برنامج تشغيل منظومة صراعات الشرق الأوسط
الجمل: عجلة الأحداث والوقائع المتسارعة، تشير هذه الأيام إلى أن منطقة الشرق الأوسط، أصبحت تمثل حقلاً كبيراً من الرمال الجيو-سياسية المتحركة. وهذا المشهد درجت أجهزة الصحافة والإعلام ودوائر صنع واتخاذ القرار على إغفال النظر عنه، بسبب الانهماك الكلي في التركيز على الوقائع الجزئية.
• الشرق الأوسط: علاقة الـ(كل) بـ(الجزء):
نطاق النسق الإقليمي الشرق أوسطي، يضم العديد من الكيانات السياسية، المترابطة، والمتنافرة، والتي أصبحت تتضافر مقدمة المساندة والدعم لبعضها البعض، فعلى أساس اعتبارات (علاقات التعاون)، هناك تعاون بين مصر، الأردن، فتح محمود عباس، قوى 14 آذار وحكومة السنيورة، السعودية، وبقية أطراف تجمع المعتدلين العرب.. وهناك علاقات تعاون بين سوريا وكل الدول والقوى والأطراف الداعمة للحقوق العربية المشروعة..
أما على أساس اعتبارات (علاقات الصراع)، فهناك صراع بين المجموعتين، وهناك أطراف دولية تتدخل من أجل توجيه هذا الصراع بما يعزز قدرتها في استخدام وتوظيف (المعتدلين العرب) من أجل توطيد المشروع الإسرائيلي- الأمريكي، الذي يريد سلاماً مع العرب دون مقابل، أي نزع سلاح المقاومة وحل الفصائل الفلسطينية، وعدم إعادة الجولان، وعدم الانسحاب من العراق.. وما شابه ذلك.
• خارطة الصراع:
يمكن تصنيف وقائع وأحداث الصراعات الجارية بحسب المجال والنوع والنطاق:
أولاً- داخل الشرق الأوسط:
1-الصراع الداخلي:
- الأراضي الفلسطينية: صراع سياسي- عسكري فلسطيني- فلسطيني.
- إسرائيل: صراع سياسي إسرائيلي- إسرائيلي.
- الأردن: صراع سياسي أردني- أردني.
- مصر: صراع سياسي مصري- مصري.
- لبنان: صراع سياسي لبناني- لبناني، صراع سياسي عسكري لبناني- فلسطيني.
- سوريا: إجراءات احترازية لتفادي عدوى الصراعات، ومواجهة الضغوط.
- العراق: صراع عراقي- عراقي (سني- شيعي، عربي- كردي، كردي- كردي، شيعي- شيعي، سني- سني).
- تركيا: صراع عسكري تركي- كردي، صراع سياسي تركي- تركي.
- إيران: صراع إيراني- إيراني (كامن).
2-الصراع البيني:
فلسطيني- أردني، فلسطيني- إسرائيلي، لبناني- إسرائيلي، لبناني- سوري، سوري- عراقي، سوري- أردني، عراقي- إيراني، عراقي- سعودي، إسرائيلي- أمريكي (كامن).
ثانياً- خارج منطقة الشرق الأوسط:
صراع أمريكي- أمريكي (بين الديمقراطيين والجمهوريين).
• تشغيل الصراع- الحلقة الشريرة:
الصراعات الداخلية في دول الشرق الأوسط، تغذيها العوامل المحلية المرتبطة بأطراف الصراع والبيئة المحلية، وتتصاعد هذه الصراعات الداخلية لتغذي الصراعات البينية، على النحو الذي أدى إلى تبلور التحالفات في منطقة الشرق الأوسط، فصراع حزب الله مع إسرائيل في الصيف الماضي أدى إلى احتدام صراع لبناني- لبناني، بين قوى المقاومة، وقوى 14 آذار، وأدى لتصعيد المزيد من الصراعات الإقليمية خاصة الصراع السوري- اللبناني.. كذلك الصراع العراقي- العراقي، السني- الشيعي، أدى إلى توتر العلاقات الصراعية العراقية- السورية، والعراقية- الإيرانية، والعراقية- السعودية، والإيرانية- السعودية.. وهلم جرا..
اللافت للنظر أن كل هذه الصراعات أصبحت تشكل ماكينة كبيرة تعمل وفق ما يمكن أن يطلق عليه برنامج تشغيل منظومة صراعات الشرق الأوسط، وهو برنامج يتكون من المدخلات، والمخرجات، إضافة إلى التغذية العكسية، بحيث أصبحت الصراعات الصغيرة بمثابة المدخلات التي تؤدي إلى المخرجات، والتي تتمثل في الصراعات الكبيرة، والتي هي بدورها صراعات كبيرة تقوم بالتغذية لتوليد المزيد من الصراعات الصغيرة المتجددة، مثل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي الذي أدى إلى صراع حماس- فتح، والذي أصبح يؤدي لتصاعد الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، والذي سوف يؤدي إلى المزيد من الصراع الفلسطيني- الفلسطيني.
• إدارة الصراعات:
الواضح حتى الآن أن إسرائيل هي التي تلعب الدور الأكبر في إدارة الصراعات، وأن أمريكا تلعب الدور الأقل، خاصة وأن متغير السياسة الإسرائيلية يمثل المتغير المستقل في مواجهة المتغير التابع الذي تمثله السياسة الأمريكية، وذلك ضمن بنود المعادلة الشرق أوسطية السياسية.
أفضل تفسير لظاهرة صراعات الشرق الأوسط يتمثل في الكتاب الذي قامت بتأليفه جين كيركباتريك (اليهودية الأمريكية، زعيمة جماعة المحافظين الجدد، وعضو مجلس أمناء معهد المسعى الأمريكي، معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى...الخ، ومندوبة أمريكا السابقة في الأمم المتحدة)، والذي حمل عنوان (الحرب من أجل السلام).. وطبعاً السلام المقصود في الكتاب هو سلام إسرائيل، وتحدثت في هذا الكتاب الذي نشر في أمريكا الشهر الماضي بعد خروج روحها وموتها قبل شهرين من صدور كتابها.
الكتاب يطرح بكل جرأة المزيد من القوات الأمريكية في العراق والخليج والأردن والسعودية من أجل الحرب ضد إيران وسوريا و(الإرهابيين)، وذلك من أجل تحقيق السلام، الذي لن يتم إلا عبر تحقيق سلام إسرائيل.
• التداعيات الوشيكة والقصيرة الأجل:
التفاصيل الجزئية تشير إلى عدم تمتع إسرائيل وأمريكا وحلفاءهما بالموقف القوي الميداني، بل هناك تراجع في قوة هذه الأطراف.. أما التفاصيل الكلية فتشير إلى قيام هذه الأطراف بتطبيق استراتيجية الهروب إلى الأمام، عن طريق تصعيد الصراعات القائمة، وإشعال المزيد من الصراعات الجديدة، (كما في حالة مخيم نهر البارد الحالية)، وأيضاً استخدام الوسائل الخارجية مثل الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي وحلف الناتو، بريطانيا، وفرنسا ساركوزي، وذلك بهدف فرض المزيد من الضغوط التي تثقل كاهل الإرادات الحرة التي مازالت تقام في منطقة الشرق الأوسط).
وتجدر الإشارة إلى أن تطبيق العقوبات ضد إيران، سوف يتزامن مع تشديد الضغوط وربما العقوبات ضد سوريا بسبب موقفها حيال المحكمة الدولية، وليس مصادفة أن يحدث هذا التزامن لأن المطلوب أمريكياً وإسرائيلياً هو محاربة إيران في العراق، ومحاربة سوريا في لبنان، وتوفير الدعم والمساندة الدولية لهذه الحروب عن طريق توظيف الآليات القانونية للمؤسسات الدولية والإقليمية والعربية (المعتدلة) إن أمكن ذلك.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد