مبايعات «الجهاد العالمي» لـ«داعش»: تمدّد حقيقي.. أم مجرّد حملة دعائية؟
ثمة تسريبات تتحدث عن تسجيل صوتي قريب لزعيم «القاعدة» أيمن الظواهري يبدي فيه رأيه بإعلان «الخلافة» ومؤاخذاته الشرعية والفقهية على هذه الخطوة.
وبغض النظر عن صحة ذلك من عدمه، فإن الموقف من إعلان «الخلافة» بدأ يترك أثره على الجسد «الجهادي» في العالم.
وخلال الأيام الماضية التي تلت الإعلان عن تأسيس «دولة الخلافة الإسلامية» واختيار أبي بكر البغدادي «خليفة للمسلمين»، تتالت الأنباء عن بيعات حصل عليها البغدادي بصفته «خليفةً» وذلك من فصائل عديدة موجودة في أكثر من بلد.
فهل تشير هذه البيعات إلى تمدد حقيقي لـ«داعش» يتيح له فرصاً جديدة للتمركز في بلدان أخرى غير سوريا والعراق، أم أن الأمر مجرد حملة دعائية تستهدف التضخيم من خطوة «الدولة الإسلامية» ومضاعفة آثارها؟.
ولا شكّ أن «داعش» كان يتمتع بشبكة علاقات واسعة مع مختلف الفصائل الجهادية المنتشرة في العديد من الدول الإسلامية، ورغم أن هذه العلاقات مرّت بمرحلة من الجزر تسبب بها الخلاف الذي نشأ بين «الدولة الإسلامية» من جهة وتنظيم «القاعدة العالمي» من جهة ثانية، إلا أنها لم تنقطع بشكل نهائي.
واستغل قياديو «داعش» بعض الخطوط التي حافظت على حرارتها بينهم وبين بعض قيادات التنظيمات «الجهادية» لإقناع هؤلاء بالانضمام إلى تنظيمهم أو «خلافتهم» وإعلان مبايعات متفرقة لـ«أميرهم» البغدادي، لاسيما أن نداء المتحدث باسم «داعش» أبي محمد العدناني، الذي وجهه إلى أفرع «القاعدة» في العالم لإبداء رأيها بالتنظيم وبالخلاف مع «القاعدة»، قوبل بصمت مطبق من قبل قيادات الصف الأول في هذه الفصائل باستثناء «إمارة القوقاز» التي لم تخف تأييدها لـ«جبهة النصرة».
لذلك لم يكن مستغرباً أن يتضمن البيان الذي أصدرته مجموعة من تنظيم «قاعدة المغرب»، بقيادة القاضي أبو عبدالله عثمان العاصمي، استنكاراً لصمت قيادة التنظيم الذي تنتمي إليه وعدم تصريحه بموقفه من نداء العدناني، وهذا ما دفع المجموعة إلى تصوير مقطع فيديو تعلن فيه نصرتها وتأييدها لـ«داعش» ومبايعتها للبغدادي «خليفة للمسلمين».
لكن وبرغم امتناع قيادة تنظيم «قاعدة المغرب» عن تلبية نداء العدناني، إلا أنها سجلت موقفاً يمكن أن يكون له تداعيات في مستقبل الأيام على صعيد العلاقة بينها وبين «داعش». فقد استغل التنظيم الأحداث الأخيرة في العراق والتقدم الميداني الذي أحرزه «المجاهدون»، ليقدم مبادرة نحو الصلح وتسوية الخلافات، حيث دعا «المجاهدين، وعلى رأسهم مجاهدو الدولة الإسلامية في العراق والشام، إلى اغتنام هذه الفتوحات وهبوب رياح النصر، للألفة والاجتماع وتناسي ما مضى من التصادم والنزاع، وفتح صفحة جديدة مع إخوانهم»، طالباً منهم «التواصل مع العلماء العاملين، رموز التيار الجهادي، لأن حال الأمة لا يصلح إلا بصلاح العلماء والأمراء».
كما دعا «كل الجماعات الجهادية الصادقة في الشام إلى إعلان وقف الاقتتال والصلح»، الأمر الذي يشير إلى أن التقدم الميداني الذي حققه «داعش» في العراق ويستمر في تحقيقه في المنطقة الشرقية من سوريا، وخصوصا في الشحيل، معقل «جبهة النصرة»، بمواجهة خصومه، بدأ بتغيير وجهة نظر بعض فروع «القاعدة» إليه، وحرصهم على عدم معاداته أو قطع شعرة معاوية بينهم وبينه، وربما ساعد هذا الموقف المتقدم الصادر عن فرع «القاعدة في المغرب» مجموعة العاصمي في حسم أمرها ومبايعة البغدادي.
وليست هذه البيعة الوحيدة التي حصل عليها «داعش» بعد إعلان «الخلافة»، فقد وردت أنباء شبه مؤكدة أن جماعة «أنصار بيت المقدس» في غزة قدمت مبايعتها أيضاً. كذلك فعلت مجموعة الشيخ مأمون حاتم أحد قادة «أنصار الشريعة» في اليمن والمعروف بتأييده لـ«داعش» قبل «الخلافة».
ومن خراسان بايعت مجموعة من حركة «طالبان باكستان»، يقودها الشيخ أبو يزيد عبد القاهر الخراساني، بحسب بيان نشر على مواقع التواصل الاجتماعي ولم يتم نفيه حتى الآن.
ومن المتوقع أن تميل غالبية فروع «أنصار الشريعة»، سواء في تونس أو ليبيا، إلى التقارب مع «داعش» وبناء علاقات قوية معه، رغم أنه لم ترد أي معلومات عن مبايعتهم. ولكن من المعروف أن قيادات في «أنصار الشريعة» في تونس تحديداً قدمت إلى سوريا وبايعت البغدادي، وعلى رأس هؤلاء الشيخ كمال رزوق وبلال الشواشي، والأخير كان «أميراً في جبهة النصرة» قبل أن ينشق عنها ويؤسس «كتيبة العقاب» المستقلة، لكنه بعد إعلان «الخلافة» بايع وطلب من أنصاره الامتثال بفعله.
وتبدو مثل هذه البيعات غير مؤثرة وغير قادرة على إحداث فرق من شأنه تغيير موازين القوى بين «داعش» وبين «القاعدة»، وهو ما دفع البعض إلى التقليل من شأنها والدعوة إلى عدم تضخيم تأثيرها. وبرغم دقة هذا التوصيف، إلا أن مسار الأحداث في المنطقة، وما يشوبه من تعقيد يقارب الفوضى أحياناً لدرجة يغدو معها من الصعب تمييز الصفوف ومعرفة من مع من ومن ضد من، يدفع الكثيرين إلى إبداء أقصى درجات الحرص والحذر وعدم الاستهتار بالأنباء التي تتحدث عن تمدد «داعش» وانتشاره من بلد إلى بلد، ولو عبر مجموعات صغيرة أو خلايا نائمة. ويستشهد هؤلاء بأبي مصعب الزرقاوي، وأنه عندما قدم إلى العراق في العام 2003 لم يكن معه سوى 13 شخصاً، ومع ذلك نجح في تأسيس ما أصبح اليوم أقوى تنظيم في المنطقة.
ولا يفوت البعض أن يشير إلى أن القتال ليس هو الأداة الوحيدة التي يحتاج إليها «داعش»، وبالتالي فإن المسافة البعيدة التي تفصل المجموعات التي بايعت عن الشام والعراق لا يمنعها من تقديم خدمات جليلة إلى «داعش»، حيث يمكنها، عبر خلاياها ومجموعاتها، أن تؤدي دوراً في جمع التبرعات المالية، أو التنسيق لإخراج الراغبين في «النفير» والالتحاق بأرض «الجهاد»، أو في التواصل مع رجال دين في بلادهم وإقناعهم بوجهة نظر التنظيم، كما يمكنهم لعب دور استخباري أمني لمصلحة «داعش» لجمع المعلومات عن خصومه وتقديمها إليه ليستخدمها في الوقت المناسب، لاسيما وأن الجهاز الأمني لـ «الدولة الإسلامية» يوصف بأنه الأقوى بين الفصائل وأكثرها فاعلية بين أمثاله في الفصائل الأخرى.
عبد الله سليمان علي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد