ديفيد ماكوفيسكي: سورية هي الملف الرئيسي في زيارة بوش
الجمل: في قراءة جديدة لفت اليهودي الأمريكي ديفيد ماكوفيسكي (خبير اللوبي الإسرائيلي والباحث المختص في شؤون عملية سلام الشرق الأوسط بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى) الأنظار إلى أن زيارة بوش إلى إسرائيل لن تكون حصراً متعلقة بالملف الفلسطيني والملف الإيراني، بل ستكون سوية الملف الرئيسي في هذه الزيارة.
* محور واشنطن – تل أبيب: إشكالية العامل السوري:
يقول ماكوفيسكي أن دمشق بقيت واحدة من المسائل الخلافية بين واشنطن وتل أبيب لجهة أن كل منهما ينظر إلى دمشق بشكل مختلف حيث أن الذين يضغطون في إسرائيل من أجل إحياء مسار السلام مع سوريا فشلوا في التعرف على طبيعة وأبعاد مشكلة واشنطن ولم يتحققوا من أن حل مشكلة الخلاف السياسي بين واشنطن وتل أبيب يمكن أن يوجد في بيروت.
• النظرة العامة تقول بأن واشنطن ترفض قيام تل أبيب بعقد محادثات مع دمشق وذلك لأن سوريا مدرجة لدى واشنطن ضمن "محور الشر".
• واشنطن لا تسعى إلى العداء المطلق مع سوريا بسبب الإرهاب، وقد أكدت تجربة أنابوليس أن واشنطن تعرف متى يكون مفيداً توجيه الدعوة إلى سوريا من أجل مؤتمر السلام.
• وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس تعتقد بأن مشاركة السوريين في أنابوليس من الممكن أن يؤدي إلى تقليل الإرهاب.
* منظور اللوبي الإسرائيلي الجديد: معطيات جديدة:
اللافت للنظر في تحليل ديفيد ماكوفيسكي لموقف واشنطن المناوئ لدمشق، والمعارض والمعرقل إحياء محادثات السلام بين سوريا وإسرائيل يتمثل في محاولته هذه المرة توظيف العامل اللبناني، ومحاولته استخدام هذا الملف لتقديم تفسير جديد لتوترات أضلاع مثلث دمشق – تل أبيب – واشنطن.
يقول اكوفيسكس بأن غضب واشنطن من دمشق تعود أسبابه إلى لبنان وتحديداً قيام دمشق بسد الطريق أمام تسمية الرئيس اللبناني الجديد، على النحو الذي دفع الرئيس بوش إلى التصريح قائلاً بأن صبره قد نفذ إزاء دمشق وجهودها الهادفة إلى تقويض استقرار لبنان. وفي محاولة لتفسير اهتمام واشنطن بلبنان، يقول ماكوفيسكي بأن واشنطن تنظر إلى لبنان باعتباره يمثل مدى النحجاح الباهر لتوجهات السياسة الخارجية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، لأن واشنطن ليس لها سوى عاصمتين:
• بغداد: وترى واشنطن بأن ثمة نجاحاً عسكرياً قد تحقق على يد الجنرال بتراوس قائد القوات الأمريكية في العراق، وبرغم ذلك فإن الحرب في العراق لم تنتهي بعد، لإصدار حكم بالنجاح النهائي.
• بيروت: ترى واشنطن بأن بيروت تجسد قصة نجاح السياسة الأمريكية في المنطقة، لأنها نجحت في إخراج القوات السورية منه بعد فترة وجود امتدت نحواً من 29 عاماً، وأعقب ذلك الخروج صعود حكومة ديمقراطية موالية للغرب.
يشير ماكوفيسكي إلى أن بعض الإسرائيليين يزعمون بأن خروج سوريا من لبنان ليس بفعل تأثير أو نجاح دبلوماسية واشنطن – باريس – الرياض، وإنما بسبب تداعيات عملية اغتيال الزعيم المحبوب لبنانياً رفيق الحريري، على النحو الذي أدى إلى تحالف وتكتل العناصر اللبنانية غير الشيعية، وكل ما فعلته واشنطن هو استغلال وتوظيف الظروف الناشئة في الدفع باتجاه خروج سوريا من لبنان. إضافة لذلك، لما كان مبدأ بوش المتعلق بنشر الديمقراطية في الشرق الأوسط قد أصبح خطاباً ميتاً بعد أن جاءت الديمقراطية بحركة حماس في الأراضي الفلسطينية عبر صناديق اقتراع كانون الثاني 2006م، فقد باتت تنظر إدارة بوش إلى لبنان باعتباره المكان المتاح لها فرصة تحقيق النجاح فيه والمضي قدماً في سياستها الخارجية المتعلقة بديمقراطية الشرق الأوسط. وأشاد ماكوفيسكي إلى أن بوش لم يتحدث في الآونة الأخيرة كثيراً عن نشر الديمقراطية في الشرق الأوسط كما كان يفعل من قبل عند بدء فترة ولايته الثانية عام 2005م، ولكنه في أحد مؤتمراته الصحفية الأخيرة تحدث عن الأهمية الفائقة لاستمرار الديمقراطية في لبنان.
* مشكلة الإدراك الإسرائيلي من وجهة نظر ماكوفيسكي:
يقول ماكوفيسكي ملخصاً مشكلة الإسرائيليين إزاء إدراك توجهات واشنطن تجاه دمشق في الآتي:
• لم تفهم إسرائيل وتدرك كيف ينظر بوش إلى النجاح في لبنان.
• لا يعي الإسرائيليون أن البعض في إدارة بوش يعتقدون بأن على إسرائيل عدم القيام بمقايضة النجاح في لبنان مقابل صفقة في الجولان.
بكلمات أخرى، فإن ثمة أعضاءً في إدارة بوش يعتقدون بأن إسرائيل لن تتردد في "بيع" لبنان إلى دمشق مقابل السلام معها، وبالتالي فإن أي محادثات سلام سورية – إسرائيلية ينظر إليها هؤلاء الأعضاء باعتبارها أمراً ينطوي على الكثير من المخاطر التي تهدد نجاح السياسة الخارجية الأمريكية في لبنان. وأضاف ماكوفيسكي قائلاً بأن البعض في واشنطن يرى أن إسرائيل لم تقم علناً بنفي الفكرة المتعلقة ببيع لبنان على أساس اعتبارات أن عدم النفي الإسرائيلي في حد ذاته ينطوي على البرهان والدليل بأن تل أبيب من الممكن أن تقوم بعقد صفقة مع دمشق بالخصم من حساب لبنان. وأضاف ماكوفيسكي قائلاً بأن صمت تل أبيب قد تم تفسيره "سلباً" في واشنطن وليس مجرد إغفال أو تجاهل.
* محور واشنطن – تل أبيب: إشكالية العامل اللبناني:
يقول ديفيد ماكوفيسكي بأن واشنطن وتل أبيب تعاملا معاً بشكل وثيق في سلسلة من القضايا والمسائل، ولكن بعض المشاكل والمسائل أصبحت تمثل إشكالية أمام تعاون محور تل أبيب – واشنطن ولبنان هو أحد هذه المسائل الإشكالية:
• أثر لبنان على الطريقة التي تنظر بها واشنطن إلى المحادثات مع سوريا.
• أنكرت إدارة بوش أنها تمارس "حق الفيتو" في علاقات محور واشنطن – تل أبيب من أجل عرقلة ومنع محادثات سلام دمشق – تل أبيب.
ويرى ماكوفيسكي بأن إنكار إدارة بوش لممارسة "حق الفيتو" لعرقلة محادثات سلام دمشق – تل أبيب هو إنكار مقصود ومدبر سلفاً، وفي معرض الدلالة على ذلك يشير ماكوفيسكي إلى الواقعتين التاليتين:
• سأل أحد الصحفيين الإسرائيليين الرئيس بوش حول حقيقة هذا الـ"فيتو" الأمريكي، فأجابه الرئيس بوش "بحرص واهتمام" قائلاً بأنه لا يوجد مثل هذا الفيتو.
• علق مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى في مجلس الوزراء الإسرائيلي على إجابة بوش قائلاً بأنه استناداً على لهجة بوش، فإنه يشبه الأب الذي يقول لطفله بإمكانك أن تذهب وتلعب في الشارع العام المكتظ بحركة المرور إذا كنت راغباً في ذلك. وأضاف المسؤول الإسرائيلي قائلاً بأن تل أبيب لا ترى ضوءاً أخضر في إجابة بوش.
* اقتراحات تل أبيب المحتملة لإخراج واشنطن من "عقدة" دمشق:
يقول ماكوفيسكي بأنه من الواضح واستناداً إلى الحقائق والمعطيات التي لامسها من خلال رحلته الأخيرة إلى تل أبيب ضمن بعثة معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، فإنه لاحظ ما يلي:
• أصبح واضحاً أن رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت والمؤسسة الأمنية الإسرائيلية يعتقدون بقدر كبير أن من المفيد والمجدي استكشاف إمكانية القيام بإحداث اختراق سلام مع سوريا على النحو الذي يمكن أن يؤدي إلى:
* إضعاف قوة ونفوذ إيران في المنطقة.
* إضعاف الفصائل الفلسطينية الرافضة المتشددة.
* إضعاف وإزالة قنوات نقل السلاح إلى حزب الله اللبناني.
* أبرز تساؤلات واستنتاجات ديفيد ماكوفيسكي:
أشار ماكوفيسكي في نهاية تحليله قائلاً بأنه توجد العديد من التساؤلات عن مدى رغبة وقدرة سوريا على إعادة توجيه سياستها الإقليمية بعيداً عن المربع الذي يتكون من طهران ودمشق وحركة حماس وحزب الله، وذلك كجزء من صفقة السلام مع إسرائيل. ويقول ماكوفيسكي بأن ثمة تساؤلاً يترتب على ذلك، وهو كيفية التحقق والاختبار من ضمان مصداقية دمشق في القيام بإعادة توجيه سياستها الإقليمية لأن التحقق والاختبار هما الوسيلة الوحيدة لتقليل "مخاطر" عدم قيام دمشق بذلك.
ويعلق ماكوفيسكي قائلاً بأن سوريا ترى في المحادثات مع إسرائيل وسيلة لتحسين علاقات دمشق – واشنطن، ولكن محادثات دمشق - تل أبيب لن تحدث طالما أن واشنطن على خلاف مع تل أبيب. وبعد ذلك يقترح ماكوفيسكي خبير اللوبي الإسرائيلي قائلاً:
• الخطوة الأولى: التوحيد والربط بين واشنطن وتل أبيب ضمن منظور أن غضب واشنطن من دمشق سببه لبنان.
• الخطوة الثانية: أن تؤكد تل أبيب بوضوح لواشنطن بأن لبنان يمثل "الخط الأحمر" الذي يجب الالتزام بعدم الاقتراب منه في محادثات سلام دمشق – تل أبيب.
• الخطوة الثالثة: أن تعلن إسرائيل بأنها سوف لن تقوم بالتضحية بلبنان على مذبح السلام مع سوريا.
ويختتم ديفيد ماكوفيسكي خبير اللوبي الإسرائيلي الأول في شؤون عملية السلام في الشرق الأوسط تحليله بالملاحظة التي قال فيها بأن المحادثات المعلنة وغير المعلنة بين بوش وأولمرت الجارية في إسرائيل من أبرز مهامها وأهدافها الحفاظ على الثقة بين واشنطن وتل أبيب حول كيفية قيام إسرائيل بمحادثات السلام مع سوريا، وبرغم أن تنسيق واشنطن – تل أبيب لن يستطيع تأمين حصول إسرائيل على السلام مع سوريا إلا أن التنسيق في حد ذاته يعتبر أمراً لازماً وأولوية ضرورية.
عموماً، تبدو الـ"مراوغة" واضحة في تحليل ماكوفيسكي الذي يعتبر المصدر الرئيسي الذي يزود إيليوت إبراهام (نائب مستشار الأمن القومي الأمريكي) وديفيد وولش (نائب وزيرة الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأوسط) ليس فقط بالمعلومات حول الأوضاع في الشرق الأوسط وإنما أيضاً بالخطط والتوصيات التي تحدد توجهات ومسارات سياسة الخارجية الأمريكية الشرق أوسطية، وتوجهات إستراتيجية مجلس الأمن القومي الأمريكي إزاء الشرق الأوسط، فهل يتم الاتفاق بين أولومرت وبوش على صيغة تضمن التقيد بمشروطية "الخط الأحمر" الذي أشار إليه ماكوفيسكي؟ ولكن، حتى وإن حدث ذلك، فإن إسرائيل لم يحدث أن احترمت مبدأ الخطوط الحمراء أو الخضراء أو الزرقاء، وتأسيساً على مبدأ إدراك وفهم الإسرائيليين لمبدأ أن السياسة هي فن الممكن، فإن تل أبيب ظلت تتمتع بالقدرة الفائقة على القيام بإعادة طلاء الخطوط الحمراء وتحويلها إلى خضراء وزرقاء وربما صفراء باهتة ولإقناع واشنطن بذلك فإن تل أبيب ظلت أيضاً تعرف الكيفية التي تدير بها رؤوس البيت الأبيض، والإدارة الأمريكية، والكونغرس الأمريكي.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد