منظّمات حقوق الإنسان السورية... بعض ما لها وما عليها

03-10-2007

منظّمات حقوق الإنسان السورية... بعض ما لها وما عليها

شهدت سوريا في السنوات السبع الماضية، ظهور عدد لا بأس به من منظّمات وجمعيات حقوق الإنسان مثل «المنظمة العربية لحقوق الإنسان»، و«المنظمة السورية (سواسية) لحقوق الإنسان»، و«جمعية حقوق الإنسان في سوريا»...، وجميعها أدّت دوراً مهمّاً في رصد انتهاكات السلطات لحقوق الإنسان، كما ساهمت ـــــ وإن بشكل مجزوء ـــــ في نشر ثقافة حقوق الإنسان ضمن الظروف الموضوعية التي عايشتها ورافقتها.
ولئن كان ظهور هذه المنظّمات وتلك الجمعيات حديث العهد من حيث كثافة تواجدها في سوريا، إلا أنه كان للسوريين تجربتهم (المتواضعة) في هذا المجال في القرن الماضي، إذ عرفت سوريا «الرابطة السورية للدفاع عن حقوق الإنسان» في خمسينات القرن الماضي، فضلاً عمّا شهدته نقابة المحامين السوريّين عام 1978 من حراك واسع النطاق داخل تلك النقابة، كان من جملة ما نادى به ذلك الحراك: احترام الحريات الأساسية، وحقوق الإنسان، وضمان سيادة القانون، واستقلال القضاء، وإلغاء المحاكم الاستثنائية، واعتبار جريمة التعذيب مخلّة بالشرف. كما طالب ذاك الحراك بتشكيل لجنة خاصة في فرع نقابة المحامين مهمّتها رصد جميع الأعمال التي تشكّل تجاوزاً على حقوق المواطن وحريته. إضافة إلى ما سبق، شهد القرن الماضي أيضاً ولادة «لجان الدفاع عن حقوق الإنسان» التي كان في مقدّمة مؤسّسيها كلّ من النشطاء: عفيف مزهر، نزار نيوف، جديع نوفل، محمد حبيب، يعقوب موسى... وهي شبيهة بلجان كانت قد نشأت في الأردن، وقد تعاملت السلطات بقسوة مع أولئك النشطاء، إذ زُجّ بهم في السجون، وكان آخر من أُطلق سراحه منهم نزار نيوف عام 2000.
وبالعودة إلى نشاط حقوق الإنسان في السنوات السبع الماضية، يمكننا تسجيل بضع ملاحظات على عملها:
أوّلاً: لقد استطاعت رصد انتهاكات حقوق الإنسان في البلاد، سواء كان في عملها اليومي أو من خلال تقاريرها السنوية.
ثانياً: استطاعت، وبزمن قياسي، نسج شبكة من العلاقات الوطيدة مع المنظمات العالمية مثل «منظمة العفو الدولية» و«صحافيون بلا حدود» و«كتّاب بلا حدود» و«اتحاد المحامين الدوليين» و«مركز القاهرة لحقوق الإنسان» و«مركز البحرين» و«هيومان رايتس ووتش» وسواها.
ثالثاً: تمكنّت من خرق سياسة التعتيم الإعلامي التي كانت مفروضة عليها في بداية عملها، وبهذا باتت تصدر بياناتها في عدد من المواقع الإلكترونية منها ليس محسوباً لا على المعارضة ولا الموالاة كموقع «الجمل» الإلكتروني ونشرة «كلنا شركاء في الوطن»... حتى أصبحت بعض الصحف المستقلّة والمقرّبة من السلطات ـــــ بطبيعة الحال ـــــ تنشر بعض بياناتهم كصحيفة «الوطن» السورية.
رابعاً: رغم عدم اعتراف السلطات بوجودها بشكل رسمي، استطاع معظمها أن يلقى التجاوب من المؤسّسات الرسمية التي تسلّط الضوء على أخطائها وهفواتها، ولا سيما ما ينعكس منها على صحّة المواطن ووضعه المعيشي أو ما يتعلّق بالآثار، مثل ذلك تجاوب بلدية مدينة جبلة مع المنظّمة السورية لحقوق الإنسان في ما يتعلّق بالبيان الذي أصدرته المنظّمة المذكورة بخصوص مدرّج جبلة الأثري ودعوة مجلس مدينتها رئيس المنظمة لزيارة الموقع، وكذلك تجاوب إحدى مؤسّسات المياه مع جمعية حقوق الإنسان السورية.
خامساً: نشرها لثقافة حقوق الإنسان وإن كان بالحدود الدنيا، وذلك نظراً إلى معاناتها من ترسانة القوانين المكبّلة للحريات العامة من جهة، والبنية الأمنية للدولة الشديدة الحساسية إزاء هكذا نوع من الأنشطة من جهة أخرى.
رغم ما سلف ذكره، تعاني تلك المنظّمات من بعض الثغر والعيوب، منها: عدم تعاطي الكثير من أهالي ضحايا الاعتقالات التعسفية مع تلك الجهات الحقوقية خوفاً على أنفسهم من أية مساءلة أمنية قد يتعرّضون لها، ويمكننا القول هنا إنّ عدم تعاون بعض ذوي الضحايا مع هذه المنظّمات إنّما يعكس كذلك عدم اكتراث بوجودها أو إدراك لأهميتها وليس فقط خشية المساءلة الأمنية. وكذلك، فمن العيوب التي تشكو منها في معظمها أن غالبية الناشطين فيها هم من ذوي خلفيات سياسية وأيديولوجية، وهذا أمر طبيعي ومفهوم لكون جلّهم له خبرة وجرأة العمل في الحقل العام على نقيض الآخرين. غير أنّ الكثير من أولئك النشطاء تماهى لديهم العمل الإنساني الحقوقي بالموقف السياسي الذي يتبنّونه إزاء فئات قد يكونون على خصومة سياسية معها.
وقد تجلّى ذلك في عدة مواقف، منها على سبيل المثال لا الحصر، صمت تلك المنظمات ـــــ من دون استثناء ـــــ عن مواقف بعض القوى اللبنانية المعارضة للنظام السوري بما تنطوي عليه تلك المواقف من دعوات صريحة لدولة جارة لسوريا بغية جرفها أو تحريض الشعب السوري على قتل رئيس بلاده، وهذا ما دعا إليه أحد رموز 14 آذار اللبنانية في أواخر العام الماضي وسط صمت مطبق من قبل جميع العاملين في حقوق الإنسان سواء أكانوا داخل سوريا أم خارجها. ولا شكّ أنّ ذلك الصمت لا يمكن تفسيره سوى بازدواجية المعايير لدى تلك المنظمات والجمعيات، وتلك الازدواجية ناجمة عن تماهي الموقفين السياسي والإنساني، وعدم المقدرة على الفصل بينهما.
كما يلاحَظ انتقائية تلك الجمعيّات والمنظّمات للأشخاص المضطهدين الذين تدافع عنهم وتتبنّى قضيّتهم؛ فعلى سبيل المثال، جميع المنظّمات الموجودة داخل سوريا لم تصدر بياناً واحداً عن اعتقال الشاعر الشاب فراس سعد رغم أنه معتقل منذ قرابة العام. والجهة الوحيدة التي أثارت خبر اعتقاله في حينه هي «المجلس الوطني للعدالة والحقيقة» ومقرّه في فرنسا. وقبيل كتابة الشاعر منذر المصري عنه في صحيفة السفير، لم يتطرّق أي كاتب سوري إلى خبر اعتقاله في حينه، بمن فيهم كاتب هذه السطور.
لكن أسوأ ما اقترفته بعض تلك المنظمات، هو استخفافها بعقل المواطن السوري إبان إصدارها لتقريرها السنوي، وهذا ما فعلته المنظّمة الوطنية السورية لحقوق الإنسان في تقريرها السنوي، حيث حشدت فيه كمّاً هائلاً من المغالطات وحتى الأكاذيب بغية إحداث نوع من الإثارة وسط الرأي العام المحلي والخارجي، وقد رصد موقع «الحقيقة»، تلك المغالطات بدقّة متناهية تحت مقال مطوّل بعنوان «تقارير حقوق الإنسان: هل يمكن الوثوق بها؟» (راجع نشرة «كلنا شركاء في الوطن» بتاريخ 12و13 تموز 2007).
ختاماً، بغضّ النظر عمّا حقّقته تلك المنظّمات والجمعيات من حضور معنوي وواقعي من خلال رصدها للانتهاكات التي تحدث هنا أو هناك بحقّ المواطنين السوريّين، ورغم ما سبق ذكره عن عيوب وثغر عند تلك المنظّمات، وبمنأى عمّا يمكن أن يُقال في بعض القائمين عليها، إلا أنّ وجودها خير من عدمه، وواجب المثقفين والناشطين دعمها من خلال نقدها بغية تلافي الأخطاء، وأيضاً من خلال الضغط على السلطات المعنية في سوريا بغية الاعتراف بوجودها من خلال الترخيص لها والسماح لها بالعمل بطريقة شرعية وقانونية وعدم اكتفاء تلك السلطات بسياسة غضّ النظر عنها.

أبي حسن

المصدر: الأخبار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...