سوريه...حرب كبرى أم ماذا؟

18-02-2016

سوريه...حرب كبرى أم ماذا؟

الجمل ـ * توني كارتالوتشي ـ ترجمة رنده القاسم:
حققت القوات السورية المدعومة بالقوة الجوية الروسية خطوات متقدمة عبر أرض المعركة في جبهات متعددة.
فحول حلب  قطعت القوات السورية خطوط الإمداد من تركيا التي كانت تقوم على مدار سنوات بتمويل الإرهابيين  العاملين داخل سورية. و إلى الشرق من التطويق المتزايد لمدينة حلب، تشكل تطويق ثانوي لما يسمى قوات الدولة الإسلامية كهجوم من أجل تحرير قاعدة كويرس الجوية ما أدى إلى تقدم شمالي نحو "الباب"، الذي يعتبر محورا لوجستيا هاما استخدم من قبل الإرهابيين المدعومين من الولايات المتحدة و الناتو و مجلس التعاون الخليجي خلال بدء غزو حلب عام 2012 و ما بعده..
و إلى العمق داخل سوريه، تقدمت القوات السورية شرقا نحو محافظة "الرقة" مقتربة من القاعدة الجوية في "الطبقة"، القاعدة التي تشكل نقطة هامة نحو استعادة مدينة الرقة نفسها ، التي أضحت فعليا عاصمة داعش.و التقدم ضد داعش في الشرق متيسر  بعد قطع خطوط إمداد الناتو في الشمال.
هذه العملية الثانية التي استهدفت داعش في الرقة أضحت ممكنة فقط بسبب النجاحات في العملية الأولى حول حلب و على طول الحدود التركية السورية. و من الواضح الآن أن مصدر القدرة القتالية لداعش هو تركيا ، عضو الناتو، و بشكل خاص الممر بين عفرين و جرابلس..
و حتى الآن ، لا يستطيع الناتو تفسير هذه الحقيقة الواضحة، أو شرح لماذا كان غير قادر على تأمين الحدود التركية من الجانب التركي، و خاصة أن هناك دول ، تضم الولايات المتحدة و المملكة المتحدة، عملت لسنوات على قيادة عمليات عسكرية و استخباراتيه في نفس الأماكن التي كانت تنطلق منها تمويلات داعش إلى سورية.  و مع قيام القوات السورية و الكردية المدعومة بالقوة الجوية الروسية بإغلاق ممر لوجستي إثر آخر عبر الحدود، تقلصت القدرة القتالية لداعش إلى حدود الانهيار.
و منذ عدة أيام و تركيا تقوم بإطلاق النيران عبر الحدود على مدينة عزاز السورية الهامة، و التي على وشك أن تغدو  بيد المقاتلين الأكراد الذين سيبذلون كل  قوة من أجل إغلاق آخر محور لوجستي لتمويل مقاتلي داعش في سورية من قبل تركيا... و أقسمت تركيا على عدم السماح بسقوط هذه المدينة و أشارت ضمنا أنها مستعدة للمضي لدرجة غزو سورية من أجل ضمان عدم حدوث ذلك.
و بينما تقدم تركيا نفسها كعدو لداعش ، لم تشر إلى وجودهم في مدينة عزاز أو لماذا تحاول حمايتهم، وفي عام 2013 أعلنت ا ل "بي بي سي" أن مجموعة إرهابية استولت على عزاز. و في مقالة نشرته تحت عنوان "استيلاء داعش على عزاز السورية يفضح تصدعات التمرد "  قالت ال بي بي سي:
"خسر الجيش السوري الحر بلدة عزاز لصالح الدولة الإسلامية في العراق و سورية، أو داعش، المجموعة الأكثر شدة و المرتبطة بالقاعدة. و من إجراءات سيطرة الجهاديين على عزاز، وفقا لقول  أحد شهود العيان داخل البلدة ، أن ما من أحد يستطيع التدخين في الطرقات ، فالتبغ محرم وفقا للشريعة الإسلامية الصارمة".
تقارير أخرى نشرت العام الماضي تشير إلى أن داعش إما قرب المدينة أو في داخلها، و لم تفترض أبدا أنها فقدت السيطرة على عزاز، و لكن في لحظات عدة خلال الصراع، كان من الأنسب للغرب و حلفائهم الإقليميين التظاهر بأن "متمردين معتدلين" هم المسيطرون. و يجب ملاحظة أنه في كل روايات الإعلام الغربي ، لم يذكر بالتحديد من يقاتل الأتراك في عزاز، لأن الجواب هو داعش.....و بناء على هذا ، فإن تركيا تقوم حرفيا بالتدخل لحماية داعش و المجموعات الإرهابية الأخرى التي تشاركها المدينة.
غزو سوريه يعني الحرب، و وراء ذلك هو تأكيد بأن الناتو كان يدعم خطر داعش منذ البداية. و قد قامت تسريبات، مثل تلك التي صدرت عن وكالة استخبارات الدفاع  الأميركية (DIA) عام 2015 ، بالكشف بشكل منمق عن حقيقة أن غزو الناتو لسورية هو من أجل إنقاذ معقل داعش من التدمير . و محاولات الولايات المتحدة النأي بنفسها سياسيا عن كل من تركيا و السعودية ، التي تعهدت أيضا بالقيام بعمليات برية في سوريه وسط انهيار جبهات الإرهاب عبرها، تشير إلى محاولة محتملة لخلق إنكار مسبق قبل تدخل أو استفزاز أكبر.
و كما خطط صناع السياسة عام 2009 لاستخدام الهجوم "أحادي الجانب" من قبل إسرائيل على إيران لإثارة انتقام تستخدمه الولايات المتحدة فيما بعد كذريعة للذهاب "كارهة " إلى الحرب، يبدو أن إستراتيجية مشابهة تطبق اليوم على الحدود السورية. فبينما تحاول الولايات المتحدة و الإتحاد الأوروبي إقصاء أنفسهم عن تركيا، يلتزمون بالوقت ذاته بحملة تضليل تسعى إلى تصوير عمليات الحماية الجارية بالقرب من الحدود التركية على أنها تستهدف مدنيين و تهاجم متمردين معتدلين على حساب قتال داعش. ما يعني منح تركيا و السعودية غطاء بلاغيا قبل أي تدخل فعلي.
و الأمر الذي يحدد فيما إذا سيبقى هذا مجرد تحضيرات لحرب أو سيتحول بشكل متزايد إلى حرب أوسع، يكمن في الردع الذي تقوم سوريه و حلفاؤها، بما فيهم روسيه النووية، بتجهيزه للاستمرار في مواجهة الاستفزازات.
الأيام القليلة القادمة تشكل اختبارا حاسما لسورية و حلفائها، اختبارا قد يحدد فيما إذا كان هذا الصراع يمر عبر بوابة تؤدي إلى حرب أكبر...

 


*كاتب و باحث جيوسياسي أميركي مقيم في تايلاند

عن مجلة New Eastern Outlook الالكترونيه

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...