أوباما يدفع سورية إلى حرب إقليمية
الجمل - شيموس كوك - ترجمة: مالك سلمان:
من السهل التنبؤ بالكوارث الإنسانية. خذوا سورية, مثلاً. على غرار العراق, في سورية خليط إثني و ديني معقد ينطوي على تاريخ طويل من النزاعات. تدخل الولايات المتحدة, التي تأتي بالمال والسلاح اللذين توزعهما على مجموعات إثنية/دينية دون أخرى. لا يأتي حمام الدم الذي يلي ذلك كمفاجأة, بل بمثابة خطة استراتيجية لتفكيك الحكومة السورية.
خرجت إدارة أوباما من خلف الظلال في مساعدتها في تنسيق هذه الكارثة إلى العلن. فوزيرة الخارجية هيلاري كلينتون تعمل الآن بشكل علني على "تنظيم" ما يسمى بالثوار السوريين, بعد أن قامت بزيارة أولاً إلى حليفة الولايات المتحدة, تركيا – التي تلعب دوراً هاماً كقاعدة للهجوم على سورية – ثم إلى حليفة الولايات المتحدة, قطر - التي مولت, مع السعودية, الثورة المضادة في أنحاء الشرق الأوسط بأموالها النفطية.
تلتقي كلينتون بكافة النخب الإقليمية الحاكمة الانتهازية التي تصبُ الأسلحة والأموالَ والتدريب في مستنقع الأحشاء والعظام من بعيد على أمل أن يجنوا ثمارَ ذلك من خلال إقامة نظام مطواع يهيمن على الحكومة والصناعة والغاز بشكل خاص.
أي عضو في المعارضة السورية يتمتع بشيء من احترام الذات لا يلتقي أبداً مع أي ممثل للولايات المتحدة, بما أن الولايات المتحدة مكروهة على نطاق واسع في الشرق الأوسط نتيجة غزو العراق وأفغانستان وحروب الطائرات بلا طيارين في باكستان واليمن. كم هو غريب, إذاً, أن تقرر هيلاري كلينتون "من هي المعارضة الشرعية في سورية." فمن باب المفارقة, عندما تصف كلينتون مجموعة ما بأنها "شرعية", تفقد هذه المجموعة شرعيتها بشكل أوتوماتيكي في الشرق الأوسط.
وجدت كلينتون نفسَها مرغمة على بذل جهد أكبر في المسألة السورية لأنه كان هناك كلام بأن ‘الثوار’ السوريين ليسوا أفضلَ من الحكومة السورية. فقد نقلت "نيويورك تايمز" أن المتمردين السوريين ارتكبوا جرائم تطهير إثني على نطاق واسع ضد المسيحيين السوريين, كما نقلت أيضاً أن المتمردين قد صوروا العديد من أشرطة الفيديو التي تظهر جرائمَ حرب. كما انتشرت الأخبار حول العلاقات المتزايدة بين المتمردين والمجموعات الجهادية المرتبطة بالهوية الإثنية-الدينية لما يسمى ب ‘الثورة السورية’.
من خلال التقليل من شأن جرائم المتمردين, تضمن إدارة أوباما أن هذه الجرائم ستستمر. وفي الحقيقة, ليس هناك طريقة أخرى أمام المتمردين لينتصروا في هذه الحرب, لأن الحكومة السورية لا تزال تتمتع بقاعدة متينة بين الأقليات الإثنية في البلاد, بالإضافة إلى أولئك الموظفين في القطاع العام الضخم, عداك عن الملايين الآخرين الذين يدركون الآن أن انتصار المتمردين سوف يؤدي – كما في العراق وأفغانستان وليبيا – إلى تدمير البلد.
خرجت عدة مسيرات ضخمة في سورية تأييداً للحكومة خلال هذه الأزمة, بالإضافة إلى استفتاءات تم إجراؤها أثبتت أن الكثير من السوريين يريدون بقاءَ الحكومة الحالية في السلطة.
الآن, ليس من المستغرب أن الأزمة السورية بدأت تمتد خارج الحدود إلى لبنان المرتبط بسورية بألف خيط وخيط. طالما كان لبنان بلداً على حافة الأزمة الإثنية-الدينية. كما أن المجموعات المؤيدة للغرب – حلفاء الولايات المتحدة – في شمال لبنان تزود ‘الثوار’ السوريين بالمال والسلاح, بينما يتم اتهام "حزب الله" في الجنوب بتقديم نفس المساعدات للحكومة السورية.
بعد اغتيال لواء لبناني مؤيد للغرب مؤخراً, تم إلقاء اللوم على سورية وقامت المجموعات المؤيدة للغرب بمقاطعة البرلمان اللبناني ومطالبة الحكومة بالاستقالة.
إسرائيل أيضاً تدخل في هذه المعمعة, حيث هاجمت مؤخراً القوات السورية رداً على اتهامات بأن القذائف السورية تسقط في منطقة مرتفعات الجولان السورية التي سرقتها إسرائيل واحتلتها منذ حرب 1967.
لم تكتفِ تركيا بتقديم الدعم المفتوح والقاعدة التنظيمية للمتمردين السوريين, لكنها هددت أيضاً بغزو سورية عدة مرات. وقد منح البرلمان التركي الحكومة الإذنَ بذلك. كما طالبت تركيا مراراً بإنشاء منطقة "حظر طيران" بهدف "حماية اللاجئين", مما يعادل – من الناحية العملية – الغزوَ العسكري, كما حدث في ليبيا.
يشكل سكان سوريا الأكراد مصدراً كامناً للانفجار الإقليمي. إذ يشكل الأكراد المجموعة الإثنية الأكبر في العالم التي تعيش بلا وطن خاص بها, وتستخدم تركيا استقلالهم الجديد في سورية كذريعة إضافية لضرب طبول الحرب بما أن تركيا تقوم سلفاً بقصف الأكراد في العراق بينما تعمل على قمعهم في تركيا. وتضم عدة دول حول سورية أعداداً كبيرة من الأكراد.
لا تتضمن مفردات الثورة الحقيقية الحربَ الإثنية-الدينية ولا تحتاجها. فقد تم إرغام الجيش المصري القوي على الخضوع لسلطة الثورة الحقيقية [!], لكن الحركة الاجتماعية في سورية استُبدلت منذ وقت طويل بالقوى الإقليمية التي تعمل على تقسيم البلد على طول الخطوط الطائفية بهدف السيطرة عليها.
بعد سنة من التمويل الأجنبي و تدفق المقاتلين الأجانب لم تسقط الحكومة السورية لأن النظام لا يزال يتمتع بدرجة كبيرة من الدعم الشعبي, مما يخلق الظروف الملائمة لحرب أهلية دموية؛ لهيب مستعر يستمر أوباما في صب البنزين عليه.
تُرجم عن ("غلوبل ريسيرتش")
الجمل- قسم الترجمة
إضافة تعليق جديد