جامعة الدول العربية في طور الزوال
تعتبر جامعة الدول العربية من أهم المنظمات الإقليمية وأقدمها. وتجاوبت فكرة إنشائها مع رغبات الشعوب العربية، وارتبطت بحقيقة التلاحم الطبيعي والعضوي الذي يجب ان يقوم بين دول تعيش في وطن مشترك، وتنتمي إلى قومية واحدة، وتتحدث لغة واحدة، وتملك تراثاً وتاريخاً وتطلعات مشتركة، وتواجه مصيراً واحداً.
أقيمت جامعة الدول العربية على أساس ما عرف «ببروتوكول الاسكندرية» الذي تضمن الأسس التي تقرر ان تقوم عليها الجامعة. وقد خشي القادة العرب من خيبة أمل الشعوب العربية، التي كانت تحلم بالوحدة، لدى اطلاعها على ذلك المشروع الهزيل الذي تمخض عنه اجتماع الاسكندرية، فأعلنوا ان المشروع المقترح ليس سوى خطوة أولى في طريق الوحدة العربية، ستعقبها خطوات أشمل وأهم (لم يحدث ذلك على الإطلاق).
إن المادة الوحيدة الواضحة في ميثاق جامعة الدول العربية هي تلك المتعلقة بالعضوية. وقد واجهت الجامعة في العقدين الأولين من عمرها، صعوبات وخلافات حول هذا الأمر. ولكنها اضطرت في النهاية إلى الأخذ بتعريف بحق كل دولة عربية مستقلة في الانضام إلى الجامعة. كما يعترف في الوقت ذاته بحق المجلس في قبول طلب الدولة او رفضه، على ان تنحصر صلاحياته في التحقق من توافر شرطين فقط في الدولة المرشحة للعضوية هما الاستقلال الحقيقي، والعروبة عقيدة ونظاماً.
يمكن تلخيص الاهداف التي نص عليها ميثاق جامعة الدول العربية بما يلي: (1) صيانة استقلال الدول العربية من الأطماع الاستعمارية. (2) المحافظة على الأمن القومي العربي بمنع الحروب بين الدول العربية. (3) تحقيق التعاون بين الدول العربية وتنسيق خططها في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتوثيق الصلات والتعاون بينها في الشؤون المالية والمواصلات وشؤون الجنسية وتنفيذ الأحكام وتسليم المجرمين. كما شملت الأهداف أيضاً عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الاعضاء. وهذا المبدأ يلزم كل دولة عضو باحترام أنظمة الحكم القائمة في هذه الدول والتعهد بعدم القيام بأي عمل يرمي إلى تغيير تلك الأنظمة. وتسوية المنازعات بالطرق السلمية وعدم اللجوء إلى استعمال القوة.
ونص ميثاق جامعة الدول العربية، على انه لا يجوز في أية حال اتباع سياسة خارجية تضر بسياسة الجامعة او أي دولة منها. ولكن ذلك لم يحترم فقامت بعض دول الجامعة، بعقد معاهدات خارجية أضرت بالجامعة ودولها ومبادئها. وفي هذا المجال لا بد من مراجعة سياسة الجامعة قبيل الاحتلال الأميركي للعراق وبعده والطلب الأخير لمجلس الجامعة من مجلس الأمن فرض حظر جوي على ليبيا وتفويض أميركا ودول الاستعمار الأوروبي توجيه ضربات جوية إلى أهداف مدنية وعسكرية فيها.. فأين ميثاق الجامعة من كل ذلك؟
اتسم عمل الجامعة في مجال فض النزاعات بالتردد والتلكؤ. كما استعصت على الجامعة منازعات عديدة وجدت حلاً لها في الخارج. وتدخلت الجامعة لتسوية منازعات وحروب أهلية، ولكن التوفيق لم يحالفها ولو مرة. وترافق عجز الجامعة عن تسوية المنازعات بين أعضائها مع عجزها عن رد العدوان الأجنبي. فقد تعرضت دول عربية لاعتداءات وحشية فلم تحرك الجامعة ساكناً. ليس هذا فقط، بل إن أربع دول عربية شاركت في العدوان على العراق عام 2003 هي الكويت والمملكة العربية السعودية ومصر والأردن.
لا بد حين مراجعة إنجازات جامعة الدول العربية في السنوات العشر الأخيرة من التطرق إلى الفترة التي تولى فيها عمرو موسى أمانتها العامة، وتميزت بإدارته السيئة. على الرغم من تصريحاته النارية ضد اسرائيل والتي لم تقدم ولم تؤخر في مجال الصراع العربي ـ الاسرائيلي. وقد أتى عمرو موسى إلى الجامعة العربية على صهوة حصان أبيض (15 أيار عام 2001). وقد قال فيه الشاعر المصري فاروق شوشة: «يا قادماً مثل المسيح/ يعيد للجسم المسيحي روحه». وقد قررت الجامعة في بداية عهده مبدأ دورية القمة العربية سنوياً، وعُدَّ ذلك إنجازاً لا سابق له، فرضته الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي عرفت باسم انتفاضة الأقصى. ثم تبعتها أزمة العدوان الأميركي على العراق والتي لم تستطع الجامعة اتخاذ موقف واضح تجاهه من حيث تطبيق اتفاق معاهدة الدفاع العربي المشترك.
اما السقطة الأخرى فكانت العدوان الإسرائيلي على لبنان في صيف عام 2006 وما تخلله من تصرفات سيئة من بعض الدول العربية بشأن عملية اختطاف بعض جنود العدو الذي لا يمكن ان يكون سبباً لتفجير حرب شاملة، وتبع ذلك الهجوم على المقاومة في قطاع غزة وحصار أهلها الذي شارك فيه نظام حسني مبارك البائد. أما الأمر الأخير الخطير فهو الطلب من مجلس الأمن الدولي تطبيق حظر جوي والسماح للطائرات الأميركية والأطلسية بضرب أهداف في ليبيا بحجة الدفاع عن المدنيين من بطش النظام. وكان رأس الحربة في ذلك الجهد السيئ نيقولا ساركوزي بتحريض من سمسار الحروب الفيلسوف الفرنسي برنار هنري ليفي (أي فيلسوف هذا؟) الذي كرس حياته لخدمة الأهداف العدوانية الاسرائيلية. وكانت الدول الأوروبية تبحث عمن ينجدها للحصول على ذلك القرار من مجلس الأمن. ثم وجدت ذلك من مجلس جامعة الدول العربية الذي طلب من مجلس الأمن تشريع العدوان العسكري على بلد عربي. وقد تم ذلك بعد مداولات شائنة جعلت من القانون الدولي خرقة بالية وممسحة للأقدام. اما النتيجة فكانت زيادة عدد الضحايا من المدنيين وزيادة الدمار وإطالة أمد الحرب الأهلية في ليبيا. ولا ندري لماذا اختار المعارضون الليبيون القوة، مع ان الثورة الشعبية السلمية هي الطريق الأفضل والأنسب للوصول إلى الحرية والديموقراطية. وقد اعتبر عبد العزيز بلخادم الأمين العام لجبهة التحرير الجزائرية ان جامعة الدول العربية لم تعد «بيت العرب» بعد قرار مجلس الأمن المذكور.
إن الجامعة بوضعها الراهن وبميثاقها الحالي لم تعد صالحة أو مؤهلة لتحقيق أهداف الشعوب العربية. فقد تعرضت هذه المؤسسة منذ تأسيسها لسلسلة طويلة من العجز. فالأزمات والخلافات العربية لا تهدأ، وتعجز الجامعة عن وضع حلول لها. والمعارك الأهلية العربية لا تتوقف والمنازعات سجل مفتوح على كل مجهول!
سمير التنير
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد