ما هي مخططات الاستراتيجية الروسية في العالم؟

الجمل:    بنهاية عام 2006 بدا واضحاً أن التحركات الاستراتيجية الروسية، ماتزال تتم ضمن أربعة دوائر إقليمية رئيسية هي:
- دائرة آسيا الوسطى.
- دائرة القوقاز.
- دائرة أوروبا.
- دائرة الشرق الأدنى.
- دائرة شمال غرب الباسفيكي.
لم يعد أحد يتحدث عن (المباراة الاقتصادية العظمى) التي كان يكثر الحديث عنها خلال فترة التنافس الأمريكي- السوفييتي السابق، وبالذات خلال فترة حكم ليونيد برجنيف.
وحالياً لم نعد نسمع عن أي دور روسي في أمريكا اللاتينية أو في قارة أفريقيا، أو حتى في منطقة الشرق الأوسط.
التحركات الاستراتيجية تتم عن طريق تطبيق مخططات الإدارة الاستراتيجية للصراعات الدولية والإقليمية، عن طريق تطبيق:
- قاعدة الهجوم السلبي أو الإيجابي.
- قاعدة الدفاع السلبي أو الإيجابي.
تركز الاستراتيجية الروسية حالياً على الآتي:
• في دائرة آسيا الوسطى: تعمل روسيا من أجل درء وإبعاد شبح الوجود الأمريكي في جمهوريات آسيا الوسطى الخمس: تركمانستان، طاجيكستان، أوزبكستان، كازاخستان، وكيرغيزستان.. وذلك عن طريق:
- ربط المصالح النفطية والاقتصادية لهذه الدول مع دائرة الاتحاد الفيدرالي الروسي.
- إبعاد ودرء أي وجود عسكري أمريكي في هذه المنطقة، وذلك عن طريق إدخال دول آسيا الوسطى ضمن مظلة تجمع دول شنغهاي للتعاون الذي يضم الصين إلى جانب روسيا والهند ومنغوليا، إضافة إلى دول آسيا الوسطى الخمس، ومن أبرز أهدافه عدم السماح باستضافة الوجود العسكري الأجنبي في المنطقة.
• في دائرة القوقاز: تعمل روسيا بقدر متفاوت بين مجموعة دول منطقة القوقاز، والتي من أبرزها: (أرمينيا، أذربيجان، جورجيا، أوكرانيا، بيلاروسيا، مولدافيا..) يتركز على الآتي:
- إدماج مصالح هذه الدول ضمن شبكة إمدادات النفط الروسي، وقد نجحت روسيا في جعل معظم دول هذه المنطقة تعتمد على إمدادات النفط والغاز الروسي، على نحو لا يمكن الاستغناء عنه، وقد استفادت روسيا من هذه الميزة الاستراتيجية في صراعها ضد جورجيا، وذلك عندما هددت بإيقاف إمدادات النفط والغاز ضدها على النحو الذي جعل جورجيا ترضخ وتلين أكثر فأكثر أمام الضغوط الروسية.
- دعم الحركات السياسية المعتدلة، وذلك في مواجهة (الثورات الملونة) التي نجحت أمريكا في إشعالها خلال الفترة السابقة.
- الحد من تقدّم مظلة حلف الناتو إلى هذه المنطقة، وذلك عن طريق استخدام سياسة العصا والجزرة، بحيث يجد من يحاول الانضمام للناتو نفسه في مواجهة العصا الروسية المتمثلة في قطع الإمدادات النفطية عنه.
• دائرة أوروبا: تعمل السياسة الروسية في هذه الدائرة وفقاً للاعتبارات الانتقائية المتعلقة بخصوصية الوضع الأوروبي، ويركز الروس في علاقاتهم مع أوروبا على القوى الأوروبية ذات الوزن داخل وخارج الاتحاد الأوروبي، والتي تتمثل في: ألمانيا، فرنسا، إيطاليا.. أما بقية دول أوروبا الأخرى: هولندا، بلجيكا، لوكسمبورع، النمسا، سويسرا.. فيركز الروس على قاعدة إن الارتباط بعلاقات قوية مع ألمانيا وفرنسا وإيطاليا، سوف يؤدي في نهاية الأمر تلقائياً إلى الارتباط بعلاقات قوية مع البلدان الأوروبية الصغيرة الأخرى. وحالياً نجحت روسيا في إحداث اختراق استراتيجي بارز الأهمية وذلك بالاتفاق المبدئي مع فرنسا وألمانيا على تمديد خطوط أنابيب لنقل النفط والغاز الروسي مباشرة إلى أراضي هذه الدول، وهو أمر سوف يؤدي نجاحه إلى إخراج هذه الدول من دائرة معاملات شركات النفط الأمريكية، وبالتالي تفقد الشركات الأمريكية واحداً من أكبر أسواق النفط العالمية. ويعتقد معظم خبراء العلاقات الدولية أن نجاح هذه الخطوة سوف يؤدي إلى المزيد من الخطوات الإضافية التي تؤدي إلى إضعاف موقف أمريكا في القارة الأوروبية.
• دائرة شمال غرب الباسفيكي: وتتضمن هذه الدائرة: اليابان، كوريا الشمالية، كوريا الجنوبية، الصين، وتايوان.. وحالياً ترتبط روسيا بعلاقات وثيقة مع كل من الصين وكوريا الشمالية، وذلك في مواجهة حلفاء أمريكا الممثلين في: اليابان، كوريا الجنوبية، وتايوان.
وفقاً للحسابات الاستراتيجية تعتبر منطقة شمال غرب الباسفيكي الدائرة الأخطر في صراع سباق التسليح وانتشار الروس الحربية النووية غير التقليدية واستخدام الصواريخ البالستية، وذلك بسبب تواجد روسيا والصين وكوريا الشمالية (جميعها دول نووية) في مواجهة دول وإن كانت غير نووية (هي اليابان، كوريا الجنوبية، تايوان)، فإنها تستضيف أضخم ترسانات الأسلحة النووية الأمريكية المنتشرة في العالم، إضافة إلى القواعد البحرية والجوية الأمريكية الموجودة في جزيرة هاواي الأمريكية.
يركز الروس في هذه الدائرة على التعاون الوثيق مع الصين وكوريا الشمالية، وعلى التهدئة مع أمريكا، والعمل على تعزيز العلاقات التجارية عبر الباسفيكي مع  أمريكا الشمالية والجنوبية، أما مع اليابان وكوريا الجنوبية فهناك اتفاق روسي- ياباني- كوري جنوبي، على ربط كوريا الجنوبية واليابان بإمدادات النفط والغاز الروسية القادمة من شرق سيبيريا.
كذلك يحاول الروس التوصل إلى اتفاقية مع اليابان حول الجزر الباسفيكية المتنازع عليها في المنطقة، وبرغم سرية المباحثات الروسية- اليابانية، فإن الصفقة على ما يبدو تركز على أن تقدم روسيا بعض التنازلات في ملف الجزر اليابانية (احتلتها القوات السوفييتية أيام استالين بعد هزيمة استسلام اليابان في الحرب العالمية الثانية)، ولكنها تنازلات لن تكون سهلة، لأن المطلوب روسياً هو رأس أمريكا في المنطقة، أي إخراج القواعد الأمريكية من اليابان، وكوريا الجنوبية.
• دائرة الشرق الأوسط: وهي الدائرة التي شهدت تراجعاً في فترة ما بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وحرب الخليج الأولى، وهو تراجع أضر –بإجماع كل المراقبين- بكافة المصالح الروسية الحيوية في العالم.
لقد أدى الموقف الروسي منذ لحظة انهيار الاتحاد السوفييتي، بل ومنذ أيام فترة حكم غورباتشوف إلى إحداث فراغ استراتيجي في منطقة الشرق الأوسط، وهو فراغ استفادت أمريكا كثيراً منه، وذلك بسبب قيامها بملء هذا الفراغ عن طريق توطيد نفوذها في الخليج وفرضها الحصار والعزلة على دول الشرق الأوسط الرافضة لمشروع الهيمنة الأمريكية- الإسرائيلية.
ولم تتوقف أمريكا عند الحدود الاستراتيجية التي كانت في بداية حقبة تسعينيات القرن الماضي، بل عملت على تغيير كامل خارطة المنطقة، وذلك عن طريق النفاذ والاختراق العسكري لكيانات دول هذه المنطقة.
- بناء أكثر من 18 قاعدة عسكرية أمريكية في منطقة الخليج العربي، على النحو الذي وضع 6دول عربية في حالة احتلال عسكري.
- نشر المزيد من الأساطيل العسكرية البحرية وبالذات حاملات الطائرات الاستراتيجية في منطقة العربي، وبحر العرب، والبحر الأحمر، وشرق البحر المتوسط.
- احتلال العراق وأفغانستان.
كذلك استطاعت أمريكا وإسرائيل بناء تحالف سياسي (تجمع المعتدلين العرب) بضم الدول المؤيدة لأمريكا (مصر، السعودية، الأردن، لبنان) وما شابهها، معاً بجانب القوى السياسية المؤيدة للمشروع الأمريكي- الإسرائيلي في المنطقة مثل حركة فتح.
تعمل أمريكا حالياً على الاستفادة من الفراغ الاستراتيجي (الناتج عن غياب قوة الردع الاستراتيجي الروسي)، وذلك بتشديد الضغوط ضد سوريا وإيران والسودان والصومال وليبيا، والقوى السياسية المعارضة للهيمنة الأمريكية مثل حزب الله اللبناني وحركة فتح والمقاومة العراقية، وذلك بهدف استئصال كل الكيانات الرافضة للهيمنة الأمريكية، بما يؤدي في نهاية الأمر إلى إعادة تشكيل خارطة الشرق الأوسط وفقاً لترسيماتها الجديدة (خارطة الشرق الأوسط الجديد).
حتى الآن لا توجد أي مؤشرات لاستعداد روسيا للقيام بدور استراتيجي بارز يؤدي إلى درء شبح الهيمنة الأمريكية عن منطقة الشرق الأوسط. وحتى الآن ماتزال شعوب الشرق الأوسط تعلن عن المقاومة وما تزال أكثر استعداداً لشق عصا الطاعة ضد مسيرة الهيمنة الأمريكية والإملاءات الإسرائيلية وحيدة الاتجاه، ولكن إذا لم تلتزم روسيا بمسؤوليتها باعتبارها قوة كبرى وعظمى في هذا العالم، فإن سيطرة أمريكا على منطقة الشرق الأوسط سوف تضر كثيراً لا بشعوب الشرق الأوسط، بل سوف يكون ضررها كبيراً على الاستراتيجية الروسية، وذلك لأن مشروعات تمديد أنابيب نفط وغاز الشرق الأوسط إلى أوروبا سوف تؤدي إلى قطع الطريق على المشروع الذي تحاول الاستراتيجية الروسية تحقيقه عن طريق تمديد الأنابيب من روسيا إلى فرنسا وألمانيا وإيطاليا.
وأخيراً يمكن القول: إن ترسانات الأسلحة والقواعد الأمريكية الموجودة في منطقة الخليج هي ترسانات وقواعد تستهدف إيران وسوريا بالدرجة الثانية، أما الدرجة الأولى فهي تستهدف روسيا، خاصة خاصرتها الجنوبية الغربية المتاخمة لمنطقة بحر قزوين، والتي تمثل قلب الدولة الروسية الحيوي.
هكذا تقول الحسابات الاستراتيجية المتعلقة بنطاق حجم دائرة استهداف مدى الصواريخ البالستية الأمريكية الموجودة في منطقة الخليج والذي تبين أنه مدى يتجاوز حدود إيران وسوريا بقدر كبير، وبما يكفي لحمل الرؤوس الحربية غير التقليدية إلى داخل العمق الروسي.

الجمل: قسم الدراسات والترجمة