معجزة الإنتخابات السورية
الجمل ـ فلاديمير أنتيزومبيا ـ ترجمها عن الروسية مظهر عاقلة: تحدوا تهديدات العنف وذهب مئات الألاف من السوريين إلى صناديق الإقتراع للإدلاء بأصواتهم في المقام الأول لعزة وكرامة سوريا ومن ثم للمرشحين.فبعد ثلاث سنوات من فظائع لايمكن تصورها آثارتها إمبراطورية الشر والموت الولايات المتحدة وبتواطؤ من الأنظمة الملكية في الشرق الأوسط ودول حلف شمال الأطلسي ,أثبت الشعب السوري قدرته على عدم التخلي عن سيادته الوطنية وضرب بعرض الحائط المصالح الجيوسياسية لواشنطن وحلفائها الإستعمارية في أوروبا وإسرائيل.
عملت الدعاية الغربية بنشاط وعناية فائقة ووزعت عملاءها على وسائل الإعلام ,ووصفت الصراع في سوريا على أنه نضال السوريين ضد الوحشية للديكتاتور بشار الأسد وعمد الغرب على ترويج مصطلح "نظام" ولم يستعمل نهائياً كلمة"حكومة" وأظهرت أن الأسد يحافظ على السلطة بالقوة وإرهاب مواطنيه الإ إنه جاءت الإنتخابات الرئاسية السورية لتحطم هذه الدعاية وكمؤشر على شعبية الأسد.
أصبح واضحاً أن عدداً كبيراً من السوريين يدعمون الحكومة حتى الذين لم يكونوا مؤيدين للحكومة في بداية الأزمة,فلقد توضح لهم إن المعارضة ليست وطنية بحتة بل تحرك من قبل الولايات المتحدة ودول الخليج الذين وفروا لها الدعم المادي والعسكري والسياسي والدبلوماسي فكانت فكرة الإخلاص لاستمرار الحرب أكبر من فكرة الإخلاص للبلاد,وهنا تبين إن الحكومة السورية هي الوحيدة القادرة على ضمان سيادة البلاد ومصالحها الوطنية.
النتيجة وبعد ثلاث سنوات من الحرب الدموية إستطاعت الحكومة السورية الحفاظ على كيانها وإستقطاب جزء من المعارضة التي لاتهدف إلى تدمير البلاد على عكس المعارضة الخسيسة التي تتنقل بين عواصم الغرب وتناشد الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي لتوجيه ضربة عسكرية على غرار ماحدث في ليبيا وتدمير البنية التحتية للبلاد.
وكما قلنا إن الدليل الأكثر وضوحاً على زيف الدعاية الغربية ,تدفق السوريين إلى صناديق الإقتراع متحدين التهديدات والعنف بشجاعة.
وكالات الأنباء الغربية وخاصة الأمريكية لايمكن أن تفسر الإقبال الهائل للاجئيين السوريين في لبنان وبعض العواصم لذا قرروا إلتزام الصمت حول هذا الموضوع. اللاجئيون مازالوا يدعمون الرئيس الأسد رغم الحرب وقصة أنهم ضحايا الإرهاب الحكومي أصبحت كذبة واضحة.
وبدلاً من ذلك أثارت الصحافة الأمريكية مسألة "شرعية" الإنتخابات في بلد يعاني الحرب الأهلية ووفقاً لهذه البروباغندا إن الحرب بين الشعب السوري والحكومة ولكن هذا يتناقض مع حقيقة إن هذه الحرب بين المرتزقة الأجانب وقوات المعارضة التي ترتبط بالإئتلاف السوري المعارض والتي أصبحت معزولة منذ عام تقريباً ولاتملك أي قوة عسكرية.
من الواضح أن وسائل الإعلام الأمريكية التي لم تتردد في بث إعتراض واشنطن على الإنتخابات الرئاسية السورية ووصفها ب"المهزلة"وبالغير شرعية بسبب الصراع الدائر فيها, ولم تفرق بين تلك الإنتخابات وبين الحماس للإنتخابات الأوكرانية على الرغم من إن الصراع داخلي والسلطة متنازع عليها.
ومن هنا ندرك إن وسائل الإعلام الغربية ليست مستقلة وبأسئلة بسيطة: لماذا لم ينظروا مثلاًإلى الإنتخابات الأوكرانية التي قاطعتها نصف البلاد والقوات الحكومية التي تهاجم بعنف مواطنيها الذين يرفضون الإعتراف بشرعية الإنقلاب الراسخة في كييف؟
لماذا أوباما يعارض بشدة الإنتخابات السورية؟وكما يقول أوباما :إن معظم السوريين يكرهون الحكومة الحالية, إذاً لماذا لم تنخفض نسبة الإقبال على الإنتخابات التي أظهرت شرعية الدولة,وعلى فرض إن اللاجئيين يكرهون الحكومة فلماذا نظمت الدولة السورية في مختلف أنحاء العالم الإنتخابات ودعتهم للتصويت؟!! أليس هذا مايدمر دعاية إدارة أوباما بأن الحكومة السورية والشعب أعداء!!..
لقد بذلت مختلف البلدان الغربية وغيرها مثل تركيا ودول الخليج ومصر جهوداً لمنع اللاجئيين السوريين من التصويت في الإنتخابات, كانت سلطات هذه البلاد خائفة من فضح قصصهم الكاذبة بأن السوريين لايدعمون الأسد, وخصوصاً بعد ماأظهرته وسائل الإعلام من تدفق آلاف السوريين إلى صناديق الإقتراع في لبنان رافعين صور الرئيس الأسد.
قال وزير الخارجية الأمريكي جون كيري أن الإنتخابات الرئاسية في سوريا "مهزلة" وأن بلاده وحلفاءها على إستعداد لمضاعفة جهودهم لدعم قوات المعارضة ,معنى هذا الموقف :أن واشنطن لاتهتم بالعملية الإنتخابية إن جاء الأسد أو أي شخص أخر للرئاسة السورية ,هدف الولايات المتحدة إستمرار الحرب والفوضى والمزيد من القتلى.
وهذا هو جوهر الإستراتجية العالمية "الجديدة" التي أعلن عنها الرئيس أوباما خلال خطاب حول السياسة الخارجية في بيست بونيت الأسبوع الماضي. الولايات المتحدة تقول أيضاً أنهم ذاهبون إلى تغيير الخطط على الأرض السورية فما هذه الخطط وإجتماعات مايسمى "أصدقاء سوريا" الإ تعزيز للمصالح الإستراتجية لواشنطن بأقل تكلفة ممكنة لها.
بطبيعة الحال فإن مصالح ورغبات الدول والشعوب المشاركة في الحرب على سوريا ذات أهمية ثانوية أمام رغبة السوريين في الإستقرار و إنهاء الصراع.
لضمان الراي العام الأمريكي ولزعزعة الإستقرار في سوريا تسوق واشنطن لفكرة إن الإطاحة بحكومة الأسد قد تؤدي إلى ديمقراطية حقيقية وبانه هذا ما يدفعها لدعم المعارضة المعتدلة التي توقفت عملياً عن نشاطها. فالديمقراطية الحقيقية في سوريا وأوكرانيا وحتى في أمريكا تهديد حقيقي للولايات المتحدة.
منذ فترة توقف دعم السياسين النافذين في البيت الأبيض ولندن لما يسمى بالمعتدلين الإسلاميين أو مايعرف بالجبهة الإسلامية والتي هي في الحقيقة جناح لجبهة النصرة والتي بدورها ذراع القاعدة في سوريا, المشكلة الحقيقية للسوريين هو في المعارضة التي يدعمها الغرب والتي تضم السلفين والوهابيين والأصوليين الذين يرفضون الديمقراطية ويسعون لإنشاء الشريعة الإسلامية في سوريا.
ادعاء واشنطن وحلفاءها بأن الإنتخابات مهزلة أيكون بدعم قوى تسعى للقضاء على الديمقراطية وإسقاط مجتمع علماني تعددي في سوريا؟!!..
الشرعية والديمقراطية لم تكن في يوم من الأيام مزايا وطبيعة علاقات الولايات المتحدة مع أي دولة من الدول. وإن كانت واشنطن بالفعل تلتزم بالديمقراطية والحكم الديمقراطي فلماذا إدارة أوباما تتحالف مع الديكتاتوريات الملكية في الخليج ودعمت الإنقلاب في مصر وهندوراس كما دعمت الإنقلاب في أوكرانيا وتحافظ على العناصر المتطرفة في فنزويلا التي تحاول زعزعة إستقرار الحكومة المنتخبة ديمقراطياً.
كان هناك وقت عندما كان الموقف واضح من مفاهيم السلام المناهض للحرب ومكافحة الإمبريالية والحركات اليسارية التقدمية في الولايات المتحدة والغرب ولكن على مدى العقدين الماضيين ونتيجة لخلط النظريات اليسارية الإيدلوجية مع الليبرالية ,تحولت الديمقراطية الإجتماعية والميول البشرية المناهضة "للسلطوية ",فهناك حالة من الفوضى النسبية للحركات المناهضة للحرب والإمبريالية وخاصة بعد الهجوم على يوغوسلافيا وليبيا وسوريا والغزو الغير قانوني للعراق في عام 2003.
هذه البلبلة وعدم الكفاءة تحدث في لحظة تاربخية يسعى فيها الغرب الرأسمالي الإستعماري للحفاظ على الهيمنة العالمية ونشر ثقافة الموت والدمار.
الشعب السوري يراهن بوحدته الوطنية على قدرته في التصدي ومواجهة الإمبريالية العالمية والموقف المبدئي الوحيد الذي يمكن أن نتخذه هو التضامن مع هذا الشعب بغض وجهة نظرنا عن التناقضات الداخلية لهذه الدولة.
نعم قالها الشعب السوري "لا للتدخل الخارجي"ونحن كشعوب حية هل نستطيع أن نفعل شيئاً مماثلاً؟؟.
المصدر:http://trueinform.ru/modules.php?name=News&file=article&sid=27725
إضافة تعليق جديد