المطران درويش: إسرائيل المستفيد الأكبر من تفريغ الشرق من مسيحييه
«سوريا الحبيبة»، هكذا يختصر راعي أبرشية الفرزل وزحلة والبقاع للروم الملكيين الكاثوليك المطران عصام يوحنا درويش موقف البابا فرنسيس من الحرب في سوريا، ويرى فيها عطفاً عبّر عنه البابا خلال لقائه درويش.
ويرى البطريرك الدمشقي الذي أسّس مدارس ومعاهد في مختلف أصقاع الأرض وحصل على جائزة الألفة الأسترالية لحوار الأديان في العام 2008، أن ما يحدث في سوريا مؤامرة ٌعلى الإنسان العربي فيما المسيحيون مستهدفون بشكل خاص بهدف ضرب التعايش الإسلامي ـــ المسيحي خدمة لإسرائيل.
يعبّر البطريرك الذي استضافت أبرشيته 850 عائلة نازحة من سوريا عن خشيته من امتداد نيران أحداث معلولا إلى مناطق مسيحية اخرى، موجهاً نداءات ودعوات إلى الحكام العرب وإلى اللبنانيين للوقوف إلى جانب إخوانهم السوريين فالنأي بالنفس في هذه الحالة «مستحيلٌ»، بنظره.
÷ كيف تفاعل المسيحيون في الشرق عموماً وفي لبنان خصوصاً مع دعوة البابا فرنسيس للصلاة والصوم من أجل السلام في سوريا في 7 أيلول؟
ـــ هذه هي المرة الأولى التي يطلق الفاتيكان صرخة لوقف الحرب والعنف في العالم؛ وقد لاقت تجاوباً في العالم كله وفي الشرق بشكل خاص وسوريا. لقد استخدم البابا أكثر من مرة لفظة «سوريا الحبيبة»، وهذه اللغة البابوية الجديدة مميزة ونادرة، وتشبه لغة المسيح المرتكزة على المحبة.
أما بالنسبة للدعوة إلى الصلاة، التي استمرّت 4 ساعات، فمشهد المصلين في ساحة القديس بطرس في الفاتيكان، بحضور مئات الآلاف من المؤمنين كان أمراً مميزاً وقد لاقت المبادرة استجابة، خاصة في الشرق عند المسيحيين والمسلمين وكثيرٌ منهم أيّد هذه الدعوة واشتركوا معنا بأداء الصلاة.
أعتقد اليوم أن الصلاة باتت سلاحنا الوحيد، فنحن لا نريد أن نحمل السلاح لأن السلاح يدمّر والحرب تدمّر، فالسلام يأتي من القلب ومن علاقة الإنسان مع الإنسان الآخر كما من علاقته مع الله. وقد تفاجأنا بالاعتداء على معلولا بعد مبادرة البابا.
÷ ما رأيكم بمواقف البابا من الحرب على سوريا؟
ـــ لقد التقيت البابا بعد تنصيبه وقد عبّر عن عطف خاص تجاه مسيحيي الشرق فهو يعتبر المنطقة مهد المسيحية ويرى ضرورة في الحفاظ على مسيحييها ليس فقط من أجلهم بل بهدف حماية التعايش المسيحي ــ الإسلامي.
هذا التعايش هو كنزٌ وضربه سيخلّ بالتوازن في العالم، لأن الشرق هو المنطقة الوحيدة في العالم التي تحتوي على هذا التعايش بين الأديان بهذا الشكل الحضاري. ومن هذا المنطلق، يركّز البابا على الوجود المسيحي في الشرق. ونحن ندعمه في هذا التوجه ونتذكّر ما حصل في العراق حين هاجر المسيحيون. ونحن لا نريد تكرار تجربة العراق في سوريا.
÷ هل الكلام عن اضطهاد المسيحيين واقعُ أم مجرّد تهويل؟
ـــ ما يحدث في سوريا مؤامرة ٌعلى الإنسان العربي مسلما كان أم مسيحيا، ولكن المسيحيين يتعرّضون، بشكل خاص، للاضطهاد كونهم أقلية في العالم العربي.
تنفيذ هذا المخطط هو خسارةٌ كبيرة للمسلمين أيضا، وعددٌ كبير من المسلمين متيقّن إلى خطورة إفراغ الشرق من مسيحييه. أؤكد أن هناك اضطهاداً بحق المسيحيين وهو ليس جديداً ـــ فقد قال المسيح «سيضطهدونكم من أجل اسمي» - ونحن نعلم ذلك ونقبل به، ولكن ليس إلى حد تدمير التراث العالمي كما حصل في معلولا. فتدمير هذا التراث يضرّ بالحضارة العالمية وليس فقط الحضارة المسيحية ولا السورية.
÷ إذًا، الكلام عن «مخطط لإفراغ الشرق من مسيحييه» دقيقٌ؟ ومن هي الجهة المستفيدة؟
ـــ تحويل الشرق إلى طائفة واحدة يخدم جهات عالمية عديدة، وهو ما يسهّل استهدافه واستهداف المسلم فيه إذ يشكّل التعايش الإسلامي ـــ المسيحي ضمانة تحمي الشرق.
إسرائيل، هي المستفيدة الأكبر من تفريغ الشرق من المسيحيين ما سيجعلها قادرة على استهداف بلدان المسلمين، الوطن تلو الآخر، وهو ما نشهده اليوم من تونس وليبيا وسوريا ومصر. ونخشى أن تمتد النيران إلى البلدان العربية الأخرى.
من هنا، نوجّه نداء إلى الزعماء العرب ليطّلعوا على التاريخ ويستشرفوا المستقبل، لأن استمرار المؤامرة في سوريا سيجعلها تنتقل حتماً إلى بلادنا. وندعو المسؤولين اللبنانيين، مسيحيين ومسلمين، إلى توحيد الكلمة والصف للحفاظ على الوجود المسيحي في سوريا لأننا لا يمكن أن نكون بمنأى عن الأزمة في دمشق.
÷ إلامَ ترمز معلولا في معاناة المسيحيين اليوم؟
ـــ معلولا، هي البلد الأقدم في تاريخ المسيحيين، ففيها أول كنيسة في العالم كما تحتوي على أقدم الأيقونات. سبق وحذّرنا من خطر استهداف المسيحيين، والآن وبعد أكثر من سنتين على المعاناة، ضُربت بلدة هي رمزٌ خاص للمسيحيين. ونتخوّف من أن تمتد أحداث معلولا، التي يتمركز فيها أكثر من 1000 مسلّح من «جبهة النصرة»، إلى مناطق مسيحية أخرى في سوريا.
÷ في إطار لقاءاتكم مع مسيحيين سوريين، هل من شهادات حية توثّق معاناتهم؟
ـــ نستقبل في أبرشية زحلة 850 عائلة من النازحين السوريين غالبيتهم من المسيحيين وهناك من يتابع معاناتهم بدقة في الأبرشية. وإذا أردنا استذكار بعض الأحداث فهناك 20 شخصاً من عائلة كاسوحا من القصير قُتلوا أمام أعين أهلهم من دون أن يستطيع هؤلاء القيام بمراسم دفنهم الدينية اللائقة. وقد هجُّر البعض من منازلهم بلباس نومه. الإنسان في سوريا مستهدف، ولكن المسيحي بشكل خاص، مستهدفٌ من بعض الفئات المسلّحة.
÷ ما هو الخطر الأكبر الذي يهدّد المسيحيين في الشرق عموماً وفي سوريا خصوصاً؟
ـــ تفريغ الشرق من مسيحييه هو الخطر الأساسي. ونحن في لبنان لكل شخص منا وكل سياسي دور. وإذا لم نقم بدورنا فسيصل الدور إلينا. وإذا لم نتفق ولم نساعد المسيحيين السوريين ليبقوا في وطنهم، فهناك خطرٌ كبيرٌ على وجودنا كمسيحيين حتى في لبنان لاستحالة أن ننأى بأنفسنا عما يجري في سوريا.
÷ ما مدى دقّة الأرقام التي تفيد بأن 450 ألف مسيحي هاجروا من سوريا؟ وهل من مبادرة كنسية في هذا الإطار لاحتوائهم وإعادتهم إلى وطنهم؟
ـــ لقد أعلن بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الكاثوليك غريغوريوس الثالث لحام هذه الأرقام التي تشمل النزوح الداخلي في سوريا والهجرة إلى الخارج.
أما في موضوع المبادرة، فأنا أشجع المسيحيين المتواجدين في زحلة على العودة إلى حضن وطنهم، وهم يتحضّرون للعودة عند وقف إطلاق النار. غالبية المسيحيين الذين أجبروا على مغادرة أرضهم متعلّقون بوطنهم وبيوتهم ومزارعهم بالرغم من الدمار. ومن هنا، نحمّل الغرب مسؤولية كبيرة في إعادة إعمار ما دمّر في سوريا.
÷ ما هو دور المسيحيين إزاء كل ما يجري في المنطقة؟
ـــ معظم المسيحيين ليسوا مع النظام أو ضده كما أنهم لم يحملوا السلاح، فما يريده المسيحيون هو العيش بسلام مع إخوانهم في الوطن، إلا أنهم وجدوا في النظام السوري حماية وهم متخوفون من الآتي، وعلى المعارضة أن تكون أكثر وعياً إذا كانت تنشد فعلاً الديموقراطية والسلام.
ومن هنا، نأسف جداً لما صرّح به ميشيل كيلو عن غبطة البطريرك لحام (حول كونه رجل استخبارات بحلّة بطريرك) ونريد أن نقول للجميع أن غبطة البطريرك يتحدث باسم كل المسيحيين الشرفاء وباسم كل عربي آمن واختبر جمال التعايش المسيحي ـــ الإسلامي. وكل من عرف البطريرك لحام عرف المحبة والمحبة فقط.
أجرت المقابلة كارمن جوخدار
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد