واشنطن تعيد إنتاج النموذج العراقي في سورية
الجمل - تيد رول- ترجمة: د. مالك سلمان:
يبدو أن "أنموذج الورطة" يعمل بنفس الطريقة دائماً.
هناك حرب أهلية في بلد قررت "سي آي إيه" أنه يتمتع بأهمية إستراتيجية (مثل: منابع الطاقة, أو القرب من منابع الطاقة, أو خط محتمل لأنابيب نقل الطاقة).
وخلال هذه المرحلية الأولية, هناك دكتاتورية اشتراكية علمانية تحارب المتمردين المسلحين الإسلامويين الذين يريدون تأسيس حكم أوتوقراطي إسلاموي. وبهدف بناء الدعم الشعبي – أو التسامح المتكاسل على الأقل – يتم تصوير النزاع من قبل الإعلام على أنه صراع بين جلادين مستبدين ومظلومين محبين للحرية.
يجب على الولايات المتحدة أن تتدخل !
إن لم نتدخل نحن, فمن سيتدخل ؟
الإجابات البديلة على هذا السؤال – الاتحاد الأوروبي, الاتحاد الأفريقي, الأمم المتحدة, أو لا أحد على الإطلاق – بالإضافة إلى السؤال: ماذا عن حق تقرير المصير؟ يتم تجاهلها تماماً. وكأن أحداً لم ينطق بكلمة.
يختار البنتاغون أحد الفصائل المتمردة ليقدم له الدعم, وغالباً ما يكون الفصيل الأكثر تطرفاً (لأنهم المقاتلون الأكثر تعصباً), ويرسل إليه الأموال والأسلحة والمدربين.
وينجح المشروع. ويسقط النظام. واو !
ثم تلي ذلك حرب أهلية. ما كتير واو !
وفي هذه المرحلة الثانية يهيمن المتعصبون الدينيون الأكثر جنوناً. هذا لأنهم متطرفون ومسلحون ومدربون جيداً (من قبل الولايات المتحدة). ونتيجة معاناتهم من عقدة ذنب الشاري/الداعم, فقد غيرَ صناع السياسة الأمريكية مواقفهم. فبعد أن دارت 180 درجة, تقرر الولايات المتحدة الآن أن تدعمَ الفصيلَ الأكثر اعتدالاً (لأنهم الأكثر عقلانية/الأكثر اهتماماً بالبزنس) من بين فصائل المعارضة السابقة.
ثم تبدأ الورطة.
المشكلة بالنسبة إلى واشنطن هي أن المتطرفين لا يزالون متعصبين, وهم المقاتلون الأفضل. ومع غياب التدخل الخارجي سوف يفوزون. ولذلك فإن الولايات المتحدة تقدم مساعدات أكبر لحلفائهم الأكثر اعتدالاً. أسلحة أكثر. أسلحة أكبر. أموال أكثر. دعم جوي. مدربون. قوات برية. كل ما هو ضروري للحصول على "سلام مشرف". وتنصيب نظام معتدل قبل الانسحاب.
إن كان بمقدورهم الانسحاب.
ولكن لاحظوا أن المعتدلين لم يتمتعوا في أي وقت من الأوقات بدعم معظم شعب بلادهم. فلم ينالوا أوسمتهم من حربهم ضد النظام السابق. فبسبب المساعدة الأمريكية, لم يتمكنوا من المواجهة العسكرية. ولذلك فهم ضعفاء. وتنصيبهم في السلطة ليس كافياً. فسوف ينهارون في حال غادرت الولايات المتحدة.
هل وقعت الولايات المتحدة في المصيدة الآن؟
التمرد المسلح المتطرف المصر على القتال يؤهب القوات الأمريكية. فكلما حاول الأمريكيون تذليل العقبات, كلما كبرت وأصبحت أكثر تعقيداً (لأن القوة المفرطة من قبل الغزاة تؤدي إلى تطرف المعتدلين, الوطنيين, الواقفين على الحياد). وفوق ذلك, فإن حلفاءهم الدُمى عبارة عن شوكة في الحلق. فبدلاً من الشعور بالامتنان, تنزعج هذه الأدوات من تسليح الولايات المتحدة لأعدائها أثناء الانتفاضة الأصلية ضد الدكتاتورية المنهارة. فالعلاقة بين الدمية والسيد علاقة تتميز, بطبيعتها, بانعدام الثقة.
