قمة استرداد وحدة النظام العربي وإعلان وفاة الشرق الأوسط الكبير
انتهت قمة التضامن العربي في الرياض، بتجديد مبادئ قمة بيروت، مخيبة بذلك آمال الحكومة الاسرائيلية التي راهنت على انفجار الخلاف.
وعندما أعلن رئيس الحكومة الاسرائيلية ايهود اولمرت عن استعداده للتفاوض على أساس المبادرة العربية، كان يتوقع من القمة أن تتجاوب مع رغبته في تعديل قرار حق العودة والتعويض. وقد استغل مناسبة ذكرى ديفيد بن غوريون ليقدم اقتراحاً يدعو فيه الدول العربية الى صنع السلام على أساس العناصر الايجابية في مبادرة قمة بيروت (2002).
وكتب أنصار اولمرت في حينه سلسلة مقالات زعموا فيها أن رئيس الوزراء يراهن على استمالة الدول العربية «المعتدلة» التي يجمعها الخوف من انتصار القوى «المتطرفة» بقيادة ايران وسورية.
وتوقعوا أن يجمع عامل الخوف من تمدد نفوذ طهران كل الدول العربية المعارضة لانتاج قنبلة نووية ايرانية، تماماً مثلما جمع عامل الخوف من انتصار النظام الشيوعي كل الدول الغربية.
وهكذا تصور اولمرت أن حل مشكلة القنبلة الايرانية لن يقوم على محاربتها، بل على حل النزاع العربي - الاسرائيلي، وعلى احتمال قبول بلاده عضواً في التحالف الذي ينشأ لمواجهة ايران. وتخيل ان الدول العربية ستتنازل عن قضية «هامشية» مثل قضية فلسطين في رأيه، لتحصر انشغالها في قضية وجودية. وقال في حديث صحافي ان الجهد العربي العام يجب أن يوجه الى «العدو الجديد» ايران، بحيث تتوقف طهران عن استغلال القضية الفلسطينية لتحقيق طموحاتها الاقليمية. وذكر في حديثه الى صحيفة «هآرتس» ان اسرائيل يجب ان تستغل الفرصة وتجمد كل المشاكل الجانبية في سبيل مكافحة القنبلة الايرانية. والسبب - كما أعلنه - ان اسرائيل ستجد جيشها فجأة في مواجهة دبابات وطائرات وصواريخ امبراطورية ايرانية تمتد من العراق حتى الحدود اللبنانية - السورية.
ثم تساءل اولمرت في آخر حديثه قائلا: «قبل ان نسارع الى قصف المنشآت الذرية الايرانية - وهي مسألة غير واضحة تماماً من حيث نتائجها التنفيذية - يحسن بنا ان نبدأ بإقامة حاجز سياسي مع الدول العربية «المعتدلة» من أجل صد خطر التوسع الاقليمي لنظام الملالي».
ويبدو ان وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس راهنت هي الأخرى على استثمار القلق السياسي العام في المنطقة، معتبرة أنه من الضروري ضم خريطة الطريق الى المبادرة السعودية. وفي لقائها مع الرئيس محمود عباس ذكرت له ان ربط المبادرة العربية بمشروع بوش (خريطة الطريق) يمكن ان يسهل البدء بمفاوضات السلام. والسبب ان المبادرة لم تصبح بعد أساساً للمفاوضات، كما ان تنفيذ «خريطة الطريق» يعتمد على توقف «الارهاب» الفلسطيني الممثل بموقف «حماس». والملفت ان قادة الاتحاد الأوروبي قد تجاوزوا هذا الشرط، وقرروا التعاون مع أعضاء حكومة الاتحاد الوطني، لأن «حماس» أيدت وثيقة الاسرى واعترفت مداورة بالدولة الاسرائيلية عندما قبلت بحدود 1967. وهذا ما أشار اليه رئيس الوزراء الفلسطيني اسماعيل هنية في رسالته الى قمة الرياض، مؤكداً ان دولاً أوروبية تسعى الى توطيد علاقاتها مع حكومة الوحدة الوطنية.
عقب اعلان قمة الرياض عن تجديد المبادرة السعودية من دون أي تعديل في مضمونها، اقترحت رايس على أولمرت وعباس، ضرورة القيام بلقاءات دورية من أجل انعاش فرص السلام. ومن المؤكد ان هذه اللقاءات لن تثمر ولن تحدث الاختراق المطلوب، إذا لم تطور اسرائيل موقفها في شأن قرار العودة ومسألة الحدود النهائية ومستقبل القدس. وهذا ما اقترحه النائب يوسي بيلين، رئيس حزب «ميرتس» اليساري عندما رأى ان حل مشكلة اللاجئين يبدأ بالعودة الى مناطق الدولة الفلسطينية، وهو يطالب بضرورة تطبيق القانون الذي يسمح لكل يهودي مولود في آخر المعمورة بأن يكون مواطناً في اسرائيل، على كل فلسطيني لجأ الى لبنان وسورية والاردن ودول أخرى، بعد نكبة 1948.
والى ان يقتنع قادة اسرائيل بتطبيق مبادرة السلام العربية، لا بد من إظهار الايجابيات التي حققتها قمة الرياض. وهي - كما وصفها أمين عام الجامعة العربية عمرو موسى - تفوق كل التوقعات، لأن المصالحة شملت كل الدول، ولأن أزمات الخلاف وجدت طريقها الى حل مرتقب. أو كما صرح وزير خارجية الامارات الشيخ عبدالله بن زايد، بأن «قمة الرياض نجحت في صوغ موقف موحد من قضايا المنطقة، في حين اضعفت الخلافات العربية هذا الموقف، وعطلت معادلة التوازن التي حكمت تعاطيه مع الأزمات».
يقول المراقبون ان أهم انجازات قمة الرياض تمثلت في اعلان استعادة العرب مبادرات الملفات المفتوحة في فلسطين والعراق ولبنان والسودان والصومال.
ومثل هذا الاعلان يشكل صفعة لمشروع «الشرق الأوسط الكبير»، أو «الشرق الأوسط الموسع»، أي المشروع الذي أطلقه الرئيس جورج بوش بهدف ضم اسرائيل الى الخريطة العربية قسراً ومنحها دوراً متقدماً من دون ان تمتثل لقرارات الأمم المتحدة أو لأي حل عادل يتعلق بقضية الشرق الأوسط. وقد أدخلت في هذه الخريطة المعدلة الى جانب اسرائيل، تركيا والجمهوريات الاسلامية الخمس التي انفصلت عن روسيا. والمعروف ان إدارة بوش طرحت مشروع «الشرق الأوسط الكبير» كإطار اقليمي لتعاون أوسع من الاطار العربي المحصور بأعضاء الجامعة العربية. ويرى عمرو موسى أن حرب العراق ساعدت على انهيار النظام العربي السابق، الأمر الذي استوجب استعادته في قمة الرياض، وذلك عبر احياء المصالحات العربية - العربية. من هنا كان الحرص على أهمية تجديد التعاطي مع العالم العربي من الباب العربي، لا من الباب الأميركي أو الإسرائيلي أو الأوروبي، ومعنى هذا أن فشل المشروع الأميركي في العراق قد أدى تلقائياً إلى فشل مشروع «الشرق الأوسط الكبير».
أجمع المراقبون في القمة على الاعتراف بأن «إعلان الرياض» لم يكن تثبيتاً للمبادرة العربية فقط، بقدر ما كان تجديداً للنظام العربي في شكله التاريخي، بل كان نقيضاً لما توقعه المؤرخ برنارد لويس، من أن الخلاف السنّي - الشيعي في العراق ولبنان والبحرين والكويت، سيتحول إلى مناخ سياسي يعم كل دول المنطقة. وهذا ما وصفه نائب الرئيس السوري فاروق الشرع، بالمظلة الأمنية القومية الواقية التي يحتاجها العرب لمواجهة مختلف التحديات في العراق وفلسطين ودارفور.
للخروج من حال الضعف والتشرذم جدد الملك عبدالله بن عبدالعزيز، في كلمته، مواقع النزف في الجسم العربي، فقال إنها تمتد من فلسطين الجريحة والصامدة الى العراق المحتل والمهدد بحرب أهلية. ومن لبنان المشلول عن الحركة إلى السودان والصومال المعرضين للتدخل الخارجي. وكان بهذا الكلام يحذر من مخاطر إقحام الصراع المذهبي الشيعي - السنّي في العراق ولبنان، ومن مساوئ خلق مشاكل طائفية وعرقية في السودان والصومال، لذلك دعا إلى ضرورة مساعدة هذه البلدان على حل الأزمات الطائفية ومقاومة التهديدات الخارجية.
بين الايجابيات الكثيرة التي صدرت عن قمة الرياض، التشبث بالمبادرة العربية، ورفض التنازل عن الحدود والقدس الشرقية وقرار العودة أو التعويض. وكان أولمرت يتوقع من الفلسطينيين التنازل عن قرار العودة الرقم 194 مقابل منحهم مناطق واسعة مقتطعة من مصر والأردن، ولكنه سرعان ما اكتشف أن قضية اللاجئين ليست ملحقاً يمكن اهماله، وانما هي لب النزاع ونواة القيم القومية الفلسطينية. بل هي كما وصفها خالد مشعل، الحدث الذي يبلور التاريخ الفلسطيني والهوية الفلسطينية. لذلك تعتبرها كل الأطياف الفلسطينية جزءاً من أي خطة سلام.
بقي السؤال المهم المتعلق بسلوك جورج بوش وايهود اولمرت عقب نسف مشروع «الشرق الأوسط الكبير» وإسقاط الرهان على خلاف العرب وايران!
يقول الجمهوريون في الكونغرس ان الرئيس بوش مضطر خلال ما تبقى من ولايته القصيرة، الى إقناع زعماء الحلف الأطلسي، بقبول عضوية اسرائيل، واللجوء الى هذه المنظمة كضمانة لأمنها.
في حين يتخوف الديموقراطيون من ردود فعل بوش من جراء الانتكاسات السياسية والعسكرية التي مني بها في العراق وافغانستان الأمر الذي قد يضطره لاستخدام الضربات الوقائية ضد ايران بهدف تعطيل مفاعلاتها النووية. وربما أعانته في هذه المهمة الغواصات الاسرائيلية الموجودة تحت البوارج الأميركية.
عندئذ لا بد أن تلتهب جبهة الجنوب اللبناني، وتنسف معها كل المساعي التي قامت بها السعودية مع سورية من أجل اخراج الوضع اللبناني من حال الجمود والموت البطيء.
سليم نصار
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد