«القاعدة».. النشأة العسكرية والتطور العقائدي وتمدد الأذرع (3)
تشهد المرحلة الحالية بالنسبة لتنظيم «القاعدة» مزيداً من التركيز على بلدان المشرق العربي وعلى سوريا على وجه التحديد.
وقد أظهرت الحركة الجهادية بأنها قد تعلمت أيضاً من إخفاقاتها في العراق. ففي مناطق الحرب مثل سوريا، حاولت حشد الدعم لها من خلال توفيرها الخدمات الاجتماعية. كما حاولت أيضاً تجنب تنفير السكان عن طريق استعمال العنف المفرط، والتركيز بدلاً من ذلك على اختيار أهدافها ضد القوات العسكرية والأمنية وضد المسلمين من غير السنة أيضاً.
وعودة إلى ما سبق طوال العقد الممتد من العام 2001 وحتى العام 2011، فإنّ الغربيين أو المهاجرين إليه، إما التحقوا بصفوف تنظيم «القاعدة» أو قاموا بعمليات منفردة ولكن تحت اسم التنظيم.
وفي كل من مدريد في العام 2004 ولندن في العام 2005، قام مجندو التنظيم بعدة هجمات على وسائل النقل في البلدين، ما أسفر عن مقتل المئات. أما في الولايات المتحدة، فكان «المجاهدون» أو الطامحون للقيام بمثل هذه العمليات، مسيطراً عليهم بقوة القانون.
ولكن، بالرغم من ذلك كانت هناك بعض المحاولات التي تم إفشالها، لعدم وجود تنسيق بين قيادات التنظيم نفسه.
وإحدى هذه المؤامرات الجدية، كانت محاولة نجيب الله زازي مهاجمة نظام مترو الأنفاق في مدينة نيويورك، والتي أظهرت قدرة «القاعدة» على تدريب الأفراد لتنفيذ هجمات في بلدانهم الأم. لذا، فالعقد الذي تلا هجمات الحادي عشر من أيلول في العام 2001، أظهر نقاط الضعف لدى التنظيم في إلهام نهجه، لتحقيق أهدافه.
لذا، وبعد ضربه بقوة في تورا بورا في أفغانستان، عانى تنظيم «القاعدة» لتمكين شبكته العالمية من الشركات التابعة والأنصار الداعمين. وبدلاً من تخطيط وتنفيذ الهجمات، تحولت القيادة المركزية إلى أسلوب الإلهام والوحي، لأن تكون الدليل، والموفر للموارد اللازمة للشبكة العالمية، لتنتشر عبر شركات عدة تابعة لها.
وبعد أقل من عشر سنوات على هجمات 11 أيلول، سعى التنظيم إلى تحول جديد في العمل، تحول لمرة واحدة على وشك الاكتمال.
ما بعد بن لادن و«الربيع العربي»
في الأول من شهر أيار في العام 2011، أعلنت الولايات المتحدة أنها قتلت أسامة بن لادن في باكستان، منهية، بحسب قولها، مطاردة دامت عشر سنوات تقريباً.
من خلال هذه النقطة المفصلية، واجه مقر تنظيم «القاعدة» المركزي في باكستان، تحديات للسيطرة على مجموعاته وشركاته التابعة وعناصره. هجمات الطائرات من دون طيار، وسنوات من الضغط بعنوان «مكافحة الإرهاب»، حدت من استقطاب التنظيم.
وبعد وقت قصير من إعلان مقتل بن لادن، قتل أيضاً أنور العولقي، في غارة لطائرة من دون طيار في اليمن.
إلا أن اندلاع «ثورات» في العالم العربي، طغت بشكل كبير على مقتل قيادات «القاعدة». هذا التنظيم الذي تعهد في بداياته إسقاط الديكتاتوريات أي «العدو القريب» عن طريق مهاجمة الولايات المتحدة «العدو البعيد»، صدم ربما بعد إسقاط الأنظمة بشكل سلمي في تونس ومصر.
في البداية، شكلت هذه «الثورات» أو «الانتفاضات» تحدياً مباشراً لرسالة التنظيم المبنية على «الإرهاب» والعنف.
ولكن عدم وجود بدائل للأنظمة وسوء إدارة الحكم ما بعد «الربيع»، وتدخل الولايات المتحدة وحلف «الناتو» في بعض الأماكن، وامتداد أياد خارجية ساعية إلى لعب دور في هذه الحقبة الجديدة، كل هذا وفر فرصة كبيرة لتنظيم «القاعدة»، لإعادة رسم مسار تصاعدي في شمال أفريقيا والشرق الأوسط على وجه الخصوص.
وأدى ذلك إلى نشوء تفرعات من التنظيم في عدة بلدان، جعلت الشعوب اليوم تعاني من العنف المباشر لهذه التنظيمات المنضوية تحت لواء «القاعدة»، وأبرزها هي الجماعات المنخرطة في الأزمة الدائرة حالياً في سوريا.
«أنصار الشريعة» و«القاعدة في جزيرة العرب»
«القاعدة في جزيرة العرب» في اليمن، الذي أصبح بالفعل التابع الأعلى للتنظيم قبل مقتل بن لادن، سرعان ما أصبح من الأوائل في محاولة إنشاء خلافة خاصة في اليمن. ومن شتاء العام 2011 إلى ربيع العام 2012، بنى «القاعدة في جزيرة العرب» ميليشيا شقيقة، سميت «أنصار الشريعة»، سعياً إلى التركيز بشكل أفضل على كسب الدعم المحلي.
استولى «أنصار الشريعة» على أجزاء كبيرة من اليمن، وبدأ بالحكم فيها باعتبارها مقر الخلافة، وإقامة «الشريعة الإسلامية».
«حركة الشباب» في الصومال
من رماد «اتحاد المحاكم الإسلامية» ظهرت «حركة الشباب». فبعد غزو إثيوبيا في العام 2007، سيطرت «الشباب» على المقاومة، ومع مرور الوقت، تمكنت من السيطرة على وسط وجنوبي الصومال.
ومع توفير مساحة العمل، وضعت «حركة الشباب» أسس الدولة الإسلامية، بتنفيذ وتطبيق نسخة قاسية من الشريعة الإسلامية. وفي شباط العام 2012، اندمجت «الشباب» رسمياً مع تنظيم «القاعدة» الذي يقوده أيمن الظواهري.
هذا الاندماج، وبدلاً من إظهار قوة هذه الحركة، كان سقطة للحركة، ما أدى في ما بعد إلى طردها من قبل الجيش من معظم المدن الكبرى.
ومع ذلك، أثبتت هجمات أيلول في العام 2013، على مركز «ويست غايت»، في كينيا، أن «حركة الشباب»، وبالرغم من نكستها، لا تزال تشكل تهديداً كبيراً.
تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»
تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، جنباً إلى جنب مع العديد من الشركات المحلية التابعة له، سيطر على شمال مالي في ربيع العام 2012. وبتوقيت ناجح مع متمردي الطوارق والانقلاب على الحكومة المالية، سيطر التنظيم على مدينة تمبكتو واتجه إلى الجنوب مهدداً عاصمة البلاد.
ومثل «حركة الشباب»، طبق «القاعدة في المغرب الإسلامي» شكلاً قاسياً من الشريعة في المناطق التي سيطر عليها، ولمدة معينة، شكل هذا التنظيم الخلافة الجغرافية الأكبر بالنسبة لفرع من فروع «القاعدة» في تاريخ التنظيم.
وعلى غرار اليمن، كانت مكاسب التنظيم قصيرة الأجل، من خلال كبح جماحه فرنسياً في شمال مالي في كانون الثاني في العام 2013.
ولفت الهجوم الأخير على منشأة «إن أميناس» للغاز في الجزائر الانتباه مجدداً إلى تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» والجماعات الجهادية الأخرى في شمال مالي. وقد أشار مسؤولون في الاستخبارات الأميركية إلى احتمال كون التنظيم بصدد التخطيط لشن هجمات على أهداف غربية، ولكن أولئك المسؤولين ما زالوا يتابعون الجهد المضني ليتمكنوا من فهم الطبيعة المعقدة للجماعات الجهادية في هذه المنطقة.
وقد فسر الكثيرون التقارير التي تشير إلى وجود انقسامات داخل التنظيم على أنها مؤشرات على الصعوبات التي يواجهها.
«أنصار الشريعة» في ليبيا
في أعقاب سقوط حكم الزعيم الراحل معمر القذافي، لم يؤد الفراغ الأمني في ليبيا إلى صعود التنظيم في منطقة الساحل فقط، ولكن أيضاً إلى إطلاق سراح العناصر المتطرفة التي قمعت سابقاً في البلاد.
«أنصار الشريعة»، وهي جماعة شعبية متطرفة تعمل باسم «القاعدة في جزيرة العرب» في اليمن، ظهرت في معاقل سابقة في شرق ليبيا، الموطن السابق لـ«الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة»، والمعروفة بتوريد العديد من المقاتلين الأجانب إلى العراق.
ظهرت هذه المجموعة بشكل كبير على الساحة الدولية بعد ارتباط اسمها بالهجوم على السفارة الأميركية في مدينة بنغازي الليبية في العام 2012، ما أسفر عن مقتل السفير الأميركي كريس ستيفنز.
تنظيم «القاعدة في شبه جزيرة سيناء»
انهيار نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك، في خضم «الربيع العربي»، جلب جماعة «الإخوان المسلمين» إلى السلطة، وخلق فرصة لطالما سعى أيمن الظواهري إليها للعودة إلى مصر مجدداً.
وبدءاً من العام 2012، تعطلت خلايا «القاعدة» في القاهرة، واستمر ناشطو التنظيم بالركود في شبه جزيرة سيناء. إلا أن إطاحة الرئيس المعزول محمد مرسي في الثالث من تموز العام 2013 من قبل الجيش المصري، أدى إلى اندلاع عمليات العنف والاعتداء على الجيش من قبل الجماعات المتطرفة في سيناء، وهو ما يمهد لعملية استئصالهم مجدداً.
«جبهة النصرة» و«داعش» في سوريا
لا يوجد معركة تشكل فرصة لتنظيم «القاعدة» أكبر من تلك الدائرة في سوريا. عانى السوريون خلال أكثر من عامين من دخول مجموعات متطرفة مرتبطة بالتنظيم لتظهر كقوة مهيمنة في القتال ضد النظام السوري.
وحتى اليوم، أنتج «الجهاد» في سوريا أكبر هجرة للمقاتلين الأجانب في التاريخ، متفوقاً على الإمدادات من كل من أفغانستان في الثمانينات، والعراق وأفغانستان سوياً ما بعد العام 2000.
«جبهة النصرة» كانت الحركة الجهادية الأولى في سوريا، ولكن الزحف «القاعدي» في العراق الذي تحدى كلاً من «النصرة» وزعيم «القاعدة» أيمن الظواهري، أدى إلى ظهور «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش)، في محاولة لإحكام السيطرة على الجهاد في سوريا.
وشرعت «داعش» في الحملة الأكثر شمولاً التي يقوم بها تنظيم «القاعدة» لكسب القلوب والعقول من خلال توفير الخدمات الاجتماعية إلى المجتمع الذي دمرته الحرب الدائرة.
وبالرغم من أن «نجم» الجماعة كان آخذاً في الصعود، إلا أن انتهاكاتها، مقرونة بإستراتيجية دولية للحد من نفوذها، ستطيح بخطتها لتحويل شمالي سوريا إلى إمارة إسلامية تحت قيادتها.
وهو ما جعلها تهدد بالأمس بأن تتخلى عن القتال ضد النظام السوري، لانشغالها في معارك بينها وبين المسلحين أنفسهم الذين دعموها في البدايات، على رقعة كبيرة من سوريا، سعياً إلى طردها.
ويُعتقد أن «داعش» تضم في صفوفها ما بين خمسة إلى ستة آلاف مقاتل. ويعني ذلك أنها أصغر بكثير من جماعات إسلامية مسلحة أخرى، مثل «الجبهة الإسلامية السورية» المشكلة مؤخراً، والتي تفخر بأنها تضم بين 15 و20 ألف مقاتل، إلا أن ما يتمتع به تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ميزة واحدة مهمة وهي: أن الكثير من أعضائه كانوا حاربوا سابقاً في عمليات جهادية أخرى، بما في ذلك في العراق وأفغانستان واليمن وليبيا.
علي شقير
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد