العدوان يبدأ بـ200 غارة بمساندة خليجية وأردنية من دير الزور إلى أطراف حلب
سوريا ساحة حرب دولية على تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش»، من دون تنسيق مسبق، وتبادل أدوار عربي ـ أميركي، وطائرات أميركية وأردنية وإماراتية وبحرينية وسعودية ودعم لوجستي من قطر.
وكشف الأردن عن قصفه مواقع على الحدود مع سوريا والعراق، فيما بررت السعودية المشاركة في الغارات بدعمها للمعارضة السورية «المعتدلة»، في حرب مجهولة المدّة كما قال الرئيس الأميركي باراك أوباما، في رسالة إلى الكونغرس.
وقال أوباما، الذي التقى وزراء خارجية الدول العربية المشاركة في الضربات، «من المتعذّر معرفة مدة هذه العمليات وإعادة الانتشار. سأواصل إدارة مثل هذه الإجراءات الإضافية حسب الضرورة لحماية وتأمين المواطنين الأميركيين ومصالحنا في مواجهة التهديد الذي يشكله تنظيم الدولة الإسلامية».
وتحمل الغارات صفة العدوان، لانعدام استنادها لأي قرار دولي، وخلو قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2170 من أي حق بأي عمل عسكري، واضطرار الولايات المتحدة إلى تبريرها، في رسالة مندوبتها لدى الأمم المتحدة سامنتا باور برسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، بالفقرة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، الذي يعطي للدول الحقوق الفردية والجماعية بالدفاع عن النفس ضد الهجوم المسلح.
وسجلت الرادارات السورية دخول 36 طائرة أميركية وخليجية وأردنية الأجواء الشرقية لسوريا في الموجة الأولى، عند فجر أمس، فيما شاركت عند الصباح 16 طائرة في هجمات الموجة الثانية. وخصّ الأميركيون «جبهة النصرة» بصواريخ «توماهوك» التي دمّرت مخازن ضخمة للذخيرة في كفردريان عند منطقة متداخلة بين ريفي حلب الغربي وريف إدلب الشمالي، فقتلت 15 مقاتلاً من «النصرة»، منهم محسن الفضلي «الكويتي»، أحد قادة «النصرة»، وأبادت عائلة سورية من ثمانية أفراد. وأشارت التقارير إلى مقتل نحو 120 من «الجهاديين» في الهجمات.
وقال مصدر سوري معارض إن نشطاء من المعارضة زودوا غرف العمليات، في أنطاكيا، بمعلومات وافية عن بنك الأهداف، فيما لم تتوقف طائرات الاستطلاع الأميركية، عن التحليق في الأيام الأخيرة فوق ريف حلب الغربي وشرقي سوريا. وقال مسؤول أميركي إن 200 غارة وضربة بصواريخ «توما هوك» قد نفذت خلال فترة زمنية بلغت 90 دقيقة. واطلقت الصواريخ من الخليج العربي والبحر الأحمر.
وتبدو خريطة الأهداف التي توجّهت إليها الطائرات قد دُرست بعناية، لمنع الجيش السوري من الاستفادة من نتائجها في الوقت الحاضر، خصوصاً في الشرق السوري، حيث تتباعد الأهداف التي دمّرت لـ«داعش»، عن خطوط إمداد الجيش السوري الأقرب جنوب الحسكة، أو ما تبقى من هذه الخطوط بعد سقوط مطار الطبقة، ومقر «الفرقة 17» في الرقة و«اللواء 93» في عين عيسى.
وقصف التحالف كل هذه المواقع التي دخلها «داعش» بعد سقوطها، آب الماضي، لا سيما مطار الطبقة العسكري. وتعرّضت الرقة لـ 18 غارة، استهدفت المدينة ومقار أخلاها التنظيم في المحافظة ومعسكر الطلائع، ومبنى لأمن الدولة قريب من المستشفى الوطني. كما تمّ قصف ممر الهول مع العراق الذي يعد خط تجميع الغنائم العراقية لـ«داعش» لتمريرها إلى سوريا. كما تعرضت دير الزور وأريافها إلى 30 غارة، ووقعت غارتان على منطقة البوكمال، وثلاث غارات على جنوب الحسكة.
وشن التحالف غارات على أرتال لـ«داعش» في تل ابيض، لكن من دون تعريض الاستراتيجية التركية للخطر، إذ أن الأرتال المستهدفة تقاتل عدو أنقرة، «وحدات حماية الشعب الكردية» في منطقة رأس العين، فيما لم تتعرض التعزيزات التي تحاصر عين العرب (كوباني)، لأي هجوم. وكان الهجوم على عين العرب قد تباطأ بفعل تقدم الأكراد نحو رأس العين، وفتح جبهة ثانية في أريافها، لتخفيف الضغط عن عين العرب.
ولم تقدم الغارات الأولى إلى الجيش السوري إمكانية تحقيق مكاسب مباشرة وقريبة، فيما قال مسؤول أميركي «إنها ليست سوى البداية» لما سيكون حرباً في سوريا على «داعش»، مرفقة بخريطة أهداف تحرم الجيش السوري من الاستفادة من أي مزايا عسكرية أو ضربات توجه إلى «الدولة الإسلامية»، أو منحه أي فرصة لملء أي فراغ محتمل في مناطق قد ينسحب منها «داعش»، كما أظهرت ضربات الأمس في دير الزور والرقة وريف ادلب والحسكة، من دون أن تملك بدائل واضحة أو جاهزة، ما يوحي أن الحرب ستكون طويلة ومتزامنة مع محاولات لخلق «جيوش محلية»، إن وجدت.
ولم تنتظر الطائرات الأميركية ولا الخليجية أو الأردنية، خروج الوحدات الأولى «للمعارضين السوريين المعتدلين» من معسكراتهم في الطائف السعودية ليتحوّلوا إلى سند للعمليات البرية، التي يرفض الأميركيون المساهمة فيها. وتقول مصادر إن تهديدات باختراق «داعش» للجنوب الأردني، خصوصاً في معان، التي يتمتع فيها ببيئة عشائرية مبايعة وحاضنة، قد عجّلت في توجيه الغارات، كما عجّلت بها احتمالات عودة التيارات السلفية الأردنية إلى الالتفاف حول «الدولة الإسلامية» الذي وقف ضده بعض رموزه، كأبي محمد المقدسي أو أبو قتادة الفلسطيني، وتغيير مواقفهم بعد إشهار الحرب الأميركية - الخليجية عليه.
وبيّنت غارات الأمس أن الرهان على تشكيل تلك القوة، التي أقرها الكونغرس، لا تأخذه واشنطن نفسها على محمل الجد، ناقلة إياه مجدداً إلى الجماعات الملحقة بالسعودية، مثل «الجبهة الإسلامية»، وليس قطر، خصوصاً أن الأميركيين فاجأوا «النصرة» التي تدعمها الدوحة، بضربات بصواريخ «توماهوك» استهدفت «مجموعة خراسان»، التابعة للجبهة في ريف ادلب، من دون أن يشفع لها، لا وقوفها في تلك المنطقة إلى جانب «الجبهة الإسلامية» ضد «داعش»، ولا انعدام أي علاقة لها بـ«غزوة الموصل» أو تهديد العراق، أو تخلّيها عن أي عمليات إرهابية ضد المصالح الأميركية، وتسهيلها بطلب قطري تسليم رهينتين غربيتين، عبر إسرائيل، في الآونة الأخيرة والمطالبة برفعها عن لائحة المنظمات الإرهابية.
ويعني ذلك فشل محاولة الدوحة إعادة تأهيل «النصرة»، ورفض المخابرات الأميركية استراتيجية المعارضة السورية بضم زعيمها أبو محمد الجولاني إلى لائحة التحالف لأن «مجموعة خراسان»، التابعة إلى تنظيم «القاعدة»، التي استهدفتها الصواريخ في سوريا، «كانت تعدّ لهجمات إرهابية ضد مصالحنا» بحسب المسؤولين الأميركيين.
وجليٌّ أن ضرب «النصرة» لا يمكن أن يجد تفسيراً في القرار 2170 الذي جمعهما في جبهة الإرهاب معاً، وفي ادلب تحديداً، إلا بوجود استراتيجية للمخابرات الأميركية لضرب «داعش»، لإنقاذ حلفائها في «جبهة ثوار سوريا» أولاً، وتأهيل زعيمها جمال معروف ليتصدر مجدداً «القوة المعتدلة»، بعد أن تعرض إلى سلسلة هزائم في معقله الادلبي، على يد «النصرة»، ومحاولة اغتيال نجا منها بمعجزة.
واتهمت «النصرة» «جبهة ثوار سوريا»، بالتنسيق مع التحالف وتسهيل ضرب مواقعها في كفردريان، التي تقدّم إليها مقاتلو جمال معروف، بعد انتهاء الغارات.
وباستثناء بعض التبديلات البسيطة، التي لا تقدم للمعارضة السورية، في حالتها الراهنة من الانقسامات والتبعية لدول التحالف، أي ميزة إضافية، إذا ما تم ضرب «النصرة»، لأنها تحسب ركناً كبيراً من قوتها المسلحة، ولأن ضرب «النصرة» يعني ضرب المعارضة، فإن الغارات لا تقدم أيضاً، حتى الآن، أي مزايا عسكرية للمعارضة المسلحة، ولا تبين مَن هي القوى التي يراهن عليها التحالف، لملء الفراغ الذي قد ينتج عن الغارات، في غياب أي قوة عسكرية للمعارضة السورية، من أي طبيعة كانت، سلفية «جهادية»، مثل «الجبهة الإسلامية»، أو «معتدلة» من بقايا «الجيش الحر» أو «حركة حزم»، خصوصاً في الشرق السوري.
وقد يلعب الأميركيون ورقة العشائر السورية لملء فراغ «داعش»، إذا ما توصلت الغارات إلى إخراجه من المنطقة، خصوصاً أن تعيين التحالف الجنرال جون آلن منسقاً له يشير إلى خبرته السابقة في إنشاء «الصحوات» في العراق، والاستفادة منها لتكرار التجربة في دير الزور والرقة. لكن الولايات المتحدة، ومعها السعودية والأردن، اختبرت قبل عامين فكرة إنشاء جيش عشائري، يقوده ويموله أحمد الجربا، الذي سلّم رئاسة «الائتلاف الوطني السوري» المعارض، بناء على رهان عشائري، من دون أن يتقدم خطوة واحدة، فضلاً عن الخلاف الكبير بين عشائر الأنبار وعصبياتها، التي جرى تأجيجها سعودياً في عراق «شيعي»، وعشائر الجزيرة السورية، التي فقدت الكثير من قوتها وتلاحمها في سوريا خلال العقود الأربعة الماضية، وهزمت في المواجهات مع «داعش» في دير الزور، وتعرّضت إلى مذابح، وبايع من نجا منها زعيم «الدولة الإسلامية» أبو بكر البغدادي.
وجاءت غارات التحالف عدواناً جلياً على السيادة السورية، إذ جرت من دون تنسيق مسبق أو قرار دولي ملحق بالقرار 2170 ، على 53 موقعاً لـ«داعش» وأربعة مواقع لـ«النصرة».
وبالرغم من ذلك حرصت واشنطن ودمشق على التعاطي مع الغارات بمرونة متبادلة. إذ استخدم الأميركيون قناة «الشرعية الدولية» في الأمم المتحدة لإبلاغ سوريا عبر مندوبها بشار الجعفري بالغارات، فيما كان وزير الخارجية الأميركي جون كيري، يطلب من نظيره العراقي إبراهيم الجعفري إبلاغ دمشق بقرب وقوعها.
وأرفقت الرسالة بتصريح سامنتا باور تولّي التحالف الأميركي العربي الغارات «لأن سوريا أظهرت أنها تعجز ولا تريد التصدي لتكوين «داعش» ملاذات آمنة له على أرضها».
وكان لافتاً أن تكون ردود فعل حلفاء دمشق أشدّ تمسكاً بالتنسيق المسبق من بيان وزارة الخارجية السورية التي اكتفت بالحديث عن إبلاغها مسبقاً بالعمليات لا أكثر. إذ رفضت طهران الغارات بوضوح ورأت أنها تنتهك سيادة سوريا. وقال نائب وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إن «أي تحرك عسكري في سوريا من دون موافقة حكومتها أمر غير مقبول». وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قد ذكّر بان كي مون، بأنه لا بد من التنسيق مع دمشق قبل أي تحرك ضد الإرهاب.
وأعلن مسؤول إيراني رفيع المستوى أن الولايات المتحدة أبلغت إيران مسبقاً بنيتها توجيه ضربات للمتشددين في سوريا، وأنها لن تستهدف القوات السورية. وقال «نوقشت هذه القضية للمرة الأولى في جنيف، ثم نوقشت باستفاضة في نيويورك، حين تمّت طمأنة إيران بأن (الرئيس بشار الأسد) الأسد وحكومته لن يكونا هدفاً في حال أي عمل عسكري ضد داعش في سوريا». وتابع أن إيران جرى إبلاغها بصورة منفصلة مسبقاً بالضربة الجوية.
وسألت «رويترز» مسؤولاً في وزارة الخارجية الأميركية، بشأن التطمينات بأن القوات السورية لن تُستهدف، فقال «لقد نقلنا نياتنا ولكن لم نبلغ الإيرانيين بالتوقيتات المحددة ولا الأهداف. كما قلنا، لن ننسق أي عمل عسكري مع إيران. وبالتأكيد لن نطلع إيران أيضاً على أي معلومات مخابرات».
ورحّب الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، لدى وصوله الى نيويورك، بالضربات، مؤكداً أن أنقرة يمكن أن تقدم دعماً عسكرياً ولوجستياً للحملة العسكرية. وقال «إنني أنظر إليها بشكل إيجابي. ومن الخطأ أن تتوقف. يجب أن تستمر خريطة الطريق هذه».
محمد بلوط
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد