علاء الأسواني: المثقف العربي محاصر من قِبَل نقاد الأدب والساسة
علاء الاسواني روائي وطبيب مصري، أتمّ تعليمه الأساسي في مدرسة "الليسيه" الفرنسية بالقاهرة، متحصّل على بكالوريوس طب الأسنان من جامعة القاهرة عام 1980 وعلى ماجستير طب الأسنان من جامعة الينوي بشيكاجو 1985. درس الأدب الأسباني في مدريد.
ما يزال يمارس الطب في عيادته الخاصة بحي جاردن سيتي بالقاهرة. يتحدث الانجليزية والفرنسية والأسبانية، كتب المقال والقصة والرواية في معظم الدوريات المصرية.
كتب عمودا أسبوعيا للنقد الأدبي بعنوان جملة اعتراضية في جريدة الشعب المصرية ثم أصبح مسؤولا عن الصفحة الثقافية في نفس الجريدة.
كتب مقالا سياسيا شهريا في جريدة العربي الناصري المصرية على مدى أعوام. يكتب عمودا أسبوعيا في جريدة الدستور المصرية المستقلة. وحاليا يكتب عمودا اسبوعيا في جريدة الشروق الجديدة المستقلة.
من مؤلفاته الأدبية نذكر: أوراق عصام عبد العاطي، رواية 1990، الذي اقترب ورأى، مجموعة قصصية 1990، جمعية منتظري الزعيم مجموعة قصصية 1998، عمارة يعقوبيان، رواية 2002، نيران صديقة رواية ومجموعة قصصية 2004 و2008، شيكاغو رواية 2007. تحصّل على مجموعة من الجوائز العربية والغربية وتم اختياره بواسطة جريدة التايمز البريطانية، كواحد من أهم خمسين روائيا في العالم تمت ترجمة أعمالهم الى اللغة الانجليزية خلال الخمسين عاما الماضية، كما تم اختياره كأبرز شخصية أدبية في العالم العربي في استطلاع عامّ.
ترجمت أعماله الأدبية الى 27 لغة أجنبية وتصدرت رواية عمارة يعقوبيان قائمة الكتب الأعلى مبيعا في ايطاليا وفي فرنسا حيث اختارتها مجلة لير لتكون في المرتبة السادسة بين أهم 20 كتابا صدرت في فرنسا خلال عام 2006. وقد اختارتها مجلة نيوزداي الأميركية أهم رواية مترجمة في الولايات المتحدة لنفس العام.
كما تم الاحتفال مؤخّرًا ببيع مليون نسخة من رواية عمارة يعقوبيان في 23 لغة وفي أكثر من مئة دولة من دول العالم. في ناديه الأدبي ليوم الخميس، كان للعرب معه حوار مُطوَّلً نقترح عليكم بعضًا منه.
*يخلص قارئ روايتيْ عمارة يعقوبيان وشيكاغو إلى كونكم خالفتم مُجايليكم العرب في تمثلكم لتنظيرات أصحاب الرواية الفرنسية الجديدة ، هل يجوز تبعا لذلك القول إن علاء الأسواني كاتب يرفض أن تكون رواياته مجرد إهابات عربية يتخفَّى داخلَها جسد سردي غربي؟
- أعتقد أن الأمر قريب مما ذكرت. أنا طبيب عندما أمارس مهنتي أقلد فيها، إلى حدّ مّا، مهارات أساتذتي الذين علموني الطب. أما في المجال الإبداعي فلا يوجد لدي أساتذة لأن في مجال الإبداع يجب على الكاتب أن يبحث عن صوته الخاص. أنا أكتب لأهلي ولشعبي ولقرائي جميعا بفهمي الخاص للواقع المحلي والعربي والعالمي وهذا لا يمنعني البتة من الانفتاح على الآخر لأن الآخر ليس صورة لحقيقتنا يعكس ما فيها من جمال وقبح وإنما هو "آخر" مثلنا يحتاج إلى معرفتنا كما نحتاج نحن إلى معرفته في شيء من التواصل الإنساني. عندما أكتب لا أقلد أنموذجا غربيا لأن الفكرة القائلة بأن هناك كتابة حديثة وأخرى قديمة وأنّ هناك رواية غربيّة هي أسّ الرواية العربية أراها فكرة استعمارية يروّج لها البعض مقابل معاشات بعد الإحالة على سن المعاش، الكتابة الحديثة في فهمِ هؤلاء تجعل الكاتب العربي حبيس المنتج الغربي بل ويلهث وراءه ولن يدركه لأن الثقافات تختلف ولأن الذات الإنسانية تتصرف وفق تراث وحضارة مخصوصيْن. رواياتي لها اسمها العربي ولها موضوعها العربي ولها غاياتها العربية ولكنها تذهب إلى القارئ الأجنبي وتفعل فعلها فيه باعتبارها فنًّا.
*ما يميز شخصيات رواياتكم هو عدم انسلاخها عن صميم ما يكون به الإنسان مثقفا وهو الحس التاريخي الحاد والوعي الإنساني النافذ والالتزام بخدمة قضايا الحق وقضايا الشعب وقضايا الوطن. هل هذا اختيار منكم لنقدِ حال بعض المثقَّفين الذين يبيعون أفكارهم ويؤجِّرون ألسنَتَهم وأقلامَهم ومواهبَهم لجهات مّا ليتحولوا إلى محترفي ثقافة وبائعي ذكاء؟
- القول بأن هناك أدبًا ملتزما وآخر غير ملتزم قول لا يجد له ما يبرره في الواقع. أي أدب هو بالضرورة ملتزم إما بقضايا جمالية وإما بقضايا إنسانية وإما بقضايا تخييلية يحاول فيها تصنيع حياة أدبية موازية للحياة الواقعية. وفي جميع هذه الالتزامات يدافع الكاتب عن الإنسان وعن حقه في الحياة. وأعتقد أن استعمال الأدب وسيلة سياسية يمكن أن يفيد الإنسان إذا كان صاحبه يسعى إلى خدمة القضايا الكبرى التي تعانق أفق انتظار الإنسان أينما كان. المثقف العربي يتعرض لمجموعة من "الإهانات" من قبل نقاد الأدب ومن قبل الساسة ومن قبل الجمهور حتّى، ذلك أنه مطالب بتلبية رغائب كل هؤلاء على حساب تلبية رغباته الذاتية. ومن ثمة أقول إن الكاتب العربي كاتب "هموم عامة" رغما عنه. ومتى أراد أن يكتب وفق رؤيته للكون يحشُرُه الآخرون في خانةِ السلبية فيصنَّف إما جماهيريا فترفضه السلطة وإما خادما للسلطة فترفضه الجماهير وإما لا مباليا بقضايا عصره فيتهم بعدم الالتزام. أرى أن الكتابة وفق شروط مسبقة كتابة لا تنفع الأرض ومَن عليها.
*يوصف العقل العربي بالحداثي مرة وبالسلفي مرة أخرى وفي الحالين هو يعيش أزمة عامة حيث سمعنا أدونيس يقول من كردستان العراق إن الحضارة العربية تحتضر، والظاهر أن أسباب أزمة ثقافتنا وحضارتنا تعود إلى كون العقل الحداثي يسعى إلى تفكيك البنى التقليدية والشك في كل يقينياته والعقل السلفي قابع في حيز الجمود والتحجر وتقديس الماضي. هل تعتبرون هذه المفارقة سببا ساهم في عرقلة التواصل الفكري والسياسي بين الشرق والغرب؟
- بداية أنا لست مع أدونيس في تصريحه بأن الحضارة العربية تحتضر، هذا ليس موضوعيا إلا إذا كان داخلا في حيز فنطازيا الشعر. الحضارة العربية حضارة قولية قوية تدافع عن نفسها باستمرار ومثال ذلك أننا في مصر نعيش معركتين: معركة من أجل الديمقراطية ومعركة من أجل الحفاظ على هويتنا الثقافية العربية الإسلامية. أغلب المثقفين في مصر يدافعون ضد المد الوهابي السلفي الذي راح يتفشى في مجتمعنا بتسارع كبيرٍ. وهذا الدفاع يقوم على قراءة متحضرة عقلية للإسلام ولشريعته. أذكر أن المجتمع المصري توصل إلى تحرّره من أشراك الانغلاق الفكري منذ بداية القرن التاسع عشر إذ أصبح ينظر إلى الدين نظرة نيّرة لا تقوم على المغالاة بل تسعى إلى بث روح التسامح والانفتاح على الديانات الأخرى. غير أن هذا الفكر وجد معارضة من قبل فكر آخر ظهر في الثمانينات من القرن الماضي يقوم على قراءة متخلِّفة للإسلام تعادي المرأة والإنسان والمجتمع في سعيه إلى الانتصار على كل مظاهر ركوده وتخلفه. معركتنا في مصر معركتان متعاضدتان فمتى نجحت معركةُ كسبِ الحرية ستنجح بالضرورةِ رؤيتنا إلى المجتمع في تعاطيه الجديد مع الدين ومع المقدسات. ولكوني أعيش وسط هذه المعركة أرى أن المستقبل لنا: أعني للذين يريدون لمصر التطور الفكري والاجتماعي وتجاوز الأقانيم التي تمنعها بناءَ نهضتها الاجتماعية.
*يقول البعض بوجود قطيعة بين الإبداع والنقد، إلى أيّ مدى يصدق هذا القول؟
-الحق أقول إن الساحة الثقافية العربية ساحة إبداع أدبي بامتياز. ذلك أن كمَّ المنشورات في مجال الرواية والقصة والشعر والمسرح والفنون التشكيلية أكبر بكثير من كمِّ كُتب النقد ذات الصلة بهذه الفنون، وهذه مشكلة لم تكن موجودة عند العرب قبل أربعين سنة تقريبا. الآن نعيش ظاهرة تقوم على الخلط بين مهمة النقد وماهية الناقد فالملاحظ في هذا الشأن أن النقد إبداع على إبداع لا بل هو أرقى أنواع الإبداع باعتباره فعلا ينصب على النص الإبداعي فيجلو فيه معانيه ويمكنه من الاستمرار في الحياة "القرائية"، أما الناقد فهو كائن ثقافي تتوفر فيه مجموعة من الأشراط العلمية والموضوعية بما يخول له تصنيع المعنى من المقروء. والغريب في أمر ساحتنا الثقافية العربية أن النقاد فيها إمّا مقدِّمو كتبٍ واما كاتبو مقالاتٍ انطباعيّة عن كُتُبٍ و اما جامعيون يسلطون نظريات ومناهج مجلوبة من الغرب على نصوص لها هويتها العربية. وبالتالي نجد أن أغلب ما يكتب في النقد إنما هو لا يتجاوز الانطباعات الشخصية للناقد بوصفه قارئا عن المقروء دون احتكام إلى حق النص الإبداعي العربي في أن يُقْرأ قراءة تنطلق منه وتعود إليه.
*الأدب العربي وعلاقته بمقولات العولمة: كيف يمكن توصيف هذه العلاقة؟
- فكرة العولمة فكرة رأسمالية ليست خيِّرا كلها وليست شرًّا محضا. فالعولمة مجموعة أفكار تآلفت من أجل السعي إلى تنميط الذوق العام البشري بمعنى أن يرى الفرد في مصر مثلا ويشعر بالأشياء كما يراها ويشعر بها الفرد الأمريكي. ومن هنا يمكن القول بأن العولمة ضد الإبداع في جانب كبير من تعريفها. ذلك أن الإبداع فعل فردي خاص ينطلق من المحلي ويسعى إلى مراقي كونية وهو أمر يجعلني أتحفظ على استعمال لفظة "الأدب الغربي الاستعماري" لأن الغرب قد خرج في مظاهرات عظيمة من أجل نُصرة غزة والعراق وأفغانستان بالرغم من أن هذا الغرب نفسه هو الذي أنجب بوش الصغير وساركوزي ورامسفيلد كما أنجب بالمُقابل المفكّرَ نعوم تشومسكي والأحرار المثقّفين أمثالَه الذين عارضوا سياسة أمريكا الاستعمارية. ما أراه صائبًا هو أنّ العولمةَ قَدَرٌ غيرُ محتومٌ: بمعنى يمكن لنا الاستفادةُ منها إبداعيًّا إذا عرفنا طرائقَ التواصل مع مجلوباتِها الفكريّةِ. من ذلك مثلاً استخدام التِّقانة الحديثة من حواسيب وشبكة نت ووسائط تواصليّة أخرى لإيصال منتوجنا الإبداعيّ إلى الآخر دون بوّاباتٍ حكوميّةٍ يمكن أن تمنعه أو تعدِّلَ منه بما يقتل فيه مسحةَ الإبداعِ. على المثقّف العربيّ، والمبدع خاصّة، ألاّ يهرب من العولمة أو يرتمي في أحضانِها، عليه فقط أن يفكِّرَ في كيفية استغلالِ فلسفتها دون الذوبان في حوامِضِها الكثيرةِ.
عبد الدائم السلامي
المصدر: العرب أون لاين
إضافة تعليق جديد