية، أو التطرف، إذ تبحث المنظمات الإرهابية عن أساليب تخلق تغييراً سياسياً. وقد اكتشفت هذه المنظمات أن التفجيرات الانتحارية هي أفضل وأرخص أساليب إكراه وتخويف الدول ومواطنيها.
يعتقد الإرهابيون أنهم إذا فرضوا معاناة كافية على المجتمع المستهدف، فإما أن توافق الحكومات على مطالبهم، وإما أن تثور الشعوب على الحكومات». أما أبرز الأمثلة على ذلك، فيعددها الأميركيون على الشكل الآتي:
«هجمات حزب الله لإرغام الولايات المتحدة وفرنسا على الخروج من لبنان.
الهجمات الانتحارية في العراق لإرغام الائتلاف على الخروج من البلاد ووقف الانتخابات.
جماعات فلسطينية متعددة تحاول إرغام إسرائيل على التخلي عن الضفة الغربية وغزة».
الأخطر من ذلك كله هو ما يرد في المقررات الأميركية نقلاً عن مركز «جافي للدراسات الاستراتيجية». فالمركز الأخير هو إسرائيلي، ومقره في تل أبيب، وقد تحول اسمه إلى «مركز دراسات الأمن القومي ــــ جامعة تل أبيب». وفي أحد فصول التدريس، ينقل المقرَّر الأميركي عن مركز جافي دراسة نشرت في دوريته «التقويم الاستراتيجي»، تتناول «الإرهابيين الانتحاريين الفلسطينيين. وقد عرّفت الدراسة أربعة انتحاريين من الطراز البدائي. وعلى الرغم من أن الدراسة كانت تتناول الإرهابيين الانتحاريين الفلسطينيين تحديداً، فإن التحليل ينطبق على الإرهابيين الآخرين». ومن هنا، ينطلق الأميركيون ليتحدثوا عن الدوافع الكامنة خلف تنفيذ شخص ما لعمل «انتحاري». وأبرز هذه الدوافع، بحسب الدراسة الإسرائيلية التي يلقنها الأميركيون لرجال الأمن اللبناني، هي اليأس وإمكان حصول عائلته على كسب مادي بعد مقتله، إضافة إلى أن «الانتحاريين يعتقدون، أو قيل لهم، أن هذا هو أملهم الوحيد». والمثال المضروب على ذلك هو الزعم أن «أول امرأة من حركة حماس قامت بعملية تفجير انتحارية، وهي أم شابة لطفلين، كانت على علاقة خارج الزواج، وقيل إن قتلها لنفسها مع عدة إسرائيليين كان هو الوسيلة الوحيدة لاستعادة شرفها».
الأمر متروك للمتدربين
الدورات في الأردن هي حكر على المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي ولواء الحرس الجمهوري. لكن المشكلة تشمل جميع الأجهزة الأمنية والعسكرية، في عدد كبير من الدول. ففي بعض الدول الأوروبية والعربية، يجري «تلقيننا دروساً عن الإرهاب. وعندما يريدون إعطاءنا أمثلة عن المنظمات الإرهابية، يذكرون حزب الله وحماس والجهاد لإسلامي»، يقول أحد الضباط.
وتتعامل القيادات الأمنية مع مضمون الدورات كقدر لا مفر منه. ومعظم الأجهزة الأمنية ترسل ضباطها ورتباءها إلى الخارج، من دون اشتراط الاطلاع المسبق على التفاصيل الدقيقة للمناهج أو التدخل بها، مكتفية بالتعرف إلى العناوين العامة التي ستطرح في الدورات. تبقى القضية إذاً على عاتق المتدربين، سواء أكانوا من المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي أم الجيش. وبعض هؤلاء يعترض على ما يقدمه المدربون (حدث ذلك، على سبيل المثال، مع واحد من أرفع ضباط الجيش اللبناني في إحدى الدول الأوروبية). والذين يعترضون ليسوا دوماً من المؤيدين لحزب الله في لبنان. فعلى سبيل المثال، في إحدى الدورات التي أقيمت في الأردن أخيراً، كان أحد المشاركين من المعروفين بتأييدهم لتيار المستقبل. وقد أبدى اعتراضه على مضمون التدريبات، وخاصة ما يتعلق منها بحزب الله أو بحركات المقاومة الفلسطينية. وقد ناقشه أحد المدربين الأميركيين قائلاً إن الشعب اللبناني يعارض حزب الله، فرد المتدرب اللبناني بالقول إن حزب الله حركة سياسية لها من يؤيدها ولها من يعارضها. «أما عمله المقاوم، فلا نقبل وصفَه بالإرهاب». بناءً على ذلك، رفع المدربون الأميركيون تقريراً إلى رؤسائهم. لكن الحال ليست هي كذلك دوماً. فبعض المتدربين يصمتون، وبعضهم الآخر لا يكتفون بالصمت، بل يزيدون على ذلك توجيه اللوم لرفاقه المعترضين. ويبدو جلياً من التقارير التي يجب على الضباط أن يرفعوها إلى قيادتهم بعد انتهاء الدورات أن عدداً منهم لا يتطرقون، لا من قريب ولا من بعيد، إلى ما هو مذكور في الدروس التي يتلقونها. واللافت أكثر من ذلك، أن المعني الأول بالتدريب في قوى الأمن الداخلي لم يكن على علم بما يجري في تدريبات الأردن، قبل أن تتوجه «الأخبار» إليه لسؤاله عن رأيه. أما قيادة المديرية، فتضع الأمر في خانة الهبة الأميركية المقدمة إلى لبنان في عام 2007، التي وافق عليها مجلس الوزراء. «وبعد موافقة الحكومة على الهبة، لا نستطيع أن نقبل جزءاً منها ونرفض الآخر». ويقر بعض من بيدهم الأمر في المديرية بالتقصير لناحية الاطلاع على المناهج، «إلا أننا بحاجة إلى التدرب على التقنيات المتطورة الموجودة في حوزة أجهزة بعض الدول». في المقابل، يؤكد ضباط لبنانيون خضعوا لدورات عديدة في الخارج أن ثمة دولاً تملك تقنيات تدريب متطورة، وهي تستطيع تدريب الضباط اللبنانيين، من دون استفزاز اللبنانيين في مشاعرهم الوطنية. ويتحدّث أحد هؤلاء الضباط عن حادثة جرت معه خلال مشاركته في مؤتمر عن مكافحة المخدرات، ضمه إلى جانب ضباط من دول عديدة، بينها تركيا. ضابط في الشرطة التركية كان يتحدّث عن الاتجار بالمخدرات، وعن الصلة بينها وبين الإرهاب، فقال إن تنظيم حزب الله يستثمر الاتجار بالمخدرات لتمويل نشاطاته الإرهابية. ومباشرة، التفت الضابط التركي صوب زملائه اللبنانيين قائلاً: أنا أتحدث عن تنظيم حزب الله التركي، الذي لا صلة له بتنظيم حزب الله اللبناني الذي نحترمه.
ويلفت عدد من الضباط إلى خطورة ترك شؤون التدريب والسفر في مختلف الأجهزة الأمنية فالتة من عقالها، مع ما يمثّله ذلك من فرص تستثمرها الدول الأجنبية، بينها إسرائيل، لتجنيد رجال الأمن اللبنانيين. ويذكّر أحد هؤلاء الضباط بالعقيد في الجيش منصور دياب، الذي يُحاكَم أمام القضاء العسكري بتهمة التعامل مع الاستخبارات الإسرائيلية، والذي تمكنت من تجنيده أثناء خضوعه لدورة تدريب في الولايات المتحدة الأميركية. يضيف زميل له: «عندما وصلت الدورة في الأردن إلى نهايتها، أقيم لنا حفل وداعي صغير. أحد المدربين الأميركيين وزع علينا ورقة كتب عليها عناوين البريد الإلكتروني لثلاثة مدربين، قبل أن يقول لنا: بات لديكم 3 أصدقاء في الولايات المتحدة الأميركية. لا تترددوا في الاتصال بنا متى أردتم ذلك». ثم يسأل الضابط: «هل تعتقد أنهم مهتمون بصداقتنا، بقدر سعيهم إلى تجنيد أكبر عدد منا؟».
هذا على المستوى الأمني. أما على المستوى السياسي، فلم يكن وزير الداخلية زياد بارود مطّلعاً على ما ذكر، رغم أنه كان قد أصدر مذكرة طلب فيها من الأجهزة التابعة لوزارته تزويده بالتقارير التي ينظّمها الضباط بعد إنهاء تدريباتهم في الخارج. أما وزير الدفاع الياس المر، فغائب عن السمع معظم الوقت.
وحتى اليوم، لا يبدو أن الحكومة اللبنانية مستعدة لإعادة النظر في برامج التدريب التي يخضع لها رجال الأمن والعسكريون في الداخل والخارج، أو لوضع ضوابط لها على الأقل، رغم أن بعض السياسيين أكدوا لـ«الأخبار» أنهم سيطالبون بإعادة النظر في الاتفاق المتعلق بالهبة الأميركية.
الاستخبارات الأميركيّة مرّت من هنا
يؤكد مسؤولون أمنيّون لبنانيّون أن أجهزة الاستخبارات الأميركية ناشطة في طول بلاد الأزر وعرضها. وهي تعمل على تجنيد أشخاص لبنانيين بغية جمع معلومات لحسابها، في جميع الميادين السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية. ويتعامل مسؤولون أمنيون مع هذا الأمر كحقيقة ثابتة، من دون أي اختلاف في وجهات النظر بين الأمنيين المقربين من الأكثرية النيابية وأولئك المقرّبين من قوى الأقلية. ويؤكد هؤلاء أن الاستخبارات الأميركية تزوّدهم أحياناً بمعلومات عن نشاطات تجرى على الأراضي اللبنانية، تظهر قدرتها الكبيرة على جمع معلومات في لبنان. فعلى سبيل المثال، كانت الأجهزة الأميركية أوّل من زوّد الأجهزة اللبنانية بمعلومات عن قدوم شخص سعودي يدعى عبد الله البيشي، من أجل الانضمام إلى تنظيم فتح الإسلام في مخيّم نهر البارد في عام 2006.
لكن هذا الواقع لا ينعكس في الإجراءات الأمنية والقضائية. فالأجهزة الأمنية اللبنانية لا تتعامل مع الجواسيس العاملين لحساب الاستخبارات الأميركية كأهداف للتوقيف أو التحقيق. ويندر أن تجد ملفاً واحداً لأحد المشتبه في تعاملهم مع الاستخبارات الأميركية في الدوائر القضائية، رغم أن الأمنيين اللبنانيين يؤكدون وجود تبادل واسع للمعلومات بين أميركا وإسرائيل.
وحتى اليوم، لم تسجّل أي حادثة توقيف أو محاولة توقيف لشخص يرتبط بالاستخبارات الأميركية، على الأقل منذ بداية تسعينيات القرن الفائت. في ذلك الحين (النصف الأول من التسعينيات)، وردت إلى استخبارات الجيش اللبناني معلومات مفادها أن الأجهزة الأميركية جنّدت المواطن اللبناني علي ط. وكلفته بالعمل على جمع معلومات عن حسن عز الدين، أحد الذين تضع الولايات المتحدة الأميركية جائزة لمن يدلي بمعلومات عنهم (على غرار ما كان معمولاً به بالنسبة إلى الشهيد عماد مغنية). وفور توافر تلك المعلومات للاستخبارات، نُقلت إلى قائد الجيش حينها العماد إميل لحود، وإلى مدير الاستخبارات العميد ميشال الرحباني. ولم يتردّد الاثنان في اتخاذ قرار بدهم منزل يقطنه المشتبه فيه. لكن الأخير تمكن من الفرار، ويعتقد أنه انتقل للعيش في الولايات المتحدة. ويؤكد مسؤولون أمنيون لبنانيون أن الاستخبارات الأميركية تورطت في عدد من الجرائم التي نفذت على الأراضي اللبنانية خلال ثمانينيات القرن الماضي. وأبرز الجرائم التي يتحدث عنها الأمنيّون، هي تلك التي نفذت في الضاحية الجنوبية لبيروت عام 1985، عندما انفجرت سيارة مفخخة لمحاولة اغتيال المرجع الديني السيّد محمد حسين فضل الله في بئر العبد، ما أدّى إلى استشهاد أكثر من ثمانين مواطناً.
بعد ذلك، يؤكد أمنيون لبنانيون، خطف عدد من عملاء الاستخبارات الأميركية مواطنين لبنانيين، وخاصة من الضاحية الجنوبية لبيروت، كان أبرزهم فواز يونس الذي يُتهم شخص يدعى جمال ح. باختطافه، علماً بأن جمال لا يزال يحظى بحماية الأجهزة الأمنية الأميركية داخل الولايات المتحدة، وهو ملاحق في لبنان بعدد من القضايا، لكنها لا تتعلق بعمله الاستخباري، بقدر ما هي مرتبطة بجرائم جنائية تقليدية.
حسن عليق
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد