25 عاماً على وفاة فيلمون وهبي
بدأ فيلمون وهبي حياته الفنية مغنياً، ثم انتقل سريعاً إلى التلحين من دون أن يدرس الموسيقى وقراءة النوتة، واشتهر بألحانه الشعبية منذ مطلع الخمسينات، كما عُرف كصوت كوميدي محبّب في العديد من البرامج الإذاعية. استمر في العطاء مدى أربعة عقود من الزمن، وترك إنتاجاً غزيراً ينتظر من يجمعه ويصنّفه ويؤرّخه. بعد مرور خمسة وعشرين عاماً على رحيله، نتذكّره ونحاول استكشاف محطات مشواره الطويل، من البدايات المجهولة إلى عصر الشهرة الواسعة.
في حديث يعود إلى عام 1962، استعاد فيلمون وهبي مرحلة البدايات وقال إنه ولد في كفرشيما، من ضواحي بيروت، وتلقى علومه في كلية الشويفات، وإنه كان فاشلاً في الدراسة بسبب ولعه بالموسيقى والعزف على العود، وهذا ما دفعه إلى ترك المدرسة وحمل العود إلى محطة القدس في فلسطين. حدث ذلك في عام 1937، وكان يومذاك فيلمون مغنياً يردد المواويل البغدادية والأدوار القديمة وألحان سليم الحلو. عاد المطرب الشاب إلى لبنان إثر نشوء ثورة فلسطين الأولى، ودخل "راديو لوفان"، أي إذاعة بيروت، وفيها راح ينشد من ألحان ميشال خياط ونجيب الشلفون، واستمر في الغناء أربع سنوات. ثم طار إلى يافا ليعمل في محطة "الشرق الأدنى"، وهناك بدأ بالتلحين بتشجيع من محمد الغصين وأحمد الجرار، وكان لحنه الأول "على مهلك يا مسافر"، ولحنه الثاني "حملتني فوق الألم" بصوت مطربة لبنانية تُدعى حنان، وتبعهما لحن "بابا ما دريش بي" بصوت نجاح سلام، ثم كرّت الألحان، ودخل معها فيلمون إلى جميع الإذاعات العربية.
تزوج فيلمون في تلك الحقبة من مطربة شقراء غنّت على المسارح وذاقت النجاح، وكان اسمها الفني "تغريد الصغيرة"، وهي جانيت خوري. نرى صورتها على غلاف مجلة "الإذاعة" اللبنانية في تموز 1948، ونقع على خبر من عام 1949 في المجلة نفسها يقول: "عادت من بغداد المطربة الحسناء تغريد، وزوجها الملحن السيد فيلمون وهبي بعد أن عملا في مسرح روكسي ببغداد مدة ثلاثة أشهر متواصلة، وأذاعا حفلات غنائية أسبوعية طوال هذه المدة من محطة الإذاعة العراقية، ويقول السيد وهبي إنه كثير الإعجاب بالخلق العراقي وبالفنانين العراقيين الذي تعاون منهم أثناء وجوده هناك، وأن بغداد قدّرته فنياً أكثر من أي بلد آخر، وكان يودّ البقاء في العراق لولا أن زوجته حامل، وقد رغبت في أن تضع مولودها البكر في كفرشيما مسقط رأس السيد وهبي". لا نجد أي تسجيل متداول لتغريد الصغيرة اليوم، كما أننا لا نسمع صوت فيلمون "المطرب" إلا في لوحة غنائية من اللون البدوي من تسجيلات إذاعة دمشق شارك فيها فيروز وعاصي وحنان، عنوانها "من وحي الخيام"، وهذا العمل غير مؤرخ، إلاّ أن أسلوبه الموسيقي وصوت فيروز الفتي يشيران إلى عام 1952 على الأرجح. ويبدو أن تجربة فيلمون مع الغناء انتهت في القاهرة في تلك السنة. يذكر انه سجّل أغنيات بصوته لإذاعة القاهرة كما ذكر في عام 1962، وأضاف معلّقاً بسخرية: "سجلت أغنياتي لإذاعة القاهرة، وعندما سمعها الناس لعنوني ولعنوا الذي كان سببي"، وصارت الإذاعة تدرجها "بعد أن ينام المستمعون ويشخر المذيعون".
بائع الألحان المتجول
عرف فيلمون الشهرة كملحّن في النصف الأول من الخمسينات، تشهد لهذا النجاح مقالة كتبها سليم اللوزي في أيلول 1955 يوم كان مراسلاً لمجلة "الكواكب" المصرية. تحت عنوان "فنان لبناني يبيع الألحان على قارعة الطريق"، تحدث اللوزي عن انتشار الأغاني اللبنانية في بغداد، وفي مقدمها "دخل عيونك حاكينا"، "أبجد هوز اسمع مني لا تتجوز" و"برهوم حاكينا"، ثم روى حكاية ملحّن هذه الأغاني، وقال: "قصة فيلمون وهبي من أحلى القصص. قابلته أول مرة في مدينة يافا بفلسطين عام 1944، وكنت يومها أشغل منصب المساعد العام لمدير البرامج العربية في محطة الشرق الأدنى"، "انطلق الفنان القادم من القرية، في مسارح وملاهي تل أبيب يفتح أذنيه لكل نغمة موسيقية، ثم يعود مع آخر الليل من تل أبيب إلى يافا مشيا إلى الأقدام، وهو يغني الميجانا أو العتابا أو أبو الزلف"، "وعاد فيلمون وهبي الى لبنان، واشتغل بائعا متجولا للألحان اللبنانية التي كان يصنعها، وهو يأكل رغيفاً ويضع حبّات من الزيتون، في قريته القائمة على كتف الرابية التي تطل على بيروت. وكان يشعر أن الاغنيات التي يصنعها هي ألحان بازارية، اي شوية أنغام مصرية مخلوطة بشوية أنغام لبنانية ومثلها أنغام عراقية، إلى أن حدث ذات يوم أن ذهب فيلمون وهبي إلى مبنى دار البريد والبرق في بيروت ليسأل اذا كان هناك باسمه حوالة أو رسالة أو خبر يهدّي به معدته ومعدة أمه الصابرة في القرية. وهناك على أرض مبنى البريد وجد قصاصة من ورق الجرائد طُبع عليها قصيدة زجلية مطلعها: "على نار قلبي ناطر المكتوب". وكانت هذه الأغنية أول حجر في مجد فيلمون وهبي الذي أصبح اليوم، خلال الخمس سنوات الأخيرة، ناطحة سحاب. وقامت منافسة فنية واسعة بين صنّاع الألحان اللبنانية، كالأساتذة نقولا المني وسامي الصيداوي ووديع الصافي، وكان فيلمون بطل المعركة، فقد انتشرت ألحانه كما تنتشر بقع الزيت فوق الأمواج. كان يضع اللحن، ويعطيه لقاء دعوة متواضعة إلى الغداء، وفي آخر الليل، يذهب إلى الملاهي ليسمع إلى ألحانه وهو واقف على الباب لأنه ليس في جيبه ثمن لكأس من الويسكي".
يؤكد سليم اللوزي أن شهرة فيلمون بدأت مع "على نار قلبي ناطر المكتوب"، أغنية لنجاح سلام، تسجيلها لا يزال موجودا، وهي من الألحان العديدة التي أدّتها المطربة الشابة للملحّن الشعبي، وأشهرها تلك التي سجّلتها في مصر عام 1952، وهي "برهوم حاكيني"، "الشاب الأسمر حيّرني" و"مين قلّك حب". يتذكر الملحّن في عام 1962: "لاقت أغنيتي "برهوم" نجاحا منقطع النظير، فقد رددها عشرون مليون مصري بعد إذاعتها الأولى على مسرح التحرير، وطار صيت منشدتها نجاح سلام كما تضخم صيت محسوبكم فيلمون". استمر التعاون مع نجاح سلام بعد زواجها من محمد سلمان، لكننا لا نملك جدولاً مصنّفاً بتلك الأعمال. في الخمسينات، غنّت نجاح من ألحان فيلمون "طل علينا"، "قالولي عاشق وديبلوماسي"، "يا ألله شو اشتقتلك"، وسجلت في "ستوديو بعلبك" من كلمات عبد الجليل وهبي "ظريف الطول"، "الشختورة" و"ودّيلو سلامي"، ومن كلمات مارون نصر "يا تسلملي ما أحلاك"، ونقع في أرشيف الإذاعة المصرية على أغنية وطنية عروبية من زمن الوحدة كتبها محمد سلمان، عنوانها "أنشودة النصر". كذلك غنّى محمد سلمان من ألحان فيلمون مجموعة من الأغاني، منها مجموعة سجلت في "ستوديو بعلبك"، وفيها من كلمات عبد الجليل وهبي "دربك دربك دربكة"، "ترمرتين"، "يا أرض إشتدي"، ومن كلمات ميشال طعمة "على همي" و"قوليلي إنتي". وكما اشتهرت نجاح سلام بـ"على نار قلبي ناطر المكتوب"، اشتهرت صباح بـ"دخل عيونك حاكينا" من كلمات عبد الجليل وهبي، وهي مطبوعة على اسطوانة قديمة تعود إلى عام 1950. ارتبطت الشحرورة بفيلمون منذ تلك المرحلة المبكرة، وسجلت من ألحانه العديد من الأغاني، بعضها طُبع على اسطوانات باتت اليوم مفقودة، ومنها "هيّب يلّي بحبّو هيّب" التي صدرت عام 1952، من كلمات مارون نصر، ثم "وز عينك" و"فزعاني قلبي أعطيك"، و"كيف الصحة" من كلمات أسعد سابا، و"عالطاير عالطاير" من تأليف يوسف صالح. كذلك، سجلت صباح من كلمات مارون نصر "فنجان قهوة وسيكارة"، وأغاني أخرى أصدرتها شركة "صوت الشرق" في طبعات عدة، منها "هالقد بحبّك هالقد"، "طيّب طيّب"، "خبّي عيونك خبّيها" و"مقدّر من الله ومكتوب". تواصلت هذه الشراكة مع "عالعصفورية" التي كتب كلماتها عبد الجليل وهبي. حملت الشحرورة ألحان فيلمون معها إلى القاهرة، وغنّت في نهاية الخمسينات من كلمات يوسف صالح "يسلمولي حبابنا" في فيلم "العتبة الخضراء".
الصوت الكوميدي
لم يقتصر نشاط فيلمون على التلحين. ويمكن القول إن شهرته كملحّن لا تقل عن شهرته كصوت كوميدي محبّب في اسكتشات إذاعية عديدة تنتظر من يصنّفها. في حديث يعود إلى نهاية الثمانينات، يذكر فيلمون وهبي أن أول عمل أعدّه لفيروز في الإذاعة اللبنانية كان اسكتش "زيت وزيتون" في الإذاعة اللبنانية، "نال إعجاب المستمعين"، وأنه قدّم اسكتشات عديدة في بداية انطلاقة فيروز، وفيها كانت تقوم بدور "فهيمة" التي يصطاد لها هو العصافير، وأحيانا بدور "وردة". لا نجد أثراً اليوم لاسكتش "زيت الزيتون"، لكنا نقع على اسكتش قروي مسجّل باسم فيلمون عنوانه "بابا نويل"، تشارك فيه فيروز مشاركة متواضعة، فتغنّي في مقدمته وفي ختامه: "يا ميت هلا يا ميت هلا، هلا، الماشي عيّد وانشرح، باب الهنا بوجّو انفتح، وقلبنا غنّى الفرح، بالهمّ ما عاد ابتلى". تمثل فيروز دور "دموازيل فهيمة" في اسكتش مدته نصف ساعة يُعرَف باسم "بارود اهربوا"، ويقتصر الغناء فيه على جمل معدودة للغاية، وهو واحد من سلسلة اسكتشات "بو فارس وسبع ومخول" التي اشتهرت في الخمسينات.
يذكر منصور الرحباني في كتاب "طريق النحل": "ذات يوم كنا نستعد لتسجيل أول اسكتش لنا "بارود اهربوا". كنت أمثل شخصية مخول، وعاصي شخصية بو فارس. وأعطينا شخصية سبع لشاب كان يغنّي معنا في الكورس ولم أكن مرتاحا لأدائه التمثيلي لأن شخصية سبع كانت مميزة وطريفة وتتطلب طواعية في التمثيل لم تكن موجودة لدى ذاك الشاب الذي أصلاً ليس ممثلاً محترفاً بل مغنّي كورس. يوم التسجيل شاءت صدفة هي فرصة تاريخية رافقتنا طوال مسيرتنا الفنية، أن يمرض ذاك الشاب ويتغيب عن الإذاعة. فتقت فجأة فكرة في بال عاصي فسألني: "شو رأيك نجرّب فيلمون للدور؟". وهكذا كان. وإذا بموهبة كوميدية هائلة مذهلة تنفتح أمامنا مع فيلمون خلال التمرين على شخصية سبع التي، من شخصية فيلمون نفسه، أخذت تتبلور أكثر فأكثر. ومنذ ذلك الحين بدأنا مع فيلمون تعاوناً فنياً طويلاً انطلق من اسكتشات "سبع ومخول" الخمسة عشر. ثم نقلنا تينك الشخصيتين معنا إلى المسرح والتلفزيون والسينما والكثير من أعمالنا الفنية اللاحقة. وأشهد أن شخصية "سبع" انزرعت في شخصية فيلمون حتى اختلطت الشخصيتان، فذاب فيلمون نفسه بشخصية "سبع" حتى في حياته الشخصية والعامة. ومرات كثيرة كان ينسى نفسه في المجتمع، فيبقى "سبع" حتى خارج التمثيل، وعاش في هذه الشخصية طوال حياته. يبقى فيلمون بشخصية "سبع" وشخصه هو كإنسان كبير، محطة كبيرة في مسيرتنا الفنية. وله فضل كبير في نجاح أغان كثيرة في أعمالنا، كتبناها ولحّنها هو وغنّتها فيروز، وهي بين أنجح أغانيها على الإطلاق".
مع فيروز وصباح
صعد فيلمون مع الأخوين رحباني إلى مدرج بعلبك، وشارك عام 1960 في "موسم العز" حيث غنّت صباح من ألحانه "يا أمي طلّ من الطاقة". بدأ الملحّن تعاونه الفعلي مع فيروز في عام 1961، فلحّن لها "يا كرم العلالي" التي غنّتها في بعلبك ضمن "البعلبكية"، ثم في معرض دمشق الدولي. تكرر اللقاء بين شعر الأخوين رحباني وألحان فيلمون عام 1962 في مسرحية "جسر القمر" حيث غنّت فيروز "جايبلي سلام" في بعلبك ودمشق، وغنّى نصري شمس الدين في هذه العمل المسرحي "هدّوني هدّوني" و"نقلي نقلي". استمر هذا التعاون على مدى سنوات الستينات. في عام 1964، قُدّمت "بياع الخواتم" في الأرز ثم في دمشق، وفيها غنّت فيروز "يا مرسال المراسيل"، وغنّى نصري "عالعالي الدار". في العام نفسه، غنّت صباح "أنا ما سكّرت الباب" في فيلم "ليالي الشرق". قُدّمت "دواليب الهوا" في بعلبك عام 1965، وفيها غنّت صباح "عِنّي يا منجيرة"، "عتيمة عالعتيمة"، "يا أمي دولبني الهوا". عام 1966، غنّت فيروز "كتبنا وما كتبنا" في دمشق، وبين "جايبلي سلام" و"كتبنا"، تحضر أغنيتان يصعب تأريخهما بشكل دقيق، وهما "عالطاحونة" و"يا كرم العلالي". عام 1968، صُوّر فيلم "بنت الحارس"، وفيه غنّت فيروز "طيري يا طيارة". أفتُتحت عروض "الشخص" في دمشق في نهاية الصيف، وتواصلت في بيروت في شتاء 1969، وفيها لعب فيلمون دور المحامي وغنّت فيروز "فايق يا هوى". بعدها، لعب فيلمون دور "نعوم الهبيلة" في "جبال الصوان" حيث غنّت فيروز "صيّف يا صيف" في بعلبك وفي دمشق. في المقابل، تواصلت الشراكة الفنية بين صباح وفيلمون طوال تلك السنوات، وأثمرت مجموعة كبيرة من الأغاني. في 1960، ظهر فيلمون على الشاشة مع الشحرورة في فيلم "معبد الحب" حيث غنّى برفقتها مطلع "دقّ الباب افتحتلو". وفي 1961، غنّت الشحرورة من نظم مارون نصر "دلّو يا دلّو عادربي دلّو". كرّت المسبحة، وتوالت الأغاني، وغالبيتها كما يبدو من كلمات توفيق بركات: "واقفة عراس الطلعة"، "قوم تنلعب باصرة"، "جوزي ما بيلفي عالبيت"، "السمكة علقت بالصنارة"، "جنينة حبيبي"، "راجعة على ضيعتنا"، و"بلّوطاتك بلّوطة" التي صارت بعدها "ستّوتة يا ستّوتة". ومن شفيق المغربي "يا ربّ تشتّي عرسان" و"يدوم عزّك". ومن عبد الجليل وهبي "يا طالعين عالجبل". ومن توفيق العطار "يا زحلاوية". ومن مارون كرم "محبوبي جندي بالجيش".
يمثل إنتاج السبعينات استمراراً لهذا العطاء. مع الأخوين رحباني، مثّل فيلمون دور "شبلي" البوهيمي في "يعيش يعيش" عام 1970، ولحّن لفيروز "ليلة بترجع يا ليل". عام 1971، غنّت فيروز "لو فينا نقّي حبايبنا" في دمشق ضمن عروض "ناس من ورق"، وغابت هذه الأغنية عن عروض المسرحية في بيروت عام 1972 لأسباب مجهولة. عام 1973، لعب فيلمون دور البدوي في "المحطة" وقدّم لفيروز "يا دارة دوري فينا". بعدها، غنّت السيدة "على جسر اللوزية" ضمن برنامج "قصيدة حب" في بعلبك. عام 1974، عُرضت "لولو" في بيروت ثم في دمشق، وفيها برزت "من عزّ النوم بتسرقني". عام 1976، غنّت فيروز في معرض دمشق الدولي "أنا خوفي من عتم الليل"، وهي آخر الأغاني التي جمعت بين صوتها وشعر الأخوين رحباني ونغم فيلمون. من جهة أخرى، تضمنت معظم مسرحيات صباح لحناً لـ"شيخ الملحّنين". عام 1972، في مسرحية "مين جوز مين"، غنّت شحرورة الوادي من كلمات توفيق بركات "روح تجوّز يا عبدو". وفي عام 1973، غنّت من كلمات الشاعر نفسه "عندي بستان يا سعدى" في "الفنون جنون". في 1974، قُدّمت "وتضلو بخير" في بعلبك، وفيها غنّت من شعر طعان أسعد أغنيتين منسيتين: "تعا عيش هوانا يا هوى" و"كرجي يا غالي كرجي". ثم غنّت لأحمد شعيب "عيني يا عيني" في "ستّ الكل". عُرضت "حلوي كتير" في عام 1974، وتضمنت "روحي يا صيفية" من شعر طلال حيدر، و"تغندري يا مغندرة" لجورج خليل. تنتهي هذه السلسلة مع مسرحية "شهر العسل" عام 1978، وفيها من كلمات توفيق بركات "شو اسمك" و"شرفي وأرضي".
لا ينحصر إنتاج فيلمون وهبي في ميدان التلحين بهذه الأغنيات. تشمل هذه المسيرة ألحاناً أخرى متفاوتة من حيث القيمة الجمالية، بعضها لا يزال حياً في الذاكرة، وبعضها مجهول تماما. لم يأخذ وديع الصافي من فيلمون سوى عدد محدود من الألحان، وهي "قالت بترحلك مشوار"، "حلوة وكذّابة"، "صبية يا صبية"، "يا ريت قلبي"، "رايح عبيروت"، "هالدلعونية"، "تبقو اذكرونا". كذلك، تعاون نصري مع فيلمون من خارج الحلقة الرحبانية وأثمر هذا التعاون مجموعة كبيرة من الأغاني، غير أن أياً منها لم يحصد شهرة "هدّوني" و"نقلي نقلي". بدورها، غنّت وداد من كلمات توفيق بركات "الناس وصلو للقمر"، ومن أسعد السبعلي "لا تغار يا قلبي" و"يلاّ ينام إبني". وشدت سميرة توفيق أغاني عدة، منها من شعر عبد الجليل وهبي "يا هلا بالضيف"، "ضربني وبكى"، "يا أسمر يا ناسينا"، "لولا ما بحبّك"، ومن شعر توفيق بركات "حبّك مرّ". وغنّت وردة أغنيتين مجهولتين، "على شو" من كلمات عبد الجليل وهبي، و"بحب الأسمر" لميشال طعمة. جذب هذا النوع من الألحان الشعبية المطربة المصرية شريفة فاضل، فغنّت "حبيبي نجّار" و"يوم الأحد"، وعرفت هاتان الأغنيتان انتشاراً واسعاً.
من الأصوات المنسية، غنّت سامية كنعان "جارتنا يا جارتنا"، وأدّت الشقراء رنده أغاني عدة، منها "ترلم" من كلمات توفيق بركات. وكان لهالة الصافي، شقيقة وديع، بعض الألحان. ولسعاد هاشم "لا وعيوني ما نسيتك"، ولشقيقتها نهى "انا فقيرة". من الجيل الثاني، خصّ فيلمون كلاًّ من ملحم بركات ومروان محفوظ وغسان صليبا بمحموعة ألحان. وكل هذه الأغاني تحتاج إلى من يعيد اكتشافها.
العطاء الأخير
في السنوات الأخيرة من عمره، وضع فيلمون وهبي لفيروز مجموعة أغانٍ بعد انفصالها عن الأخوين رحباني. صدرت اسطوانة "دهب أيلول" في عام 1980. تحت عنوان "فيلمون وهبي يطلق سراح حنجرة فيروز العربية"، كتبت مجلة "المصباح": "يبدو أن فيروز قد اختارت بشكل حاسم أسلوب التعامل مع الحملة الإعلامية المركزة التي تحاول عن طريق التجريح الشخصي الحاد والمتواصل إحراجها في موضوع انفصالها عن زوجها الفنان عاصي رحباني، وعن المؤسسة الرحبانية عموما. هذا الأسلوب هو الصمت الكامل على صعيد الأحاديث الصحافية، والإنصراف التام إلى المرحلة الجديدة من حياتها الفنية. في هذا الجو نزلت إلى أسواق بيروت اسطوانة فيروز الجديدة التي تحمل أربع أغنيات، كلها من كلمات جوزف حرب وألحان فيلمون وهبي"، وهذه الأغاني هي "يا قوني شعبيي"، "يا ريت منن"، "طلعلي البكي" و"وورقو الاصفر". بعد ثلاث سنوات، أطلقت فيروز "إسوارة العروس"، وفي عام 1989، صدرت الأغنية بعد رحيل ملحّنها على اسطوانة ضمّت ثلاث أغنيات أخرى كتبها جوزف حرب هي "بليل وشتي"، "أسامينا" و"لمّا عالباب"، وحمل الغلاف الخلفي للإسطوانة كلمة من فيروز تقول: "كل اللي تركتن اشتاقولك. وكل اللي جايين رح يحبّوك". بعد خمس سنوات، صدرت أغنية "يا رياح" التي كتبها طلال حيدر، وهي آخر أغاني فيلمون في هذا الميدان. وقد غنّتها فيروز في حفل أُقيم وسط بيروت، وأطلقتها على أسطوانة ضمّت أغنيات من الماضي.
بدأ فيلمون مغنياً، ثم انصرف إلى التلحين والتمثيل، واشتهر بأغانيه الشعبية وبأدواره الهزلية، ولم يخرج على هذا المسار إلا نادراً، كما في تلحينه قصيدة عمر أبو ريشة "يا عروس المجد" التي أنشدتها المغنية السورية سلوى مدحت. هجر الملحّن الظريف الغناء الطربي في مطلع الخمسينات، لكنه أدى العديد من الألحان الطريفة ذات الطابع الهزلي الساخر، مثل "بشتك بم" و"بسيطة"، ثم "همبرغر" و"كلاشنيكوف". نراه يغنّي مع الشقراء قمر "حو حو يا بردي" في فيلم "موعد مع الأمل"، ونسمعه وهو يردد مع نهاد سرور "عجقة سير". بين المزاح والجد، ترك فيلمون وهبي مجموعة كبيرة من الألحان والإسكتشات الفكاهية خلال مسيرة طويلة رافق فيها عدداً كبيراً من الأصوات "الكبيرة" و"الصغيرة"، وانتهى مهجّراً من بلدته في آخر فصول الحرب الأهلية اللبنانية، لاعناً الحال التي آلت إليها بلاده في مونولوغ لاذع أدّاه بصوته الأجشّ الأليف ¶
محمد الزيباوي
المصدر: النهار
إضافة تعليق جديد