بدأً بتسليح إدارتي كارتر وريغان للمجاهدين المناوئين للسوفييت في أفغانستان خلال الثمانينيات من القرن الماضي, ومروراً اليوم بحميد كرزاي العاجز, يبين "نموذج الورطة" كيف تكشفَ التدخل الأمريكي في أفغانستان.
لكنهم لا يقولون ذلك للناخب الأمريكي. لكنهم لا ينفكون يقولون لهم إن الإهمال – كنقيض للانعزالية – هو المشكلة. "إن العامل الحاسم في نهوض الطالبان والقاعدة تجلى في حقيقة أن الولايات المتحدة والمجتمع الدولي قد أداروا ظهورهم وتركوا الأمر لباكستان وعناصر أخرى أكثر تطرفاً لتحديد مستقبل أفغانستان في التسعينيات من القرن الماضي," كما يزعم جيمز دوبنز, المبعوث الأمريكي السابق إلى أفغانستان والبوسنة وكوسوفو في تفسير تقليدي يعكس منطق "سرد التخلي".
يتجلى المضمون المنطقي, طبعاً, في الفكرة القائلة إنه ما كان على الولايات المتحدة – آسف, "المجتمع الدولي" – أن تتخلى عن أفغانستان في بداية التسعينيات من القرن الماضي. كان يجب علينا أن نبقى هناك بشكل دائم. المشكلة في هذا الرأي هي أننا هناك منذ 12 سنة متواصلة, دون أن ننجز أي شيء. (كما أنه يتجاهل التاريخ. فقد تورطت الولايات المتحدة في الحرب الأهلية الأفغانية 1996 – 2001. وقد ساعدت الطرفين: الأسلحة لحلف شمال الأطلسي, وملايين الدولارات لطالبان.)
إن "سرد التخلي" مجرد خراء – لكنه يتمتع بدعم وسائل الإعلام.
نجح "نموذج الورطة" في أفغانستان. وفي العراق. ومن ثم في ليبيا, حيث تجلس حكومة مركزية ضعيفة تدعمها إدارة أوباما على يديها مع انخراط الميليشيات الإسلاموية في الإبادة الجماعية والتطهير العرقي.
والآن يتبدى "نموذج الورطة" مرة أخرى, هذه المرة في سوريا. فعندما بدأت الانتفاضة ضد حكومة بشار الأسد الاشتراكية العلمانية منذ سنتين, سارعت الولايات المتحدة إلى تقديم الأموال والمدربين وشحنات الأسلحة بطريقة غير مباشرة. تلقى الجهاديون معظم المساعدات. والآن يؤيد أشخاص من أمثال دوبنز نقل الأسلحة من مخازن أسلحة البنتاغون إلى المعارضة السورية. كما أن أوباما يفكر في تلفيق اتهامات بأن قوات الأسد قد استخدمت أسلحة كيماوية – وهنا نستعيد قصة أسلحة الدمار الشامل مرة أخرى ! – كذريعة لغزو سوريا بواسطة القوات البرية.
يعترف دوبنز أن هناك "مخاطر جيوسياسية", بما في ذلك الحرب الأمريكية الكبرى المحتملة في المستقبل ضد إيران. ومع ذلك يريد تسليح المتمردين السوريين, بمن فيهم عناصر القاعدة الذين يعملون في صفوفهم.
وقد تحدث عن "احتمال ألا ينجح هذا التدخل ويبدو وكأنه فشل."
"احتمال"؟ لم ينجح هذا النوع من التدخل أبداً.
لماذا, إذاً, يصر على إعطاء السلاح لأشخاص من المحتمل أن يوجهوه نحو الجنود الأمريكيين في نهاية المطاف؟
"أعتقد أن نتائج عدم التدخل ومخاطر عدم التدخل أكبر بكثير."
بكلمات أخرى: نفعل ما نفعله لأن هذا ما نفعله.
هكذا يعمل "أنموذج الورطة".
العنوان الأصلي: "أنموذج الورطة"
تُرجم عن: ("ذ سميركينغ تشيمب", 21 آذار/مارس 2013)
الجمل: قسم الترجمة
إضافة تعليق جديد