سوريا هي الرابح الأول في قيام إسرائيل بعملية السلام أو رفضها

الجمل:  نشر مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، على موقعة الالكتروني لقاء مع جوشوا لانديز الخبير في الشؤون السورية، المدير المشارك بمركز دراسات السلام التابع لجامعة أوكلاهوما الأمريكية.

تركز الحوار حول لقاء وزير الخارجية السوري وليد المعلم مع وزير الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس، الذي تم على هامش مؤتمر شرم الشيخ الأخير حول العراق.

النقاط التي علق عليها جوشوا لانديز تمثلت في الآتي:

·       أهمية اللقاء:

اللقاء مع سوريا يعتبر في حد ذاته أمراً هاماً، لأنه يحدث ثقباً في جدار العزل الذي قامت إدارة بوش ببنائه حول سوريا، وظلت طوال الفترة السابقة تحافظ عليه، وبالنسبة للسوريين فقد نجحوا في التأكيد للعالم بأنهم منفتحون من أجل التفاهم وإحلال السلام، وبالنسبة للأمريكيين فقد فشلوا في التأكيد للعالم عن مصداقية سعيهم للاستقرار والسلام.

·       وقائع اللقاء:

بالنسبة للأمريكيين، فقد كانت كوندوليزا رايس مدفوعة للقاء السوريين، وأيضاً الإيرانيين بالكثير من الدوافع المحلية، وبالذات الضغط المتزايد بواسطة الديمقراطيين من أجل الحوار، بحيث تقوم أمريكا بإعداد وتحضير استراتيجية جديدة حول العراق، تتضمن إعطاء الأولوية للحوار مع إيران وسوريا. ولما كانت الإدارة الأمريكية لا ترغب في هذا النوع من الحوار، إلا أنها قامت بالدخول في هذا الحوار بهدف إفراغه من مضمونه ودفع الأطراف الأمريكية المطالبة إلى الإحباط والتخلي عن مطالباتهم، إضافة إلى نقل الإشارة الخاطئة للرأي العام الأمريكي، بأن موقف الإدارة الأمريكية السابق إزاء سوريا وإيران هو موقف صحيح.

وبرغم ن البعض تحدث عن رغبة كوندوليزا رايس في الحوار مع سوريا، إلا أن كوندوليزا رايس تراجعت عن موقفها بشكل واضح عندما قامت بنشر مقال في صحيفة النهار اللبنانية، الموالية لتحالف قوى 14 آذار، أكدت فيه لحلفاء أمريكا اللبنانيين بأن أمريكا سوف لن تتخلى عنهم، إضافة إلى أن تصريحات كوندوليزا رايس الأخيرة حول إنشاء المحكمة الدولية، حتى لو تطلب ذلك الضغط وفرض العقوبات على حلفاء أمريكا اللبنانيين، هي جميعها مؤشرات لا تؤكد جدية مصداقية الإدارة الأمريكية في الحوار مع سوريا.

·       ملف المحكمة الدولية:

يرى جوشوا لانديز أن المحكمة الدولية هي الملف الذي تلجأ الإدارة الأمريكية لاستخدامه دائماً كلما أدارت توتير العلاقات مع دمشق، كذلك كلما حاولت بعض الأطراف الأمريكية التفاهم والتقارب مع سوريا تقوم الأطراف الأخرى المعادية لسوريا بالحديث داخل الإدارة الأمريكية بضرورة قيام المحكمة الدولية وعدم التخلي عن حلفاء أمريكا اللبنانيين وكان آخرهم المتشدد ميشيل يونغ الذي كتب عند انعقاد مؤتمر شرم الشيخ واللقاء مع سوريا قائلا: (لا تبيعوا لبنان سعياً وراء علاقات أفضل مع سوريا). ويقول جوشوا لانديز: هناك بالأساس قراران دوليان حول موضوع التحقيق الدولي، وينص القراران على أن اغتيال الحريري يمثل عملاً إرهابياً دولياً، وعلى كل الأعضاء التعاون مع التحقيق بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، والجانب المهم في هذا الأمر، هو أن نص هذا القرار يشكل أرضية صالحة لكي تقوم الولايات المتحدة بالاستناد عليها من أجل تكوين المحكمة الجنائية الدولية تحت نفس القوانين، برغم معارضة بعض المستشارين القانونيين الأوروبيين الذين يرفضون إقامة وإنشاء هذا النوع من المحاكم.

وحاليا، برأي جوشوا لانديز، يقوم الأمين العام الجديد للأمم المتحدة بان كي مون، بالمضي قدماً من أجل تنفيذ وجهة النظر الأمريكية، وعلى ما يبدو فإن الفترة القادمة سوف تشهد قيام الأمم المتحدة ممثلة بالأمانة العامة ومجلس الأمن الدولي بالضغط على اللبنانيين من أجل إجبارهم على المطالبة بقيام المحكمة الدولية، ومن المحتمل أن تؤدي الضغوط الدولية الجديدة على لبنان إلى نتائج عكسية تتمثل في إثارة الفوضى والاضطراب داخل لبنان الذي مازال مختلفاً ومنقسماً حول قيام المحكمة الدولية.

·       الدبلوماسية العربية البينية وسوريا:

يقول جوشوا لانديز بأن سوريا تعارض قيام المحكمة الدولية، وتنفي أي دور سوري في عملية اغتيال الحريري، وخلال الفترة الماضية حاول السعوديون التوسط في إجراء صفقة، وكان موقف سوريا والمعارضة اللبنانية يرفض قيام هذه المحكمة لأنها محكمة سياسية، وقد طالبهم السعوديون بإعداد وصياغة مقترح لعمل المحكمة بحيث لا تكون سياسية، ولم يقوموا بإعداد هذا المقترح، ولكن السوريين طالبوا السعوديين بإرسال الأمير بندر بن سلطان مستشار الأمن القومي السعودي إلى سوريا للتحدث معه حول موضوع المحكمة، ونشأ نزاع وخصام حول الموضوع.

ويرى جوشوا لانديز أن موقف السعودية يعتبر في غاية الأهمية، وذلك بسبب أنها أكبر حليف رئيسي لأمريكا في المنطقة، وحالياً يعتقد بعض المراقبين بأن السعودية أصبحت على خلاف مع أمريكا حول هذا الموضوع، خاصة أن ملك السعودية وقف  إلى جانب موقف الرئيس بشار الأسد في اجتماع القمة العربية الذي انعقد في الرياض، وذلك عند وصف ملك السعودية الاحتلال الأمريكي للعراق بأنه احتلال غير شرعي، إضافة إلى أن اهتمام الإدارة الأمريكية والسعودية أصبح ينصب حالياً بدرجة أكبر على كيفية احتواء إيران، وليس على ملف إنشاء المحكمة الدولية.

·       السعودية وسوريا:

يقول جوشوا لانديز: إن موقف السعودية في القمة العربية الأخيرة، هو مؤشر إلى أن السعودية تسعى من أجل إرجاع سوريا مرة أخرى إلى دائرة الإجماع العربي، والعمل من أجل احتواء محاولة النفوذ الإيراني على العرب.. وبكلمات أخرى فإن الصفقة تتمثل في: تقديم المساعدة في الملف العراقي، تقديم المساعدة في الملف الفلسطيني، والابتعاد تدريجياً عن إيران، بشرط إسقاط ملف المحكمة الدولية.

السعوديون يريدون ذلك، ولكن الإدارة الأمريكية تريد الاستمرار في تطبيق سياسة فرّق تسد إزاء العالم العربي، وذلك عن طريق:

-         تجميع المعتدلين العرب (الأردن، السعودية، مصر) والضغط عليهم ودفعهم للتحالف مع إسرائيل.

-         التعامل بتشدد وقسوة مع سوريا، وإيران، وحزب الله.

ولكن السعوديين أصبحوا غير راغبين في الاستمرار بهذا التوجه الأمريكي، وموقفهم في قمة الرياض تضمن إشارة واضحة للإدارة الأمريكية، بأنهم لن يقفوا مع الأمريكيين في هذا التوجه، ولكنهم في الوقت نفسه مازالوا يقفون في المكان الوسط بين المؤيدين لإقامة المحكمة الدولية، وغير المؤيدين لإقامتها، وذلك لارتباط السعوديين بمصالح مع الطرف المؤيد، وأيضاً مع الطرف غير المؤيد.

ويرى جوشوا لانديز أن الموقف السوري الواضح والصريح الرافض للتنازلات والمساومات في موضوع المحكمة الدولية، قد جعل السعوديين يواجهون موقفاً صعباً: إما التضحية بحلفائهم اللبنانيين وكسب سوريا، أو الوقوف مع حلفائهم اللبنانيين والولايات المتحدة، وسوف يؤدي ذلك إلى عدم كسب سوريا إلى جانبهم.

·       سوريا وإسرائيل: السلام، أم عملية السلام:

هناك من يريد السلام، وهناك من لا يريد السلام وإنما يريد عملية السلام من أجل تحقيق بعض المكاسب، وبالنسبة لسوريا فهي تريد الاثنين معاً:

-         عملية السلام: تريد سوريا عملية السلام لأنها تساعد وتعزز موقف سوريا الحالي.

-         السلام: تريد سوريا السلام لأنها تريد استرداد أرضها وحقوقها السيادية على الجولان.

ويرى جوشوا لانديز أن سوريا سوف تكون الرابح والكاسب إذا قبلت إسرائيل عملية السلام أو رفضتها.. وفي كل الحالتين سوف تستطيع سوريا تغيير قواعد اللعبة.

الجمل: قسم الدراسات والترجمة