منظر الجماعة الاخوانية المصرية يلغي الجزية عن المسيحيين
فيما عد موقف جديد ومختلف من الجماعة الاسلامية (المصرية) أكد مفكر الجماعة ومنظرها وأحد قادتها التاريخيين د. ناجح ابراهيم رئيس تحرير موقعها على الانترنت أن الحاجة إلى فرض الجزية على المسيحيين انتفت، وانهم الآن يشاركون جنبا إلى جنب مع المسلمين في الجيش، وهم شركاء في الوطن ومسؤولون عنه.
وقال إن اعلان الحرب وعقد الصلح وتطبيق الحدود وفرض الجزية، من الأحكام السيادية في الشرع التي لا تجوز لغير الحاكم ولا يملكها غيره من الأفراد والجماعات، مشيرا إلى أنه ليس من الشرع الاسلامي أن تدخل دولة ذات سيادة الحرب، وتتعرض لهجوم وقصف وتدمير، دون ان يكون رئيس الدولة او رئيس الحكومة او زير الدفاع على علم بذلك.
وأضاف في حوار مع (العربية.نت) تعليقا على أحدث كتبه الصادر مؤخرا (تطبيق الأحكام من اختصاص الحكام.. الحدود – اعلان الحرب – الجزية) إن قرار الصلح مع أي أحد سواء كان مسلما أو غير مسلم، من اتخاذ الحاكم فقط وفق رؤيته للمصلحة العليا، وان الاسلام لا يمنع هذا الصلح إذا كان فيه مصلحة ولا يحرم حلالا أو يحلل حراما.
كما تحدث عن تغيير شعار الجماعة مؤكدا أن الاسلام ليس "وقاتلوهم" فقط فالجهاد هو مجرد وسيلة لبلوغ غاية، ولكن هناك الكثير من الأمور التي يقام بها الدين ولا يبنغي تفرقتها، معترفا بأن الشعار القديم كان اختصارا مخلا وجب تصحيحه، ومشيرا إلى أن أحدا لم يجبرهم أو يلزمهم بتغيير هذا الشعار.
وتناول سبب رد الفعل القوي للجماعة الاسلامية على بيان د. أيمن الظواهري الرجل الثاني في القاعدة، مؤكدا أن القادة التاريخيين أو الصف الثاني لا يعرفون بالفعل محمد الحكايمة الذي قال الظواهري إنه من قادة الجماعة الذين انضموا الى القاعدة قائلا "دخلنا السجن ومكثنا فيه 24 عاما، وربما كان ذلك قبل أن يلتزم الحكايمة وذلك ليس تقليلا من شأنه".
وقال د. ناجح ابراهيم إن آيات القرآن الكريم لا تخاطب كل أحد في التطبيق والتنفيذ، وانما تخاطبهم جميعا في الايمان به والدعوة إليه، فعلى سبيل المثال آيات الطلاق تخاطب المتزوجين فقط ولا تخاطب غير المتزوج، وآيات القصاص "ولكم في القصاص حياة يا أولى الألباب" تخاطب الحكام فقط، ولا تخاطب الآحاد ولا الجماعات، لأنهم لا يملكون القدرة على تنفيذها. وأيضا الآية "والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما" تخاطب الحكام أومن ينوبهم.
وأضاف: رغم أن على جميع المؤمنين الايمان بهذه الآيات والدعوة إليها، لكنها في التنفيذ لا تخاطب إلا الحكام لأن لهم قدرة لا تتوفر في الجماعات وآحاد الناس. فاذا قال أحهدهم أنه يملك القدرة على قطع يد السارق مثلا، نرد عليه بأنها ليست القدرة المناط بها تطبيق الأحكام، والتي لا ينازعك فيها أحد، فاذا نفذ شخص هذا الحكم فان الشرطة ستطارده وأهل المجني عليه سينتقمون منه، بينما لا أحد يعترض إذا فعل الحاكم ذلك.
وقال ناجح ابراهيم إن اعلان الحرب من الأحكام السيادية المنوط بها الحاكم فقط، فمن الأخطاء الشنيعة أن القاعدة في أفغانستان اعلنت الحرب على أمريكا والغرب في ظل حكم الملا محمد عمر الذي لم يعلن هذه الحرب، مع أن القاعدة كانت تقر بأن الملا عمر حاكم مسلم وأمير المؤمنين، وقد بايعوه على ذلك. فلماذا أعلنوا الحرب من جانب واحد، وقاموا بعملية 11 سبتمبر، وقبل ذلك نفذوا عملية ضرب سفارتي أمريكا في تنزانيا وكينيا، وضرب المدمرة "اكول" دون علمه، الأمر الذي أغضبه من من أسامة بن لادن وقاطعه فترة بعد عملية ضرب السفارتين، وعزله من امارة الجاليات الاسلامية في افغانستان.
وتساءل: ماذا كانت النتيجة بعد أن اتخذ اسامة بن لادن قرار عملية 11 سبتمبر بدون الرجوع لحاكم الدولة التي يعيش فيها؟.. النتيجة هي احتلال افغانستان وزوال طالبان وزوال تنظيم القاعدة نفسه من الوجود، وتحول رئيس دولة إلى انسان هارب في الجبال والصحراء.. والله أعلم متى تتحرر أفغانستان ومتى تزول عنها القوات الأجنبية.
واستطرد ناجح ابراهيم: السبب في كل ذلك أن أسامة بن لادن اخذ حقا خاصا بالحاكم بدون اذنه، فلا يمكن ان تكون هناك دولتان داخل الدولة، فالمفروض ألا تكون هناك دولة تحارب دون علم رئيسها او رئيس حكومتها أو وزرائها، ثم تدمر في اليوم التالي وهم لا يعلمون ولم يستعدوا لهذا.. كيف تكون هناك دولة لها وزير دفاع لا يعلم أن دولته ستدخل في حرب ثم يفاجئ بقصفه في اليوم التالي دون أن يأخذ استعداده.
وأكد أن الحكام هم المسؤولون عن الأحكام السيادية كالحدود واعلان الحرب وعقد الصلح مع الدول وفرض الجزية، فإذا قاموا بها خيرا، وإن لم يقوموا بها أو قصروا فيها، فلا يجوز للآحاد أو الجماعات تطبيقها، وإلا فانه لن يتحقق المقصد الشرعي الذي ابتغاه الشرع منها، وستسبب من المثالب أكثر من المصالح.
وعن الجزية قال إن الاسلام فرضها مقابل الدفاع عن أهل الكتاب أو أهل الذمة الموجودين في البلد المسلم، وهذا أمر جميل من الاسلام لأنه لم يجبر أو يكره المسيحي أيام حروب الفتوحات الاسلامية على الانضواء في جيش يقاتل دفاعا عن عقيدة تخالف عقيدته والتضحية بماله ونفسه وأهله، فاذا أراد من نفسه الانضواء في هذا الجيش فلا مانع ذلك.
وواصل ناجح ابراهيم قائلا: الآن الشخص المسيحي ينضوي في الجيش والشرطة، فالعلة من الجزية انتفت، اضافة إلى أن الاسلام قدم مصالح الأوطان العليا والمصالح الاسلامية العليا، فاليوم لا توجد دولة اسلامية في العالم تجرؤ على ان تطلب من رعاياها دفع الجزية، ولو فعلت احداها ذلك لثارت ثائرة العالم كله وحدث لها ما حدث في السودان من تهديد بالاحتلال وما إلى ذلك، فهل من أجل الجزية أو من أجل تطبيق حكم واحد نقبل بأن تحتل دولة اسلامية وتحاصر اقتصاديا وتعزل عن العالم كله.
وأشار إلى أن الدول يقع عليها الاكراه كما يقع على الأفراد، وهذا ما قلته في كتاب "الحاكمية" فمن الاكراه المادي أن تهاجم دولة، دولة أخرى أضعف منها، لكن هناك اكراها ماديا غير منظور مثل الحصار الاقتصادي والسياسي وتجميد أرصدتها في البنوك، فتكون الدولة حينئذ مكرهة في عدم قدرتها على تطبيق حكم من الأحكام الشرعية.
وأشار أيضا إلى أن فرض الجزية هو من اختصاص الحاكم ومن الأحكام السيادية فاذا لم يعلنه فلا يجوز للجماعات أو آحاد الناس فعل ذلك، قائلا إن المسيحيين شركاء في الوطن ومسئولين عنه مثلهم مثل المسلمين ولهم حقوق كثيرة.
وأوضح أن الاسلام لم يأمر بالعدل فقط مع المسيحيين أو أهل الكتاب، لكنه أمر كذلك بالحسنى معهم، فلولا عدل الاسلام واحسانه ما بقيت أديان أخرى موجودة في المنطقة الاسلامية. لقد كان عادلا معهم وأبقى كنائسهم ومعابدهم والتي لا تزال موجودة حتى الآن من آلاف السنين.
وعن رأيه بخصوص تحول المسلم إلى دين آخر في اطار ما يقره الاسلام من حرية العقيدة قال ناجح ابراهيم: الاسلام هو الدين الحق والدين الخاتم الذي ينسخ كل الرسالات، والانسان الذي يعتنقه عليه أن يفكر ملايين المرات قبل أن يفعل ذلك، فاذا فكر واعتنقه لا يجوز له أن يرجع عنه. فاذا دخل الانسان الاسلام وعرف شروطه وأركانه وواجباته فلا يخرج منه، وإلا تكون هناك عقوبة له حتى لا تصبح الأمور فوضى، مثل الذي يدخل الجيش ويعرف التزاماته، ثم يرفض القتال عند الدخول في المعركة، فيتعرض لحكم عسكري بالضرب بالرصاص بعد أن يتهم بالخيانة العظمى، وهذا معمول في كل جيوش الدول دون استثناء.
وما دام أنهم شركاء في الوطن هل هم أيضا شركاء في الحكم؟.. يجيب ناجح ابراهيم: هنا تفصيل في هذه المسألة. الولاية العظمى مثل رئاسة الدولة يمنع الاسلام تولي غير المسلم لها، وهنا نتساءل: هل حكم شخص مسلم بريطانيا طوال تاريخها، وهل حكم مسلم فرنسا رغم وجود أقلية مسلمة فيها تتجاوز الستة ملايين نسمة؟.. وهل حكم مسلم أمريكا رغم وجود أقلية مسلمة كبيرة فيها؟
وأضاف: الأكثرية لابد أن يحكمها حاكم من نفس عقيدتها.. فليس من الشرع ولا العقل أن يحكم شخص من أقلية تمثل خمسة او ستة في المائة الأغلبية، ولكن من الممكن ان يكون غير المسلم وزيرا في ما يسمى بوزارات التفويض حسب أقوال للفقهاء، وهي ليست من الوزارات الحساسة او السيادية كالدفاع والداخلية، فالأولى بها اهل العقيدة الغالبة.
مشيرا إلى وجود أكثر من وزير مسيحي في مصر، موضحا أن بعض الفقهاء يعتبر وزارة المالية من وزارت التفويض، أي أن وزيرها ينفذ أوامر رئيس الحكومة او رئيس الجمهورية. ومن المعروف ان د. يوسف بطرس غالي – وهو مسيحي - يتولى وزارة المالية في مصر.
وقال ناجح ابراهيم إن الاسلام أباح الصلح مع كل أحد سواء كان مسلما أو غير مسلم. وهنا ضابطان.. أولا أن يحقق الصلح مصالح الاسلام والمسلمين، وثانيا أن لا يحل حراما او يحرم حلالا. فإذا تحقق هذان الضابطان، فان هذا الصلح مباح، وقرار الصلح من حق الحاكم وهو الأقدر على رؤية المصلحة والمفسدة.
وحول تغيير شعار الجماعة الاسلامية قال إنه كان يتضمن السف والمصحف والآية القرآنية "وقاتلوهم حتى لاتكون فتنة في الأرض ويكون الدين لله".. متسائلا: هل الاسلام هو "وقاتلوهم" فقط.. في الاسلام عبادة وشريعة ودعوة الى الله وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر ورفق باليتيم ومعان كثيرة جدا. نحن قلنا إن هذا الشعار غير مناسب ويختزل الدين في شئ واحد فقط ويكرس معنى الجهاد للجهاد وليس مجرد وسيلة لبلوغ غاية. لقد كان هناك اختصار مخل في هذا الشعار وأنا اعترف بذلك، والخلاصة أن اقيموا الدين كل الدين.
لقد غيرنا الشعار عن قناعة ولم يلزمنا أحد بذلك ولم يطلبه. وفي الشعار الجديد ألغينا السيف ووضعنا بدلا منه المصحف تخرج منه شمس وتحته الآية "أن اقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه". ونسعى بذلك إلى كل ما يوحد المسلمين ويجمعهم.
وحول بيان الجماعة الذي وصف بأنه رد فعل منفعل ردا على اعلان الظواهري انضمام قياديين في الجماعة الاسلامية إلى القاعدة ومنهم محمد الحكايمة الذي قيل إنه كان قياديا بالجماعة في مدينة اسوان في صعيد مصر، قال ناجح ابراهيم: لم يكن هناك انفعال أو شئ من هذا في بياننا، لكن الظواهري اذاع بيانه عبر قناة فضائية ونحن في المقابل لا نملك أية وسيلة اعلامية، فكان يجب اذن أن نرد برد قوي بأن هذا لم يحدث، لأنه لو دخلت الجماعة الاسلامية القاعدة فان معاني كثيرة ستترتب على ذلك. فمن الممكن في بلد صغيرة مثلا أن يقول أحد الأفراد من القاعدة لأفراد آخرين من الجماعة انتم انضممتم للقاعدة فتعالوا نعمل عملية ثم يأخذهم معه، فكيف يمكننا أن نعرف نحن والاتصالات بيننا وبين أعضاء الجماعة مقطوعة. ليس من المعقول أن اتصل بكل فرد في جماعتنا واقول له ان هذا التحالف لم يحصل، لذلك جاء بياننا قويا عبر وسائل الاعلام، ولم يكن ذلك اهتزازا من بيان الظواهري.
