الاصول التاريخية السورية لحكاية هيكل سليمان
الجمل ـ د.فايز مقدسي:
حسب النصوص التوراتية فان بناء الهيكل تم في اواخر القرن العاشر قبل الميلاد .و قد قام ببنائه المهندس المعماري السوري المعروف بالتاريخ باسم حيرام من مدينة صور في لبنان اليوم .و كانت صور عهدئذ مملكة قينيقية يجلس على عرشها الملك حورام السوري.وتقول الحكاية ان سليمان اراد بناء معبد لربه يهوه لأن لا بيت له يسكن فيه كباقي الالهة :( هانذا قد نويت ان ابني بيتا لاسم يهوه الهي / سفر الملوك الثالث )
مع إن النص التوراتي يخبرنا أن يهوه اخبر سليمان أنه يفضل السكن في خيمة " أنني لم اسكن بيتا منذ يوم اخرجت العبرييين من مصر ، بل كنت دائما اسكن في خيمة" و هو أمر يدل على الطبيعة البدوية البعيدة عن العمران لبني اسرائيل (الذين لم يكونوا يعرفون فن الهندسة المعمارية) ، ثم و بعد معاشرة الكنعانيين في فلسطين و التعرف على اسس الحضارة نرى يهوه يطلب بناء معبد له من خشب الارز /سفر الملوك 3 /
بينما كان السوريون القدماء و منذ العصر السومري 3000 سنة قبل الميلاد قد عرفوا فن الهندسة المعمارية و بنوا العديد من المعابد الدينية و الهياكل.و كما ذكرت في بحث سابق فكلمة هيكل هي كلمة سومرية الاصل -GAL و تعني /البيت الكبير / و المقصود المعبد او الهيكل .و هو اسم دخل الى كل لغاتنا القديمة في صيغة /هيكل/ كما انه دخل الى اللغة اليونانية في صيغة/ايجليزيوس/ التي عنها جاءت كلمة /EGLISE/ ايجليز التي صارت تدل على الكنيسة في اكثر اللغات الاوروبية.
إذا عدنا الآن إلى قصة هيكل سليمان فإن النص التوراتي يخبرنا أن الملك السوري الفينيقي حورام استجاب لطلب الملك سليمان و أرسل له المهندس المعماري الحاذق في فنون الهندسة البنائية و صهر المعادن و اسمه / حيرام / الأسم يعني المقدس أو المقدسي ومنه جاء اسم /أهرام/ في المصرية / الذي يقوم ببناء الهيكل مستخدماً اخشاب شحر الارز في غابات جبل لبنان و الكثير من المعادن كمايذكر النص التوراتي و كانت السفن تنقل الاخشاب من شاطئ مملكة /صور/ الى اسرائيل لبناء المعبد.
كما وضع تصميمه الهندسي /حيرام/ بمعرفته البارعة في فن الهندسة المعمارية. غير ان حيرام السوري الشهير يصير فيما بعد اكثر الشخصيات غموضا في التاريخ بسبب التعتيم الذي لفه و لف بناء الهيكل، على ان بعض اسفار التوراة تعلمنا بالاعجاب الكبير الذي كان يكنه اليهود لمملكة صور، ففي سفر اشعيا نقرأ:
صور
ايتها المدينة القديمة قدم العالم
التي تتوج الملوك
انت قلت: انا المدينة الكاملة الجمال. و بناؤوك يا صور اكملوا جمالك
لقد كنزت الفضة كالتراب و الذهب كطين الشوارع (كمايضيف سفر زكريا من التوراة )
هكذا نرى إلى أي حد كانت الهندسة المعمارية السورية تخلب عقول البدو اليهود، كما خلبت فيما بعد عقول العرب بعد اتلال بلاد الشام
اسم /حيرام/ و كما سبق مذكور في النصوص التوراتية ( سفر الملوك الاول و سفر اخبار الايام الثاني) و نستقيد مما هو مذكور عنه أنه قام بتصميم و بناء هيكل سليمان مستخدما خشب الارز كما سبق و لهذا الامر دلالة كبيرة كما سوف نرى حسب المرويات الاخرى و النادرة فان /حيرام/ كان رمز الانسان-الفنان او الصانع او الحرفي المعلم في فن البناء و كان ، كما تذكر بعض كتب الكيمياء القديمة يجهد عن طريق هندسة البناء المعمارية للوصول الى الانسجام بين الاشكال و الالوان و الخشب و الحجر و المعدن , و هو امر طمح إليه الكيميائيون القدامي عن طريق دمج المعادن و تحويلها إلى ذهب رمزيا على الأقل للوصول إلى العصر الذهبي الذي يطمخ اليه الانسان منذ وجد و الذي اطلقت عليه بعض الاديان اسم الجنة.
إن خبرة حيرام العظمى في فن الهندسة المعمارية ، و كما تذكر الحكايات، قد أثارت غيرة بعض اليهود الذين كانوا يعملون بامرته و ارادوا ان يعلمهم فن الصنعة ، مما يدل على بدوية اليهود حتى ذلك العهد و عدم معرفتهم فن البناء و هو أمر يخص عرب شبه الجزيرة العربية ايضا الذين لم يخلفوا بناء هندسيا له اهمية
غير أننا نعلم من النصوص السومرية القديمة أن فن الكتابة و الهندسة و البناء و الموسيقى و النحت كان اصحابه يشكلون ما نسيميه اليوم نقابه و الذي كان انذاك شبه جمعية سرية تضم المختصين في كل مجال من تلك المجالات فلا يطلعون على اسراره سوى المريدين الذين يقسمون قبل الانتساب بعدم البوح باسرار الصنعة لاحد . لما رفض حيرام على عادة اجداده السوريين القدماء كشف اسرار هندسة البناء لليهود فقد تم اغتياله و دفنه في مكان لا يزال مجهولا الى اليوم. و العبارة التي قالها الذين اغتالوه شهيرة و فيها دلالة :/ فليكن دمه على سليمان بن داود / و هذا كلام يدل صراحة ان سليمان قد امر بقتل حيرام و التخلص منه حتى لا يعرف احد اسرار بناء الهيكل و من بناه . و هكذا يقول اليهود فيما بعد انهم بنوا الهيكل . هكذا يكون حيرام قد ضحى بنفسه على الطريقة السورية في سبيل الحضارة البشرية و لم يقبل ان يستولي البدو عليها مما دفع البعض الى مقارنته بالمسيح في عدائه الشديد لليهود و لشريعة موسى البدوية ، المسيح الذي افتدى العالم و البشر بنفسه حسب الاعتقادات المسيحية
و هناك مختصون كثرون جعلوا من حيرام رمزا للرب السوري الذي يموت و يبعث من جديد كما في انموذج البعل و دموزي و تموز و ادونيس .و هو الاله الذي يقبل الموت لخلاص البشر عن طريق تجدد دورة الطبيعة. و هكذا اكتسب حيرام صفة القداسة واصبح/ محرم او مقدس / و يبدو ان اسمه حيرام اصبح فيما بعد لقبا يدل على ماهو محرم او مقدس . حيرام استشهد في سبيل الدفاع عن المعرفة البشرية التي أذا وقعت في ايدى اهل الصحراء البدو و الجهلاء يشوهون صورتها و يحيلونها الى خراب .
و لقد عكفت على تحليل اسم حيرام لغويا فوجدت أنه من جذر /حرم/ أي ما هو محرم و مقدس كما سبق.و كلمة حرم تطلق و حتى اليوم على كل بناء أو صرح فيه صفة القداسة كما نقول / جبل /حرمون/ في سوريا اي الجبل المحرم أو المقدس و لاشك أنه كان يوجد فيه صرحا مقدسا أو كان يعتبر مقام للقوى السماوية، و كذلك جبل /صفون/ على شاطئ المتوسط في سوريا قرب مملكة اوغاريت القديمة ،و اسمه /صفون/ يأتي من جذر /صفا/ أي صار نقيا لأن الصفاء يدل على التأمل .و الذي يصفن يصل الى الحكمة اي صفاء العقل و الذهن و القلب .كما ان جبل /صفون/ كان عند السوريين القدماء مكان اقامة السيد البعل كما نعلم من نصوص اوغاريت 2000 سنة قبل الميلاد و التي ترجمت الى اكثر لغات العالم باستثناء العربية التي لم ينقل اليها من نصوص اوغاريت سوى القليل و على نحو فردي (انا شخصيا ترجمت منها إلى العربيةالنصوص التالية:
البعل و الموت
البعل و عنات
معبد او قصر البعل
ملحمة الملك دانييا
ملحمة الملك كيرت
و سوف نلاحظ ايضا أن اسم / حيرام/ اذا تم ابدال الحاء الذي لا يوجد باليونانية قد تحول الى اسم شهير هو / هرم/ و اذا اضفنا اللاحقة اليونانية /س/ التي تحلق اسماء العلم اليونانية يصير الاسم / هرمس/ الذي تعتبره الكتب القديمة بمثابة المعلم الاول لكل الفنون و العلوم و بشكل خاص فن الكيمياء القديم.
كما اننا نحصل بدون حرف السين على اسم/هرم/ الذي يدل على الاهرامات في مصر و التي كانت تعتبر محرمة لأن اجساد الملوك الفراعنة كانت تدفن فيها. و ملك صور يصف حيرام قبل ارساله لبناء الهيكل بأنه: رجل من صور ماهر في صناعة الذهب و الفضة و النحاس و الحديد و الخشب و الارجوان....و يعرف فن نقش كل نوع من النقش و اختراع كل اختراع
و نجد في هذه الكلمات صورة المبدأ المعماري الهندسي السوري القديم كما تصفه النصوص السومرية ـ الكنعانية ـ البابلية على انه إعادة تصوير الكون هندسيا على المثال السماوي على الارض لأن كل ماهو قائم في السماء له ما يقابله على الارض كما تقول نظرية التطابق السماوي الارضي السومرية الجذور .
الآن هل حكاية بناء هيكل سليمان كما تقصها التوراة و التي لا تذكرها نصوص اخرى صحيحة ؟
لو تعمقنا في النصوص التاريخية السورية القديمة فأننا سوف نعثر على اصل الحكاية و سوف نجد أن حكاية هيكل سليمان إنما هي مقتبسة حرفيا عن حكاية بناء هيكل البعل السوري كما تاتي في نصوص اوغاريت. و كذلك نشيد الانشاد المنسوب إلى سليمان إنما هو مقتبس بدوره عن اناشيد الحب السومرية و الكنعانية.
و من الغريب أن كل العلماء الذين عملوا و يعملون في مجال قراءة و ترجمة نصوص اوغاريت السورية لم ينتبهوا لذلك التشابه و لم يشيروا ابدا إلى ذلك لا من بعيد و لا من قريب و إلى القارئ ما تقصه حكاية معبد أو هيكل البعل و التي نقلتها انا شخصيا إلى العربية و صدرت عن منشورات ابجدية في دمشق هذه القصيدة الشعرية الكنعانية اللغة وجدت في انقاض مملكة اوغاريت منقوشة بالابجدية المسمارية السورية على لوح كبير وصل إلينا محطما بعض الشئ و تم اكتشافه سنة 1930-1931.
و ذلك الكسر يجعل قراءة النص غير مكتملة.و لكننا نفهم من محنوى النص أن السيد البعل يشتكي من أن لا معبد أو هيكل له كما لباقي القوى السماوية.
وبعد احداث كثيرة يقوم المهندس المعماري السوري الكبير/ كوثر-حسيس/ ببناء هذا الهيكل للبعل و ذلك بعد الحصول على الموافقة الالهية/الله/. و بعد موافقة السيدة /عشيرة/ أم قوى السماء على الموضوع بعد أن قدم لها البعل الكثير من الهدايا التي صممها /كوثر-حسيس/, و سوف نرى أن /المهندس الحاذق /كوثر -حسيس/ يقوم بدوره و قبل /حيرام و سليمان بزمن طويل ببناء المعبد او الهيكل للبعل مستخدما ، و كما فعل /حيرام/ ،اخشاب شجر الأرز التي ياتي بها الى /جبل صفن/ حيث سيبني الهيكل من جبل لبنان، و من جبال لبنان الشرقية إضافة إلى العديد من المعادن التي كان يعرف سر صهرها و الكثير من الاحجار الكريمة لتزيين الهيكل.
و هكذا نرى و كأننا نقرأ حكاية بناء هيكل سليمان المزعوم بعد الانتها من بناء الهيكل يفتتح البعل مقره الجديد و يقيم مأذبة كبرى يدعوا اليها جميع قوى السماء . و يعد البشر بانه لن يقطع المطر عنهم ابدا..و الى القارئ بعض مقاطع القصيدة:
البعل يئن و يشكو
يرفع صوته الى ابيه الله
الى الله ملك السماوات الذي خلقه و كونه
............................
يقول شاكياً
ها اني و انا السيد البعل
ليس لي مسكن اقيم فيه
ككل قوى السماء
ليس عندي بيتا تسكن فيه بناتي الثلاث
بدرية / سيدة النور
طليتا/ سيدة الطل و الندى
ارصي/ سيدة الارض
.............................
كوثر -حسيس
يبدأ العمل لبناء هيكل البعل
يمسك الملاقط
يشعل النار
يذوب الاف المثاقيل من الفضة
و يصهر الاف المثاقيل من الذهب
يصنع عرشا فوقه قبة
يصنع قاعدة مزينة بالفضة و الذهب
و يصنع طاولة
هدايا للسيدة /عشيرة/ ام القوى السماوية
فتقول عشيرة و بعد الامر الالهي
سوف يعطيكم البعل المطر
و سوف لن يبخل عليكم بالمياه
سوف يرعد بين السحب و الغيوم
ابنوا له دارا
ابنوا له هيكلا من اخشاب الارز من جبل لبنان
من الحجارة
احملوا له الرياش
ايها البعل سوف تعطيك المناجم فضة كثيرة
و كثيرا من الذهب
هيكلك سوف يبنيه /كوثر حسيس/ من خشب الارز و من الفضة و الذهب و الاحجار الكريمة
فقال البعل لكوثر المهندس المعماري
عجل يا كوثر في بناء هيكلي
على مرتفعات جبل صفون
و ليكن واسع المساخة
هيا احملوا خشب اشجار الارز من جبل لبنان
اشعلوا النار و اصهروا المعادن
و لما انتهى كوثر من بناء المعبد او الهيكل
اقام البعل وليمة عظمى
دعا اليها كل قوى السماء
الذين اكلوا ثم شربوا في كؤوس من ذهب
خمراً هو دم الاعناب
و شعروا بالسعادة و الرضى
....................................................
هذه المقاطع تبين كيف أن كتاب التوراة اقتبسوا أو سرقوا النص و جعلوه حكاية بناء هيكل سليمان و هو البناء الذي اصبح فيما بعد المسجد الاقصى و قبة الصخرة، و المؤكد أن المكان الذي اختاره حيرام لبناء الهيكل في فلسطين و الذي ليس لسليمان علاقة به كان فيما مضى معبدا كنعانيا مقدسا في فلسطين تدمر مع الزمن و بفعل الحروب أو الغارات البدوية و اعاد الكنعانيون الفلسطينيون تجديده على يد حيرام الكنعاني و لا علاقة لسليمان به و انما تم تحريف الحكاية ليصبح سليمان هو الذي امر ببنائه و ليتم اضافة الصبغة اليهودية عليه كما تم اضافة الصبعة الإسلامية على المكان بعد انتشار الاسلام في المنطقة خاصة و إن النص الإسلامي يقول أن النبي محمد زاره اثناء رحلته السماوية المعروفة بالإسراء و المعراج.
هكذا نجد أن أصول البناء الذي نتحدث عنه اقدم من كل الاديان التي توصف بالتوحيدية، هكذا نلاحظ إنه بعد بناء ذلك الهيكل حل حيرام مكان كوثر الذي بنى معبد أو هيكل أو بيت البعل و بنفس الطريقة كما رأينا في نص القصيدة الكنعانية السورية . بعد انتشار العرب المسلمين في المنطقة اصبح اسم المكان الذي كان هيكل سليمان المسجد الاقصى و الذي و حسب الروايات المضحكة بناه ابراهيم و بين ابراهيم و سليمان ، و اذا صدقنا كل ذلك ، أكثر من الف سنة و المعروف تاريخيا أن الملك الاموي عبد الملك بن مروان أو ربما الوليد بن عبد الملك هو الذي اقام بناء ما يسمى اليوم المسجد الاقصى..
أما كيف زار النبي المكان و سماه المسجد الاقصى قبل أن يتحول الى المسجد الاقصى بحوالي قرن من الزمن، فان الإجابة على هذا السؤال تستحق بحثا خاصا..
إضافة تعليق جديد