مصر تثأر سريعاً لدماء ضحايا «داعش»
ردّت مصر سريعاً على الجريمة الوحشية التي نفّذها الفرع الليبي في تنظيم «داعش» الإرهابي بحق مواطنيها، حيث وجّه سلاح الجو المصري ضربات، وصفت بـ «المركّزة»، استهدفت معسكرات التكفيريين في مدينة درنة، في وقت شرعت الديبلوماسية المصرية في حشد الدعم الدولي لمعركتها الجديدة ضد الإرهاب.
وبدا ان القيادة المصرية، وانطلاقاً ممّا ورد في الخطاب المتلفز للرئيس عبد الفتاح السيسي غداة نشر شريط الفيديو لجريمة ذبح المصريين الـ21 في ليبيا، قد اختارت الرد في «الزمان والاسلوب المناسبين».
اما «الزمان المناسب» كان فجر يوم امس، اي بعد ساعات على الجريمة الوحشية التي ارتكبها التكفيريون في ليبيا، وقد ساهمت سرعة الرد في الحفاظ على هيبة الدولة المصرية التي يتعرض امنها القومي لخطر محدق من الشرق (سيناء) والغرب (ليبيا).
وأمّا «الاسلوب المناسب»، فتمثّل في شنّ ضربات جويّة محددة على اوكار الارهابيين في الشرق الليبي، آخذاً في الحسبان التعقيدات الامنية والعسكرية، وأبرزها تجنب الانجرار الى «حرب استنزاف» برية ضد الجماعات التكفيرية في هذا البلد الغارق في الفوضى، وتأمين الحدود الصحراوية الممتدة على ما يقرب من الف كيلومتر، وضمان سلامة المصريين العاملين في ليبيا من اي عمل انتقامي.
ويبدو ان الرد المصري كان معدّاً ضمن سيناريوهات مختلفة جرى وضعها منذ بدء ازمة خطف الضحايا المصريين في كانون الثاني الماضي، وقد تمت بالتنسيق مع الجيش الليبي، وفي إطار جهد ديبلوماسي وفّر الغطاء القانوني لشن الضربات الجوية انطلاقاً من «حق الدفاع عن النفس» الذي كرّسته المواثيق الدولية.
وفيما امضى المصريون ليلة عصيبة، بعد صدمة نشر شريط الذبح، وبينما كانت قرى الصعيد تستعد لتنظيم جنازات رمزية لضحايا الوحشية «الداعشية»، شنّ الطيران الحربي المصري دفعة اولى من الغارات الجوية على معاقل التكفيريين في شرق ليبيا.
وأصدرت القيادة العليا للقوات المسلحة المصرية بياناً جاء فيه: «تنفيذاً للقرارات الصادرة عن مجلس الدفاع الوطني، وارتباطا بحق مصر في الدفاع عن أمن واستقرار شعبها العظيم، والقصاص والرد على الأعمال الإجرامية للعناصر والتنظيمات الإرهابية داخل وخارج البلاد، قامت قواتكم المسلحة فجر اليوم الإثنين الموافق 16/2/2015 بتوجيه ضربة جوية مركّزة ضد معسكرات ومناطق تمركز وتدريب ومخازن أسلحة وذخائر تنظيم داعش الإرهابي في الأراضي الليبية».
وأضاف البيان أن «الضربة حققت أهدافها بدقة، وعادت نسور قواتنا الجوية إلى قواعدها سالمة بحمد الله... ونؤكد أن الثأر للدماء المصرية والقصاص من القتلة والمجرمين حق علينا واجب النفاذ، وليعلم القاصي والداني أن للمصريين درعاً يحمي ويصون أمن البلاد وسيف يبتر الإرهاب والتطرف».
وقال قائد سلاح الجو الليبي العميد صقر الجروشي، في اتصال مع التلفزيون المصري، إن الضربات الجوية التي نفّذتها مصر وليبيا على معاقل تنظيم «داعش» أسفرت عن مقتل ما بين 40 أو 50 متشدداً، لافتاً الى ان «ليبيا نسّقت واشتركت مع مصر في شن الضربات الجوية في مدينة درنة الشرقية».
وفي وقت لاحق، نقل موقع «اصوات مصرية» عن مصدر عسكري قوله إن القوات الجوية المصرية وجّهت دفعة ثانية من الضربات الجوية، بعد الظهر، ضد معاقل تنظيم «داعش» في عدة مناطق في مدينة درنة، وذلك بالتنسيق مع الجيش الليبي.
وأضاف المصدر أن «الضربات المصرية مستمرة الى حين تحقيق الأهداف بضرب بؤر رئيسية لتجمعات داعش قامت الأجهزة المخابراتية المصرية والليبية برصدها»، موضحاً أنه «لا ينتظر القيام بأعمال برية حاليا داخل الأراضي الليبية»، وأن «نسور القوات الجوية المصرية سينفذون ضربات وقائية بالقرب من الحدود المصرية».
وأشار المصدر إلى أن «منطقة الحدود الغربية مع الجانب الليبي ستشهد إجراءات أمنية مكثّفة من جانب قوات حرس الحدود والمنطقة الغربية العسكرية».
من جهتها، طلبت رئاسة أركان القوات الجوية الليبية المدنيين في مدن الغريان وصبراتة والزاوية وزوارة والعجيلات والجميل وسرت ومصراتة، الابتعاد عن المقرات والمخازن والنقاط والبوابات التي يسيطر عليها المسلحون، مؤكدة ان «المحكمة الشرعية» لتنظيم «داعش» في درنة، بمن فيها، صارت «ركاماً من مخلفات تاريخ أسود قذر دموياً».
وقال الوكيل الأسبق للجنة الدفاع والأمن القومي في مجلس الشعب المصري اللواء محمد عبد الفتاح عمر لـ «السفير»: «لا أتصور أن الغارة الجوية مجرد عملية خاطفة، فمجلس الدفاع الوطني والسيسي يعرفون جيداً ما يقومون به. ومن المؤكد أن تلك الغارة تأتي ضمن خطة لمطاردة داعش داخل الأراضي الليبية، ولا أستبعد أن تشارك فيها قوات برية لاحقاً».
بدوره، قال مساعد وزير الخارجية المصري الاسبق للشؤون الافريقية السفير معصوم مرزوق إن «ردّ الفعل المصري على الحادث الأخير، والمتمثل في شن هجمات جوية على مواقع داعش، جاء متوازناً، وقد تمّ بالتنسيق مع الحكومة الليبية، ووفقاً لمبادئ القانون الدولي»، متوقعاً أن تستمر تلك الهجمات في حال استمر «داعش» في استهداف المصريين.
ووصل الى مطار القاهرة، مساء امس، وفد ليبي رفيع المستوى برئاسة نائب رئيس الوزراء عبد السلام محمد علي البدري للتنسيق بين البلدين لمواجهة تنظيم «داعش».
في المقابل، أدان المؤتمر الوطني الليبي العام، القريب من الإسلاميين، ما وصفه بـ «العدوان المصري» على الأراضي الليبية، معتبراً انه يشكل «اعتداء على السيادة الليبية».
ودعت ميليشيا «فجر ليبيا»، الذراع العسكري للإسلاميين في طرابلس، المصريين الى مغادرة الاراضي الليبية خلال 48 ساعة، «حفاظاً على سلامتهم» على حد قولها.
وأثارت هذه الدعوة مخاوف بشأن مصير العمال المصريين في ليبيا.
وفي هذا الإطار، قال السفير معصوم مرزوق إنه «في إطار الحلول السريعة للأزمة الحالية، يجب على الدولة المصرية الإسراع في تحديد ممرات آمنة لإجلاء المصريين المقيمين في ليبيا، وبخاصة المتواجدين منهم في الأماكن الخطرة، في أسرع وقت ممكن»، لافتاً الى ان ذلك يجب ان يتم بالتنسيق مع الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ودول الجوار الليبي.
وعلى المستوى الدولي، ادان مجلس الامن ذبح المصريين، معتبراً ان ما حدث «برهن على بشاعة أفعال تنظيم داعش». وشدد مجلس الامن، في بيان، على ضرورة محاكمة مرتكبي «تلك الأفعال البغيضة أمام العدالة ومكافحة تلك الجرائم الإرهابية التي تمثل تهديدا للسلم والأمن الدوليين بموجب ميثاق الأمم المتحدة»، مطالباً كافة الدول بالتعاون مع مصر والحكومة الليبية الشرعية.
وقوبلت جريمة ذبح المصريين في ليبيا بإدانات عربية ودولية، ابرزها من الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون والمستشارة الالمانية انجيلا ميركل والرئيس الايطالي ماتيو رينزي، وامير قطر تميم بن حمد، والرئيس الفلسطيني محمود عباس ونائب رئيس المكتب السياسي في حركة حماس اسماعيل هنية، فيما اعتبر البيت الابيض ان «وحشية تنظيم الدولة الاسلامية لا حدود لها» مؤكداً أن عمليات القتل الاخيرة ليس من شأنها سوى «تقوية عزيمة المجتمع الدولي في وحدته ضد تنظيم الدولة الاسلامية».
وكانت وزارة الخارجية المصرية شرعت، بتكليف من السيسي، في اجراء اتصالات لعرض الموقف من التطورات، وتحضيراً لزيارة الوزير سامح شكري الى نيويورك، حيث سيشارك في القمة الدولية حول الارهاب.
وقالت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيدريكا موغيريني إنها ستلتقي وزيري الخارجية الأميركي جون كيري والمصري سامح شكري هذا الأسبوع، لمناقشة القيام بعمل مشترك بشأن ليبيا، إلا أنها لا ترى إمكانية مشاركة الاتحاد في أي تدخل عسكري في الوقت الحالي.
وكانت وزارة الخارجية المصرية أصدرت بيانا أكدت فيه «حق مصر الأصيل والثابت في الدفاع الشرعي عن النفس وحماية مواطنيها في الخارج ضد أي تهديد وفقاً لنصوص ميثاق الأمم المتحدة التي تكفل للدول فرادى وجماعات حق الدفاع الشرعي عن النفس».
وقال الخبير في مركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية عمرو هاشم ربيع إنه «من الوارد إقامة تحالف دولي أو إقليمي للتعامل مع الوضع في ليبيا، ومواجهة الإرهاب هناك. ولعلّ حديث إيطاليا عن تحالف تحت قيادتها مهم في هذا السياق، ومصر لن تتركه يمر. أما أطراف هذا التحالف، بالإضافة الى مصر وإيطاليا، فيمكن أن تشمل الجزائر ودولاً أفريقية مثل تشاد والنيجر ونيجيريا، التي تخوض معركة أيضا ضد جماعة بوكو حرام».
يأتي ذلك، في وقت وقع وزير الدفاع المصري الفريق أول صدقي صبحي ونظيره الفرنسي جان ايف لودريان، في مقر رئاسة الجمهورية في القاهرة، على صفقة لتزويد الجيش المصري بـ 14 مقاتلة من طراز «رافال»، من إنتاج شركة «داسو»، وفرقاطة حربية من طراز «فريم»، وصورايخ قصيرة ومتوسطة المدى.
وقال صبحي إن الصفقة تشكل بداية لمرحلة جديدة من العلاقات الإستراتيجية بين البلدين، كما أنها تمثل نقلة مهمة للبلدين، مشيراً الى استقرار مصر يمثل دعامة أساسية لكل المنطقة، وبخاصة للدول المطلة على البحر المتوسط، وتحديداً فرنسا التي تعرضت لعمليات إرهابية في الشهر الماضي.
بدوره، قال الوزير الفرنسي إنه «لمواجهة هذه التهديدات فإن فرنسا تحتاج إلى حلفاء»، لافتاً الى ان مصر وفرنسا «تخوضان معركة مشتركة ضد الإرهاب الذي يهدد بإنهيار ليبيا، ويزرع الرعب في كل المنطقة من المشرق إلى إفريقيا، وضرب قلب مصر وفرنسا».
السفير
إضافة تعليق جديد