وردا على القول بأن القيادات التاريخية لم تعد لها سيطرة على الكثير من كوادر الجماعة الاسلامية قال ناجح: لا ..الحمدلله، أفراد الجماعة مقتنعون بالمراجعات. السيطرة لا تكون بقيد حديدي وانما بقلوبهم وتقواهم وبأنهم على نفس الفهم. الجماعة الاسلامية تعمل على تربية أبنائها وليس قهرهم.
وأضاف: الحمد لله جميعهم اقتنعوا بسلسلة تصحيح المفاهيم أو المراجعات، قد يكون لهم رأي فقهي معين، وهم أحرار في ذلك، لكن هناك قناعة كاملة بالنسبة لمبادرة وقف العنف والقتال وعدم الخروج على الحاكم وعدم الخروج المسلح، هذه أمور متفق عليها تماما وتحظى بالاجماع.
وعندما سألته: لماذ نفيتم أية معرفة بالحكايمة رغم أنه كان قيادة معروفة باسوان؟.. أجاب ناجح ابراهيم: والله نحن صادقون في ذلك.. نحن لا نعرفه.. فقد دخلنا السجن من زمان ومكثنا فيه 24 عاما، يعني ربما قبل أن يلتزم الحكايمة وأنا هنا لا أقلل من شأنه ولكني أبين حقيقة. وأيضا لم نجد أحدا من الصف الثاني يعرفه غير بلده فقط.
قلت له: قيل إنكم في حالة انزعاج من أنباء رددت أن أحمد شوقي الاسلامبولي سيذيع شريطا يعلن انضمامه بالفعل للقاعدة.. رد: أبدا.. ليست هناك مشكلة لو اذاع هذا الشريط. إذا قال شخص إنه سينضم للقاعدة فماذا ستقول له؟.. هناك من يخرج عن الأديان ونحن لسنا أقوى منها. اننا اناس متواضعون، لكن شوقي الاسلامبولي لم يقل انه انضم للقاعدة.
ثم أضاف: هناك اناس يشتمون الجماعة الاسلامية على طول الخط. إذا ظهرت في الاعلام يشتمونها وإذا لم تظهر يشتمونها أيضا. كل ذلك رغم أن الجماعة مهذبة جدا ولا تهاجم أحدا ولا تتكلم ضد أحد.
وكان ناجح ابراهيم قد أصدر بيانا علق فيه على شريط الظواهري وصفه فيه بأنه أقرب إلى الفرقعة الإعلامية منها إلى الأهمية الموضوعية، فمعروف أن هناك علاقة مصاهرة تربط منذ فترة طويلة بين الشيخ أسامة بن لادن والشيخ الاسلامبولي، وأن الأخير رفض مبادرة الجماعة الإسلامية السلمية وليس معنى هذا انضمام الاسلامبولي للقاعدة، ورغم ذلك كله لم يؤثر موقف الاسلامبولي على الآلاف المؤلفة من أبناء الجماعة الإسلامية الذين وافقوا على المبادرة داخل مصر وخارجها، والذين رأوا فيها كل الخير للإسلام والمسلمين.
فقد عصمت المبادرة دماءهم ودماء المئات من غيرهم، ونشرت الأمان لهم ولغيرهم، وفرجت كرب الآلاف منهم، وخرجوا من السجون والمعتقلات في عزة وكرامة، ومعافين في دينهم ودنياهم، بعد أن كانوا أقرب إلى الفتنة في دينهم ودنياهم، فخرجوا أكثر علما وحكمة وأعمق فهما، مقدمين مصالح الإسلام العليا من غيرها من المصالح الضيقة".
ناجح ابراهيم من مواليد مدينة ديروط في اسيوط بصعيد مصر 1955 وخرج من السجن قبل سبعة شهور فقط بعد ان قضى فيه 24 عاما تنفيذا لحكم بالمؤبد في قضية اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات 1981، حاصل على بكالوريوس الطب، ويوصف بأنه مفكر الجماعة الاسلامية ومنظرها وقد شارك في سلسلة تصحيح المفاهيم التي وصلت لعشرين كتابا وبدأت باربعة كتب عام 2002.
كما شارك مع الشيخ اسامة حافظ – من القيادات التاريخية للجماعة - في كتاب نهر الذكريات وكتب مقدمته، ويتناول زيارات القيادات التاريخية للجماعة الاسلامية للسجون المصرية المختلفة للقاء أعضائها في جولات استغرقت تسعة شهور لعرض المراجعات وتصحيح المفاهيم.
المصدر: العربية
إضافة تعليق جديد