مجلس حرب أميركي لمواجهة طويلة تتجاوز عين العرب
يبدو أن الحرب الاميركية في الوطن العربي قد باتت على أعتاب مرحلة جديدة، أذن لها بالأمس مجلس الحرب الذي عقده الرئيس الاميركي باراك اوباما مع قادة جيوش «التحالف الدولي» في واشنطن، لبحث السيناريوهات العسكرية المستقبلية، بما يشمل خيار التدخل البرّي... أو بمعنى اصح عودة الاحتلال!
هي مرحلة جديدة من شأنها أن تحسم الجدل بشأن الفرضيات القائلة بأن التدخل العسكري ضد تنظيم «داعش» في سوريا والعراق سيستغرق سنوات طويلة قد تشهد نكسات، بشهادة اوباما نفسه، في وقت يقترب شعار «الدولة الإسلامية باقية وتتمدد» الذي يرفعه التنظيم المتشدد من أن يصبح حقيقة ثابتة، بعدما راحت عصاباته التكفيرية تدق ابواب بغداد وحلب، بما تحمله هاتان المدينتان من رمزية لـ«دولة الخلافة» التي صارت مساحتها توازي نصف العراق وثلث سوريا.
ويبدو مؤكداً أن اجتماع الحرب الاميركي، الذي يملي فيه باراك اوباما على قادة جيوش العالم، بما في ذلك لبنان، خريطة العمليات العسكرية للمرحلة الجديدة من الحملة العسكرية ضد «داعش» ـ او ربما عبر «داعش» ـ فإنّ خطط العمليات قد تخفي وراءها خريطة طريق سياسية يجري الإعداد لها في مراكز القرار الدولية والإقليمية، يمكن استشرافها من التطورات السياسية والميدانية الاخيرة مع مرور ثلاثة اسابيع على بدء الضربات الجوية على سوريا ـ وهي ضربات اميركية بنسبة 90 في المئة وفقاً لإحصاءات البنتاغون ـ واكثر من شهرين على بدء الغارات في العراق.
وفي وقت ترتسم ملامح الخريطة الجديدة، من نينوى والأنبار وبغداد شرقاً، مروراً بدير الزور والحسكة والرقة وحلب، وصولاً إلى محور شبعا ـ عرسال غرباً، يبدو ان ثمة قراراً اتخذه العرب بالإجماع في هذه المعركة المصيرية، وهو الغياب.
ومن أبرز مظاهر هذا الغياب أن الطبقة السياسية في لبنان تخوض مناورات استعراضية تنذر بفراغ دستوري، رئاسي وبرلماني، فيما التنظيمات الارهابية تعبث على الحدود وفي الداخل وتحتجز اكثر من 30 عسكرياً، و«حكومة وحدة وطنية» في العراق ما زال اقطابها مختلفين على وزارتي الداخلية والدفاع فيما العصابات التكفيرية على بعد اميال قليلة من بغداد، واطراف متناحرة في سوريا ما زالت ترفض الاعتراف بالواقع الجديد، وتأبى تقديم تنازلات متبادلة من شأنها أن توقف النزيف المستمر منذ اكثر من ثلاث سنوات.
وعلى تخوم نيران الجحيم «الداعشي»، يعمد عرب «التحالف الدولي» الخليجيون، إلى تجديد الصراع مع ايران، من سوريا والعراق وصولاً إلى اليمن، وها هم اليوم مختلفون على مقاربة موحدة ازاء الوحش التكفيري، فيما فرضت التحديات الامنية، على المحور الممتد بين الصحراء الليبية وشبه جزيرة سيناء، تحييد مصر، بما تمثله من ثقل جيوسياسي تاريخي، عن المعركة الجارية في المشرق العربي، في وقت تخوض قيادتها معركة مصيرية للحفاظ على آخر الدول العربية تماسكاً، واعادة بناء ما هدّمته التجربة «الاخوانية».
اما «العثمانية الجديدة»، الممثلة برجب طيب اردوغان، فتبدو مصّرة على استخدام كل الاسلحة، تمهيداً لاقامة مناطق عازلة في شمال سوريا وسهل نينوى وكركوك، ولتصفية الحسابات مع الاكراد من بوابة عين العرب (كوباني) السورية، التي يدخل صمود اهلها أمام هجمة العصابات التكفيرية شهره الثاني، والتي باتت النقطة التي اجتمعت عندها كل التعقيدات، وسقطت على جبهاتها الثلاث كل الاقنعة، وتم فيها الفرز بين الصديق والعدو، حتى في الوسط الكردي نفسه، حيث يبدو التناغم الاميركي التركي واضحاً في مسألة المنطقة العازلة، كمقدمة لرسم خطوط تقسيمية جديدة في الوطن العربي، فيما الصديق المشترك للطرفين، مسعود البرزاني، يعطي صك براءة لأردوغان «متفهماً» موقفه من عين العرب، ومسقطاً عنه تهمة دعم «داعش»، ليناقض بذلك وجهة نظر كردية أخرى ومؤثرة، ممثلة بـ«حزب العمال الكردستاني» الذي عاد مجدداً إلى دائرة الاستهداف التركي، على خلفية ما يجري في عين العرب، وهو ما تبدّى بالأمس في الغارات التي نفذتها المقاتلات على مقاتليه العائدين من جبال قنديل الى الداخل التركي المشتعل بالتظاهرات.
ووسط ذلك كله، ما زالت فلسطين متروكة لمصيرها، وقد أدار الكل لها ظهره، فيما يواجه أبناؤها منفردين مشاريع جديدة - قديمة، كلها يصب في المجرى الصهيوني، بدءاً بمخططات الاستيطان والتهويد التي ينتهجها الاحتلال الاسرائيلي - وآخر فصولها تمرير 2160 وحدة استيطانية جديدة في الضفة الغربية والقدس الشرقية قبل اسبوعين وبتسارع - وصولاً إلى شروط المانحين الدوليين، الذين ربطوا اعادة اعمار غزة بتقدم مفاوضات التسوية بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية «حتى لا تذهب الاموال هباءً»، وهو ما ردده اكثر من مسؤول دولي خلال المؤتمر الاخير الذي انعقد في القاهرة الاحد الماضي.
اجتماع التحالف
اجتماع الحرب الاميركي، الذي انعقد في قاعدة اندروز الجوية قرب واشنطن، أراده رئيس اركان الجيوش الاميركية مارتن ديمبسي اجتماعاً استثنائياً، يستهدف تحديد الاستراتيجية المستقبلية ضد تنظيم «الدولة الإسلامية»، الذي تفيد المعطيات الميدانية بأنه لم يتأثر حتى الآن بالضربات الجوية ( 266 غارة حتى نهاية الاسبوع الماضي، بكلفة نحو 62 مليون دولار)، ومناقشة «إجراءات اضافية يمكن ان يتخذها التحالف لإضعاف (داعش) والقضاء عليه نهائياً»، حسبما قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض اليستير باسكي، الذي اشار إلى ان «الاجتماع هو فرصة لمناقشة التقدم (الذي حققه) التحالف حتى اليوم، ومواصلة تنسيق ودمج القدرات الفريدة لشركاء التحالف بشكل كامل».
وشارك في الاجتماع ضباط كبار، بينهم رؤساء اركان، من استراليا والبحرين وبلجيكا وبريطانيا وكندا والدنمارك ومصر وفرنسا وألمانيا والعراق وايطاليا والأردن والكويت ولبنان وهولندا ونيوزيلندا وقطر والسعودية واسبانيا وتركيا والإمارات والولايات المتحدة.
الرئيس الاميركي باراك اوباما، الذي انضم لاحقاً الى القادة العسكريين، اكد بعد الاجتماع أن «هدف التحالف ضد الدولة الاسلامية هو تدميره كي لا يصبح خطراً على المنطقة والعالم»، لكنه اقر بأن «الحرب على داعش ستكون حملة طويلة الأمد بها تقدم وانتكاسات».
وسبق هذا التصريح المقتضب لأوباما بشأن «داعش»، والذي استفاض بعده في حديث عن فيروس «ايبولا»، تأكيد من قبل المتحدث باسم البيت الأبيض جوش ارنست بأنّ الاستراتيجية المعتمدة ضد «داعش» تحقق «نجاحاً»، وتشديده في المقابل على أن أثر الضربات الجوية يضعفه «غياب قوات برية على الأرض يمكنها متابعة تلك الهجمات الجوية من أجل إنهاء ذلك الحصار».
ويفتح حديث ارنست الباب على مصراعيه امام سيناريوهات جديدة يتم تداولها في وسائل الإعلام الغربية، والاميركية بشكل خاص، بشأن التدخل العسكري البري، تحت مسمّيات مختلفة.
كيري ولافروف
وفي موازاة الاجتماع العسكري في واشنطن، كان منزل القنصل الاميركي في باريس يستضيف لقاءً بين وزيري الخارجية الأميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف، اتفقا خلاله على «تكثيف» تبادل المعلومات الاستخباراتية حول «داعش»، حسبما اشار الوزير الاميركي، الذي اكد ان «لا تناقض بين أميركا وتركيا بشأن الاستراتيجية ضد الدولة الإسلامية»، وهو ما أكده الوزير الروسي، وإن بعبارات اقل حماسة، حين قال إن «بإمكان روسيا والولايات المتحدة التعاون بصورة أكثر فعالية في مكافحة الإرهاب».
عين العرب.. و«الكردستاني»
يأتي ذلك، في وقت تدخل معركة عين العرب (كوباني)، اليوم، شهرها الثاني. وفي ظل صمود مثير للدهشة أبداه المقاتلون والمقاتلات الأكراد في البلدة السورية، اكدت «وحدات حماية الشعب» انها تمكنت من صد هجمات مسلحي «داعش» على ثلاث جبهات، مؤكدة أن «المقاومة البطولية لوحداتنا قضت على الأحلام الوردية للمرتزقة»، فيما ذكرت القيادة الأميركية الوسطى، في بيان، أن «طائرات أميركية وسعودية شنت 21 غارة جوية على مقاتلي داعش قرب عين العرب، أدت إلى إبطاء تقدم التنظيم».
ويبدو أن تداعيات معركة عين العرب قد بدأت تتخذ ابعاداً تتجاوز تلك المدينة الصغيرة المحاذية للحدود السورية - العراقية، خصوصاً أن الاكراد في سوريا باتوا يعتبرونها معركة وجودية، في ظل الحديث عن مساعٍ تركية لتصفية القضية الكردية، عبر فكرة «المنطقة العازلة»، التي تستهدف بنظرهم احتلال القرى السورية ذات الغالبية الكردية، كمقدمة لمناطق عازلة في العراق وسوريا، من شأنها أن تكرّس تقسيماً مناطقياً على اسس طائفية وعرقية.
وفي آخر تداعيات معركة عين العرب في الداخل التركي، وفي خضم الانتفاضة الشعبية التي أطلقها اكراد تركيا، وخلفت حتى الآن عشرات القتلى والجرحى، يبدو أن عملية السلام بين السلطات التركية و«حزب العمال الكردستاني» قد دخلت منعطفاً خطيراً، حيث شنت الطائرات التركية غارات على مواقع لمقاتلي «الكردستاني» قرب الحدود العراقية، وذلك للمرة الأولى منذ وقف إطلاق النار الذي أعلنه «حزب العمال الكردستاني» في آذار العام 2013، والذي وصف حينها بأنه الخطوة الاولى على طريق تسوية النزاع التاريخي بين تركيا والاكراد سلمياً.
وسام متى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد