قداس ديني كبير بالذكرى المئوية الـ 16 لمار مارون في براد بحلب
بمناسبة الذكرى المئوية السادسة عشرة لوفاة القديس مارون أقيم في بلدة براد بمحافظة حلب أمس قداس ديني كبير في إطار الاحتفالية الدينية (الحج إلى الينبوع) بحضور العماد ميشيل عون رئيس تكتل التغيير والإصلاح في مجلس النواب اللبناني ومشاركة أكثر من عشرة آلاف حاج لبناني وحشد كبير من المواطنين السوريين.
وأكد المطران يوسف أنيس أبي عاد رئيس الطائفة المارونية بحلب أهمية هذه الاحتفالية والدلالات والمعاني التي تحملها لجهة إحياء تراث مار مارون والدعوة لقيم الخير والتقوى والفرح الروحي والإنساني التي كان ينادي بها .
وأضاف المطران أبى عاد: إننا في سورية ولبنان نذكر أشقاءنا في فلسطين والعراق وتونس ومصر وندعو الله أن تصل هذه الدول إلى حلول تحقق الخير والاستقرار والسلام مضيفاً إننا نشكر الله على أننا نعيش في سورية حياة وئام ومودة وتحابب معربا عن شكره للسيد الرئيس بشار الأسد على اللفتة الكريمة بتخصيص قطعة ارض في بلدة براد من أجل إنشاء كنيسة.
بدوره قال العماد عون في كلمة له إن هذه الأرض حضنت أناساً آمنوا بالله ومنها كانت بداية الإشعاع المسيحي وفى هذه المنطقة تعانقت فيما بعد الأديان السماوية وتناغمت وتماهت فيما بينها. وأضاف: لقد أصبح الحج إلى الينبوع حقيقة يعيشها المسيحيون المشرقيون وقد أتوا آلافاً لإحياء تراثهم وللقاء أخوة وأخوات لهم في الدين والدنيا من شعب سورية المضياف وما هذه إلا البوادر الأولى لإحياء التراث الحضاري المشترك الذي نشأ وتطور انطلاقا من انطاكية إلى سائر المشرق وعم العالم كله.
وخاطب العماد عون المشاركين في القداس قائلاً: لقد أصبحتم خميرة هذا المشرق ورواد هذا المشروع الكبير الذي بدأناه معكم منذ ثلاث سنوات... إن مشروعنا لم يكن هدفه نفعياً بل خروجكم من عزلة فرضت عليكم ومن تبعية من تاجروا بمصيركم لإعادتكم إلى محيط أساساً هو محيطكم الذي تلاقت فيه ديانتانا المسيحية والإسلامية فكونتا معاً منطلقاً من الإيمان بالله ومن التمسك بالقيم الإنسانية وبالإرث الحضاري.
وقال عون: نحن من إرث ديني واحد فالقرآن الكريم يقول: يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم.. وها أنتم أيها المشرقيون تجيئون إلى الكلمة السواء التي تجمع فيما بيننا والتي سنبني على أساسها وطناً عاصياً على التفرقة والخلاف مشيرا إلى انه في الوقت الذي شهدت فيه المنطقة مأساة تفجير كنيسة في بغداد وأخرى في الإسكندرية على يد إرهابيين مهما كان انتماؤهم لتثبيت نظرية الإسلاموفوبيا تأتي رحلة الحج هذه لتدحض هذه النظرية ولتعلن للعالم أن هاتين الديانتين العظيمتين تلتقيان على مبدأ واحد هو محبة الله والوطن والإنسان. وأضاف عون: لم يستطع أحد أن يغربنا عن تراثنا وثقافتنا وهويتنا في هذا المشرق الذي قدم الأبجدية والحرف والمعرفة ولن يستطيع أحد أن يأخذنا إلى خيارات مغايرة لمصلحة شعبنا ومجتمعنا.
وقال عون: إن ما نقوم به اليوم يشكل منطلقا للحركة المشرقية التي ستعم جميع الدول المحيطة ليصبح هذا المكان وقلعة سمعان وكل منارة مسيحية كانت أو إسلامية معلماً وتراثاً إنسانياً ليس فقط للمشرقيين ولكن للعالم أجمع.
وكان العماد عون ومحافظ حلب المهندس علي احمد منصورة قد أزاحا الستار عن اللوحة التذكارية للأرض التي تم تخصيصها للكنيسة المارونية لبناء مجمع كنسي عليها في منطقة براد.
وعبّر العماد عون عن شكره للرئيس الأسد ولسورية دولة وشعباً لهذه الجهود التي قدمتها ليصبح هذا المجمع مسكنا لضريح مار مارون.
حضر القداس عدد من الوزراء اللبنانيين الحاليين والسابقين وعدد من أعضاء مجلس النواب اللبناني ورؤساء الطوائف المسيحية في حلب.
المشاركون في الاحتفال:
سورية أرض الجذور وملتقى الأديان والثقافات
وأكد المشاركون في الاحتفال أن سورية هي حقاً أرض الجذور ومهد الحضارات وتعانقت فيها الأديان والثقافات.
وقد عبّر العماد عون عن سعادته بهذه المناسبة التي تحيي التراث المسيحي والثقافة المشتركة التي طورتها المنطقة.
وشكر العماد عون السيد الرئيس بشار الأسد وسورية على الجهود المبذولة ليصبح هذا الحج ممكناً إلى ضريح مار مارون في براد.
ورداً على سؤال عن أثر العلاقات الدينية على الشعبين السوري واللبناني في المنطقة العربية والعالم مستقبلاً قال عون: أعتقد أننا نطور ثقافة جديدة اليوم، نكذّب ما يروّج عن صراع الديانات والحضارات، لأن هناك حضارة إنسانية واحدة ويجب أن نعرف كيف نطورها، وأعتقد أن المشرق الذي أعطى الفكر الديني للعالم باستطاعته وحده أن يقدم النموذج المستقبلي لعلاقة البشر فيما بينهم.
كما التقينا عدداً من مرافقي العماد عون والإخوة اللبنانيين الذين زاروا براد للمشاركة في هذا الاحتفال الديني الكبير.
من جانبه قال الدكتور كميل خوري نائب سابق وعضو في التيار الوطني الحر: نحن هنا للاحتفال بإزاحة الستار عن الهبة التي قدمها الرئيس بشار الأسد مشكوراً للطائفة المارونية ولأبرشية حلب، وهذه مبادرة ليست غريبة عن الرئيس الأسد ولا عن الشعب السوري، وهي تزيدنا تشبثاً نحن أبناء المشرق العربي للوقوف بوجه الهجمات التي تحاول التفريق فيما بيننا وهي رد قاس سيتتالى يوماً بعد يوم ليثبت قناعتنا بتمسكنا بقيمنا وبمحبتنا لأبناء هذه المنطقة، التي انبثقت منها رسالة القديسين الأوائل والتعايش بمحبة مع جميع الطوائف ولكل المذاهب.
وقالت السيدة نهى عون: حضرنا إلى هنا للاحتفال بعيد مار مارون والحج على أصول ومؤسس الموارنة في هذا المكان المبارك وهذه المنطقة التي عاش فيها وهي منطقة أثرية ومهمة وتكشف كيف عاش فيها آباؤنا وأجدادنا في الماضي وأرى أنه من المهم جداً أن تتوثق علاقات الشعوب مع بعضها بمثل هذه الصلات والمناسبات.
كما قال الكاتب والمحلل السياسي جوزيف أبو فاضل: إن وجودنا هنا يعني العودة إلى الجذور، والوقوف إلى جانب أهلنا ومن ليس له جذور ليس له مستقبل ومن لم يحافظ على حاضره ليس له مستقبل ونحن هنا لنحافظ على هذا الأصل. مضيفاً: سورية هي مهد الحضارات وهذا الأمر يعرفه القاصي والداني وهذه المناسبة ستصب في خانة كل الاتجاهات الإيجابية التي تحولت فيها سورية إلى محور ومرتكز جميع النشاطات العربية والدولية والعالمية، وجميعنا يدرك أن العلاقات السورية ـ اللبنانية تسير بالاتجاه الصحيح، وما كان يقال سابقاً عن اختلاف الرؤى في هذه العلاقات أصبح اليوم غير مقبول ومرفوضاً كلياً. وهذا ما تؤكده اليوم زيارة نحو 11 ألف لبناني إلى هذه المنطقة (براد) التي ستؤسس لعلاقات أكثر تطوراً في المستقبل، حيث من المتوقع أن يزور هذا المكان في العام القادم نحو 20 ألف زائر إن شاء الله.
وقال الكاتب الصحفي غسان الشامي: عندما أتيت إلى هذا المكان قبل أربعة عشر عاماً لم يكن بخاطري أن هذه المدينة الميتة التي تسمى براد ستعود إلى الحياة، منذ اكتشافنا ناموس مار مارون وخلال 10 سنوات قدمت سورية قيادة وشعباً للجهود التي بذلناها كل خير ولم أحسب مرة واحدة إلا أنني بين أهلي وإخوتي، شكراً لسورية لما قدمته.
كما تحدث بعض الأشقاء اللبنانيين عن خصوصية الزيارة إذ قال السيد حنا فارس الغفاني: إنها المرة الثانية التي أزور فيها براد حيث جذورنا المارونية، فقد زرتها عام 2008 وها أنا أعود إليها فأحج إلى أرض الجذور والينبوع لنشهد اهتماماً بالغاً من الحكومة السورية، ولاسيما لجهة تحسين الخدمات في القرية ما يسهم في جذب المزيد من السياح الذين يودون زيارة مار مارون أثناء الحج وفي الأيام العادية الأخرى. وأضاف: إن الشيء المميز في هذه الزيارة هو أننا شهدنا وضع حجر الأساس للكنيسة في براد والتي ستكون بعون الله من أهم المعالم الدينية والسياحية. في حين قالت المدرسة بولين الحكيم التي تزور براد لأول مرة: إن وضع حجر الأساس لكنيسة في براد من شأنه إظهار المزيد من الجوانب التاريخية المشتركة.
وأشارت السيدة هدى عفيف إلى أن هذه السنة مميزة جداً نظراً لكثرة الحجاج والراغبين من اللبنانيين بزيارة الحج في براد رغم أن ظروف النقل في لبنان لم تسمح للكثيرين بالمجيء، وقالت: لكن بالمقابل نثمن دور الجهات السورية في تسهيل مختلف الإجراءات الخاصة بدخول قوافل الحجاج إلى سورية وتوفير كل مستلزماتهم.
وقال السيد مروان مطرف: جئت إلى بلدي سورية ولم أشعر على الإطلاق بأنني خارج لبنان حيث لمسنا كرم الضيافة والاهتمام بنا بدءاً من مغادرة لبنان وصولاً إلى براد مرقد مار مارون. وأضاف: إن الحضور الشعبي المميز لهذا العام هو السمة البارزة، مشيراً إلى أن آلاف اللبنانيين تمنوا حضور وضع حجر الأساس للكنيسة في براد إلا أن الحافلات في لبنان لم تعد تكفي منوهاً بحرارة الاستقبال الشعبي من الأهالي وبحرارة الإيمان والتسامح والتآخي المشترك بين الديانتين الإسلامية والمسيحية.
السادة الياس ماضي وسبع سعادة وريتا سعادة قالوا: تعرفنا على براد مرقد أبي الطائفة عن طريق الإعلام لكننا (اليوم) إلى جواره فعلياً نرى رأي العين المجردة ونعيش الواقع الذي عاشه مارون، كنا في زياراتنا إلى سورية مقصرين في زيارته لأن زيارتنا كانت دائماً إلى معلولا وصيدنايا وباقي المواقع الأخرى. ونتمنى أن يكون حجنا القادم إلى بيت المقدس في القدس الشريف.
عز الدين النابلسي- تحسين ناصر
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد