ملف: غياب جوزف سماحة (1)
- رحيل الرفيق جوزف سماحة
غيّب الموت أمس رئيس تحرير «الأخبار» الزميل جوزف سماحة عن عمر يناهز الثامنة والخمسين إثر نوبة قلبية مفاجئة في لندن.
وفور شيوع النبأ، توافد الى مبنى «الأخبار» عشرات المعزّين من وزراء ونواب حاليين وسابقين وصحافيين وعدد كبير من أصدقاء الراحل ومحبيه. كما تلقت الجريدة عدداً كبيراً من الاتصالات وبرقيات التعزية. ونعت نقابتا الصحافة والمحررين الراحل «واحداً من الوجوه الصحافية اللامعة، الذي أثرى المهنة بقلمه الملتزم قضايا الوطن والمواطن، وبآرائه التقدمية النابضة بالوطنية والمفعمة بالإنسانية (...) وقامة لبنانية وعربية، مشهود لها بوقوفها الى جانب الحق ومناصرة المستضعفين ومقاومة الاحتلال، والدفاع عن القضية الفلسطينية والقضايا العربية (...) وكان لافتتاحياته وقع الدويّ بما تحمل من حجج دامغة وتنطوي عليه من منطق سديد وسلامة تحليل وأسلوب متين».
الأخبار
مثل وردة قصفتها الرياح: نبيل صالح
مات جوزف سماحة، بوصلة النزاهة في بلد أفقدته طائفيته نزاهته.. هكذا قرر المولى أننا نحن العرب نستخدم أظلافنا أكثر مما نستخدم عقلنا، فأخذ جزءاً منه لتبقى أسئلتنا ناقصة الأجوبة، ونبقى الشعب المحتار فوق أرض الرب المتحركة..
كان جوزف سماحة مثلاً أعلى بالنسبة لي، في سلوكه وعقله، وكنت أجد عنده الأجوبة لكثير من الأسئلة، وأعترف أن نبأ رحيله قد صعقني وهز كياني، حتى وددت لو أن الرفيق عزرائيل استبدله بطاقم وزراء الإعلام الذين مرّوا على رقبتي طوال عقدين من الزمان، لأن كل ما علّكوه لا يعادل مقاله واحدة له.. فوداعاً أيها الصديق وسنذكرك كلما أبرقت سماؤنا وأضاء ليلنا البهيم..
الجمل
- جوزف سماحة يعبر إلى سطره الأخير
قبل أيام استقل جوزف سماحة الطائرة إلى لندن ليكون جوزف: صديق عمر الكاتب والصحافي حازم صاغية. لم يكن قد مضى أسبوع على وفاة زوجة صاغية، الكاتبة والفنانة مي غصوب. يقال إنه في الليلة التي سبقت سفره، تحدّث سماحة كثيراً عن الموت الذي لطالما سخر منه، وكيف أنه ذهب بمي بهذه السرعة، بغتة.
أقام سماحة مع صاغية في البيت اللندني نفسه.
ليل 24ـ25 شباط 2007 تناولا العشاء سوية. كان سماحة يشكو من وجع في صدره. في القلب الذي غذّته الأحلام الكبرى. رجاه «رفيق الدرب» أن يرى طبيباً، لكنه، كعادته، رفض. اعتبر «العارض» عابراً. جوزف العنيد دائماً في صحّته، الأقل مرونة في شؤونها مما هو في الأفكار المفتوحة دائماً على الحوار والاختلاف. شرب سماحة كوباً من العصير، وقال إنه يشعر بتحسن. دخل لينام.
في الصباح، أعد حازم ركوة القهوة ودخل ليوقظ عزاءه: صديق الطفولة والشباب. لم يستيقظ جوزف سماحة. توقف قلبه خلال نومه. رحل بسلام الدنيا وهدوئها. لم يمض ليلته الأخيرة في بيروت التي جافاها الهدوء والسلام منذ زمن. لكن المدينة، بأهلها، لن تكف عن أداء فروض الوداع الذي لا آخر له... تماماً كأفكار جوزف سماحة التي أغدقها على الصحافة العربية طوال 35 عاماً.
لقلبه وابتسماته ونبل عينيه كل الحب والشوق.
... فـي ســطـور
في الملف المكلل باسمه في «المركز العربي للمعلومات»، خانتان شاغرتان: «المذهب» و«تاريخ الوفاة». مُلئت الثانية أمـس: ليـل 24 ـ 25 شباط ,2007 وظلت الأولى شاغرة.. كما، على الأرجح، أراد لها جوزف نصري سماحة.
صحافي لبناني، ولد في الخنشارة (المتن الشمالي) العام .1949 أنهى دراسته الثانوية في مدرسة «الفرير» في بيروت، لينتقل بعد ذلك إلى الجامعة اللبنانية حيث نال الليسانس في الفلسفة العام ,1972 ثم حاز على دبلوم دراسات معمقة في العلوم السياسية العام 1981 في باريس.
ولداه: أميّة (30 عاماً) وزياد (29 عاماً).
عمل في مجلة «الحرية» من العام 1972 وحتى ,1974 ثم التحق بجريدة «السفير» العام 1974 وبقي فيها حتى .1978
ترأس تحرير جريدة «الوطن» الناطقة بلسان الحركة الوطنية اللبنانية من 1978 وحتى .1980 وما لبث أن عاد إلى «السفير» ليبقى فيها حتى العام .1984
غادر لبنان إلى فرنسا العام ,1984 وعمل مديراً للتحرير في مجلة «اليوم السابع» التي أسسها الكاتب الفلسطيني بلال الحسن، وبقي في هذا الموقع حتى العام .1992
التحق بجريدة «الحياة» في العام ,1992 وأصبح لاحقاً نائباً لرئيس التحرير.
تبوأ مركز مدير تحرير في جريدة «السفير» في العام 1995 وبقي فيها حتى العام 1998 عندما انتقل مجدداً إلى «الحياة»، وأصبح رئيساً للدائرة السياسية فيها ومقرها لندن، ثم عيّن مديراً لمكتبها في بيروت حتى العام .2000
أصبح رئيساً لتحرير «السفير» في العام ,2001 ثم تركها ليحقق حلمه الخاص في آذار ,2006 مؤسساً جريدة «الأخبار» ومترئساً تحريرها منذ صدورها في آب .2006 كتب افتتاحيته اليومية في «الأخبار» تحت «ترويسة» هي «خط أحمر»، أما في «السفير» فكانت «ترويسته» هي «الآن هنا».
ألّف كتابين: «قضاء لا قدر: في أخلاق الجمهورية الثانية» (1996) و«سلام عابر: نحو حل عربي للمسألة اليهودية» (1993)، كما نقل كتباً فلسفية وسياسية عدة عن الفرنسية.
السفير
- رحيل القلم الأخضر: طلال سلمان
«بهدوء»، كما تعوّد أن يكتب «القلم الأخضر»، رحل جوزف سماحة..
«بهدوء» وكما عوّد أهله وأصدقاءه، المعجبين بكتاباته والمنزعجين من موقفه المعزز باتساع معرفته، رحل جوزف سماحة، بغير وداع، هو الذي قصد لندن ليكون إلى جانب رفيق عمره و«منافسه» حازم صاغية فيودع معه صديقة عمريهما المبدعة مي غصوب.
«بهدوء» أخلى مكتبه وبيته و«الافتتاحية» التي طالما شكّلت علامة فارقة في الصحافة في لبنان خاصة وفي الصحافة العربية عموماً، وهي التي كان يجد فيها القارئ ما يساعده على أن يفهم كيف يصنع «القرار»، وأين يصنع، وبمن، ليكون من ثم قدرنا إذا ما عجزنا عن مقاومته وإفشاله.
لقد انكسر واحد من الأقلام هي بين الأغنى ثقافة، والأصلب في مقارعة الغلط، والأكثر استنارة، والأقدر على استيلاد الأفكار البكر والمؤهلة لأن تجدد في نمط الإنتاج الصحافي بحيث يغدو أقرب إلى العصر.
«بهدوء» غادر جوزف سماحة المشروع الصحافي الجديد الذي يحمل الكثير من بصماته، الزميلة «الأخبار»، وقد وضع له أسس انطلاقته مع الزميل إبراهيم الأمين ومجموعة من أبناء المهنة وأهل الرأي، ولكننا في «السفير» نستشعر الفقد بقدر ما يعيشونه وأكثر، لأنه في «السفير» نشأ ومعها كبر، وإليها أضاف بعض ما نعتز به فيها.
لقد استحق جوزف سماحة، وبجدارة، أن يحتل موقع الرأي في «السفير»، وأن يكتب افتتاحيتها لسنوات طويلة، ومن حقه اليوم أن يحتل بخبر غيابه المفجع رأس «السفير» التي فيها خطا خطواته الأولى في الصحافة، وفيها تعلم وأخذ من أساتذة كبار في هذه المهنة ـ الرسالة، بينهم من قضى نحبه اغتيالاً أمثال الراحلين إبراهيم عامر وناجي العلي، ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً مثل بلال الحسن ومحمد مشموشي وميشال حلوه وغيرهم كثير..
ولقد جاء جوزف سماحة ومعه رفيق عمره حازم صاغية، أعانه الله على مصابيه، إلى «السفير» وهي مشروع ـ جنين. كانا يحملان الحلم بالتغيير، والرغبة بأن يساهما في ولادة «جريدة مختلفة»: صريحة في خطها وشعاراتها، شجاعة في فتح صفحاتها للمختلفين معها، ومؤهلة لأن تعطي أصحاب الأحلام موقعاً أو منبراً يسمح بتخطي المألوف والتبشير بإعلام أكثر حداثة.
ومنذ العدد الثاني كان جوزف سماحة قد احتل ـ بتعليقه اليومي ـ مساحة في صفحة الرأي... وفي حين اكتفى حازم صاغية بأن يحصر اهتمامه بالثقافة والرأي والنقاش المفتوح مع الذات ومع الآخر، فإن جوزف سماحة قرّر أن يكون «صحافياً»، فأفاد من «الكبار» لكي يعرف عن المهنة أكثر، كما أن إطلالته على الصحافة الغربية، والفرنسية تحديداً في البداية، ثم البريطانية والأميركية بعد ذلك، قد ساعدته على أن يقترب أكثر من مكمن السر في الصحافة الحديثة: أن تكون وسيلة للمعرفة، وأن «تصنِّع» الخبر، وأن تضيف إلى «الأخبار» التحقيق بحيث تزوّد القارئ بالوقائع الكاملة، والأرقام الدالة، والمصالح الكامنة خلف الظواهر..
بعد سنوات قليلة ولكنها حافلة بالتجربة، غادر جوزف سماحة «السفير» أول مرة ولفترة قصيرة... ثم عاد إليها وقد قرّر أن الحزبية لا تصنع صحافة.
وبعد الاجتياح الإسرائيلي غادرنا ـ بالاضطرار ـ بعض أركان «السفير»، وأولهم بلال الحسن الذي لم يلبث أن أنشأ مجلة «اليوم السابع» في باريس، فاستعان بجوزف سماحة كمدير للتحرير... وعندما أعجزت الظروف القاهرة بلال الحسن عن الاستمرار في إصدار مجلته، غادر جوزف سماحة إلى لندن ليلتقي ـ مجدداً ـ مع حازم صاغية في جريدة «الحياة».
ومؤكد أن جوزف سماحة كان واحداً من الزملاء الذين أفادوا من «زمن الغربة» ليقرأوا أكثر فيعرفوا أكثر عن «الغرب» والعلاقة الشوهاء بين هذا الغرب الفرنسي ـ البريطاني ثم الأميركي بالمطلق، مع العرب.
كان جوزف يقرأ كثيراً ويكتب قليلاً... ولكن في هذا القليل كل ما قرأ عنه في «الكتب السميكة» وفي التقارير الصادرة عن مراكز الدراسات وليس فقط في المطبوعات السيارة.
... وكنا في «السفير» نعرف أن جوزف سماحة عائد إلينا، بغير اتفاق، تماماً كما غادرنا بغير وداع... وهكذا فقد جاء إلى مكتبه وكأنه كان في إجازة قصيرة. وحاول أن يجدّد في «السفير» وأن يضيف، في ظروف مختلفة تماماً عن ظروف المؤسسات التي كان يريد ويتمنى ويعمل لأن نقترب من مثالها..
ومرة ثالثة غاب جوزف سماحة عن «السفير»، ومرة ثالثة عاد إليها رئيساً للتحرير... ومن جديد أضاف، بغنى التجربة والإصرار على التجدد، صفحات وأبواباً وزوايا تحمل قدراً من المعاصرة.
.. وحين غادرنا جوزف سماحة إلى تجربته الأخيرة في الزميلة «الأخبار» كان قد ترك خلفه مجموعة من «تلامذته» الذين ما زالوا يجهدون في تقديم الجديد والمختلف، أسلوباً وإخراجاً، في الجريدة التي أعطاها جوزف سماحة أكثر من ربع عمره.
٭ ٭ ٭
«بهدوء» غادرنا جوزف سماحة، الذي كان يكره الوداع..
ولأن جوزف سماحة قد تنكب قلمه الأخضر ومضى في الرحلة التي لا عودة منها، يمكنني الحديث عنه متخففاً من حرج الزمالة التي تضعني في موقع يضعفني أمامه، لأقول إن خسارة الصحافة في لبنان جسيمة.
لقد كان قلماً مضيئاً في زمن العتمة التي تكاد تسد علينا الطريق إلى الحقيقة، بل إلى معرفة الوقائع والتثبت من صحتها. إنه زمن الغلط، وأهل الغلط، في السياسة كما في الاقتصاد، في الثقافة كما في الاجتماع. ولذا ترانا على حافة الحرب الأهلية، ليس في لبنان فحسب، بل على امتداد هذا العالم العربي ـ الإسلامي.
وتفرض عليّ الأمانة بأن أشهد بأن جوزف سماحة كان من أوائل مَن تنبّهوا ونبّهوا إلى خطر الحرب الأهلية هذه، في لبنان وفي فلسطين وفي العراق ومن ثم في سائر الأرض العربية.
وفي لحظات اليأس من الواقع، كاد جوزف سماحة يفترض أن على
القوى القادرة على الإنقاذ، بالأفكار كما بصلابة العقيدة، وأساساً بالتنظيم، أن تحضر نفسها لخوض هذه الحرب التي ستفرض عليها، لكي لا تباغت بها، وأن عليها بالتالي أن تنتصر فيها على دعاة الفتنة ممن يعملون للأجنبي ويخدمون المشروع الإسرائيلي ـ الأميركي الذي لا مكان فيه للعرب ـ كل العرب ـ في مستقبله القريب... بل هو يريدهم طوائف ومذاهب وعناصر وقبائل وعشائر مقتتلة في خدمة الغير، في دويلات ـ مزق، متهالكة ولا تعيش إلا في حضن الأجنبي وبإمرته، ضد أهلها وتاريخها ومستقبلها.
كان جوزف سماحة يرى أن على القوى المؤهلة لصناعة الغد أن تستبق دعاة الحرب الأهلية، فتفجّر الصراع ضد أهل الشر، والخاضعين ـ سلفاً ـ لأمر الأجنبي، المندفعين إلى الصلح مع إسرائيل بشروطها اللاغية لحاضرهم، والمسلِّمين بالهيمنة الأميركية على حساب أمتهم بشعوبها وثرواتها وحقها في الحياة.
... لكن النهاية جاءت أسرع ممّا نقدر، وأقسى مما نتوقع: لقد رحل جوزف سماحة، في الغربة، وهو يسعى لأن يكسر قسوتها على بعض رفاق العمر، فصارت الخسارة أثقل من أن نستطيع احتمالها، سواء في «المهجر» أو في «المقهر» على حد ما كان يقول كبيرنا الذي فقدناه المبدع بهجت عثمان.
«بهدوء» رحل جوزف سماحة، وسكت «القلم الأخضر» الذي طالما نبّهنا إلى ضرورة التصدي للغلط حتى لا يحكمنا أو يتحكّم فينا.
و«السفير» التي تستشعر مع الزميلة «الأخبار»، فداحة الخسارة، لا تجد ما يعوّض عن جوزف سماحة إلا في حماية ما جعله واحداً من مؤسسيها والذين وجدوا فيها منبراً للتبشير بضرورة العمل من أجل الغد الأفضل.
و«بهدوء» علينا تقبّل هذه الخسارة الجديدة في العصر الذي يحتاج الكثير من الأقلام الخضراء، مثل قلم جوزف سماحة، لكي نخترق الليل فيه أو نحدث فيه ثغرة لشمس الغد... أوليست «السفير» صوت من لا صوت لهم.
السفير
- على غفلة بيروحوا وما بيعطوا خبر: هيام القصيفي
لن نقرأ اليوم جوزف سماحة. ولن يقرأ جوزف سماحة اليوم الصحف، عشقه الاول والاخير. كثير علينا ان نخسرهم واحدا تلو الآخر، سمير قصير وجبران تويني وجوزف سماحة. كل من موقعه ومن منبره الخاص والفريد.
غاب جوزف سماحة ذلك "النبيل " الغارف من الحياة منتقما من شقائها وبؤسها، ذلك المثقف الغارق في السياسة، والسياسي الذي تلتصق به الثقافة الصافية غير المدعية. غاب بعيدا من بيروت التي شعر في الايام الاخيرة، بحسب ما قال لأصدقائه بأن "جنونا مقبلا عليها". لكنه نام عند اصدقائه ليستيقظ في عالم آخر بعيدا من جنون بيروت.
في لندن غادرنا جوزف سماحة، وغادر " الاخبار"، مشروعه الذي اراد من خلاله كما كتب الى طلال سلمان يوم ترك جريدة "السفير"، ان يحقق جزءا من احلامه. لم يكن غريبا عليه ان يترك بيروت الى لندن، لمؤاساة حازم صاغية بوفاة زوجته مي غصوب، ولم يكن غريبا ان ينام لحظاته الاخيرة عند صديقه الاقرب، الذي تربط بينهما علاقة صداقة متينة قديمة، صقلتها الحياة والصحافة والتقاء الافكار واختلافات الرأي وحفر الموت فيها عميقا.
كان عليه ان يعود بالامس الى مكتبه، واليوم على ابعد تقدير، لكن حجوز الطيران غدرت به، فلم يجد مكانا للعودة الى بيروت. تقول الاغنية الرحبانية "مهما تأخر جايي"، لكن الموعد جاء مبكرا ، فرحل سماحة مبكرا عن ثمانية وخمسين عاما، بعدما ركن اخيرا الى مشروع اراده ان يكون تجربة مختلفة، اثارت بينه وبين اصدقائه الخلّص كثيرا من الاسئلة والسجالات والمناقشات.
من نقرأ اليوم ومع من نصوغ نقاشا واعيا ومثقفا؟ ومع من نتبادل آخر عناوين الكتب الصادرة حديثا والمقالات؟ اصدقاء سماحة بين الدمعة والصدمة، يسألون. وخبر موته جمعهم في جريدة "الاخبار"، يبكون بصمت وبألم مدوّ. هم كثر، من "الحياة" و"السفير" و"النهار"، تجمعهم لغة واحدة عنه، وصفات نادرة تحلى بها. هو الانسان الذي غاب، قبل ان يكون الصحافي او السياسي، "كريم الى ابعد حدود الكرم، هو العارف طعم الشقاء والتعب، مد يده لمساعدة اصدقائه حين غدر بهم الزمن. وفيّ لأصدقائه في زمن ندر فيه الوفاء في مهنة تنافسية. حنون الى ابعد حد، مدرك تماما لما حرمته اياه الحياة وما انعمت به عليه، فزاوج بين الحرمان والنعمة، من دون كلل، حتى تعب قلبه وجسده. هو "الظاهرة بمفهومها الانساني الذي جمع النضال والحب والسياسة والالتزام والصحافة، من دون ان يتقوقع في قالب مقفل. فخلق له سمعة نظيفة وراقية".
اجمل ما في سماحة بحسب اصدقائه انه "انتقم" من الحياة، شرّ انتقام، تلذّذ بسيجارة "الجيتان بلوند" حتى الثمالة، وارتشف الكأس حتى الثمالة، وعرف كيف يحول "الكاريسما" التي تميز بها سحرا خاصا، ممزوجا بسخرية وطرفة وعشق للحياة لا ينضب.
الحياة حرمته والده صغيرا وتركته مع شقيقه الراحل وليد في عهدة والدته سيسيليا، التي عبرت بهما دربا شاقة وصعبة في ايام ندرت فيها الالفة. تحولت والدته اما لجميع اصدقائه، وتحوّل هو طالب الفلسفة في الجامعة اللبنانية، عضوا مشاغبا وشغوفا في كل ما يدور من اسئلة لها صلة بكنه الحياة ومعناها الحقيقي، وهو الذي خبر منذ صغره الشقاء والظروف الصعبة.
تزوّج باكرا وانجب امية وزياد، فتحولا لب حياته وعنصر الامان والاستقرار في حياة متنقلة بين لبنان وباريس. هو الوالد الذي وزع حنانه بين عائلته وابناء شقيقه وليد، الراحل باكرا ايضاً. فقد شقيقه ووالدته فصار ولداه محور حياته العائلية، ولم يتخل عنهما لحظة ولا عن مسؤولياته رغم ظروف شخصية خاصة، بل جعل منهما كفة الميزان الاولى في مقابل كفة استقلالية راقية.
يمتزج الخاص والعام في شخصية عامة كشخصية جوزف سماحة، لكنه هو المعروف في أوساط نخبة مثقفي بيروت والعالم العربي والفرنسي، ابتعد عن الاعلام المرئي، فلم يتحول شخصية تلفزيونية، لان الكلمة المكتوبة بالنسبة اليه، تبقى خالدة وحية. بقي الخفر الريفي مرافقا له، مع كل مستلزماته، لكنه اضاف اليه ثقافة متنوعة وشاملة وعميقة، كتبا ومقالات وموسيقى وافلاما. عاش في وسط فني متنوّع، بين مخرجين وموسيقيين وكتاب وصحافيين. لم يكن رجال السياسة بالنسبة اليه سوى المعبر الى العمل اليومي الصحافي، الا ان حنينه وركنه الدافىء تبقى الكلمة المطبوعة، ايا يكن مصدرها.
لا ينام سوى ساعتين او ثلاث. برنامجه اليومي في الاشهر الاخيرة، كان حضوره الى المكتب في جريدة "الاخبار" في العاشرة قبل الظهر. على الكنبة الجلد السوداء يفلش اوراقه، يقرأ، يبدأ الاجتماعات المتنقلة والدورية. يقرأ. يعقد اجتماعات عمل. يقرأ. يكتب مقاله الاسبوعي، ثم يقرأ، يشرف على الجريدة، ثم يقرأ ويغادر بعد منتصف الليل بقليل، او كثير.
كان يتنفّس القراءة تماما كالاوكسيجين والسيجارة. يبدأ نهاره المبكر بالصحف اللبنانية، ثم العربية والفرنسية والانكليزية، يقرأ بتمعّن، وقد يفاجأ البعض بأنه يقرأ للجميع، لكن قلّة تستوقفه. يطالع تقارير جمة تصله دوريا، هو الذي تميز بشبكة علاقات اوروبية ودولية واسعة، تمكن عبرها من تطوير مهنته، ومن تحويل مكتبه في اي جريدة عمل فيها، مكتبا يؤمه صحافيون ومثقفون غربيون وعرب. لا يغيب كتاب عن عقله، ولا عن قلمه ، يدوّن الهوامش على اي كتاب او مقال، فتتحول ذاكرته مطبخا لكم من الافكار والتحليلات. يكتب مقالته اليومية بقلمه، لا عبر الكومبيوتر، ويستشهد كثيرا وينسب اقوالا وجملا، ولا يسرق افكارا ولا جملا. مقاله عميق ومختصر، مقتضب بأسلوبه لكنه خزّان من الافكار يرميها من دون ثرثرة للنقاش والتحليل. بالنسبة الى اصدقائه الصحافيين، اهمية مقالة جوزف انها كانت تترجم "تلك المسافة النقدية التي تفصل التزامه السياسي والعقائدي عن مهنيته وحرفيته، فتجعله نقديا متمايزا. كما حصل يوم كتب عن الهجمة على بلدة القاع ايام الحركة الوطنية عام 1976، منتقدا بحدة ظروف حدوثها". هل بقي جوزف على هذه المسافة في "الاخبار"؟ هو سؤال تداوله سماحة مع اصدقائه، منهم من عتب عليه ومنهم من ناقشه ومنهم من ابتعد عنه سياسيا، واستمر على علاقة شخصية من بعيد الى بعيد.
منذ نحو سنة، وفي فترة التحضير لصدور "الاخبار" بحسب ما يقول الزميل ابراهيم الامين، عاش جوزف في الجريدة، ولم يغادرها الا في ثلاث رحلات عمل تتعلق بالجريدة، الى باريس والقاهرة ولندن. كانت "الاخبار" حلمه بأن يصدر جريدة "غير تنافسية"، فتحوّلت عالمه الصغير والكبير. هو صاحب شعار "الاستهلاك الهوائي" الذي يسخر به من الذين ينكبون على العمل وشراء المنازل والسيارات ولا يعيشون حياتهم. عاش الاشهر السبعة الاخيرة من حياته في جريدته. لم يكن رئيس تحرير بالمعنى التقني للكلمة، تشغل باله العناوين الاولى والصفحة الاولى.انه نبع اخبار وافكار لا ينضب يوزعها ويتابعها مع الصحافيين. كان يريد من الجريدة، هو اللبناني والعربي والقومي، ان "تكون الجريدة الاولى بعد الحرب الاهلية، خطا احمر في وجه المشروع الغربي"، كما يقول الامين. الخط الاحمر الذي جعل منه عنوان زاويته اليومية، تحول خطا اسود على صوره التي رفعت في كل اقسام "الاخبار".
هناك، حيث لا تزال البهجة بالاشهر الاولى من السنة الاولى قائمة، تلقى زملاؤنا ضربة قوية، فعلا البكاء والنحيب، مع كل خطوة ومع كل باب يفتح. صحافيون ومصورون وسياسيون يعيشون الصدمة على وقع الدموع والبكاء. على مكتب سماحة صورة الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، وفوقه صورة الرئيس الاميركي جورج بوش الذي يكن له سماحة عداء تاما، وهي صورة رفعها زملاؤه في غيابه لممازحته عند عودته. لكنه لم يعد.
"الخط الاحمر" غاب عن الصفحة الاولى، لكن فكرته الاخيرة كانت عن لبنان المقبل على جنون وعن المنطقة التي لن تنجو من الويلات، معززة بحركة من يده قائلا "مش ظابطة".
هو الخبير والعارف بشؤون المنطقة، الآتي من عوالم سياسية وعقائدية متنوعة. يساري بامتياز، بدأ حياته السياسية بوعي قومي عززته علاقته بحازم صاغية وخاله خالد صاغية، صاحب التجربة البعثية والقومية التي ذهب ضحيتها. مع الحزب السوري القومي الاجتماعي عزز سماحة ثقافته وعمقه السياسي، وساهمت الآفاق التي فتحتها الجامعة اللبنانية امامه في صوغ علاقات واسعة ومتينة مع مجموعة من الكوادر الثقافية والسياسية الناشطة سياسيا.
لا ينفصل سماحة الصحافي عن السياسي، فجرأته الادبية جعلته ينتقي خياراته السياسية من دون مواربة، لا ايام الحركة اليسارية الواعية والحركة الوطنية، ولا حين كان قريبا، لا ملتصقا بالخط الفلسطيني ابان تسلمه جريدة اليوم السابع في باريس، ولا حين عادى سوريا ووقف ضدها بشراسة، ولا حين عاد الى بيروت منتهجا "خطا جديدا بدأه في السفير ومن ثم في "الاخبار" كما يقول اصدقاء له.
في السبعينات تولى ادارة تحرير مجلة "الحرية"، وانتقل منها الى رئاسة تحرير صحيفة "الوطن". لكن تجربته مع "السفير" تبقى المتميزة. بقي واياها على غرام وانتقام. دخلها وكان من مؤسسيها، ثم غادرها وعاد اليها ليعيش ايام الحصار الاسرائيلي على بيروت، ليغادرها مجددا، الى "اليوم السابع" ثم "الحياة"، ليعود من جديد اليها، ويغادرها الى "الحياة"، ويعود اليها مرة اخيرة ويغادرها مرة نهائية الى "الاخبار".
وبين "الحياة" و"السفير" وباريس ولندن، تقاطعت حياة سماحة مع حياة زملائه الصحافيين، ومنهم سمير قصير. تصادقا وتقاطعت طرقهما، وكانا صديقين، ثمّ فرقتهما السياسة وجمعهما الموت.
جوزف سماحة "قرّب موعد رحيله... واللي ناطرينه رح يدق الباب". لكنه جاءه من دون ان يقرع الباب.
ترك سماحة بيروت ويعود منها الى حيث والدته وشقيقه في بينو - عكار، عله يستريح من السفر والتعب والسهر والليل. رحل الى هناك، تاركا قلمه وعموده اليومي فارغا. فمن نقرأ اليوم؟
النهار
- موت كموتك قتل: أنسي الحاج
كنتَ كثيراً على قلب الظلام المحيط. الجوقات الموحَّدة تضيق بالمنفردين. البيئة تعاقِب، يعاونها الموت المستهزئ. صنوان. الموت ضَحْل ومملّ كالبيئة، كالسلطة. يتكافل وإيّاهما في القتل. موتٌ كموتكَ قَتْل. ليس لك وحدك بل لصحافة، لقارئ، لصديق، لأمل.
كثيرون مثلي يقولون الآن: ليتنا لم نعرفه.
الصحافي اللاشخصي أصبح شأناً شخصيّاً لكل قارئ. أنجح محامي القضايا المظلومة. مطالعاته اجتهادات أمام جمهور متناقض في مسائل تمشي معظم التيارات عكسها، وتنتهي المطالعة بإقناع «الأعداء»، أو على الأقل برمي الشكّ في نفوسهم. شرط أن يتوافر لهم حد أدنى من الشفافية. ذَكَرَ مرّة في إشارة إلى صديق له «من الفريق الآخر»: «قلت له: أنت وأميركا غلبتمونا في كل شيء. تغصّون بهذه المساحة الصغيرة الباقية لنا ننتقدكم فيها؟». جوزف سماحة هو الصحافي الآخر، نقيض ما اعتادته الصحافة العربية. هو صحافي التحليل والمعلومات وهي صحافة التوجيه الوعظي المباشر. لم يكن يختلف في شيء عن معلّقي كبريات الصحف الأوروبية والأميركية غير كونه يكتب بالعربيّة. هو صحافي الثقافة الشاملة والعرب صحافة الأيديولوجيا والخطابة. بقعة ليّنة في مساحة متحجّرة. شمولية متواضعة كشمولية المعلّمين. سخرية نبيلة، مترفّعة، عفويّة، مفاجئة وسط رصانته كمفاجأة طفولة تَخْرج فجأة من كهولة. رأسُ جيل من الصحافيين اللبنانيين غيّروا وجه الصحافة العربيّة وخرّجوا تلامذة لا يزالون يغيّرونها نحو الأحدث.
منتهى اللاقمع في ممارسته رئاسة التحرير. الأكثر ديموقراطية بين جميع من عَرَفت. كان يقول لمن يستشيره في ما يكتب: «اكتب ما تريد، حتّى لو كان ضدّ سياسة الجريدة». حين تفرغ من قراءة مقاله يُخيّل إليك، لكثافة ما فيه من علم ومعلومات ولقوّة التركيز وبراعة الحجّة وابتكار المعادلات التعبيرية، أنه سيمرّ وقت قبل أن يستجمع قواه ويكتب المقال التالي. ولا يكاد الصباح يطلع حتى يأتيك باللاحق أدسم من السابق.
«أكثر ما أُدْهَش هو حين أقبض راتبي آخر الشهر. أقول في نفسي: «يا رجل، لماذا يدفعون لك؟»، فليس عندي أمتع ممّا أعمل في الجريدة. أنا من يجب أن يدفع لهم».
أو يقول، هو الذي يصل مع الصباح وينصرف مع الفجر: «كلّما ذهبتُ إلى البيت شعرتُ بالذنب».
أيّها الراهب العلماني البريء من أيّ تعصّب، أيّها الرقيق المعتذر من ظلّه، السخيّ بصداقة لا يضاهي صمتَها إلاّ فاعليّتُها، تكدّستْ فيك الوحدة حتّى فاضت. تكدَّس فيك حزن الأرض تحت نقاب الابتسامة. ليس الجهلُ ما يَقْتل بل المعرفة. المعرفة، الوعي، حدّة وعيك، كلّها تَنْقل الموت. موت المرهَفين. كل شيء يَقْتل المرهفين، وأنت من سادتهم.
والفراغ الذي تتركه لن يملأه إلاّ الشعور أكثر فأكثر بفراغك.
الأخبار
- باسم الحفنة: زياد الرحباني
إن الله يحبّ جوزف سماحة. فلقد قرّر سبحانه أن ينجّيه البارحة، من أعراض وأحقاد العديد من العديدين. خطفه كالبرق من بين كل المتربّصين به. إن الله يحبّه، فهو يعرفه جيداً، وللرفيق جوزف مكانةٌ عنده. يعرفه ويخاف من أعدائه عليه. يعرف أنه لا يحتاط، وأنه ضد التدابير الأمنية الشخصية والمرافقين، يعرف جيداً كم هو مستهترٌ أحياناً بحقّ نفسه، فأخفاه عن السمع والأنظار.
أعدّ له ميتَةً شهمة، مختزلة خاطفة، خصّه بميتَةٍ بليغةٍ ولائقة، بعيدة عن وحُولِنَا العارمة، طالعةٍ من وسخنا المتراكم اليومي، النهاري الليلي اللامتناهي لا بحولِهِ فكيف بدونه؟ مات ميتَةً يسمّونها منذ قديم الزمان الأفضل الأرحم: ميتَةَ ربّه... بكل نظافة، بكل تجرّد. ميتَةً ليست حلوة بالتأكيد لكنها، سيّدةٌ، حرّة، مستقلّة! لا مجهولَ من زمرهم ليُدّعى عليه فيها، ولا مشبوه. لا يدَ لجانٍ عميل، لمتطرّفٍ درزيٍ، مارونيٍ أو سُنّي، لا يقرأ وإن قرأ لا يفهم. لا إصبعَ «لِنِسٍّ» من أكثريتهم حاقدٍ عليه... لم ولن يَبْلُغَهُ، فقد رحل. غدره الرفيق جوزف خلال ليلة البارحة، فنكّد عليه المتبقي من حقده على مدى الحياة، وأفشل بالمختصر كل محاولات التخلّص منه.
أساساً، فربّهُ سبق الجميع، ورحل به من على الطريق العسكري في جنح الظلام. ربّهُ يحبّه، قلتها لكم وأكرّر، ربّه يحبّه ولو أنه كفَرَ مرّةً، لو أنه كفَرَ مرّات. فالربّ يا إخواني قادرٌ على أن يحبّ الكفار كما المؤمنين. بل إنه يفضّل الكافر الطيّب النظيف المعطاء على المؤمن الآخذ الآثم الشرّير... وها قد أفلت الرفيق جوزف سماحة منهم ولكن منّا أيضاً في فجر 25 شباط. فما العمل الآن؟ ما العمل «الآن هنا»؟ كما كان الرفيق يُعَنْوِنُ افتتاحيته في «السفير». لا توجد ميتةٌ حلوة بالتحديد، كما أنه في المقابل لا حياة حلوة بهذه السهولة. وستشحّ حلاوتها كثيراً دون شيوعيٍ أصيلٍ عنيد.
أنا لستُ حزيناً في هذه اللحظات، «الآن هنا»، أنا غضبان، وخائف بعض الشيء. أمّا الحزن فلا... سأحزن لاحقاً مع بعض أصحابه الحزينين. إن أعداءنا، يا حفنة المتبقين، يا حفنة الشيوعيين النضرين النادرين، يا بعض الباقي من أصابع اليدين، وهذا ما يخيف، إن موت الرفيق سماحة يستنفرني فَلْيَستنفرْكُم!... إن أعداءنا يدورون حولنا كلّما استطاعوا. إنهم مصمّمون باقون، إنهم يحاولون يحتشدون، ولم يبقَ لديهم ما يهوّلون به منّا على أعراضهم ويخيفون الأطفال، سوى أننا: سوريّون، أفغان، طالبان، وفرس. سوى أننا كارهو لبنان، حاقدون على الحياة فيه، مجرمون واستشهاديون، آكلو متحضّرين، سيستولون بعد تطيير المحكمة الدولية، على السلطة ويحكمونهم. وعلينا أن نواجه هؤلاء دون الرفيق سماحة. نحن أضعف في هذه اللحظة لأننا خسرناه، فنحن سنواجههم بدونه. الحزن والانهيار الآن، قاتلان. لا! نَفَسُ جوزف طويل وقد تنفّسنا عمراً معاً، وحَّدْنا الأنفاسَ قبل الأهداف، وهذا وقت التنفّس المثالي العميق والطويل.
في نهاية هذا الأحد الماطر الشاهق، أؤكّد لك يا رفيق، أنك زدتَني تأكيداً، أنَّ ما نحن مؤمنون به، هو مستقبل الإنسان اللازم وهو الصحيح ولا يصحّ غيره. في هذه اللحظات لا أعرف ما هو الرابط بين موتك وبين ارتفاع مستوى تمسّكي بالتزامي، لكنني سأعرف لاحقاً. فلهذا علاقة بالعقل والعقل الهادئ، والقناعة دوماً أقوى من العقل. فكيف “الآن هنا”؟ كنّا نفضّل، كنّا وما زلنا نعشق أن تكون معنا يا جوزف في طريقنا المتبقّي، لكنّكَ ذهبْتَ، لكنّكَ... ذَهَبَ. ماذا نفعل؟ إن الأعمار بيد الله، لكن النصر بأيدينا. فَنَمْ عميقاً ولا تَخَفْ!
الأخبار
إضافة تعليق جديد