هل تحدث روسيا تغييرا في سوريه؟
الجمل ـ *فيكتور ميخين ـ ترجمة رنده القاسم:
حالما بدأت القوات الجوية الروسية قصف الإرهابيين في سوريه، تم شن حملة متزامنة تماما و مدروسة في الإعلام الغربي ضد روسيا. و في هذه الصرخات العالية و المتحدة المنادية بوقف قصف "ممتلكات أميركية قيمة في المنطقة" يمكن للمرء تقفي أثر الأهداف الحقيقية لواشنطن و حلفائها، فمن الواضح أن الغاية الأساسية إظهار روسيا كوحش معتد ، من أجل أن تغدو في المستقبل عدو أميركا رقم واحد عوضا عن الإرهاب.
و بسرعة استشعر "الخبراء" المنحازون الهزيمة الروسية الوشيكة، متنبئين أن سوريه ستكون "أفغانستان الجديدة" لروسيا، ولكن لأسباب معينة يستمرون بنسيان "فيتنام الأميركية" . و على سبيل المثال قال خبراء الشؤون الروسية في "Voice of America" أن الضربات الجوية الروسية يمكن أن تكون بمثابة محفز للجهاد العالمي، لأن الجهاديين سيستغلون أعمال موسكو في سوريه لتجنيد مقاتلين جدد. و يمكن فقط ملاحظة أن الجهاديين ذاتهم، رغم افتراض تعرضهم لقصف الائتلاف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، فإنهم لأسباب معينة لم يعلنوا الجهاد ضد الأخيرة. و من الواضح أن الجواب يكمن في حقيقة أن كل هؤلاء الإرهابيين يتلقون أموالا أميركية.
و أطلق العنان للصحف الشعبية الغربية لشجب روسيا بادعاءات كاذبة مفادها أن سلاحها الجوي يقصف أحياء سكنية و مدنيين. و وسط هذه الكآبة تمكنوا من تعيين "شهود عيان" قادرين على رواية قصص استثنائية عن الطائرات الروسية و الطيارين الروس المحلقين على ارتفاع خمسة آلاف متر. كل هذه الادعاءات الكاذبة ترافقت مع صور خفية عن بيوت مدمرة و مدنيين سوريين قتلى. و لكن، ما من أحد قادر على إثبات أن هذه الصور قد التقطت في سورية، أو في مكان محدد فيها. و من اللافت للنظر أن كل هذه القصص الملفقة أطلقت قبل وقت طويل من قيام أول طائرة روسية بقصف مواقع لداعش. و قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في لقاء مجلس المجتمع المدني و حقوق الإنسان: " بالنسبة لمعلومات وسائل الإعلام حول إصابة مدنيين، نحن مستعدون لهذه الهجمات الإعلامية و نود لفت انتباهكم إلى حقيقة أن أول معلومات حول الإصابات بين المدنيين قد نشرت قبل إقلاع طائراتنا".
و من الجدير ذكره أن وزارة الدفاع الروسية أظهرت قدرتها على إدارة حملة إعلامية بارعة و شفافة لإخبار العالم عن نشاطاتها. فعلى سبيل المثال، أطلقت الوزارة لقطات واضحة عن الضربات الجوية ضد مواقع الميليشيات ( و هو الأمر الذي لم نره في حال الضربات الأميركية و الفرنسية و السعودية ضد الإرهابيين). أحد مقاطع الفيديو يظهر ضرب معسكرات الإرهابيين إلى جانب مركز لقيادة داعش بمقاتلة سوخوي 34. و ذكرت التقارير أن طائرات سوخوي 34س، و سوخوي 24 م س، و سوخوي 25 س قامت بثماني عشرة غارة و دمرت اثني عشر هدفا للدولة الإسلامية. و القسم الأفضل من القصة ، أن عشرة منها كانت في الليل. و نتيجة لذلك دمر مركز قيادة تابع لداعش و مركز اتصالات في منطقة دار تعزه (في حلب) إضافة إلى مخازن أسلحة و وقود في منطقة معرة النعمان. و كل هذه الأضرار كانت خلال أربع و عشرين ساعة.
و بنفس الفاصل الزمني شن الائتلاف الدولي "الجبار" بقيادة الولايات المتحدة هجوما وحيدا بطائرة بلا ربان، و الذي أسفر، حسب قول القيادة المركزية للولايات المتحدة، عن "ضرر واسع للإرهابيين" ، و في الواقع تم تدمير حفارتين ميكانيكيتين . و يبدو أن سفير سوريه في موسكو،رياض حداد، كان محقا حين صرح أنه منذ تأسيس ائتلاف الولايات المتحدة ضد الدولة الإسلامية، لم يحدث شيء سوى توسع المنطقة الواقعة تحت سيطرة الإرهابيين في سورية . و كما ذكر وزير الخارجية السوري وليد المعلم، تظاهر ائتلاف الولايات المتحدة بمحاربة داعش ، الأمر الذي لم يحقق أية نتيجة تذكر بعد تسعة آلاف ضربة جوية في سوريه و العراق. و بالمقابل، قال وزير الخارجية الروسي سيرجيه لافروف أن موسكو تملك معلومات تشير إلى أن الولايات المتحدة مدركة تماما لمواقع إرهابيي الدولة الإسلامية، و لكنها تحجم عن ضربهم. و في شرحه لموقف روسيا قال لافروف: "حسب ما أفهم، فان الائتلاف أعلن داعش و مجموعات أخرى مرتبطة بها كعدو و الائتلاف قام بنفس ما قامت به روسيا. و بطريقة ما يحاول البعض تقديم عمل الائتلاف على أنه يؤدي إلى الاستقرار السياسي ، بينما تعتبر محاربة روسيا لنفس الأشخاص دفاعا عن النظام.أنه أمر غير منصف على الإطلاق"..
الحملة ضد روسيا التي أطلق لها العنان في وسائل الإعلام الغربية أوضحت حقيقة أن لا الولايات المتحدة و لا حلفاؤها كانوا يخططون لمحاربة الإرهاب الدولي في سوريه. و لكن هذه الحقيقة غير مثيرة للدهشة ، لأن كل تلك المنظمات مثل القاعدة و داعش و جبهة النصره خلقت على يد الغرب و حلفائه لإسقاط حكومات عربية شرعية بما فيها تلك التي في سوريه. و في هذا السياق، يمكن للمرء إلقاء نظرة على صحف مثل New York Times و Wall Street Journal و التي أكدت علنا حقيقة أن الطيران الروسي هاجم من بين الذين هاجمهم "قوات معتدلة" دربت على يد خبراء أميركيين في السي آي ايه. و بهذا ، فان روسيا تدمر "ممتلكات حية" تُدرب و تُسلح من أموال يوفرها دافعو الضرائب الأميركيين. و هذه الادعاءات تكشف أن الولايات المتحدة كانت تشن نوعا من الحرب الهجينة ضد الرئيس بشار الأسد و حكومته، بينما تستخدم وسائل شبه شرعية أو غير شرعية على الإطلاق من أجل التخلص منه.
الصحفي جون سوبيل من ال بي بي سي ذهب أبعد من البقية باعترافه بمستوى تورط الولايات المتحدة في سوريه حين سأل : "ماذا لو بدأ الروس بضرب مجموعات متمردة مدعومة و مسلحة من الولايات المتحدة؟ هذا لن ينتهي بشكل جيد. و من يدري كم عدد القوات الخاصة الأميركية التي تقوم على الأرض بمساعدة المجموعات المتمردة؟ ماذا لو وجدوا أنفسهم تحت النيران ، هل سيطلبون أقرب دعم جوي أميركي لإبعاد مهاجميهم الروس؟ " و بهذه المناسبة، اتفق وزير الخارجية الأميركي جون كيري و نظيره الروسي لافروف على تنسيق عمل المسؤولين العسكريين الأميركيين و الروسي في سوريه.
و كل هذا مرده إلى نقاش البنتاغون حول إمكانية استخدام قوة عسكرية لحماية إرهابييها و ذلك وفقا ل Associated Press . و تحت شرط عدم ذكر أسمائهم قال بعض المسؤولين الأميركيين أن وزارة الدفاع الأميركية تعمل على تقييم المخاطر السياسية و القانونية الكامنة في القتال لأجل "القوات المعتدلة" التي دربتها.
ربما يجب الاستماع لرأي عضو الكونغرس الجمهوري دانا روهراباشير إذ قال بأن الإرهابيين الإسلاميين شنوا هجمات ضد كل من الولايات المتحدة و روسيا، و بهذا يعلنون الحرب على العالم المتحضر العصري. هذا العضو من مجلس النواب الأميركيين مقتنع أن أعمالهم الوحشية و جرائهم في سورية تثبت أمرا واحدا و هو أنه يجب تدميرهم...و يبدو أن الخبراء الدوليين، على الأقل أولئك الذين لا يتلقون أموالا من واشنطن، يتفقون على أن الولايات المتحدة غير قادرة على شن حرب ضد الإسلاميين بمفردها، لذلك يجب الترحيب بأي مساعدة ممكنه من قبل روسيا.
هذا الموقف تؤكده الحقيقة التاليه، و هي أن الضربات التي شنها الطيارون الروس ضد مراكز القيادة و مخازن الأسلحة التي تعود للإرهابيين لم تقوض قدرات داعش القتالية فحسب، بل أيضا إيمانهم بالنجاح في مشروعهم كله. و كما ذكرت وسائل الإعلام العربية، فان هؤلاء المقاتلين بدأوا ترحيل عائلاتهم التي في سوريه إلى العراق المجاور. و في ضواحي الرقة شوهد رتل من سيارات تحمل هؤلاء "اللاجئين" تحت حماية كثيفة من إرهابيين مسلحين و تتجه نحو الحدود. و وفقا لمصادر استخبارات سوريه، فان أعمال روسيا في هذه العملية المضادة للإرهاب كان لها تأثير صادم على القيادة العسكرية للدولة الإسلامية،بعد أن فشلت ضربات الائتلاف الأميركي بإيقاع أي ضرر جدي.
إن الحملات الإعلامية الوقحة و الباطلة ضد روسيا تلقي الضوء على حقيقة أن الغرب ينوي إلقاء المسؤولية عن الموت الجماعي لسكان مدنيين في عدد من دول الشرق الأوسط على كاهل أي لاعب دولي آخر. و مع ذلك، فان الهجوم الأخير على المشفى في مدينة كوندوز الأفغانية أسفر عن موت تسعة عشر شخصا على الأقل, و صرحت المنظمة الإنسانية "أطباء بلا حدود" ، و التي كانت تدير المشفى، أن هذا الهجوم انتهاك خطير للقانون الإنساني" . و كانت منظمة أطباء بلا حدود قد طالبت بتحقيق مستقل حول هذه المأساة.و في وقت سابق، صرح مسؤولون في الناتو بأن الضربات الجوية الأميركية ربما سببت أضرارا مصاحبة في مرافق طبية محلية" . و الذي يجعل الوضع غريبا أنه خلال الشهر الماضي زودت هذه المنظمة الإنسانية مسؤولي الناتو بمواقع أبنيتها، و مع ذلك استمر القصف لأكثر من ساعة حتى بعد أن أخبر المسؤولون الأميركيون أن قواتهم تضرب الهدف الخطأ .
من الواضح أن الحملة الإعلامية ضد روسيا لن تشن فقط بل ستتوسع أيضا، مع استمرار البروبوغندا الأميركية و خدمها باستخدام طرق مخادعة و خبيثة من أجل تضليل الناس. واشنطن لا تريد خسارة موقع "قائد العالم"، لذا ستستخدم استراتيجيات ذات نطاق واسع لوضع العقبات في طريق روسيا الساعية لاستقرار الشرق الأوسط، فإذا نجح مسعاها سيتمكن اللاجئون من العودة إلى أوطانهم
*صحفي روسي و عضو مراسل في أكاديمية العلوم الطبيعية .
عن مجلة New Eastern Outlook الالكترونية
الجمل
إضافة تعليق جديد