نتنياهو يريد تحقيقاً دولياً في السفينة
لم تخف إسرائيل منذ اللحظة الأولى نيتها تحويل سفينة «فرانكوب» إلى صاروخ موجه ضد تقرير المحقق الدولي ريتشارد غولدستون، وبلغ الأمر برئيس حكومتها بنيامين نتنياهو، مطالبة العالم باعتبار عملية نقل الاسلحة المزعومة من ايران الى حزب الله «جريمة حرب»، مطالباً بتشكيل لجنة تحقيق دولية بشأنها. ولكن ما حاولت إسرائيل إخفاءه، هو أنها باتت جزءاً من كارتل أمني دولي، يمنحها «تفويضاً» بإعلان أن البحر المتوسط او على الاقل نصفه الشرقي مياه إسرائيلية خاصة، وليس مياها دولية، وهو ما بدا واضحاً بشكل خاص في الصمت الدولي عن القرصنة الإسرائيلية المكشوفة.
وقد تم الإعلان في إسرائيل عن أن القرار باعتراض السفينة، اتخذ خارج نطاق المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية. وتم حصر القرار على الصعيد الوزاري بنتنياهو ووزير الدفاع إيهود باراك. وجرت الإشارة إلى أن نتنياهو «أبلغ» الأميركيين والأوروبيين بأمر السفينة، قبل سيطرة القوات الإسرائيلية عليها. ومن الواضح أن هذا التنسيق المسبق كان من بين أسباب عدم صدور أي صوت مندد او على الاقل محذر من مخاطر العملية الإسرائيلية على الملاحة البحرية في المتوسط من جانب الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي، خصوصاً أن الجانبين ينشران أساطيلهما في المنطقة اما لمناورات مشتركة مع البحرية الاسرائيلية، واما لتخفيف اعباء المراقبة عنها.
وأفادت إسرائيل التي احتجت رسميا لدى الأمم المتحدة، من الصمت الدولي. فغيّرت بسرعة روايتها عن العملية، من الرواية الأولى التي تحدثت عن «اشتباه» دورية اعتيادية في سفينة تجارية والصعود إليها برضا القبطان، بل وتعاونه في الدخول إلى ميناء اسدود طوعاً. وعادت لتعلن أن شحنة السلاح التي ضبطت على ظهر السفينة، كانت تخضع لرقابة منذ أسابيع، وأن كميناً نصب لها في عرض البحر بعد خروجها من ميناء دمياط المصري. وجرى الحديث عن بطولة قوات الكوماندوس البحري «شييطت 13» التي أنجزت «مأثرة» لسلاح البحرية الإسرائيلية استناداً إلى معلومات استخباراتية. بل أن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي غابي اشكنازي، وجّه رسائل تقدير، ليس فقط الى سلاح البحرية، وإنما كذلك الى جهاز الموساد، في إشارة مهمة إلى الجهة التي تنظم العلاقات الأمنية مع الدول الأخرى.
وخلافاً لمحاولات إسرائيلية سابقة لاستغلال عمليات عسكرية، تجندت المؤسسة السياسية والعسكرية أمس للاستفادة من الأمر. وعقد رئيس الحكومة ووزير الدفاع إيهود باراك ورئيس الأركان ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية عاموس يادلين وقائد سلاح البحرية اليعزر ماروم، مؤتمراً صحافياً مشتركاً في مقر وزارة الدفاع في تل أبيب. واستهل نتنياهو كلامه بامتداح «وزير الدفاع، رئيس الأركان، قائد سلاح البحرية، رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، أذرعة الأمن والاستخبارات المختلفة في دولة إسرائيل، خصوصاً الموساد».
وقال إنه كانت على ظهر السفينة «كمية سلاح هائلة» وإن «هذا السلاح مرسل من النظام الإيراني من ميناء بندر عباس، إلى سوريا، حيث يفترض أن ينقل من هناك إلى حزب الله. والمقوم الأساس في هذه الشحنة، هي صواريخ هدفها الوحيد المساس بالمدنيين وقتل أكبر عدد منهم».
وقرّر نتنياهو أن ارسال سفينة السلاح، هو «جريمة حرب». وقال إن «هذه جريمة حرب كان ينبغي للجمعية العمومية للأمم المتحدة المنعقدة أن تحقق فيها وأن تبحثها وأن تدينها». واضاف أنه «كان على مجلس الأمن الدولي أن يعقد جلسة خاصة لمناقشة جريمة الحرب هذه، فالأمر هنا ينطوي على انتهاكات فظة لقرارات مجلس الأمن. ولكن بدلاً من ذلك اختاروا أن يجتمعوا ليدينوا الجيش ودولة إسرائيل، وأن يحاولوا ضعضعة حقنا المشروع في الدفاع عن النفس».
ولم يخف نتنياهو الربط بين ضبط السفينة وتقرير غولدستون، فقال ان تداول الأمم المتحدة في تقرير غولدستون «لن يردعنا أو يمنعنا عن مواصلة العمل للدفاع عن مواطني إسرائيل. وأعتقد أن الوقت حان لأن تقر الأسرة الدولية، أو على الأقل الدول المسؤولة بينها، بالحقيقة ولا تسمح بدعم الأكاذيب». وشدّد على أن «مواطني إسرائيل يعرفون الحقيقة، وهي أن الجيش الإسرائيلي هو جيش أخلاقي ليس هناك جيش أكثر أخلاقية منه، ونحن نعرف أن من يحول بين مجرمي الحرب أو جرائم الحرب الموجّهة ضد مواطني إسرائيل، هو الجيش وأذرع إسرائيل الأمنية».
واعتبر يادلين أن تهريب السلاح في السفينة «مجرد نموذج واحد لأذرع الأخطبوط الإيراني. هناك الكثير من رجال الإرهاب الذين يتلقون التدريب في إيران. هناك عمليات تهريب في الجو، والبحر، والبر». وكشف يادلين النقاب عن أن السفينة لم تكن تحمل أسلحة فقط، بل حملت أيضاً أموالاً لتمويل العمليات الإرهابية.
وكان وزير الخارجية الإسرائيلية أفيغدور ليبرمان قد أمر بدعوة كل السفراء المعتمدين في إسرائيل والملحقين العسكريين لمشاهدة شحنة الأسلحة وتسلم تقارير وافية عنها. وقال إن هذه الشحنة «أكثر من دليل دامغ» على الجريمة الإيرانية في أفغانستان وباكستان وفي غزة وجنوب لبنان.
وفي محاولة إسرائيلية للربط بين محتويات السفينة و«حزب الله»، عرض المتحدث العسكري على الصحافيين صوراً لصاروخ أطلق على إسرائيل الأسبوع الماضي من الجنوب اللبناني من عيار 107 ملمتر، وقال إن صواريخ مثله وجدت على ظهر «فرانكوب». وتابع ان ما تم ضبطه هو 2000 صاروخ 107 ملمتر و600 صاروخ «غراد» و8400 قذيفة و3000 قذيفة مدفعية و20 ألف قنبلة يدوية وحوالى نصف مليون طلقة بندقية كلاشينكوف. وقال إن هناك كتابات بالروسية والصينية على قسم من صناديق الأسلحة ويجري التأكد من زمن إنتاجها. وأفرجت إسرائيل عن السفينة وطاقمها بعدما «تأكد» لها أنه لا ضلع لهم بعمــلية تهريـب الأسلحة.
ورغم الضجة الإعلامية الكبيرة التي حاولت إسرائيل إثارتها على الصعيد العالمي، إلا أن الصدى كان محدوداً لدرجة أشعرت المسؤولين الإسرائيليين بخيبة الأمل. فالعناوين الكبيرة في الصحف الإسرائيلية لم تغط على الاهتمام العالمي بتقرير غولدستون. ولعل هذا كان وراء محاولة استخدام المدفعية الثقيلة بعقد مؤتمر صحافي موسع بحضور نتنياهو وتوجيه اتهامات كبيرة لإيران ولـ «حزب الله».
وفي دمشق، قال مصدر مطلع في وزارة الخارجية السورية «ان هدف إسرائيل من هذه العملية حرف أنظار العالم وتحويلها عن النقاش الدائر بشأن تقرير غولدستون.
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد